سباق دولي نحو الاعتراف الشريف.. دماء الغزيين تحيي الأمل الفلسطيني

من المتوقع – بحلول نهاية ماي الجاري – أن تعترف عدة دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي بالدولة الفلسطينية، وهو ما يعني أنّ طوفان الأقصى فرض بالسلاح ما لم تستطع فرضه المفاوضات ومبادرات عرب التطبيع، وهكذا فإنّ أي نتيجة إيجابية ستتحقّق في المستقبل -بشأن إحلال الأمن والسلم في الشرق الأوسط – لن تكون إلا ثمرة دماء شهداء المقاومة على الأرض وثمرة شجاعة أحرار العالم في المنابر الدولية بقيادة الجزائر وجنوب إفريقيا.

=== أعدّ الملف: حميد سعدون – سهام سوماتي – منير بن دادي ===

أصبح الاعتراف بالدولة الفلسطينية أمرًا لا مفر منه، حين نجح أبطال معركة “طوفان الأقصى” في فرض منطقهم على الاحتلال الصهيوني والغرب، بينما تولّت الجزائر مسؤولية ملاحقة سلطة الكيان في مجلس الأمن الدولي. هذا دون نسيان الجهود الجبارة التي بذلتها جنوب إفريقيا، إذ وضعت قادة الكيان في الزاوية الضيقة عندما أثبتت عليهم صفة مجرمي الحرب.

وضمن هذا التحوّل الشامل لفائدة القضية الفلسطينية لم تبق إلا الولايات المتحدة الأمريكية إلى جانب قتلة الأطفال والنساء في غزة، إذ وصل بها الأمر إلى إعلان معارضتها قيام المحكمة الجنائية الدولية بالتحقيق بشأن ممارسات الاحتلال في غزة، وسط تقارير عن تخوف مسؤولين صهاينة من إصدار الهيئة، ومقرها في لاهاي، مذكرات توقيف بحقهم.

وادعت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان – بيير أنه ليس من اختصاص المحكمة الجنائية الدولية إصدار الأحكام بحق المسؤولين الصهاينة، وقد جاء ذلك في الإحاطة الإعلامية للمتحدثة الأمريكية، يوم الإثنين الماضي، تعليقا على احتمال إصدار الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق مسؤولين صهاينة لارتكابهم مجازر في غزة. مع العلم أنّ واشنطن وسلطة الاحتلال ليستا من أعضاء المحكمة، لكن السلطة الفلسطينية انضمت إليها في عام 2015.

ومن جهة أخرى، قال مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل – يوم الإثنين الماضي – إنه من المتوقع أن تعترف عدة دول أعضاء في التكتل بالدولة الفلسطينية بحلول نهاية ماي الجاري، وجاء تصريح بوريل على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي المنعقد في الرياض.

وفي جانفي الماضي، قال بوريل إنه لا مجال بأن يكون للكيان “حق النقض” (الفيتو) بشأن حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وأن تكون هناك دولة للفلسطينيين، وفي سياق متصل، أكد رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز التزام بلاده بالاعتراف بدولة فلسطين، مضيفا أنّ حل الدولتين هو السبيل الوحيد للسلام والأمن في المنطقة.

كما قال وزير الخارجية الأيرلندي، مايكل مارتن، إن بلاده تعمل مع دول تشاركها الرأي في الاتحاد الأوروبي ليتم الاعتراف بالدولة الفلسطينية. وبالإضافة إلى إسبانيا وأيرلندا، تدرس أستراليا أيضا الاعتراف بدولة فلسطين.

وتعتبر الجزائر على لسان وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، أحمد عطاف أنّ “قيام الدولة الفلسطينية المستقلة والسيدة هي الجوهر الأساسي لأي حل للصراع العربي – الإسرائيلي، وهو التحدي الرئيسي الذي لا مفر منه، فضلا عن كونه الشرط الضروري لأي عملية سلام جدية”.

ومن هذا المنظور، ذكر الوزير عطاف – في كلمة له مؤخرا – بالحقائق التاريخية المتصلة بالقضية الفلسطينية انطلاقا من القرار الأممي رقم 181، مشدّدا على “استحالة تحقيق السلم والأمن في الشرق الأوسط دون تمكين الفلسطينيين من حقوقهم المشروعة، وعلى رأسها حقهم الأصيل والمتأصل في إقامة دولتهم المستقلة والسيدة وعاصمتها القدس الشريف”.

وفي ذات السياق، أكد عطاف أنه من المشجع أن عددا متزايدا من الدول تعتزم الاعتراف بالدولة الفلسطينية، داعيا إياها إلى “تجسيد هذه الخطوة الهامة كمساهمة معتبرة وحاسمة نحو تحقيق الأمن والسلم في الشرق الأوسط ونحو صون حل الدولتين الذي يتعرض لتقويض ممنهج من قبل السلطة القائمة بالاحتلال”.

وفي حين شددت الولايات المتحدة منذ بداية السابع من أكتوبر الماضي على دعمها لحل الدولتين، فإنها عارضت حصول فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، مشيرة إلى أنّ الاعتراف بدولة فلسطين يجب أن يحصل على موافقة إسرائيلية. وللعلم فقد اعترفت 137 دولة من أصل الدول الـ193 الأعضاء في الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية، بحسب إحصاء فلسطيني.

إثباتات جديدة على حرب الإبادة

ونقلت وكالة رويترز عن مصدرين أنّ مدعين من المحكمة الجنائية الدولية أجروا مقابلات مع عاملين في أكبر مستشفيين في غزة، في أول تأكيد لتحدّث محققين من المحكمة إلى مسعفين بشأن وقوع جرائم محتملة في قطاع غزة.

وقال المصدران – اللذان طلبا عدم الكشف عن هويتهما – إنّ محققي المحكمة حصلوا على شهادات من موظفين عملوا في مستشفى الشفاء، وهو المركز الطبي الرئيسي في مدينة غزة بشمال القطاع، ومن آخرين عملوا في مستشفى ناصر، المركز الطبي الرئيسي في خان يونس بجنوب القطاع. ورفض المصدران تقديم مزيد من التفاصيل تعللا بمخاوف على سلامة الشهود المحتملين.

وقال أحدهما إنّ أحداثا وقعت في المستشفيات قد تصبح جزءا من التحقيق الذي تجريه المحكمة التي تنظر في قضايا جنائية ضد أفراد متهمين بارتكاب جرائم حرب وأخرى ضد الإنسانية، فضلا عن الإبادة الجماعية والعدوان. ورفض مكتب المدعي العام للمحكمة التعليق على مسائل تنفيذية في تحقيقات جارية معللا ذلك بوجوب ضمان سلامة الضحايا والشهود.

وفي أثناء العدوان الصهيوني على القطاع، كان المستشفيان الرئيسيان في غزة هدفين محوريين للقوات الصهيونية التي حاصرتهما واقتحمتهما، وارتكبت فيهما مجازر بحق المدنيين. وفي الأيام القليلة الماضية، طالب مسؤولون فلسطينيون أيضا بإجراء تحقيقات بعد استخراج مئات الجثث من مقابر جماعية في مستشفى ناصر. ولم يحدد المصدران ما إذا كانت هذه المقابر تشكل جزءا من أي تحقيق.

وتتمتع المستشفيات بالحماية خلال الحروب بموجب معاهدات دولية وهذا قد يجعل الهجمات عليها جرائم حرب لدى الجنائية الدولية. وتقول المحكمة إنّ هذا يمنحها ولاية قضائية على تصرفات أي شخص بمن فيهم الجنود الصهاينة في الأراضي الفلسطينية.

وفي الأثناء واصلت سلطة الاحتلال – صباح الثلاثاء 30 أفريل المنصرم – التلويح باجتياح رفح، وسط تقديرات في جيش الاحتلال الصهيوني بأنّ القرار بشأن التوصل إلى صفقة بين الكيان وحركة حماس، أو الإقدام على اجتياح رفح سيصدر خلال 48 وحتى 72 ساعة. وذكرت تقارير إسرائيلية أنّ رئيس حكومة سلطة الاحتلال بنيامين نتنياهو غير معني بالتوصل إلى صفقة مع حركة حماس، فيما أشارت أخرى إلى أنّ نتنياهو كان قد أجّل مرتين عملية اجتياح رفح.

في اليوم الـ207 من الحرب الصهيونية على غزة، واصل جيش الاحتلال قصف مناطق القطاع المختلفة لا سيما مدينتي رفح وخان يونس، تسبّب في استشهاد مزيد من المدنيين والمصابين، ورفع حصيلة الضحايا إلى 34 ألفا و535 شهيدا، و77 ألفا و704 مصابين منذ 7 أكتوبر الماضي.

وبشأن عملية رفح، قال مجرم الحرب نتنياهو إنه لا تغيير في أهداف الحرب، وإنّ حكومته لن تقبل بتسوية بخصوص رفح، مشيرا إلى أنّ احتمال التوصل إلى صفقة تبادل ضئيل ولن تقبل سلطة الاحتلال بالانسحاب المطلق من قطاع غزة.

وذكر موقع واينت العبري، الثلاثاء الماضي، أنّ الولايات المتحدة أوضحت في الأيام الأخيرة معارضتها اجتياح رفح، كما أشار الموقع إلى وجود ضغوط أوروبية كبيرة أيضاً من جهة المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، لإصدار مذكرات اعتقال بحق مسؤولين صهاينة كبار، بينهم – مجرم الحرب – نتنياهو، ووزير الأمن الصهيوني يوآف غالانت، وعدد من كبار المسؤولين في الجيش الصهيوني وغيرهم، وأنّ سلطة الكيان تضغط لتفادي مثل هذا السيناريو.

وتشير تقديرات جيش الاحتلال الصهيوني، بحسب الموقع ذاته، إلى أنه في حال رفضت حركة حماس الموقف الصهيوني المتعلق بالصفقة، والذي وُصف بأنه سخي ومرن، بحسب المقترح الأخير، فإنّ هذا سيقود سلطة الاحتلال إلى طريق مسدود، بحيث تبقى دون المحتجزين الإسرائيليين، ودون وجود دعم غربي لاجتياح رفح.

حماس وفتح تؤكدان على الوحدة ومواجهة العدوان

قالت مصادر إعلامية إنّ اللقاء الذي استضافته العاصمة الصينية بكين بين حركتي حماس وفتح خلال مؤخرا، أكد على ضرورة الوحدة وإنهاء الانقسام الفلسطيني. وأضافت المصادر أنّ المجتمعين من الحركتين أكدوا على أنّ ذلك سيكون في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، وبانضمام كافة القوى والفصائل الفلسطينية إليها، وقالوا إنهم سيبحثون عددا من الملفات في اللقاء المقبل المزمع عقده في بكين منتصف جوان المقبل.

ومن هذه الملفات، التركيز على دور الصين في تعزيز الوحدة الفلسطينية، والسعي إلى إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية، حسب القرارات الدولية. كما ستبحث الحركتان ضرورة تشكيل حكومة توافق وطني غير فصائلية مؤقتة في الوقت الحالي، “حتى تقوم بواجباتها الفنية والإدارية في الإغاثة وإزالة آثار العدوان وإعادة إعمار غزة”. وسيكون من مهام هذه الحكومة الأساسية توحيد المؤسسات الفلسطينية والتحضير لإجراءات الانتخابات العامة.

وشدد المجتمعون على وحدة الموقف الفلسطيني بشأن الحرب على قطاع غزة، والتأكيد على أهمية وقف حرب الإبادة والانسحاب الكامل لجيش الاحتلال من قطاع غزة، وتنسيق الجهود الوطنية المشتركة في إدخال المساعدات والإغاثة العاجلة إلى قطاع غزة. ومن الملفات الهامة أيضا على جدول الاجتماعات، بحث تنسيق المواقف والجهود في الضفة الغربية والقدس لمواجهة اعتداءات المستوطنين على القرى والبلدات والاعتداءات على المسجد الأقصى.

كما أكدت الحركتان على أولوية قضية الأسرى وضرورة الحفاظ على حقوقهم ودعمهم في هذه المرحلة الصعبة التي يتعرضون فيها إلى أبشع أنواع التنكيل والإيذاء داخل السجون. وعلى المستوى الداخلي سيبحث ممثلو الحركتين ضرورة إحياء اللجان المشتركة، ومعالجة أي إشكاليات تواجهها، إضافة إلى وقف التراشق الإعلامي. وكانت وكالة رويترز قد نقلت عن مسؤولين في حركتي حماس وفتح قولهما إنّ الصين ستستضيف محادثات لمناقشة جهود المصالحة الداخلية. وأضافت الوكالة أنّ وفد حماس يرأسه عضو المكتب السياسي في الحركة موسى أبو مرزوق، في حين يرأس وفد حركة فتح عزام الأحمد.

عائلات الأسرى الإسرائيليين تتهم حكومة نتنياهو بالفشل

وفي الداخل الإسرائيلي، طالبت عائلات الأسرى سلطة الاحتلال بعدم إضاعة الفرصة لإنجاز صفقة تبادل مع المقاومة الفلسطينية. وقالت هذه العائلات – في مؤتمر – إنّ “الطريقة الوحيدة لإعادة كل المخطوفين هي صفقة تبادل”.

وتوجه ذوو الأسرى هؤلاء إلى رئيس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في غزة يحيى السنوار وطالبوه بالموافقة على الصفقة، كما طالبوا مجلس الحرب الصهيوني بالموافقة على أي صفقة. وأضافت عائلات الأسرى الإسرائيليين أنه في عهد نتنياهو حدث الإخفاق غير المسبوق وأن على عاتقها إعادة الأسرى. وفي السياق، تواصلت مظاهرات عائلات الأسرى الإسرائيليين أمام مقرب وزارة الدفاع في تل أبيب للمطالبة بإبرام صفقة تبادل فورا.

من جانبه، دعا زعيم المعارضة يائير لبيد، يوم الاثنين 29 أفريل، إلى إبرام صفقة لتبادل الأسرى مع حركة حماس، حتى لو أدت إلى وقف الحرب المتواصلة على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023. ووجّه لبيد انتقادات حادة لحكومة نتنياهو. وقال -في منشور على منصة إكس- إن هذه الحكومة في حالة اضطراب كامل، وليس لديها سياسة مفهومة أو رؤية. وأضاف أن المهمة الأكثر إلحاحا هي التوصل إلى صفقة لإعادة هؤلاء “المحتجزين” حتى لو كان ذلك يعني إنهاء الحرب.

رعب في أوساط المجنّدات

ومن جانب آخر، أفاد موقع “والاه” الإسرائيلي أنّ مجندات في “جيش” الاحتلال يعانين من نوبات هلعٍ مستمرة، ويخضعنَ للعلاج، بسبب المعاملة السيئة والمشينة التي تعرّضوا لها إثر رفضهن الخدمة بصفة راصدات بعد السابع من أكتوبر 2023.

وبحسب الموقع، فإنّ عشرات المجندات اللواتي تمّ تعيينهنّ بصفة راصدات، طلبنَ قبل أسابيع تغيير مهمتهنّ بسبب القلق الكبير من احتمال تعرّضهنّ للقتل أو الأسر، كما حدث لبعضهنّ في هجوم 7 أكتوبر.

ونقل الموقع عن أهالي المجندات قولهم إنّ بناتهن وضِعنَ تحت أشعة الشمس الحارقة لساعاتٍ طويلةٍ في قاعدة “تل هشومير”، وتعرّضن للصراخ في آذانهن، وللتهديدات والشتائم والركل، بهدف إجبارهنّ على التجنّد بالقوة، كما حُرِمنَ من النوم بشكل متواصل من خلال إلزامهنّ بالنوم ليلاً تحت الضوء وفي مكانٍ صاخب، بهدف كسرهنّ، قبل نقلهنّ إلى قاعدة “سياريم” للخضوع لدورة خاصة، ما أدى إلى دخولهنّ في حالات إغماء ونوبات هلعٍ مستمرّة.

ونقل الموقع عن أهالي المجندات قولهم إنهم “يشعرون بالصدمة” في مواجهة “هذا النظام العسكري” والطريقة التي اختار بها “الجيش” التعامل مع المشكلة، وتأكيدهم أنّ “انعدام الثقة في الجيش شديد بالفعل بعد كل أحداث الحرب”. وقالت والدة إحدى المجندات إنّ ابنتها لا تستطيع أن تكون في “الجيش” الآن، بعد الهمجية والمضايقات التي تعرّضت لها، واصفةً ما حصل بـ”شهادة فقر للجيش الصهيوني”.

وكان موقع “واينت” الإسرائيلي قد كشف في وقتٍ سابق، أنّ عشرات المجندات رفضنَ فرزهن للخدمة في قاعدة التدريب الأساسية لـ “سلاح الدفاع عن الحدود” في “سياريم” بوادي عربة، عند الحدود مع الأردن.

وبيّن الموقع أنّ رفض المجندات هذه الخدمة، وتحديداً هناك، يأتي على خلفية خوفهنّ من تكرار ما حدث يوم السابع من أكتوبر، ولا سيما في موقع “ناحل عوز” العسكري ومواقع “الجيش” الأخرى في غلاف غزة، حيث تمكنت المقاومة الفلسطينية من اقتحامها وخوض اشتباكات أدت إلى وقوع الجنود الصهاينة بين قتيل وجريح وأسير.

وأكّد الموقع أن عشرات المجندات رفضن مغادرة قاعدة الفرز والتصنيف والعمل بصفة راصدات، وتمّ نقل بعضهن إلى الاعتقال أو الحجز، موضحاً أنّ نحو 50 جندية تجندن في وقت سابق من هذا الأسبوع وفُرزن إلى وظيفة راصدة، ورفضن بشدة نقلهن إلى هناك، من خلال الادعاء بأنهم يعانين من حالات صحية ونفسية.

الشارع الطلابي يلتهب

وتتواصل الحركة الاحتجاجية الطلابية للأسبوع الثاني على التوالي في مختلف الجامعات الأمريكية والأوروبية، تضامنا مع قطاع غزة والضفة الغربية ومطالبة بالوقف الفوري للعدوان الصهيوني على القطاع.

وتوسعت رقعة الحركة الطلابية غير المسبوقة في دعم فلسطين، والذي انطلقت في جامعة كولومبيا الأمريكية منذ أكثر من 10 أيام، وتلتها جامعات أخرى في دول مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا، للمطالبة بوقف إطلاق النار وإعلان الجامعات إنهاء تعاونها مع الكيان الصهيوني بشكل فوري والشركات الداعمة لجيش الاحتلال. وتنتشر الاحتجاجات بـ33 جامعة في الولايات المتحدة استخدمت الشرطة ضدها وحدة الخيالة في قمع الطلاب المعتصمين، فيما بدأت بعض الجامعات فصل الطلاب المتظاهرين.

وفي فرنسا، تجمع عشرات الطلاب بالقرب من جامعة “السوربون” في باريس يوم الاثنين الماضي للتظاهر دعما للفلسطينيين، على غرار مظاهرات مماثلة في جامعات الولايات المتحدة. وشارك حوالي 100 متظاهر في الاحتجاج بالقرب من الجامعة المرموقة ولوحوا بعلم فلسطيني عملاق ورددوا شعارات مؤيدة للفلسطينيين في غزة وسط تدخل الشرطة لإخلاء عشرات المحتجين كانوا قد نصبوا خيما داخل الجامعة.

وتم إخلاء الحرم الجامعي من حوالي خمسين متظاهرا واقتيدوا في مجموعات تحت حراسة أمنية، بعد أيام من تحرك مماثل شهد توترات في جامعة أخرى مرموقة في العاصمة هي جامعة “سيانس بو” للعلوم السياسية.

وفي وقت سابق في برلين، قامت الشرطة الألمانية بإزالة الخيام التي نصبها متظاهرون خارج مبنى البرلمان وابعدتهم بالقوة وأغلقت المنطقة المحيطة لمنع وصول محتجين آخرين. كما خرج العشرات من طلاب جامعة لندن في مظاهرات تضامنية مع غزة ودعما لزملائهم من طلاب الجامعات الأمريكية .

وتجري في بريطانيا التظاهرات التضامنية بشكل منتظم كل يوم سبت في لندن وفي مدن أخرى، يحضرها عشرات الآلاف من الأشخاص. كما شهد محيط جامعة سيدني في استراليا أيضا مسيرة طلابية حاشدة، حيث رفع الطلبة العلم الفلسطيني، مرددين الهتافات المؤيدة لفلسطين.

وأعربت الأمم المتحدة في بيان لها عن قلقها إزاء “التأثير غير المتناسب” لتدخل الشرطة في الحرم الجامعي بالولايات المتحدة الأمريكية لإخلاء المتظاهرين المؤيدين للقضية الفلسطينية.

وتوقع المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فولكر تورك، أن يكون لبعض الإجراءات التي اتخذتها قوات الأمن في العديد من الجامعات “تأثيرا غير متناسب”. وكانت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان قد اعربت السبت الماضي، عن قلقها إزاء اعتقال مئات الطلاب خلال المظاهرات الداعمة لفلسطين في الجامعات الأمريكية.

وقال متحدث مفوضية حقوق الإنسان، جيرمي لورانس، “إننا قلقون للغاية بشأن اعتقال مئات الطلاب في الجامعات الأمريكية، وعدد من الحالات التي تمثل رد فعل شديد القسوة من قبل الشرطة على الاحتجاجات الداعمة لفلسطين”، مؤكدا أن الحق في حرية التعبير والتجمع أمر أساسي.

وانتقدت المقررة الأممية الخاصة المعنية بالمدافعين عن حقوق الإنسان، ماري لولور، اعتزام جامعة كولومبيا الأمريكية فصل طلابها ممن شاركوا في مظاهرات مناصرة لفلسطين، ما لم يفضوا اعتصامهم. ووصفت المقررة الأممية خطوة الجامعة الأمريكية بأنها “مثيرة للقلق”، وأكدت في منشور على حسابها بمنصة إكس أن هذا النوع من العقاب يعد انتهاكا واسعا لحق الطلاب في التظاهر السلمي.

وفي 18 أفريل المنصرم، بدأ طلاب رافضون للحرب الصهيونية على قطاع غزة اعتصاما بحرم جامعة كولومبيا في نيويورك، مطالبين إدارتها بوقف تعاونها الأكاديمي مع الجامعات الإسرائيلية وسحب استثماراتها في شركات تدعم احتلال الأراضي الفلسطينية.

ومع تدخل قوات الشرطة واعتقال عشرات الطلاب، توسعت حالة الغضب لتمتد المظاهرات إلى عشرات الجامعات في الولايات المتحدة، منها جامعات رائدة مثل هارفارد، وجورج واشنطن، ونيويورك، وييل، ومعهد ماساشوستس للتكنولوجيا، ونورث كارولينا.

ولاحقا، اتسع الحراك الطلابي غير المسبوق في دعم فلسطين بالولايات المتحدة، إلى جامعات بدول مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا وكندا والهند شهدت جميعها مظاهرات داعمة لنظيراتها بالجامعات الأمريكية ومطالبات بوقف الحرب على غزة ومقاطعة الشركات التي تزوّد الكيان بالأسلحة.

طوفان الأقصى يعزّز الوعي العالمي بالقضية..

هذه ثمرة تعالي الأصوات الداعمة للحق الفلسطيني

أبرز ممثل الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بالجزائر، محمد الحمامي، أنّ معركة “طوفان الأقصى” كان لها جملةٌ من التداعيات والانعكاسات الكبرى، سواءً كان ذلك على مستوى الداخل الفلسطيني، أو على المستويين الإقليمي والدولي، فبالنسبة لتداعيات هذه العملية التاريخية على المستوى الفلسطيني، فمن المهم أن نتحدث عن وجود حالة من التوافق بين كل مكوّنات الحالة الفلسطينية حول البرنامج السياسي، فالمعادلة الذهبية تتحدث عن الوحدة وعن المقاومة، فالوحدة الوطنية هي طريقنا إلى النصر كما المقاومة هي طريقنا إلى النصر  كذلك، وهذا هو المطلوب فلسطينيا الوحدة حول البرنامج السياسي الذي بتنا الآن متحدين ومتفقين عليه بين كل مكونات الحالة الفلسطينية، كل هذا يتطلب تطوير وتفعيل البيت الفلسطيني المتواجد أصلا وهو منظمة التحرير الفلسطينية هذا الإطار الجامع للكل الفلسطيني.

النقطة الثانية التي تطرق إليها الأستاذ الحمامي في تصريحه لـ “الأيام نيوز”،  تتعلق بتداعيات معركة “طوفان الأقصى” على المستوى الدولي، حيث أشار محدثنا إلى أنّ هذه هي أول حرب بعد الحرب العالمية الثانية، حيث أنّ ما يحدث في أوكرانيا له تداعيات على المستوى الأوروبي ولا يوجد له انعكاسات على منطقة آسيا أو إفريقيا، في حين أنّ “طوفان الأقصى” لم يقتصر تأثيرها على مستوى فلسطين أو على مستوى الإقليم، بل كانت لهذه العملية التاريخية تداعيات كبرى على مجمل النظام السياسي العالمي، حتى أنّ الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد قادرة على قراءة المتغيرات التي أحدثها هذه العملية، ومن هنا هرولت منذ اليوم الأول لدعم الاحتلال الصهيوني في عدوانه على قطاع غزّة، حيث أرسلت كل إمكانياتها العسكرية من أجل إسناد وإنقاذ ربيبتها “إسرائيل” في منطقة الشرق الأوسط، لأن أمريكا لا تقبل بأيّ شكلٍ من الأشكال أن يكون لها منازع أو منافس في المنطقة.

في السياق ذاته، أوضح ممثل الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، أنّ ما حدث بتاريخ السابع من أكتوبر الماضي، حرّك شعوب العالم وفتح المجال أمام مظلومية الشعب الفلسطيني لأزيد من 56 عاما أمام مشروع صهيوني لا يعترف بالدولة الفلسطينية ولا يعترف بحقوق الشعب الفلسطيني وهذا ما صرح به قادة الاحتلال الصهيوني المجرم وتحديدا ما جاء على لسان سموتريتش وبن غفير وزعيم هذه العصابة بنيامين نتنياهو الذي قال “لن نعترف بشيء اسمه دولة فلسطين”، فطوفان الأقصى أوضح مظلومية الشعب الفلسطيني وحقيقة الرواية الفلسطينية وأن هذا الشعب يعيش تحت وطأة احتلال نازي فاشي لا يعترف بوجود الشعب الفلسطيني وإنما هدفه هو قتل وتهجير هذا الشعب عن أرضه.

على صعيدٍ متصل، أبرز الحمامي أنّ المبادرة التي وضعتها دول عربية عام 2002، للأسف الشديد لم تلق استجابة لا من “إسرائيل” ولا من الولايات المتحدة الأمريكية ولم يتمسك بها حتى من طرحها، فهرولت هذه الدول نحو التطبيع وإقامة علاقات مع سلطة الاحتلال، وحتى في ظل الإبادة الجماعية والقتل الجماعي والتطهير العرقي الذي يتعرض له أبناء الشعب الفلسطيني الأعزل في القطاع، لم تتخذ هذه الدول العربية الخانعة المواقف التي تريدها شعوبها ونتحدث هنا عن قطع علاقاتها مع هذه الدولة المارقة التي لا تحترم لا حقوق الإنسان ولا القوانين الدولية بل تعتدي أصلا على الشعوب العربية وتهين سيادتها كلما سنحت لها الفرصة.

إجماع دولي حول حقوق الشعب الفلسطيني

إلى جانب ذلك، أفاد الحمامي، أنّ مسار التطبيع توقف لكنه لم ينته بعد، لأن هذه الدول العربية الخانعة والتابعة للولايات المتحدة الأمريكية لا يوجد خيار أمامها إلا مواصلة هذا الخنوع والانبطاح إلى أمريكا، فهي لا ترى مصالح شعوبها وأن دولها تتعرض للنهب على يد الإمبريالية الأمريكية، فكل المبادرات التي طرحتها هذه الدول هي مبادرات تنتقص من حقوق الشعب الفلسطيني، الذي صنع بصموده وبسالة مقاومته التغيير وأحدث زلزالا أمنيا وعسكريا وسياسيا لسلطة الاحتلال، وأحدث متغيرات إقليمية ودولية فتحت الأبواب أمام سلسلة من الاعترافات بدولة فلسطين، كان آخرها الموقف الجزائري الجريء عندما تم طرح مشروع التصويت في مجلس الأمن بالاعتراف بالدولة الفلسطينية كاملة السيادة، وتم وضع الفيتو من قبل الولايات المتحدة الأمريكية التي وقفت وحدها منعزلة إلى جانب هذا العدوان بعدما صوتت 12 دولة لصالح القرار فيما امتنعت دولتان هما بريطانيا وسويسرا، فكان هناك إجماع دولي حول حقوق الشعب الفلسطيني.

في سياق ذي صلة، أشار المتحدث إلى أنّ ما تشهده الدول الأوروبية من ضغوطات من قبل شعوبها المناصرة للحق الفلسطيني سيفتح المجال أمام الاعتراف بالدولة الفلسطينية نتيجة الصمود ونتيجة المقاومة ونتيجة فضح الرواية الصهيونية التي روج لها الغرب الذي لطالما اعتبر “إسرائيل” دولة ديمقراطية تمتلك جيشا لا يقهر، هذا كله بات مكشوفا ومفضوحا أمام العالم اليوم وأصبح الجميع يدركُ يقيناً أن الكيان الصهيوني مجرد كيان مجرم لا يمت للإنسانية بصلة.

كما أنّ ما تعيشه الجامعات الأمريكية من طوفان بشري للطلبة الذين اعتصموا وتعرضوا للضرب والاعتقال دليل آخر على أن الولايات المتحدة الأمريكية التي تدعي حرية الرأي والتعبير عندما يتعلق الأمر بـ”إسرائيل” تتجاوز كل هذه المعايير وتدعم سلطة الاحتلال حتى وإن تطلب الأمر الاعتداء على الطلاب وقمعهم وفض اعتصاماتهم وزجهم بالسجون، إضافة إلى ذلك فإنّ انتقال هذه الاحتجاجات إلى دول أوروبية على غرار بريطانيا وفرنسا وأيضا إلى العديد من الدول الغربية الأخرى، هو رسالة واضحة إلى دعم وإسناد الشعب الفلسطيني من أجل إنهاء هذا الظلم وهذا الاحتلال الذي يتعرض له الفلسطينيون منذ نحو 76 عاماً.

خِتاماً، جدّد ممثل الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بالجزائر، محمد الحمامي، تأكيده على أنّ معركة “طوفان الأقصى” أحدثت جملة من التغييرات سواءً على المستوى الفلسطيني أو الإقليمي أو الدولي، لافتاً في السياق ذاته إلى أنّ هذا الصراع لن ينتهي خلال الأيام أو الأشهر أو السنوات القليلة القادمة، لأنّ الصراع مع الاحتلال هو صراع مفتوح والعدوان الصهيوني الجائر على قطاع غزة هو أحد فصول هذا الصراع، الذي يتطلب الوحدة الوطنية واستمرار المقاومة بكل أشكالها وتواصل حملات حشد الدعم الدولي لصالح القضية الفلسطينية، وكل ذلك يتطلب من القيادة السياسية الفلسطينية أن تعي جيّدا أن كل المشاريع التي تطرحها الولايات المتحدة الأمريكية مسمومة ولا تصب في خدمة الشعب الفلسطيني، وعليه فمن المهم جدّا الالتفاف حول منظمة التحرير الوطنية التي بات كل أبناء الشعب الفلسطيني متفقين اليوم على إعادة إحيائها وتفعيلها وتطويرها لأن ذلك هو العنوان الضاغط على المجتمع الدولي والضاغط على الجميع من أجل الاعتراف بالدولة الفلسطينية وإقامة دولتنا الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.

معادلات الردع..

كيف أعادت معركة “طوفان الأقصى” تشكيل سياسة المنطقة؟

أفاد المحلّل السياسي الفلسطيني، عبد الله العقرباوي، أنّه ممّا لا شك فيه أنّ عملية “طوفان الأقصى” أماطت اللثام عن الكثير من الحقائق وعلى أكثرِ من صعيد، فاليوم شكل المنطقة أصبح مختلفا تماماً، كما أنّ معادلات الردع في المنطقة كذلك تغيّرت، والنظرة إلى القضية الفلسطينية بعد أن كادت تُطوى بسبب موجة التطبيع العربي التي سبقت طوفان الأقصى، هذا كله اليوم أصبح وراء الظهر وأصبحت القضية الفلسطينية مطروحةً على الطاولة الدولية، وأصبح الحديث يدور حول ضرورة حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه الوطنية المشروعة.

وفي هذا الصدد، أوضح الأستاذ العقرباوي، في تصريح لـ “الأيام نيوز”، أنّ صورة “إسرائيل” وبوجهها الحقيقي أصبحت مطروحةً أمام العالم بأسره، من خلال مشاهد الإبادة الجماعية التي تتمادى آلة الحرب الصهيونية في ارتكابها بحق الأبرياء والعزل في قطاع غزّة، وأصبح يتبادرُ إلى ذهن الأجيال وقطاعات واسعة نقابية وطلابية وسياسية، سؤال حول أصل هذا الصراع ولماذا هذا الصراع موجود ولماذا “إسرائيل” تحظى بهذا الدعم وبهذه الاستثنائية، ولماذا هذه الأجيال في أوروبا وفي الولايات المتحدة الأمريكية تحظى بحرية التعبير حول مختلف المسائل وحريات عامة حول كل شيء، أمّا عندما يتعلق الأمر بالكيان الصهيوني فتنقلب المعادلة وتسود حالة من القمع تقودها المؤسسات السياسية والأكاديمية ويُرفع شعار معاداة السامية كأداة لقمع الاحتجاج على سلوك “إسرائيل” الإجرامي.

في السياق ذاته، أشار محدثنا، إلى أنّ هذه الأسئلة باتت الآن مطروحة وبحدّة على كافة المستويات والفضل في ذلك يعود لـ “طوفان الأقصى” هذه العملية التاريخية التي أعادت القضية الفلسطينية إلى مكانتها المناسبة وأوقفت مشاريع التطبيع المغرضة، وها نحن اليوم نقف على عتبات طرح الاعتراف بالدولة الفلسطينية.

وفي هذا الشأن، يرى الخبير في السياسة أنّ الاعتراف بالدولة الفلسطينية لن يكون حلاً كافياً ومُرضياً لأبناء الشعب الفلسطيني، لأنه يدرك يقينا أنها مجرد اعترافات شكلية ولا تمارس ضغوطا حقيقةً على الكيان الصهيوني، كما أنها لا تنعكس على سياساته على أرض الواقع، فقط تدخل في دائرة ذر الرماد في عيون الجماهير الأوروبية والأمريكية والنخب هناك حول أن هناك موقفا متوازنا لحكومات هذه الشعوب وأنها تعترف بالقضية الفلسطينية لأهمية ذلك من الناحية السياسية والدبلوماسية.

هذا، وأكّد العقرباوي، على ضرورة استمرار حملة الضغط على “إسرائيل”، حتى يتحوّل هذا الاعتراف إلى فرض للحقائق على الأرض وإعطاء الفلسطينيين حقوقهم المشروعة، واللجوء إلى فرض عقوبات على الاحتلال في حال لم يستجب لذلك، منوّها إلى أنّ الدولة التي يعترفون بها غير موجودة على الأرض وهذه النقطة مهمة جدا، حيث أنّ هناك حالة من التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية وتمدد عمراني وسكاني للمستوطنين وسيطرة أمنية لجيش الاحتلال ولا يوجد سيادة فلسطينية حقيقية على الأرض.

وفي ختام حديثه لـ “الأيام نيوز”، أفاد المحلّل الساسي الفلسطيني، عبد الله العقرباوي، أنّ المواقف الأوروبية والأمريكية الرسمية إن كانت تريد أن تكون فعلا منسجمة مع ما تعلنه من مبادئ، عليها أن تفرض عقوبات على الكيان الصهيوني وعليها أن تسهم في فرض الأمر الواقع وإعطاء الفلسطينيين حقوقهم المشروعة، وإلا فإنّ “طوفان الأقصى” هذا النموذج الذي كان وراء كل هذه التحولات سيبقى حاضرا وشاخصا أمام الجميع والطوفان لم ينتهي بعد كما لم تنته تداعياته بعد، وفرص تكراره لا تزال قائمة مادام هناك احتلال صهيوني سافر لأراضي فلسطين.

تصحيح المسار..

خلط الأوراق لإعادة ترتيبها وفق التصوّر الفلسطيني

بقلم: علي أبو حبله – محامي فلسطيني

وفق آراء المتابعين والمحلّلين، لن تنتهي حرب غزّة بدون تداعيات جيوسياسية كبيرة على الشّرق الأوسط، فـ “إسرائيل” لن تنجح في تحقيق أهدافها المعلنة من تلك الحرب، وعوضًا عن ذلك ستتحوّل إلى دولة معزولة، وتداعيات ذلك سيكون له وقع أليم على السّياسة الأمريكية والغربية ومخطّطاتهما لما بات يعرف بالشّرق الأوسط الجديد، فيما ستبدأ في الشّرق الأوسط حركة تحرّر صعبة ومؤلمة من هيمنة القوى الغربية التي تهدّد سياساتها بزعزعة استقرار المنطقة وستسقط مخطّط التّطبيع مع “إسرائيل”.

الشّرق الأوسط برمّته بات أمام مفترق طرق وتغيّر إستراتيجي وأعاد القضية الفلسطينية لتتصدّر الأولويات وأسقط مشروع أمريكا المرسوم للمنطقة وهدفه تصفية القضيّة الفلسطينية والتنكّر للحقوق الوطنية والتّاريخية للشّعب الفلسطيني.

معركة “طوفان الأقصى” أعادت القضيّة الفلسطينية لتتصدّر الخريطة الدّولية والاهتمام الأممي وتعيد للواجهة الأممية التوحّش “الإسرائيلي” وتعيدنا لتاريخ عصابات الأرغون وشتيرن الصّهيونية وما ارتكب من مذابح وجرائم بحقّ الشّعب الفلسطيني لإجباره على هجر أرضه قسرًا والمشهد يعيد تكرار نفسه لتهجير الفلسطينيين إلى سيناء وموقف فلسطيني يسدّ الأبواب في وجه مخطّط حكومة الائتلاف اليمينية الصّهيونية التي تمارس الإرهاب المنظّم بضوء أخضر أمريكي وغربي ليعيد إلى الأذهان جرائم أمريكا وبريطانيا في الحرب العالمية الثّانية والجرائم التي ارتكبت في فيتنام والعراق وأفغانستان، إلّا أنّه وبالرّغم من كلّ تلك الجرائم “الإسرائيلية” والأمريكية والبريطانية والفرنسية كانت إرادة الشّعوب أقوى وأشدّ عزيمة في مواجهة هذا التوحّش الصّهيوني الإمبريالي.

ردود أفعال الإدارة الأمريكية تجاه عملية “طوفان الأقصى” والإجراءات العسكرية الميدانية، التي سبقها سيل من الأقوال والتّصريحات جرت على ألسنة كبار المسئولين، وفي طليعتهم الرئيس الأمريكي جو بايدن نفسه، والذي أعلن عن سلسلة خطوات لدعم الكيان الصّهيوني وإمداده بالعدّة والعتاد لمواصلة حرب الإبادة ضدّ الشّعب الفلسطيني لن تثني الشّعب الفلسطيني والدّاعمين للحقوق الفلسطينية عن مواصلة حقّه المشروع في الدّفاع عن أرضه وكرامته.

التّصريحات السّياسية للرّئيس بايدن ودول استعمارية كبريطانيا وفرنسا وغيرهم خرجت عن المألوف وأعطت قادة الكيان الصّهيوني ضوء أخضر لإفناء غزّة وأعطت للكيان الغاصب حقّ الدّفاع عن النّفس ضمن سياسة الغرب للتّعامل بسياسة الكيل بمكيالين، وشرعت في تزويد الاحتلال بكلّ ما يحتاجه من مساعدات عاجلة يحدث غالباً أنّها طويلة الأمد وهجومية والأعلى تكنولوجية على امتداد المنطقة. وذلك ضمن رؤيتهم لمفهوم الشّرق الأوسط الجديد.

السّياسة الأمريكية والبريطانية والغربية على وجه العموم تتّسم بمزيد من التخبّط الدبلوماسي، على اعتبار أنّ أحد أبرز أهداف عملية “طوفان الأقصى” هو قطع الطّريق على الجهود الأمريكية لريادة التّطبيع السّعودي – “الإسرائيلي”، والتّطبيع هو مشروع صهيوني أمريكي لقطع الطّريق على الشّعب الفلسطيني لنيل حقوقه المشروعة وحقّه في إقامة دولته المستقلّة.

وفي ظلّ تباين مواقف كلّ من السّعودية والولايات المتّحدة و”إسرائيل”، واختلاف حساباتهم، وطبيعة التحدّيات الدّاخلية والخارجية التي تواجه كلًا منهم، فإنّ من الصّعب الجزم إذا ما كان ثمّة اتّفاق ثلاثي سيجري التوصّل إليه قبل أن تبدأ الانتخابات الأميركية العام القادم. لكنّ الأكيد أنّ الأطراف الثّلاثة تنظر بجدية في إمكانية إبرام اتّفاقات جزئية إذا تعذّر التوصّل إلى اتّفاق شامل حول كلّ القضايا محلّ الخلاف.

معركة طوفان الأقصى أعادت خلط الأوراق في المنطقة وأعادت التّمحور لدول المنطقة في ظلّ حصار أممي تتعرّض له “إسرائيل” لأوّل مرّة منذ تاريخ إنشائها، في 26 جانفي الماضي، أعلنت محكمة العدل الدّولية قراراتها الأوّلية في القضية التي رفعتها جنوب إفريقيا في إطار الاتّفاقية المتعلّقة بالإبادة الجماعية لعام 1948، وأمرت “إسرائيل” باتّخاذ تدابير منع وقوع أعمال إبادة جماعية بحقّ الفلسطينيين، وتحسين الوضع الإنساني في قطاع غزّة.

وبغضّ النّظر عن تداعيات الحرب “الإسرائيلية” الوحشية الحالية على غزّة، فقد انهارت نظرية الأمن “الإسرائيلية”، وتهاوت نظريات “كي الوعي” و”جزّ العشب”، وأثبتت مقاربة “المعركة بين الحروب” فشلها في تقويض قدرات المقاومة أو ردعها عن تنفيذ هجوم ضخم مثل الذي نفّذته صبيحة 7 أكتوبر. ولذا؛ تعكس تصريحات قادة الاحتلال على وقع الصّدمة، وعلى وقع أزمة ثقة تهزّ الجيش وأجهزة الاستخبارات “الإسرائيلية”، بأنّ النّموذج الأمني والإستراتيجي السّابق انتهى، وهو ما يعني أنّهم بصدد البحث عن فرض “نموذج جديد” وبناء نظرية أمن جديدة، ترمّم جاذبية “إسرائيل” وسمعتها المنهارة كملاذ آمن لليهود من أنحاء العالم. لكنّ هذه مهمّة لا تبدو بسيطة أو قريبة المنال، بغضّ النّظر عن مآل الدّمار الحاصل في قطاع غزّة.

معركة طوفان الأقصى غيّرت الكثير من المفاهيم وأسقطت الرّواية “الإسرائيلية” وأعادت للوعي الأممي صدقية الرّواية الفلسطينية ومظلومية ما يتعرّض له الفلسطينيون على يد الاحتلال “الإسرائيلي” وقد انبرت الدّول الدّاعمة للفلسطينيين في الدّفاع عن الحقوق الوطنية الفلسطينية وفي دحض الادعاءات “الإسرائيلية” وقد نجحت جنوب إفريقيا في الدّعوى لدى محكمة العدل الدّولية وتنبري الجزائر في الدّفع قدمًا بدعم الفلسطينيين في الأمم المتّحدة والتحرّكات الطلّابية في الجامعات الأمريكية والأوروبية نصرة لفلسطين والحقّ الفلسطيني ضدّ ممارسات وجرائم الاحتلال في غزّة والضفّة الغربية.

عملية “طوفان الأقصى” في السّابع من أكتوبر لم يشهد هذا التّاريخ مجرّد عملية عسكرية لقوى المقاومة الفلسطينية ضدّ الاحتلال الإسرائيلي تحت اسم “طوفان الأقصى”، بل حمل معه تغيرات أوروبية في مواقفها من خلال الاعتراف بدولة لطالما مُنع شعبها من نيل حقوقه الإنسانية الأساسية وعلى رأسها الاستقلال والسّيادة.

ومنذ العملية، شهد العالم طوفاناً غربياً من التّصريحات التي تتمحور حول نيّة الاعتراف بدولة فلسطينية، تزامناً مع تغييرات بارزة في الرّأي العام الدّولي لمصلحة حقوق الشّعب الفلسطيني، وهو أمر لم نعتد عليه على مرّ العقود.

وساهمت العملية وما تبعها من أحداث كارثية خلّفها جيش الاحتلال الإسرائيلي في إصابة عدد من الدّول الكبرى بـ “صحوة ضمير” ولو جزئياً، لتتغيّر الفكرة الغربية التي كانت قائمة لسنوات، على أنّ الاعتراف بفلسطين مرتبط بنتائج المفاوضات بين الفلسطينيين و”الإسرائيليين”، المتوقّفة أساساً منذ أفريل من عام 2014.

واصطدمت المحاولات الفلسطينية السّابقة لنيل الاعتراف بها “دولة كاملة العضوية في الأمم المتّحدة”، بـ “الفيتو الأمريكي” الذي كان لمصلحة “إسرائيل”، لتظلّ فلسطين تملك صفة دولة مراقب غير عضو منذ عام 2012، باعتراف 139 دولة بها كدولة داخل حدود 4 جوان 1967.

ولعلّ من أبرز الدّول التي يجب التّركيز على موقفها في ظلّ الحرب الحالية هي الولايات المتّحدة الأمريكية، التي لطالما كانت تقف أمام المساعي الفلسطينية لنيل الحقوق الطّبيعية.

ورغم الموقف الأمريكي الدّاعم لـ “إسرائيل” هناك موجة من التّصريحات الأوروبية شهدها الوضع الفلسطيني، تتعلّق بملف الاعتراف بدولة للفلسطينيين، بل وصلت إلى حدّ الإعلان عن بدء دراسة هذا الأمر، ما يعدّ خطوة غير مسبوقة.

فمنذ بدء العدوان “الإسرائيلي” على غزّة، دعا المسئولون الإسبان في أكثر من مناسبة، الدّول الغربية إلى الاعتراف بدولة فلسطين، مؤكّدين ضرورة البحث عن حلّ نهائي لـ “الصّراع الفلسطيني-الإسرائيلي” عبر توفير أفق سلام جدّي لحلّ الدّولتين.

من جانبه، دعا رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، في 10 جانفي الفارط، الدّول الغربية إلى الاعتراف بدولة فلسطين، والتوصّل لحلّ جدّي ومقنع على أساس صيغة الدّولتين بدعم المجتمع الدّولي، مضيفاً أنّه ينبغي البدء بمناقشة جادّة لضمان اعتراف الغرب بالدّولة الفلسطينية.

أمّا بريطانيا فقد كرّر وزير خارجيتها، ديفيد كاميرون، في مناسبات عديدة، قوله إنّ بلاده يمكن أن تعترف رسمياً بالدّولة الفلسطينية بعد وقف إطلاق النّار في غزّة، دون انتظار نتيجة ما ستسفر عنه محادثات مستمرّة منذ سنوات بين “إسرائيل” والفلسطينيين حول حلّ الدّولتين، وأوضح كاميرون في تصريح أدلى به في 30 جانفي الفارط، أنّ لندن تنظر مع حلفائها في مسألة الاعتراف بالدّولة الفلسطينية، وضمن ذلك في الأمم المتّحدة.

فرنسا بدورها أعلنت، في 16 فيفري، على لسان رئيسها إيمانويل ماكرون للمرّة الأولى، أنّ الاعتراف بدولة فلسطينية ليس من المحرّمات بالنّسبة لباريس، وكرّر ماكرون دعوته لحلّ الدّولتين القائم على إنشاء دولة فلسطينية إلى جانب “إسرائيل”، داعياً إلى “اندفاعة حاسمة لا رجوع فيها” في هذا المجال.

وأحدث ما طرأ بموضوع الاعتراف بدولة فلسطين، ما يتردّد عن “مصدرين متطابقين”، في 22 فيفري، بأنّ 4 أعضاء دائمين في مجلس الأمن وافقوا على الاعتراف بالدّولة الفلسطينية من جانب واحد، مع تأكيدهما على أنّ أغلبية الدّول في الجمعية العامّة للأمم المتّحدة تؤيّد القرار.

وفي إطار التعامل “الإسرائيلي” مع المجريات الدّولية المتسارعة التي نزلت كالصّاعقة على تل أبيب، خرج نتنياهو ليعلن رفض حكومته الإملاءات الدّولية المتعلّقة بملف الاعتراف بفلسطين، ووافقت حكومة الاحتلال، في 18 فيفري، على مشروع قرار لعدم الاعتراف بدولة فلسطينية أحادية الجانب، ينصّ على أنّ “التّسوية الدّائمة مع الفلسطينيين لن يتمّ التوصّل لها إلّا من خلال المفاوضات المباشرة بين الطّرفين، دون شروط مسبقة”.

وعلى مدار الأيام الماضية، صرّح عدد من المسؤولين في هذا الإطار، ومنهم وزير الطّاقة “الإسرائيلي” إيلي كوهين، بأنّهم يفضّلون عدم التوصّل إلى اتّفاقيات سلام مع الفصائل الفلسطينية إذا كانت ستؤدّي إلى قيام دولة فلسطينية.

أمّا وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش، فقد أعلن عن عدم موافقته بأيّ حال من الأحوال على حلّ الدّولتين، فيما صرّح وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، بأنّ العالم يريد أن يمنح الفلسطينيين دولة وأنّ هذا لن يحدث.

لكن وزير الشّتات عميحاي شيكلي، ذهب بتصريحاته إلى أبعد من زملائه، ليصرّح بأنّ على “إسرائيل” أن تقاوم الخطّة الأمريكية، وأن تهدّد بخطوات أحادية كإلغاء “اتفاقية أوسلو”.

المواقف الأوروبية، باتت أكثر وضوحاً من الموقف الأمريكي، و”يبدو أنّ الأوروبيين يراجعون سياستهم على خلفية المآسي التي خلّفها تردّدهم السّابق وعدم الحسم ودعم “الإسرائيليين”، إلى جانب المظاهرات التي شهدتها عواصمهم تأييداً للفلسطينيين”.

إنّ أقصر الطّرق لتحقيق الأمن والاستقرار هو تحقيق السّلام المستند لقرارات الشّرعية الدّولية والإقرار بالحقوق الشّرعية للشّعب الفلسطيني وحقّ تقرير المصير وإقامة دولته المستقلّة وعاصمتها القدس. 

ما بين المقاومة ومفاوضات التّهدئة..

ما هي استراتيجيات “حماس” في مواجهة العدوان والضغوط الدولية؟

بقلم: عبد الله المجالي – كاتب وإعلامي أردني

تخوض المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس معركة مفاوضات لا تقلّ شراسة عن المعركة التي تخوضها في الميدان، وقد عبّرت المقاومة أكثر من مرّة أنّ ما فشل العدو في تحقيقه بالميدان العسكري لن يحقّقه بميدان السّياسة.

بحسب الأنباء المتواترة فإنّ العقدة التي تقف حائلًا دون تحقيق صفقة التّهدئة وتبادل الأسرى تكمن في مسألتين: عودة النّازحين إلى شمال قطاع غزّة، والوقف الدّائم لإطلاق النّار.

الموقف العربي العلني في المسألتين واضح تمامًا، فهو مع وقف الحرب تمامًا ومع عودة النّازحين والمهجرين. بالنّسبة للأردن ومصر فإنّ موقفهما من وقف الحرب وعودة النّازحين، غير مبني على أسباب إنسانية وعاطفية فقط، بل مبني على حسابات سياسية ومصلحية إستراتيجية، خصوصًا فيما يتعلّق بمسألة عودة النّازحين.

إنّ توقّف الحرب الآن وعودة النّازحين إلى شمال قطاع غزّة يعني فيما يعنيه إجهاض طموحات العدو في تهجير أهالي غزّة، وهو أمر في غاية الأهميّة لكلّ من الأردن ومصر. من هنا فإنّ إصرار المقاومة على هذا الشّرط يجب أن يلقى إسنادًا عربيًا.

للأسف فإنّ المقاومة تقف وحدها في تلك المفاوضات الشّرسة، وحتّى الأشقاء يقدّمون أنفسهم كوسطاء محايدين، أمّا الأردن فلا دور له البتّة في تلك المفاوضات، رغم أنّ نتائجها تؤثّر في مصالحه بشكل مباشر.

بحسب تقارير صحفية فهناك ضغوط أمريكية هائلة تمارس على الكيان، وهناك ضغط أمريكي على كلّ من قطر ومصر للضّغط على حركة حماس لتقديم تنازلات للوصول إلى صفقة خلال أيّام، ومن مصلحة الأردن ومصر بالذّات أن لا تتنازل المقاومة عن اشتراطاتها، وهذا يحتاج إلى مساندة ولو من طرف خفي، وعكس ذلك يعني مخاطر على الأمن الأردني والمصري.

وبينما يجد العدو حلفاء يشدّون من أزره ويقفون معه، تقف المقاومة وحيدة دون أيّ إسناد عربي، رغم أنّ أهدافها تصبّ في خدمة الأهداف الإستراتيجية للعرب.

للأسف فإنّ العرب يديرون ظهرهم للمقاومة، بل إنّ بعضهم يعمل ضدّها، وذلك بحجّة أنّها أحد أذرع إيران، لكن الحقيقة هي أنّ إيران دولة لها رؤية إستراتيجية وتستطيع تحمل تكلفة خياراتها المستقلّة، أمّا العرب فلا يملكون الجرأة على ذلك لأسباب عديدة!!

غزة والعرب..

قصة جرح عمره 20 سنة

بقلم: علي سعادة – كاتب وصحفي أردني

تصريحات الوفد الطبّي الكويتي الشّقيق الذي دخل قطاع غزّة لإجراء عمليات جراحية ولتزويد مستشفيات غزّة بكميات كبيرة من المساعدات الطّبية كانت صادمة بالنّسبة لأعضاء الوفد أنفسهم.

فقد رحّب أهالي غزّة بهم باللّغة الإنجليزية، وكانوا يستقبلونهم بكلمة “هاللوو”، وحين سأل طبيب بالوفد عن السّبب في أنّ أهالي غزّة يخاطبونهم بالإنجليزية، قال له طبيب فلسطيني بأنّ أهالي غزّة اعتادوا زيارة الوفود الأجنبية فقط، ولم يسبق لهم أن استقبلوا وفدًا عربيًا.

وكانت صدمة الطّبيب الكويتي حين عرف أنّه لم يقم أيّ وفد عربي بزيارة قطاع غزّة منذ أكثر من 20 عامًا.

تخيّلوا ذلك! العرب تخلّوا عن غزّة تمامًا، تركوها تواجه مصيرها منذ عشرين عامًا، لم يتركوها تدير نفسها وتبحث عن خلاصها، وإنّما حاصروها ومنعوا عنها الماء والغذاء والدّواء والوقود، ولو استطاعوا لمنعوا عنها الهواء، ألقوا بها بكلّ جبروت وضلال على قارعة الطّريق حتّى ينهشها عدو همجي بلا أخلاق أثبت بأنّه مختل عقليًا.

لماذا لم يقم النّظام الرّسمي العربي بأيّ خطوة إيجابية اتجاه غزّة؟ لماذا لم يحاول هذا النّظام أن ينفتح على غزّة وأن يلامس مشاكلها وهمومها، أن يسحبها إلى صفّه وإلى برّ الأمان؟ لماذا مارس دورًا مراهقًا في معاداة غزّة بحجّة أنّها تيار في الإسلام السّياسي، وهي ليست كذلك، ولا توجد في أدبياتها أيّة بنود أو مواد تثير غضب وحفيظة أيّ بلد عربي؟!

فهي منذ البيان الأوّل عام 1987 كانت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) واضحة تمامًا، وأعلنت أنّها حركة تحرير وجهاد وكفاح ضدّ الاحتلال فقط، وأنّ مكان عملياتها فقط في فلسطين المحتلّة، وأنّها لا تتدخّل في الشّأن الدّاخلي للدّول العربية، ولم تكتف بأن يكون ذلك شعارًا ونصًّا مكتوبًا بل مارسته على أرض الواقع.

وحين أغلقت الأبواب في وجهها بحثت غزّة عن أيّة جهة تساندها وتدعمها سياسيًا وماليًا، حاولت مع الأشقّاء لكنّهم وضعوا شروطًا تتماهى وتتوافق تمامًا مع شروط العدو، وتتلخّص في الاستسلام الكامل وأن تقبل بدورها في المشروع الصّهيوني والغربي القائم على فكرة دمج كامل لسلطة الاحتلال في الوطن العربي، وما يترتّب عليه من مدّ سلطة الاحتلال لنفوذها في جميع الدّول العربية والإسلامية، ومصادرة حقّ الشّعب الفلسطيني في العودة إلى وطنه وفي إقامة دولته المستقلّة ذات السّيادة الكاملة على ترابها الوطني.

إزاء ذلك كلّه، وجد النّظام الرّسمي العربي نفسه وحيدًا غريبًا معزولًا تمامًا عن غزّة، بعد أن فقد جميع أوراقه وحرق جسوره مع غزّة التي تواجه مصيرها دون سند أو نصير سوى الله، وصمود شعبها وإيمانه بعدالة قضيّته وحتميّة انتصاره على العدو الذي تقف خلفه الولايات المتّحدة الأمريكية وأوروبا، وحكومات عربية ترى في غزّة وأهلها تهديدًا لمصالحها وتحالفاتها ومكتسبات نخبتها السّياسية والعسكرية والأمنية.

غزّة تقاتل وحدها، محاصرة ومنهكة وجائعة، وقد خذلت من ذوي القربى، فلو انفتح العالم العربي والإسلامي والغربي على غزّة ولم يحاول شيطنتها وخنقها ربّما كنّا سنوفّر على أنفسنا 5 حروب شنّها جيش العدو على قطاع غزّة بصمت عربي مطبق كصمت القبور. لكن “لو” هذه تفتح باب الشّيطان، وباب الشّيطان فتحته “تل أبيب” على وطننا العربي.

الأيام نيوز - الجزائر

الأيام نيوز - الجزائر

اقرأ أيضا