ربيع تعرّي الحقائق في أمريكا.. الجامعات تنتفض من أجل غزّة والصهيونية تستنفر شياطينها

منذ البدء، كانت لعبة الضغط المالي خيارًا استراتيجيًّا للجامعات الأمريكية في فرض منطقها، وبسط إرادتها في مواجهة تنامي النزعة “الثورية” لدى الطلاب والأساتذة الأحرار، الذين أبدوا كامل دعمهم للشعب الفلسطيني في مقاومته الشريفة للآلة الإرهابية الصهيونية الأمريكية.. لكن أن تتحوّل القضية من خيار الضغط، إلى ممارسة القمع، فإلى الجهر بالتهديد والترهيب من قبل الاستخبارات الصهيونية الأجنبية، فإنّ المسألة تكون قد أخذت منحى خطيرًا، ليس بحق المتظاهرين والرافضين الأمريكيين فحسب، وإنّما بحق السيادة المسبقة والريادة المطلقة للدولة الأمريكية ذاتها.

اهتزّ الشارع الأمريكي إذًا، واندلعت المظاهرات الرافضة للصّلف الصهيوني في غزّة وفلسطين، عبر كبريات الجامعات الأمريكية، انطلاقًا من جامعة كولومبيا. لم يكن الانفجار مفاجئًا وإنّما جاء كتحصيل حاصل لحالة الاحتقان المتزايد بسبب الضغط الذي سببته السياسة الأمريكية المتصهينة والمؤيدة للجرائم ضد الإنسانية المقترفة من قبل مسوخ الأرض عصابات الكيان الصهيوني، وبدعم لوجيستيكي وعسكري وسياسي من قبل المؤسسات الدستورية للولايات المتحدة؛ من البيت الأبيض إلى الكابيتول فالبنتاغون فـــ”فوجي بوتوم” (كتابة الدولة للخارجية).

كانت البدايات بمسيرات وتظاهرات وتجمّعات رافضة للحرب والعنف، حيال ما يحدث في قطاع غزّة على وجه الخصوص، لتتطور بمرور أيام المذبحة وما يشهده الميدان من تصعيد، وتعمّ عددًا من الجامعات الأمريكية المرموقة، استعمل خلالها الطلبة كل أنواع الرفض والاحتجاج؛ أرتال من الدراجات النارية الرباعية.. مخيّمات اعتصام في كل الساحات.. مسيرات يومية وشعارات ورايات وأعلام.. والمفاجئ في كل ذلك، هو عرض فيلم “معركة الجزائر” (The Battle of Algiers) للطلبة الأمريكيين المعتصمين في باحات الجامعات.. وقد قال أحد الطلبة من أصحاب الفكرة، أنّهم قاموا بهذا العمل حتى يتم تحفيز الطلبة ورفع معنوياتهم من خلال مشاهد هذا الفيلم الثوري الواقعي العظيم. كل ذلك، تعبيرًا عن الغضب العارم والإحباط العميق، من تواصل الحرب التي يشنّها الكيان الصهيوني على أهل غزة، وما خلفته وتخلفه يوميًّا من أزمات وتداعيات إنسانية فظيعة، لم تشهد البشرية مثلها إلّا نشازًا.

وخوفًا من خروج الأوضاع عن السيطرة، وعوض أن يراجع المسؤولون الأمريكيون حساباتهم ومواقفهم من الصلف الصهيوني، خرج رئيس مجلس النواب الأمريكي “مايك جونسون” على المتظاهرين مهدِّدًا بإمكانية اللجوء إلى نشر وحدات الحرس الوطني، لفض الاعتصامات وإنهاء حالة الرفض والتظاهر.. بيد أن تداعيات خرجة الجمهوري “المتعجرفة”، جاءت على غير ما كان يأمل ويتمنى ومن معه من الصهاينة الأمريكان، فقد حرَّكت المشاعر الأليمة الكامنة لدى الأمريكيين، والتي لا تزال تستذكر ضحايا المظاهرات المناهضة لحرب فيتنام العام 1970م، حيث قُتل الكثير من الطلبة وسقطوا برصاص عناصر الحرس الوطني الأمريكي.

تصريح “مايك جونسون” أو بالأحرى تهديده، كان سببًا مباشرًا في تأجيج المواجهات وتمدّد الحراك الطلابي، وإذكاء نار التمرّد أكثر وأكثر، فقد وصلت المظاهرات إلى جامعة جنوب كاليفورنيا التي لم تكن على الخط من قبل، ثم جامعة تكساس، حيث وقعت فيها مواجهات شرسة بين الطلبة وعناصر الشرطة الذين كانوا مجهزين بوسائل مكافحة الشغب، والتي أدّت إلى اعتقال أكثر من عشرين طالبًا.

منذ اندلاع موجة الاحتجاجات الثانية، من حرم جامعة كولومبيا في نيويورك، أين قامت إدارة الجامعة باستدعاء الشرطة لمواجهة المحتجّين، وهو التدخل الذي أدّى إلى مشادات عنيفة أفضت إلى اعتقال العشرات من الطلبة، متهمين إياهم بــ “معاداة السامية”.. رغم كل ذلك، لم تتوقّف الاحتجاجات ولم تخفت، بل على العكس من ذلك، فقد ارتفعت وتيرتها وتمددّ تأثيرها وذاع صيتها، كما لم يحدث ذلك منذ حرب فيتنام. فحتى المحلّلون الأكثر حضورًا ومصداقية، قد أجمعوا على أنّه الحراك الأشمل والأوسع، وأنّه الحدث الاستثنائي الذي هزّ الأمريكان، في شكل رسالة شديدة “اللهجة” للقيادة الأمريكية كي تعيد النظر في سياستها ومواقفها.

ورغم أن أصواتًا أمريكو – صهيونية قد ارتفعت من هنا وهناك، وراحت توزّع التّهم على المتظاهرين بمعاداة السامية، فإنّ الرّدود جاءت صريحة فاضحة وقوية، بأن أكدت على وجود الكثير من اليهود أساتذة وطلابًا من بين المتظاهرين المناهضين للجريمة والصّلف والتملّص من المحاسبة والعقاب، علاوة على مواقف الكثير من المسؤولين المعارضين لسياسة الرئيس “بايدن” والبيت الأبيض، والذين لم يخفوا امتعاضهم وعدم رضاهم عمّا تقوم به القوات الصهيونية في غزّة.

ولذلك ندّد الكثير من الأكاديميين بقرار إدارة جامعة كولومبيا، ولجوئها إلى طلب تدخّل الشرطة ضد الطلاب المتظاهرين سلميًّا داخل الحرم الجامعي، خاصة وأنّ الشعارات التي رُفعت كانت كلها تدعو إلى وقف حرب الإبادة بحق الفلسطينيين وفرض السلام، ولم يطالبوا أبدًا بالانتقام من اليهود أو إبادتهم، كما حاولت الإدارة إشاعة ذلك.

من الكيان الصهيوني، صرّح المختل المجرم الــ “نتن-ياهو”، ووصف حراك الطلبة الأمريكيين داخل الجامعات بأنه “معادٍ للسامية”، كما شبّه الوضع بما كانت عليه ألمانيا زمن ثلاثينيات القرن الماضي، أي قبيل الحرب العالمية الثانية، في تحذير ضمني للأمريكان من مغبّة المآل الألماني، مطالبا حلفاءه وأنصاره في الإدارة الامريكية بضرورة إدانة سلوك الطلبة الجامعيين، داعيًا المسؤولين المحليين والفدراليين إلى التدخّل حينًا وعنوةً لوضع حدٍّ لما يحدث.. في تجاوز وقح للأعراف والتقاليد الدبلوماسية، مُظهِرًا للعالم وكأن الولايات المتحدة الأمريكية مجرد ضيعة سائبة في ملك أمِّه يخوض فيها متى شاء وكيف ما يشاء.

مرتزق الجهاز الإرهابي المُسمّى بالـ “موساد”، من جهته لم يتحفَّظ ولم يتلكّأ وهو ينشر على صفحة مؤسسته الاجرامية وبكل عنجهية وصلف، رسالة تحريضيّة تهديديّة بحق المتظاهرين، من دون أدنى احترام ولا تقدير لحدود اللّباقة وأصول اللّياقة وأعراف الدبلوماسية.. ناهيك عن الحملة الإعلامية الصهيونية المسعورة ضد حراك الطلبة الشريف، لا لشيء، إلّا لأنّهم أدركوا فعلاً وشعروا بحقيقة الخطر الذي يترصَّدهم في كل مكان، بغضّ النظر عن نتائج الحرب على غزّة.

جهاز مخابرات الكيان الصهيوني، الــ “موساد” سيّء السمعة والأثر، وصاحب التاريخ الطويل الحافل بالجرائم والاغتيالات العابرة للأوطان والقارات، يدرك بأنّ حراك الطلبة الأمريكيين سيعرّي حتمًا الوجه البشع للكيان الصهيوني، وسيقدّمه للعالم كما هو من دون مساحيق، على أنّه كيان ساقط مارق لم يكن عدوًّا للفلسطينيين والعرب فقط، وإنّما هو كيان مسخ لقيط عدو للبشرية برمّتها.. عدوٌّ للأخلاق والقيم والفضيلة.. عدو للحق والعدل والمنطق والسلام.

ولذلك، فهو، أي الـ “موساد”، يريد أن يمرِّر رسالة ضمنية لنشطاء الحراك الأمريكي، بأن لو فكَّر أحدهم في أن يكون صديقا للفلسطينيين، على حساب سمعة “الكيان الصهيوني” وجيش الإبادة وعصابات المجرمين، فإنّه سيجد نفسه على قوائم الملاحقة، وتحت سيف التهديد والاستهداف.

الطلبة الأمريكيون والمثقفون وكلّ أحرار العالم، يدركون بأنّهم في مواجهة كيان مسخ بلا شرف ولا كرامة ولا أخلاق ولا إنسانية، وبالتالي فهم في حالة استنفار عارمة، إلى أن يتمّ تحجيم هذا الكيان، وقطع أذرعه في العالم، حتى تستريح البشرية من شرّه وعدوانه، ذلك أنّ مجرد وجوده على الخارطة السياسية للعالم يُعتبر تشويهًا للحقائق وإهانة للواقع.. وعليه، فالمجد لطلاب الجامعات الأمريكية.. المجد لأحرار جامعات كولومبيا وهارفارد ونيويورك وبراون وكاليفورنيا وتكساس وغيرها، واللعنة الأبدية للكيان الصهيوني، والخزي والعار للمهرولين والمطبّعين من حلفاء الشيطان.

مصطفى بن مرابط - الجزائر

مصطفى بن مرابط - الجزائر

كاتب في الأيام نيوز

اقرأ أيضا