تشهدُ العلاقات الجزائرية-الفرنسية خلال الفترة الأخيرة، حالةً من التوتر المتصاعد، بلغت حدّ وصفها من قبل العديد من المتابعين بأنها أزمة غير مسبوقة بين البلدين.
وفي هذا الإطار، حرص رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، خلال لقائه الدوري مع الصحافة الوطنية الذي بُث سهرة أمس السبت، على توضيح موقف الجزائر من الخلاف القائم، واضعًا النقاط على الحروف، وموجهًا رسائل مباشرة إلى من يهمه الأمر في باريس.
وقد وصف المسؤول الأول في البلاد، الخلاف الراهن بين الجزائر وفرنسا بأنه “مفتعل بالكامل”، معتبراً الضجة التي أُثيرت حوله في الساحة السياسية الفرنسية “مجرد فوضى وجلبة مفتعلة”، بعيدًا عن أي أسس واقعية متينة.
بين الحزم والدبلوماسية.. الرئيس تبون يوّجه رسائل مزدوجة إلى قصر الإليزيه
وفي قراءة لهذه التصريحات، يرى الباحث الجزائري في الشؤون الدولية، عبد الرحمان بوثلجة، أن الرئيس تبون عبّر بدقة عن حقيقة الوضع، فبحسبه، فإن التصعيد الذي تقوم به بعض الأوساط الفرنسية تجاه الجزائر، لا يستند إلى أسباب منطقية أو مبررات حقيقية، حتى القضايا التي طُرحت، مثل ملف الكاتب الفرانكو-جزائري بوعلام صنصال، المتابع قضائياً في الجزائر، لا يمكن أن تكون سببًا كافيًا لهزّ علاقة تجمع بين بلدين تربطهما مصالح استراتيجية متداخلة ومشتركة.
في السياق ذاته، أوضح بوثلجة في حديثه لـ “الأيام نيوز”، أن العلاقات الجزائرية-الفرنسية مرت عبر تاريخها الحديث بفترات من المدّ والجزر، إلا أن ما يجعل الأزمة الحالية قابلة للاحتواء هو أن التصعيد ظل محصورًا في تصريحات بعض الوزراء الفرنسيين على شاكلة وزير الداخلية برونو روتايو، بينما غاب الرئيس إيمانويل ماكرون عن المشهد، وهو ما فُسّر إما على أنه تناقض داخل الدولة الفرنسية أو توزيع مُتعمد للأدوار.
ورغم ذلك، لا تزال الجزائر تراهن على الدبلوماسية والحوار، وهو ما أكده الرئيس تبون بوضعه الثقة في وزير الخارجية أحمد عطاف لإيجاد مخرج للأزمة.
وأضاف قائلا: “الرسالة كانت واضحة، الجزائر لا تسعى إلى توتير الأجواء مع فرنسا، بل ترغب في علاقة متوازنة قائمة على الاحترام المتبادل والندية، تراعي المصالح المشتركة وتُعالج الملفات العالقة، سواء تلك المرتبطة بالذاكرة التاريخية أو بتنقل الأشخاص أو غيرها من الملفات العالقة بين الجانبين”.
إلى جانب ذلك، يرى محدثنا أن تصريحات رئيس الجمهورية تضمنت رسالة تهدئة مدروسة، هدفها خفض التصعيد وإعادة ضبط إيقاع العلاقات الثنائية، لافتاَ في السياق ذاته، أن الجزائر برهنت مجددا وفي خضم الأزمة، على تمسكها بثوابتها، رفض سياسة الإملاءات والضغوط، والتعامل مع الشركاء وفق مبدأ “رابح – رابح”.
واقع جديد عنوانه “الندية والمصالح المتبادلة”
هذا، ويرى الباحث في الشؤون الدولية، أن تجاوز هذه الأزمة يبقى رهين اقتناع فرنسا بأن معطيات الأمس قد تغيرت، الجزائر اليوم هي دولة سيدة في قراراتها، ترفض أي استغلال أو وصاية، وتطالب بتصحيح مسار العلاقة مع باريس بما يعكس واقعًا جديدًا عنوانه الندية والمصالح المتبادلة.
في الختام، أبرز بوثلجة أن يد الجزائر ممدودة، كما عبّر عنها الرئيس تبون، نحو الأصوات الأكثر عقلانية في فرنسا، في سبيل إعادة العلاقات إلى مسارها الطبيعي، شريطة أن تراعي باريس مبدأ الاحترام المتبادل، وأن تطوي صفحة التعامل من منطق التفوق الاستعماري، الذي لم يعد له مكان في حاضر ومستقبل الجزائر.
أزمة غير مسبوقة
ويأتي هذا التطور في سياق توتر دبلوماسي شديد بين باريس والجزائر، حيث تُعد هذه الأزمة من أخطر الأزمات الدبلوماسية بين البلدين منذ استقلال الجزائر عام 1962، بعد تفاقم التوتر بفعل تشابك ملفات حساسة تتعلق بالسياسة، والذاكرة التاريخية والهجرة.
فيما فاقم اعتقال الكاتب بوعلام صنصال منتصف نوفمبر الماضي من حدة الخلاف، بعد محاكمته على خلفية تصريحات اعتُبرت مساسًا بسيادة الجزائر أدلى بها لصالح وسيلة إعلام يمينية متطرفة معروفة في فرنسا.