“صوت الأسير الفلسطيني” ليس مجرد عنوان لملف صحفي، بل هو صدى لآلاف الأصوات التي تحاول أن تخترق جدران العزل والحرمان، حيث يقبع الأسرى الفلسطينيون في زنازين الاحتلال، يواجهون يوميًا صنوف القهر والتعذيب، والإهمال الطبي المتعمد، والتنكيل المستمر، في تحدٍّ لكل المواثيق والأعراف الدولية.
هذا الملف، الذي يعدّه نادي الأسير الفلسطيني، ليس توثيقًا للانتهاكات فحسب، بل هو شهادة على صمود أسرى حوّلتهم معاناتهم إلى أيقونات للنضال والحرية. ومن منطلق التزامها التاريخي والوجداني بالقضية الفلسطينية، تفتح الأيام نيوز صفحاتها لنقل صرخات الأسرى، تماشيًا مع مواقف الجزائر الثابتة، التي لم تكن يومًا على الحياد في معركة الكرامة والتحرر، بل كانت دومًا في طليعة المدافعين عن فلسطين، قولًا وفعلًا، دعمًا ومناصرةً.
الجزائر، التي دفعت ثمنًا غاليًا من أجل استقلالها، تدرك أن الحرية لا تُوهب بل تُنتزع، وأن الشعوب لا تُقهر مهما اشتد عليها القيد. لذا، يأتي هذا الملف ليكون صوتًا للأسير، وصرخةً في وجه العالم، ودعوةً للتحرك العاجل لإنهاء معاناة أبطال دفعوا أعمارهم دفاعًا عن الأرض والحق والكرامة.
مضاعفات “الجرب” في السجون الصهيونية قد تصل حد الغرغرينا!
تقرير: إعلام الأسرى
ما الذي يجعل السجان يتفنن في تعذيب سجينه؟ أهي الرغبة الدفينة فقط بالتلذذ بعذابه وسماع صوت آلامه وهو يئن وجعًا من شدة الضرب والتعذيب؟ أم أن هناك سببًا آخر يدفع بالسجان لشن هجمات متتالية على غرف الأسرى وهو بكامل عتاده كما لو أنه يخوض حربًا ضروس ضد أناس عزّل من كل شيء إلا الكرامة والصمود والتحدي! للمحرر المقدسي نضال زلوم رأيٌ وجيه في هذه الهجمات، إذ يعتقد أن السجان لا يفعل ذلك فقط إمعانًا في زيادة عذابات الأسرى، بل لربما هو يشعر بالخوف منهم، فحقًا السجان يخاف سجينه ذي المعنويات العالية التي تعانق عنان السماء، ولا يحدها جدران سجن أو سقف عزل، والذي يقينًا يعرف أن “حتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُها إِلاَّ كفَّر اللَّه بهَا مِنْ خطَايَاه”. والمحرر زلوم سبق وأن تحرر في صفقة وفاء الأحرار عام 2011، لكن أعاد الاحتلال اعتقاله مجددًا في عام 2014، عندما شنّ حملة اعتقالات واسعة طالت عددًا كبيرًا من محرري صفقة شاليط، إلى أن أفرج عنه مجددًا ضمن الدفعة السابعة من المرحلة الأولى لصفقة طوفان الأحرار عام 2025. ويروي زلوم أن الاحتلال يعمد بتعذيب الأسرى وتجويعهم والتنكيل بهم وإهمالهم طبيًا للضغط على فصائل المقاومة الفلسطينية، كما يقصف ويجوع أهل قطاع غزة، معتقدًا أن هذا سيثني عزيمة المقاومة أو الأسرى أو أهالي قطاع غزة. ويلفت النظر إلى أنه في شهر رمضان تتصفد شياطين الجن بينما شياطين الإنس تنطلق في هذا الشهر، فلا يتورع الاحتلال عن مصادرة الساعات وورقة مواقيت الصلاة، وإجراء التفتيشات والعدد ليل نهار، والتنكيل بالأسرى خاصةً وقت الإفطار، فإجراء العدد لا يحلو إلا وقت الإفطار، ويجبر السجانون الأسرى على الجثو على الركب. وفي حديثه يتطرق زلوم لوصف أبشع أساليب الإهمال الطبي، مبينًا أن إدارة سجون الاحتلال تتفنن في كيفية زيادة الإهمال الطبي حتى قد يصل بالأسير إلى طريق لا شفاء منه في حالات كثيرة. ومن قصص الإهمال الطبي التي عاصرها زلوم، قصة أسير من مخيم جنين أصيب بمرض الجرب “السكابيوس”، فتورمت قدماه تورمًا ملحوظًا ولافتًا، والتصقت أصابعه بعضها ببعض حتى فقدت مظهرها، وما عاد في أصابعه أظافر، وتقيحت فلربما أصبحت قدماه في وضع أسوء من وضع الغرغرينا، ولم يقدم له الاحتلال أي علاج! وعن هذا الأسير تحديدًا، دافع عنه زلوم حين حان وقت إجراء العدد، وطلب منه ألا يجثو على ركبتيه وأن يمدهما أمام السجان، وقد كان! فصرخ به السجان: ما بك لا تجثو على ركبتيك؟، فرد بعدم استطاعته، ونال حصته من القمع والضرب، غير أن هذا الفعل عاد عليه بالخير، فالسجان لم يكن ليتحمل عاقبة ما قد تؤول إليه الأمور، في حال استمر بتجاهل حالة هذا الأسير، فأرسل في استدعاء الممرض، الذي قدم بدوره المضادات الحيوية للأسير! وكان في الغرفة ذاتها طبيب ميداني، عمد إلى جراح زميله الأسير، فاعتنى بها ليلة وراء ليلة، حتى بدأت حالته تتحسن، وتظهر بعض الملامح لأصابع قدميه، وإن كان علاج الجرب من النوادر في سجون الاحتلال!!! وفي قصة تعذيب أخرى يروي زلوم أن أحد الأسرى اختلط قيده بلحمه، فحاول السجانون فك القيد، ولم يستطيعوا، فعمدوا إلى قصه بالمقص، ورغم الدماء النازفة مكان القيد الأول، إلا أنهم قيدوا يديه مجددًا إلى الخلف بطريقة عجيبة جعلت الوثاق الأول أرحم من الثاني!!!

الجهة السابعة حيث يلوذ الأسير حتى لا يعيش السجن فيه
كثيرا ما تضيء سطور الكتب بعناوين متجددة لقراءات مستقبلية، فما أن انتهيت من كتاب الصديق المحامي الحيفاوي حسن عبادي بعنوان: “يوميات الزيارة والمزور” حتى بدأت بالبحث عن الرواية موضوع هذه السطور، والموسومة “الجهة السابعة ” للأسير الفلسطيني كميل أبو حنيش الذي يقضي حكما بتسع مؤبدات في السجون الإسرائيلية، وما أن باتت الرواية بين يدي، حتى بدأت بتفحص غلافيه بمكوناتهما، وما تبع ذلك من إهداء، واستهلال فأدركت أن للنصوص الموازية وزنا مختلفا في هذا الكتاب.
بدءا من مستطيل تظلل بالسواد في قمة الغلاف الأمامي، وهل للزنزانة والأسر لونا أكثر بؤسا وكآبة من اللون الأسود؟ ثمة طيف من نور يخترق الصورة كاشفا عن يد متشبثة بنافذة الزنزانة وقد بدا عليها أثر السنين في السجن وملحقاته، تتشبث اليدان بحديد النافذة بقوة توازي رغبة الأسير في معانقة الحرية برغم أحكام المؤبد المتروسة بأعداد خيالية. يمتد هذا الظلام ليغطي جزءا من خارطة فلسطين وإن كان الظلام يغطيها كلها في الواقع، إلا إن للغلاف رسالة أراد المؤلف أن يمررها، فقد تجلل باقي الغلاف بألوان زاهية بل مشعة ويقول فعل التحليق ما يقول ممثلا في مكونات مثل صورة الطائر المحلق الخافق بجناحيه، والطائرة الورقية بألوان علم فلسطين. ثم ظل إنسان متشبث بالحياة برغم المعاناة وسنين الحكم الطويلة ناهيك عن الظروف شديدة القسوة الماثلة في كل مكان خلف الجدران. مجمل هذه المكونات تشير بالضبط وبدقة إلى مضامين هذه الرواية. في هذه الظروف يتساءل الكاتب في استهلال الرواية عن لغة الكتابة الممكنة فيقول:” أتروي لهم حكايتك كما هو مألوف؟ أو كما درجت عليه عادتهم في الاستماع أو المشاهدة أو القراءة؟ أم ترويها لهم على نحو مغاير؟ مؤكدا أن ثمة ظروف للعيش خلف هذه الأسوار والأبواب الموصدة ما استدعى هذا التساؤل: “ذلك لأنك ستحاول أن تقنعهم أنك تحيا في عالم آخر غير عالمهم المترع بالأحداث والتفاصيل الرتيبة والمكتظ بكل أشكال الحياة وألوانها وغرائبها فيما عالمك محاصر ليس جديرا أن يطلق عليه توصيف الحياة” ثمة في ذلك العالم المحاصر قاعدة اعتمدها آلاف الأسرى سيما من قضوا عقودا خلف القضبان، تقول القاعدة المأثورة: “عش في السجن ولا تدعه يعيش فيك”، ومن الطاقة الكامنة بين حروف هذه المقولة انبثقت أعمال أدبية وفنية عززت إرادة الحياة لدى الكثير من الأسرى
من هنا تأتي فكرة “الجهة السابعة” التي يمهد الكاتب لظروف نشأتها ومبرراتها في ص14 ثم لا ينفك يشير إليها في مواقع مختلفة ذات دلالة عبر السرد حتى نهايته. يقول كميل أبو حنيش:” “تحجبك الجدران والأسوار والأبواب الموصدة، تتأمل جهاتك الست فتجدها مكتظة بكل أشكال الحصار وألوان الوجع الإنساني، تتعاقب عليها فصول الاختناق والغثيان والرغبة في الانطفاء فصار يتعين عليك اختراع الجهة السابعة كي لا تتلاشى في الغياب الأبدي وأنت لا تزال على قيد الحياة” ثم يردف في نهاية الصفحة: “مع الوقت سيساورك شعور أن الحلم والخيال أعلى منزلة من الواقع، فتغدو الجهة السابعة لبشر على شاكلة بشر يحيون معك في هذا البرزخ الأبدي هي الجهة الأكثر واقعية، وأنها حياة كاملة” إلى أن يشرف على موقع يطل منه على هذه الجهة بمكوناتها الثلاث: “فكان لا بد من جهة أخرى تتسلل إليها خلسة تخترق الجدران الصماء، وهناك في تلك الجهة حيث لا هي زمان ولا مكان ستعثر على ثلاث بوابات، واحدة للحب وأخرى للحلم، وثالثة للموت، فالحب لحظة خارجة عن الزمن، والحلم لحظة خارجة عن الواقع، والموت لحظة خارجة عن الحياة”. عبر هذه البوابات الثلاث “الحب والحلم والموت” سيمضي المؤلف في تقديم معالم سيرة ذاتية ولكن بأسلوب مختلف قليلا من حيث علاقة السرد بالأحداث، فيروي من نقطة معينة ثم لا يلبث يعود للبدايات حيث الطفولة فنراه يشير إلى بعض الأحداث، ثم يعيد الكرة مفسرا ومفصلا، أما عن إيقاع السرد فتراوح بين المتمهل المغرق في الوصف سيما في بدايات الفصول، وآخر ذي ايقاع متناغم مع طبيعة الأحداث سيما في وصفه لأحداث الانتفاضتين والظروف المتعلقة بهما.
يستهل الكاتب باب الحب بأبيات من قصيدة صوفية لأبي القاسم القشيري:
شربت الحب كأسا بعد كأس
فما نفذ الشراب ولا رويت
هو ذا كميل أبو حنيش يتسلل عبر هذا الباب بعيدا عن السجن وحراسه، تقوده خطاه إلى عالم الحب حيث وجد نفسه فجأة وقد تحرر من تبتله الثوري، الذي يقتضي الحذر في موضوع الحب والعلاقات مع البنات سيما في ظروف الانتفاضة، هكذا وجد الراوي نفسه في معبد الحب مع الهة الحب “أروى” تلك الفتاة التي أطلق العنان لخياله في تتبعها، ولقلمه في وصفها، كانت فعلا أشبه بآلهة في تعامله معها فلم يدن منها إلا صدفة، ولم يتحدث معها إلا لماما، ولكنها استقرت في وجدانه بعد أن غابت من مشهد الحياة اليومية، فطفق يبحث عن صفاتها أو بعض صفاتها في الأخريات فكانت فاتن، ومنى، ووصال ونبال ثم حنان، أسماء بكثير من المعاني، فهل كانت الأسماء واقعية في مصادفة عجيبة، ام ابتكرها ليفتح لنفسه آفاقا في ربط هذه الأسماء مع ما لمس منهن من صفات؟ تساؤل لن أتوقف عنده طويلا. ثمة ما يجب الإشارة إليه في علاقاته بالفتيات من خطاب مبني على الاحترام للمرأة بشكل عام، فلم أجد في حديثه ما يشير إلى الاستعراض في الحديث عنهن بل كانت لعلاقته بكل منهن ظرفها، ثم هذا الموقف من حنان وتوجهه لإنهاء العلاقة معها بالتفاهم نظرا لصعوبة ظرفه الشخصي ورغبة منه في تجنيبها خطر المعاناة من هذه الظروف. ويتابع كميل أبو حنيش مسيرته في بوابة الحب من الجهة السابعة وليس له من رفيق سوى ظل أروى وأوصافها، وأجواء تعزز هذا الحضور مستدعيا الشاعر البرتغالي فرناندو بيساوا، وابن عربي والحلاج. ثم يعقد لها هذا الوعد باللقاء المستمر فيقول: “سأظل أوافيك في جهتي السابعة كغزالة هاربة مني منذ ربع قرن، أنصب مصيدة لها في باب الحب، في تلك الجهة لعلي أظفر بها ولو في الحلم”. ويقرر الراوي أن يدخل إلى باب الحلم، الباب الثاني من أبواب الجهة السابعة، ويستهل هذ الباب في الربط بين الحلم والذاكرة، وبين الحلم والآتي من الأحداث داخلا إلى عالم الفنتازيا والخيال الواسع فيقول: “في السجن تقع تحت غواية سطوة الأحلام فترتقي بك عن الواقع وعن عالمك المحاصر ويغدو الماضي والآتي هو المادة الدسمة التي تتغذى عليها الأحلام”. وليس من صورة للماضي سوى الذاكرة التي يؤكد الكاتب على سطوتها: “في الجهة السابعة أنت مجرد من أي سلاح سوى الذاكرة فتعكف على اعتصارها بحثا عن كل ما هو آسر واستثنائي ص 101 وخارق ومذهل، وتكمن المفارقة في تطلع الكاتب الأسير لما هو آسر، فهل ثمة فارق بين الأسير المحاصر والأسير المحلق في جهته السابعة في عالم الخيال والفانتازيا؟ ويتابع الكاتب استعراض ما لعالم الأحلام من فضل: فيقول ص 104″وحدها الجهة السابعة من تُنقذ أحلامك، ولا يملك السجان محاسبتك أو اقتفاء أثرك”، على أمل ألا يتوصل السجان إلى ما توصلت إليه أسمهان وشقيقها جميحان من اختراق أحلام “محمد الأصغر” ثم ابتزازه كما في رواية منزل الذكريات لأديبنا المقدسي المبدع محمود شقير. يطل المؤلف من باب الحلم في الجهة السابعة على مشاهد من مراحل مبكرة من الحياة حيث سندس ومغامرات الحب الطفولي الأول الذي لم يعمر طويلا، مرورا بمغامرات الطفولة ومحاولة تقليد الأكبر سنا، وزيارة الأقارب في السجون منذ مراحل الطفولة المبكرة واللجوء إلى الجدة مصدرا للمعلومات بين دعابة وجد، ثم ترتسم معالم علاقة مميزة مع الجدة التي تبات في مرحلة ما أمينة للسر، ليس ثمة ما يتعلق بحب أو شقاوة مراهقين بل أوراقا ائتمنها عليها وأبت إلا أن تردها له تسليم اليد ولم يكن غريبا إذ ذاك أن تكون الجدة عريفة عنوانا للإهداء. مراحل أخرى كثيرة من حياته تناولها المؤلف في باب الحلم، عن الدراسة والنجاح في الثانوية العامة، والعمل في الناصرة، ثم الدراسة الجامعية وأجوائها وبداية تبلور الوعي السياسي سيما في الظروف العامة التي تصادفت مع تلك المرحلة من اتفاق اوسلو وتبعاته. ولم تغب أروي ورفيقاته الأخريات عن المشاهد كما لن يغبن في أثناء حديثه في باب “الموت ” الباب الثالث والأخير من “الجهة السابعة”
يعبر الكاتب إلى باب الموت مارا بأبيات الشاعر أحمد شوقي
ولون أن الجهات خلقن سبعا
لكان الموت سابعة الجهات
وفي هذا البيت ما فيه من معان وثيقة الصلة بعنوان الرواية، وعنوان هذا الفصل ومضمونه ما أنرك للقارئ أمر اكتشافه والخوض فيه، ولكن للموت دوما حضور في وعي الناس على مر الأزمان وطالما ارتبط في حضارات الشعوب أفكار ومعتقدات وفلسفات، أما المؤلف في هذه الرواية فقد تناوله من باب آخر هو ذا يعبر عن هاجس الموت الذي لا يمكن تجاهله يقول :” في السجن ومع توالي السنوات، تسمع هسيس الموت يدنوا بين الفينة والأخرى، هاجسك الموت قبل أن تعانق نسائم الحرية، وأن يحتجز العدو جثتك في الثلاجة أو في مقابر الأرقام لتغدو مجرد رقم بلا إثم ولا هوية” إذن هو هسيس الموت الذي عبر عنه في مواقع مختلفة من هذا الفصل على درجات متعددة من الشدة تتناسب وقسوة الحضور، لكنه أبدا لم يكن نادبا ولا متقوقعا بانتظار “هسيس الموت” كانت الانتفاضة الثانية وما رافقها من اجتياحات مسرح أحداث هذا الفصل حتى اليوم الذي وقع فيه في براثن الأسر، وقد صور التفاعل مع الموت من خلال ما يمكن أن يسمى يوميات الاجتياح حين يبدو رفيق الأمس مشهدا شديد القسوة في الشارع، وحين يتحول هسيس الموت إلى أرقام تحصي الشهداء في نابلس وجنين وغيرها. وفي السجن باتت وقفة أحد السجناء بالباب نذيرا بعلو “هسيس الموت” واقترابه بصورة بشعة يتبعها الإعلان عن فقد قريب أو رفيق درب وصديق، ثم صرخة مدوية وبكاء. ثم يأتي خبر وفاة الجدة فيقول:” تموت الجدة، ويضفي على موتها معنى وجوديا مكثفا فألوذ للجهة السابعة، أتأمل حياتها وموتها وذلك الرابط الوثيق ال كان ولا زال يربطني بها”ص302 الجهة السابعة إذن كانت ملاذ كميل أبو حنيش أنى كان الباب الذي قصده سواء من باب “الحب” برفقة أروى وشبيهاتها، أو من باب” الحلم” وتفاصيل وذكريات حياة عابقة بالحياة، أو حين دنى منه هسيس الموت ليفجعه رحيل الرفاق فادي وجبريل ثم رحيل الجدة عريفة يلوذ كميل أبو حنيش بالجهة السابعة حتى لا يعيش السجن فيه.
* تم حفل توقيع الكتاب يوم السبت 25.09.2021 بمعرض عمان الدولي 20 للكتاب
* وتم حفل توقيع الكتاب يوم الجمعة 23.09.2022 بمعرض فلسطين الدولي 12 للكتاب
بن معمر الحاج عيسى
وجه طفل في زنزانة العالم: قصة طارق أبو خضير وانكسار الإنسانية على صخرة الصمت
في قاعة محكمة إسرائيلية ضيقة، يحمل جداراها صدى صمت العالم، جلس طفلٌ فلسطيني بعينين واسعتين تكشفان عن ألمٍ أكبر من عمره، آثار زرقاء على وجهه، ويدان مرتجفتان، ونظرةٌ تحمل سؤالًا واحدًا: “لماذا أنا هنا؟”. طارق أبو خضير، الذي لم يتجاوز الـ16 ربيعًا، لم يكن سوى واحدًا من مئات الأطفال الفلسطينيين الذين تحولت طفولتهم إلى سجلٍّ للاعتقالات والتعذيب والانتهاكات تحت ذرائع أمنية غامضة، لكن صورته التي التقطت خلال جلسة محاكمته لم تكن مجرد شاهد على معاناة فرد، بل كانت مرآةً تكشف انهيارًا أخلاقيًا عالميًا في زمنٍ يُنصَب فيه العدل على مذبح المصالح.
قصة طارق ليست استثناءً في سياق الاحتلال الإسرائيلي، الذي اعتقل منذ عام 2000 أكثر من 12 ألف طفل فلسطيني، وفقًا لتقارير منظمات حقوقية محلية، لكنها قصةٌ تختصر مفارقةً مروعة: لو كان هذا الطفل من دولة أخرى، لتحولت صورته إلى أيقونة عالمية للظلم، تُحرّك الشوارع وتُغلق السفارات وتُعقد القمم. فالأطفال في سوريا أو أوكرانيا أو ميانمار يجدون من يصنع لهم قضيةً إعلاميةً تليق بإنسانيتهم، أما طارق وأقرانه الفلسطينيون، فمصيرهم أن يُختَزَلوا إلى “أرقام” في صراعٍ طويل، أو إلى “مقاتلين” في سرديةٍ تبرر انتزاع طفولتهم.
المفارقة الأعمق تكمن في أن الانتهاكات التي يتعرض لها طارق وأطفال مثله مُوثَّقةٌ بشكلٍ لا لبس فيه. تقارير منظمة “اليونيسف” تشير إلى أن الاعتقالات العسكرية للأطفال الفلسطينيين تتم غالبًا وسط إجراءات قاسية: تقييد الأيدي، ووضع العصابة على العينين، والحرمان من الطعام والشراب، والتعرض للضرب المبرح والتهديد، كتكتيك لانتزاع اعترافات. في حالة طارق، كانت الأدلة جسديةً واضحة: انتفاخات في الوجه، آثار جروح، وعينان حمراوان من البكاء أو الضرب، ومع ذلك، ظلت هذه الأدلة حبيسة أدراج المحاكم العسكرية الإسرائيلية، التي تُدين أكثر من 99% من الفلسطينيين المُحالين إليها، بحسب تقرير لجنة الأمم المتحدة الخاصة بحقوق الإنسان.
الغرباء في هذه القصة ليسوا الفلسطينيين وحدهم، بل هم أولئك الذين يرتدون عباءة “الحضارة” ويختارون العمى، فالصحف الدولية الكبرى التي لا تتردد في نشر صور الأطفال ضحايا الحروب، تنقلب إلى برودٍ غريب حين يتعلق الأمر بفلسطين. هل يعود هذا إلى أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي صار “مُستهلكًا” إعلاميًا؟ أم أن الإحساس بالذنب التاريخي لأوروبا تجاه اليهود حوّل فلسطين إلى منطقةٍ مُحرَّمةٍ على النقد؟ الأسئلة معلقة، لكن النتيجة واحدة: طفلٌ مُعذَّبٌ يُعامَل كخلفيةٍ في مشهدٍ سياسي، لا كإنسانٍ له حقوق.
في عالمٍ يتباهى بمنظمات حقوق الإنسان، يبدو الصمت المُطبق حول قضية طارق سخريةً قاتلة. فحين يُعتقل طفلٌ فلسطيني، تتحرك الآليات الحقوقية ببطءٍ يُشبه المشي في طينٍ غارق. البيانات تُنشَر بلغةٍ حذرة، والتحقيقات تُعلَّق على أمل “التعاون” مع سلطات الاحتلال، والضغوط الدولية تذوب في الهواء. لماذا لا تُوقِف منظمة “هيومن رايتس ووتش” حملاتها عند كل حالة اعتقال؟ ولماذا لا تُهدِّد الحكومات الغربية بقطع العلاقات الدبلوماسية، كما تفعل في أزماتٍ أخرى؟ الجواب بسيطٌ وقاسٍ: لأن الفلسطيني، في المعادلة الجيوسياسية، هو الرهينة الأبدي الذي يُباع ويُشترى في سوق المساومات.
حتى مجلس الأمن الدولي، الذي تأسس ليحمي الضعفاء، يتحول إلى مسرحٍ للهزليات حين تُطرَح قضية فلسطين، فالفيتو الأمريكي يلوح في الأفق كسيفٍ مسلط على أي قرارٍ يُنصف الفلسطينيين. وحين اجتمع المجلس عام 2023 لمناقشة عدوانٍ إسرائيلي على غزة، تحول النقاش إلى جدالٍ حول “حق الدفاع عن النفس”، بينما غابت كلمة “الأطفال” عن البيان الختامي. هذه الازدواجية ليست خفية: فالقانون الدولي يُطبَّق بصرامةٍ على دولٍ عربيةٍ أو إفريقية، بينما يُعفى الاحتلال الإسرائيلي من المحاسبة تحت مظلة “التفاوض” و”الحل السلمي”، الذي طال انتظاره 75 عامًا.
لكن طارق وأطفال فلسطين ليسوا مجرد ضحايا. إنهم يصرخون بسؤالٍ يهز ضمير العالم: ما قيمة الاتفاقيات الدولية إن كانت تُخرَق كل يوم؟ ما معنى اتفاقية حقوق الطفل التي وقعتها إسرائيل عام 1991، بينما تقبع أجساد الأطفال في زنازينها؟ وكيف يُصدَّق أن دولًا تدعي الالتزام بـ”القيم الإنسانية” توفر غطاءً لجرائمٍ تُرتكب باسم الأمن؟ القضية هنا ليست سياسيةً فحسب، بل أخلاقية. فالصمت على انتهاك طفلٍ فلسطيني هو صمتٌ على انتهاك مبدأٍ إنساني كامل.
في الختام، طارق أبو خضير ليس مجرد اسمٍ في خبرٍ عابر. إنه اختبارٌ للإنسانية جمعاء. فالأطفال الذين يُعذَّبون في سجون الاحتلال لا يحتاجون إلى تعاطفٍ مؤقت، بل إلى عدالةٍ تنتزعهم من براثن نظام فصل عنصري يختزلهم إلى “تهديدات ديموغرافية”. صورته البائسة على شاشات التلفاز ليست دعوةً للشفقة، بل صرخةٌ تُذكِّر العالم بأن شرعية القانون لا تُبنَى بالانتقائية، وأن الحقوق لا تُمنح، بل تُنتزع. فلسطين، بقضيتها وأطفالها، لن تكون مجرد ذكرى في كتب التاريخ، بل ستظل جرحًا نازفًا في جبين كل من يرفضون أن يكونوا شركاء في الصمت.

سطرٌ في كتاب التاريخ
لم يكن اغتصاب فلسطين إلا السطر الأخير في رواية الوهن العربي، وهو المصطلح الذي قد يلخص كل أسباب ومظاهر ما اصطلحنا على تسميته بالتخلف، والذي يمتد لينسحب على غياب وقصور الأسباب المادية والإدارية التنظيمية التي تضبط إيقاع المجتمع وتشمل الحكام والمحكومين على حدٍّ سواء، ولكنه يغوص أيضاً ليطال العميق في الفرد الإنسان ويقظته وانتباهه وحماسته وطموحه وأشواقه وجينات الحرية والجمال في روحه وإدراكه لذاته والمحيط من حوله ووضوح الصورة التي ينشدها لذاته وإيمانه بدوره في المكان والزمان، بالإضافة إلى اجتهاده في ابتكار الأدوات التي تمكنه من امتلاك فضائه وتطويره. وهي معادلة، وإن بدت معقَّدةً، إلا أنها تتلخص في افتقاد الطموح والهدف والإيمان بالذات، مما يجعل الفرد مسترخياً مستسلماً مستهلِكاً، إلى أن يصبح مجرد هلامٍ غير قادر على التفكير، ناهيك عن الابتكار، وراهناً حاضره ووجوده بالآخرين، ومتوسّلاً سماته منهم، وواقفاً على أبواب شرعيتهم، ومراهناً على عطفهم وتفهمهم، متكئاً على أوهام حسن ظنه بهم أو مخادعاً نفسه بذلك.
الأمر إلى منتهاه حين يصبح في نهاية المطاف مستلباً وعاجزاً ليس عن التفكير فقط، بل عن الرغبة أيضاً، حين تنضب أشواقه ويستسلم حينها لغرائزه وأوهامه، ويفقد كل صلة له بذاته حتى لا يكاد يستطيع أن يتخيل أيَّ إمكانية نهوض أو فعلٍ إيجابي يصدر عنه. وحتى حين ينهض ثانية ويبدع سيمفونيةً على شكل انتفاضة وثورة مجتمعية وصحوة، فإنه لا يجد أين يضعها في إحداثيات إدراكه إلا أنها مؤامرة أمريكية صهيونية، فقد بلغ به الأمر إلى أن مُسحت الخريطة الدلالية الأولى لديه واستبدلت بها الدلالات والمعايير التي ظلت تُصب في وجدانه مع كل وجبة همبرغر وفيلم كاوبوي، دون أن ننسى الدور المكمل للاستبداد الداخلي الذي جعله يؤثر السلامة ويستبدل عنَّةَ الفكر بالكرامة.
حتى يصبح بإمكاننا أن نتصور أنَّ إنساناً جديداً قد تشكّل على مدى عقود طويلة، جعلت بالإمكان التسلل إلينا واستلاب مساحاتنا الداخلية من وعي وملامح وانتباه وثقة وإرادة، قبل أن يصبح بالإمكان استلاب فضائنا وزماننا وأرضنا وثقافتنا وقرارنا، والتي ترتد لتفاقم استلابنا الداخلي وتتفاعل في حلقة سوداء يراد في منتهاها أن تُجهز على جميعنا، ليكون الشكل النهائيُّ مسخاً أشبه بالبشر، يقبل بنفيه وهامشيته، ويتجرّأُ على كينونته هؤلاء الآخرون إلى درجة الامتهان، حين يطلبون من العرب الإقرار بوطنهم دولةً يهودية.
هذا السطر الأخير في هذه الرواية هو مفتتح لهوامش الرواية التي سارت وتدحرجت وجعلت كل الفصول التالية ممكنة، وجعلت ممكناً كل هذا الاستبداد الذي بددنا واستنزفنا في كوميديا تصل إلى أن تصبح مقدراتنا في بنوك أعدائنا، يقاتلوننا بها ويبتزوننا بها، في مشهد عجزٍ كامل عن التوقف عن الانزلاق في الجب الذي يشيرون به علينا، ويوظفوننا لإفقارنا، ويوحون إلينا بتخريب بيوتنا بأيدينا، وقد أصبحنا، والحال كما تقدم، مجرد دمى، فليس غريباً أن يكون منا ما يكون حين نكمم أفواهنا لكي لا نصرخ فيهم، ونضحي بثرواتنا رخيصةً من أجل أن يصعدوا على هاماتنا.
لقد تجرّأوا على إنسانيتنا ووعينا وذكائنا قبل أن يتجرأوا على حقوقنا، وصادروا تفردنا، حين وصل منتهى الاستلاب منا إلى أننا لم نعد نصدق أننا قادرون على الإبداع والكرامة، وأن وجودنا ذاته قد يكون مجرد تدبير ومؤامرة وتخطيط منهم. لكن هذا السطر الأخير في اغتصاب فلسطين هو أيضاً السطر الأول في رواية الصحوة، بما تمثله فلسطين في الوجدان العربي، وبما تستفزه في مدركاتنا ووجداننا وكينونتنا، وفي العميق من سر الكرامة والتحقق فينا، وفي البعيد البعيد الذي يحسه الرجال.
فإذا كان اغتصابها هو منتهى درجات استلاب الإنسان العربي، بما أنها تاج كرامته وجوهرة عزته، وبما أن معاناته وتخلفه، اللذين حرص أعداؤه على تكريسهما، كانا لتأبيد اغتصاب تاجه وجوهرته، فإنه يعي تماماً أن عزته وحريته وكرامته ونهضته لن تتحقق ولن تكتمل ولن تستقر إلا بالتوقيع الأخير، وأن تحرير فلسطين هو هذا التوقيع. لهذا بالضبط كانت فلسطين هي الحاضر الكامل في عمق مشهد حرية الشعوب العربية التي تستأنف الآن ذاتها، لتجعل من كابوسنا الحاضر مجرد سطرٍ يقرأه مستقبلاً تلاميذ العرب في كتاب التاريخ.
أمراض تنهش الأجساد يزيدها السجان بالإهمال الطبي
يتفنن العدو الصهيوني في إذلال وتعذيب الأسرى الفلسطينيين في سجونه بأبشع الأساليب ضاربًا بالقرارات الدولية عرض الحائط، فمنذ اندلاع حرب طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر عام 2023 والتي لم يسبق لها مثيل في التاريخ الحديث، مورست فيها جميع أشكال الوحشية واللاإنسانية، وسجلت فيها قصص لا يستوعبها العقل وأما ما لايزال مخفيا منها تحت طيات الدمار فأكثر مما كشف عنه وأشد تنكيلا.
شهادات قاسية تكشف الوجه الحقيقي للاحتلال
بصوت خافت بسبب الإعياء الشديد، يقول الأسير المحرر محمد الأغا من مدينة غزة ” تعرضنا لتحقيق قاسٍ وتعذيب شديد داخل معتقل لم نر منه الشمس، ولا نعلم مواقيت الصلاة، ومنعنا الجيش الإسرائيلي من التحدث مع بعضنا”. ولم أكن أدرك مكان اعتقالي إلا بعد أن أبلغني أسير آخر بذلك، وذلك لبقائي معصوب العين مكبل الأيدي طوال الوقت، سدي تيمان معتقل التعذيب والموت كان شديد البرودة، يُجبر فيه المعتقلون على الجلوس في وضعيتين فقط: إما على الركب أو على المؤخرة طوال ساعات النهار. مورس علينا أنواع التعذيب والضرب والتنكيل، حرمنا من النوم والملابس والأغطية، حتى أن المعتقل الذي يطلب الذهاب إلى الحمام يعاقب، ويجبر على الجلوس على الركب لفترة طويلة دون فراش، مع رفع البنطال حتى الركبة لتلامس الأرض، وتكبيل أيديهم خلف الرأس.
عندما يصبح الإهمال الطبي جريمة
اتبع الاحتلال أساليب التعذيب ذاتها بحق أسرى الضفة، حيث شعر الأسير المحرر المعاد اعتقاله في صفقة وفاء الأحرار نضال زلوم من مدينة رام الله بأن الاحتلال يعمد بتعذيب الأسرى وتجويعهم والتنكيل بهم وإهمالهم طبيًا للضغط على فصائل المقاومة الفلسطينية، كما يقصف ويجوع أهل قطاع غزة، معتقدًا أن هذا سيثني عزيمة المقاومة أو الأسرى أو أهالي قطاع غزة. ويلفت النظر إلى أنه في شهر رمضان تتصفد شياطين الجن بينما شياطين الإنس تنطلق في هذا الشهر، فلا يتورع الاحتلال عن مصادرة الساعات وورقة مواقيت الصلاة، وإجراء التفتيشات والعدد ليل نهار، والتنكيل بالأسرى خاصةً وقت الإفطار، فإجراء العدد لا يحلو إلا وقت الإفطار، ويجبر السجانون الأسرى على الجثو على الركب. وفي حديثه يتطرق زلوم لوصف أبشع أساليب الإهمال الطبي، مبينًا أن إدارة سجون الاحتلال تتفنن في كيفية زيادة الإهمال الطبي حتى قد يصل بالأسير إلى طريق لا شفاء منه في حالات كثيرة. ومن قصص الإهمال الطبي التي عاصرها زلوم، قصة أسير من مخيم جنين أصيب بمرض الجرب “السكابيوس”، فتورمت قدماه تورمًا ملحوظًا ولافتًا، والتصقت أصابعه بعضها ببعض حتى فقدت مظهرها، وما عاد في أصابعه أظافر، وتقيحت فلربما أصبحت قدماه في وضع أسوء من وضع الغرغرينا، ولم يقدم له الاحتلال أي علاج! إن ما يتعرض له الأسرى والأسيرات في اللحظات الأخيرة قبل الإفراج عنهم يعكس مدى “الهمجية والبربرية الإسرائيلية، ويكشف مدى الهزيمة في نفوس الجنود والتعبير عن مكنوناتهم بالاعتداء على أسرى مقيدين يعانون من تجويع وتعذيب وحرمان من التواصل مع ذويهم”. ونوه إلى أن الاحتلال زاد من تعذيبه للأسرى منذ بداية الحرب على غزة وارتكب جرائم مروعة بحق الأسرى، أسفرت عن قتل العشرات منهم نتيجة التعذيب الشديد. في السياق ذاته، قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إن الحالة الصحية المتدهورة للأسرى والمعتقلين الفلسطينيين الذين أفرجت عنهم إسرائيل في إطار صفقة التبادل تعكس الظروف القاسية التي عاشوها خلال اعتقالهم. وأوضح أنه ظهر على معظمهم علامات تدهور صحي حاد مع فقدانهم عدة كيلوغرامات من وزنهم جراء التجويع المتعمد، في حين حولت قوات الاحتلال سجونها إلى مراكز تعذيب منهجي للأسرى بينهم المحكومون والمحتجزون قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
أحمد صلاح.. صلاة لم تكتمل
تقرير: عبد الباسط خلف – جنين
لم يكن الشاب أحمد فتحي صلاح (36 عاماً) يعلم أن ذهابه من بلدته كفر دان، غرب جنين، إلى مسجد القاضي في أطراف المدينة لأداء صلاة التراويح، سيكون الأخير في ذلك المساء.
وأكد فراس حمارشة، وهو شاهد عيان، لـ”الحياة الجديدة” أنه كان يجلس رفقة شبان عند دوار الداخلية، ولاحظوا تحرك مصفحات احتلالية نحو المكان، بينما كان الشاب صلاح يجتاز الطريق. وأضاف أن إحدى الدوريات الاحتلالية دهست أحمد وأسقطته على الأرض، فصار ينزف من رأسه، واكتفى أحد جنود الاحتلال بالنزول من المصفحة، فألقى نظرة سريعة على الشاب، ثم واصلوا سيرهم.
وتابع حمارشة أنه بدأ مع المتواجدين في الموقع بالتواصل مع الإسعاف، إلا أنهم فشلوا في مهمتهم، فتطوع أحد المارة ونقله إلى مستشفى ابن سينا المجاور بمركبته.
قلب ورضيعة
أفادت مصادر طبية في مستشفى ابن سينا بجنين بأن صلاح وصل وقد فارق الحياة، إذ تعرض لإصابة مميتة في الرأس، وعبثاً حاول الأطباء إنعاش قلبه.
وبالكاد استطاع ابن عمه ثائر تمالك نفسه وهو يروي اللحظات الأخيرة في حياة أحمد، الذي رفع شاهده بعد سقوطه عن دراجته.
وقال بحزن إن ابن عمه اعتاد، منذ مطلع رمضان، التوجه بدراجته النارية كل مساء إلى جنين لأداء صلاة التراويح خلف الشيخ محمد عباهرة، ثم إكمال جلسة حفظ القرآن. غير أن مصفحة للاحتلال، يطلق عليها الأهالي “بوز النمر”، قطعت طريقه عند دوار الداخلية وأصابته بشكل قاتل في رأسه.
ترك أحمد خلفه رفيقة دربه، وطفله البكر عمر، الذي يبلغ ستة أعوام، وصغيرته فرح ذات الأربع سنوات، ورضيعته سيلين البالغة خمسة أشهر. كما شغر مكانه الخامس في عائلته ذات الأبناء الستة والبنات الثلاث؛ إذ يسبقه منتصر وفرج ومحمد، ويليه عبد السلام وعبد الله.
ووفق ما أفاد به أقاربه، فإن أحمد تخلى عن سيارته قبل بداية رمضان، وابتاع دراجة نارية، وواظب طوال عشر ليالٍ على الوصول إلى مسجد القاضي. وأوضحوا أنه كان يعمل في أراضي الـ48، وبرع في بناء الحجر، لكنه توقف قسراً منذ خريف 2023، وبدأ يفتش عن عمل في بلدته والمناطق المجاورة، وكان متواضعاً ويقبل بأي فرصة.
الشهيد الحادي والثلاثون
تمكن أحمد، في وقت قصير، من حفظ 10 أجزاء من كتاب الله، وكان يحلم بإنهاء 30 جزءاً، وكان في سباق مع الزمن.
وتابع ثائر بحزن: “أحمد لم يفرح برضيعته سيلين، التي وُلدت قبل خمسة أشهر، وستعيش يتيمة من الآن.”
وهبطت الأحزان سريعة وثقيلة على أهالي كفردان، الذين تقاطروا إلى بيت والده للعزاء والمواساة. وقال الشاب أحمد عابد إن البلدة تبكي بحرقة على شاب خلوق ومتواضع وبشوش، وازداد ألمها وقهرها على أطفاله الذين تيتموا قبل أن يعرفوا عطف والدهم.
ويحمل أحمد الرقم الحادي والثلاثين بين الشهداء الذين قضوا جراء العدوان الواسع المتواصل على جنين ومخيمها وريفها، منذ 21 كانون الثاني الماضي.
ظروف قاسية وتنكيل ممنهج بالأسرى والأسيرات في سجون الاحتلال الصهيوني
تواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي منذ أكثر من 17 شهرًا حملات التنكيل بحق الأسرى والأسيرات الفلسطينيين داخل السجون والمعسكرات، ضمن سياسة قمعية ممنهجة في ظل حرب الإبادة الجماعية التي تطال الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده.
فقد شنت سلطات الاحتلال، منذ اليوم الأول للعدوان، حملة اعتقالات موسعة طالت عشرات الآلاف من الفلسطينيين من مختلف محافظات وقرى ومخيمات الضفة الغربية والقدس المحتلة وقطاع غزة. وترافقت هذه الاعتقالات مع تصعيد خطير داخل السجون، حيث فرضت الإدارة إجراءات قمعية شاملة بحق الأسرى والأسيرات، شملت سياسة التجويع والتعطيش، العزل الكامل عن العالم الخارجي، منع زيارات الأهالي، وعرقلة زيارات المحامين. كما صادرت كافة الأدوات الكهربائية داخل الأقسام، واتبعت سياسة الإهمال الطبي المتعمد، وارتكبت جرائم التعذيب وسوء المعاملة، مما أدى إلى استشهاد 62 أسيرًا خلال الفترة الماضية من المعلومة هوياتهم، إضافة إلى استشهاد عدد آخر من أسرى غزة داخل المعسكرات والسجون، وسط استمرار سياسة الاختفاء القسري بحقهم.
وتزداد الأوضاع سوءًا مع دخول شهر رمضان، حيث تعمد إدارة السجون إلى تقديم وجبات غذائية قليلة ورديئة النوعية، دون توفير وجبات السحور، ما يضطر الأسرى إلى ادخار جزء من الطعام لتلبية احتياجاتهم الأساسية. إضافة إلى ذلك، تم تقليص أدوات النظافة الشخصية، وأصبحت السجون مكتظة بالأسرى، ما أدى إلى تفشي مرض “السكابيوس” في معظم السجون، دون تقديم الأدوية أو الرعاية الصحية المناسبة، مما يزيد من معاناة الأسرى حتى اللحظة.
وتُعدّ عيادة سجن الرملة واحدة من أبرز النماذج على سياسة الإهمال الطبي المتعمد التي تنتهجها إدارة سجون الاحتلال بحق الأسرى المرضى والمصابين، حيث تفتقر العيادة لأدنى مقومات الرعاية الصحية الأساسية، وتخلو من الكوادر الطبية المؤهلة للتعامل مع الحالات الخطيرة والمستعصية. ورغم تحويل عدد من الأسرى المرضى والمصابين إليها، فإن المعاناة تستمر دون تقديم العلاج المناسب أو المتابعة الطبية اللازمة، بل غالبًا ما يُترك الأسرى فيها لتفاقم أمراضهم وإصاباتهم دون تدخل حقيقي.
ويُحتجز في عيادة سجن الرملة حاليًا ما يقارب 24 أسيرًا يعانون من أمراض مزمنة، وإصابات خطيرة، أو إعاقات مستديمة، وسط ظروف صحية بالغة السوء، مع غياب الأدوية والفحوصات الدورية، واتباع سياسة المماطلة في نقل الحالات الحرجة إلى المستشفيات المدنية. وتأتي هذه الممارسات ضمن سياسة ممنهجة تهدف إلى إنهاك الأسرى المرضى نفسيًا وجسديًا، وتعريض حياتهم للخطر المباشر.
الأطفال في سجني الدامون ومجدو.. معاناة مستمرة لا تنتهي
يتعرض الأطفال الفلسطينيون المعتقلون في سجون الاحتلال لمعاناة مضاعفة تفاقمت بشكل خطير بعد حرب الإبادة الجماعية الأخيرة، حيث كثفت سلطات الاحتلال من حملات الاعتقال التي طالت الأطفال. ويعيش هؤلاء الأطفال، الموزعون بين سجون مجدو والدامون وعوفر، ظروفًا قاسية وغير إنسانية، تبدأ من لحظة الاعتقال العنيف الذي غالبًا ما يتم خلال مداهمات ليلية، وتستمر خلال فترات التحقيق القاسي، حيث يُحرمون من حقوقهم الأساسية، إضافة إلى التجويع والتعطيش ووسائل التنكيل الأخرى.
وفي أعقاب حرب الإبادة الجماعية، ازدادت السياسات الانتقامية بحقهم؛ حيث يعانون من العزل، والإهمال الطبي، وسوء المعاملة النفسية والجسدية، وحرمانهم من زيارات الأهل.
تضييق متصاعد على الأسيرات
في سجن الدامون، تتعرض الأسيرات الفلسطينيات لتضييق ممنهج، حيث تفرض إدارة السجن عقوبات جماعية عليهن، تشمل الاقتحامات المتكررة للغرف، ومصادرة المقتنيات الشخصية، وتقليص “الفورة”، وعدم توفير الملابس والأغطية. كما تمارس الإدارة سياسة العزل الإضافي عبر تقليص وعرقلة زيارات المحامين، وقطع الاتصال بهن لفترات طويلة، وحرمانهن من التواصل مع عائلاتهن وأطفالهن.
وتعاني الأسيرات أيضًا من الإهمال الطبي وحرمانهن من العلاج اللازم، إذ يتم المماطلة في التعامل مع الحالات المرضية وعدم نقلها إلى عيادة السجن، التي تفتقر بدورها إلى أدنى مقومات العلاج، مما يعرض حياة العديد من الأسيرات للخطر المباشر.
إن استمرار هذه الانتهاكات الجسيمة بحق الأسرى والأسيرات الفلسطينيين يشكل خرقًا فاضحًا للقوانين الدولية والإنسانية، ويؤكد النهج الانتقامي الذي تتبعه سلطات الاحتلال لفرض مزيد من العزلة والقهر عليهم.
أمهات خلف القضبان.. الاحتلال يحرم 14 أسيرة من احتضان أطفالهن
في يوم الأم، تواصل سلطات الاحتلال حرمان 14أمًا فلسطينية من الحرية ومن احتضان أطفالهن، حيث يقبع في سجون الاحتلال حتى اليوم 25 أسيرة فلسطينية يعانين أوضاعًا بالغة الصعوبة والسوء، وباعتقال هؤلاء الأمهات، يُحرم عشرات الأبناء من أمهاتهم.
وقد كانت الفترة الأخيرة من أكثر الشهور دموية ووحشية بحق النساء الفلسطينيات، حيث تصاعدت الانتهاكات بشكل ممنهج، لا سيما مع استمرار العدوان الوحشي وحرب الإبادة الجماعي على الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، إذ تعيش النساء الفلسطينيات، خصوصًا الأسيرات، ظروفًا من القهر والتنكيل تنتهك كل حقوقهن الإنسانية، في مشهد يتكرر يوميًا دون أي محاسبة، وقد عملت سلطات الاحتلال منذ أول أيام حرب الإبادة الجماعية على شن حملات اعتقال واسعة طالت عشرات الآلاف من المواطنين، بما فيهم النساء والأمهات، وتجدر الإشارة إلى أنه بعد حرب الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني تم تسجيل أعلى معدل اعتقالات للنساء، حيث اعتقلت سلطات الاحتلال نحو 500 امرأة فلسطينية، من بينهن أمهات ونساء استخدم رهائن للضغط على أحد أفراد العائلة لتسليم نفسه.
مأساة الأم الفلسطينية: اعتقال، عزلة، ومعاناة لا تنتهي
تبدأ مأساة الأم الفلسطينية منذ اللحظة التي تقتحم فيها قوات الاحتلال منزلها بعنف، غالبًا في ساعات الليل المتأخرة، حيث تُنتزع من بين أطفالها تحت تهديد السلاح، وسط صرخات صغارها ومشهد التنكيل المتعمد أمام أعينهم. ولا تقف معاناتها عند حدّ الاعتقال، بل تستمر خلال عمليات النقل والتحقيق القاسية، حيث تتعرض للإهانة والتعذيب النفسي والجسدي، بالإضافة إلى هذا كله، تمنع الأسيرات من زيارات الأهالي منذ بداية حرب الإبادة الجماعية، حيث منعت سلطات الاحتلال الزيارات وعزلت الأسرى والأسيرات عن العالم الخارجي بشكل كامل، ومنعت الصليب الأحمر من تنفيذ الزيارات، بالإضافة إلى وضع عراقيل على زيارات المحامين للأسرى والأسيرات في سجون الاحتلال.
معاناة الأسيرات في مراكز التحقيق والتوقيف
بعد الاعتقال، تنتقل معاناة الأسيرات إلى مراكز التحقيق التابعة للاحتلال، حيث يتعرضن لأساليب تحقيق واستجواب قاسية، إذ يُجبرن على الوقوف لساعات طويلة في ظروف غير إنسانية، ويُحرمن من النوم والطعام، ويواجهن تهديدات مستمرة بالعنف بكافة أشكاله، بهدف انتزاع الاعترافات أو الحصول على معلومات. وتُحرم العديد منهن من التحدث مع محاميهن، مما يزيد من معاناتهن ويترك آثارًا طويلة الأمد على صحتهن الجسدية والنفسية.
سجن الدامون: قسوة وظروف احتجاز لا إنسانية
تحتجز قوات الاحتلال الغالبية العظمى من الأسيرات في سجن “الدامون”، الذي يعتبر من أبرز مراكز اعتقال النساء الفلسطينيات، إذ تواجه الأسيرات في هذا السجن ظروفًا قاسية ازدادت صعوبة بشكل كبير بعد السابع من أكتوبر، خاصة في الأسابيع التي تلت هذا التاريخ، حيث تعرضت الأسيرات لاعتداءات متواصلة شملت العزل الانفرادي والتنكيل من قبل وحدات القمع، إلى جانب مصادرة كافة ممتلكاتهن الشخصية وحرمانهن من أبسط حقوقهن، بما في ذلك الحق في التواصل مع ذويهن وأطفالهن.
وفي إطار هذه الانتهاكات المستمرة، طبقت إدارة السجون سياسة التجويع، حيث منعت الأسيرات كما بقية الأسرى من شراء المواد الغذائية عبر “الكانتينا” وأمدتهنّ بوجبات رديئة من حيث الكم والنوع. كما تمارس سياسة الإهمال الطبي المتعمد بحقهن. بالإضافة إلى ذلك، زاد الاكتظاظ في السجن من معاناة الأسيرات، حيث اضطُرّت العديد منهن إلى النوم على الأرض في ظل نقص شديد في الملابس والأغطية، والتي تفاقمت مع الطقس البارد، حيث كانت بعض الأسيرات مضطرة لارتداء نفس الملابس التي اعتُقلن بها لفترات طويلة دون تغيير.
الجرائم الطبيّة بحق الأسيرات: معاناة مستمرة وحرمان من العلاج
الجرائم الطبيّة بحق الأسيرات والأسرى في سجون الاحتلال تشكّل سياسة مستمرة لحقوق الإنسان منذ عشرات السنوات، حيث تُحرم العديد من الأسيرات من الحصول على الرعاية الطبية اللازمة رغم معاناتهن من أمراض مزمنة أو إصابات تعرضن لها أثناء الاعتقال. يُحرمّن الأسيرات من الأدوية الضرورية لعلاجهن، كما يُعانى بعضهن من تأخير شديد في تقديم العلاج، مما يؤدي إلى تفاقم حالتهن الصحية.
ومن بين الأسيرات الأمهات، هناك واحدة على الأقل حامل في شهرها الثالث، وهي أم لطفلتين، وتعاني من ظروف صحية صعبة بسبب الإهمال الطبي المتعمد. هذه الأسيرة وغيرها من المعتقلات لا يُقدّم لهن العناية الكافية، وتُستَثنى حقوقهن في إجراء الفحوصات اللازمة أو تلقي العلاج الضروري للحفاظ على صحتها وحياة الجنين. هذا الإهمال يعد انتهاكًا فاضحًا لحقوق المرأة الحامل في السجون، ويزيد من معاناتهن النفسية والجسدية في ظل غياب الرعاية الطبية، وفي ظل حرمانهن من تلقي وجبات طعام بجودة عالية والنقص الشديد في الطعام الذي يحرم المرأة الحامل من تلقي احتياجاتها اللازمة من العناصر الغذائية لضمان سلامتها وسلامة جنينها.
”أمهات الأسرى: قلق دائم وانقطاع تام“
ليس الأسرى وحدهم من يذوقون مرارة العزل والحرمان، بل تمتد المعاناة إلى عائلاتهم وأمهاتهم خارج السجون، حيث تعيش آلاف الأمهات الفلسطينيات قلقًا يوميًا على مصير أبنائهن المعتقلين، دون قدرة على الاطمئنان عليهم أو سماع أصواتهم. فجميع الأسرى اليوم، بلا استثناء، محرومون من التواصل مع عائلاتهم بفعل إجراءات الاحتلال القمعية، التي تمنع الزيارات وتقطع كافة سُبل التواصل.
ومن بين حالات الأمهات الأسيرات، أم لشهيدين وهي الأسيرة حنين جابر من طولكرم، وأسيرة أخرى تعاني من السرطان وهي الأسيرة (ف. ع) من قلقيلية، بالإضافة إلى شقيقتين أمهات معتقلات وهن إيمان وأفنان زهور من الخليل، وهناك أم وابنتها معتقلات معا من نابلس وهما دلال الحلبي وابنتها إسلام، إضافة إلى الأسيرة آية الخطيب وهي معتقلة منذ قبل السابع من أكتوبر.
اعتقالات النساء في غزة بعد حرب الإبادة: معاناة مستمرة وقصص قاسية
بعد حرب الإبادة والتوغل البري الذي شنّه الاحتلال في قطاع غزة، تعرضت العديد من النساء الفلسطينيات للاعتقال في ظروف غير إنسانية، حيث تم اعتقال عدد غير معلوم منهن، في سياق سياسة ممنهجة للاحتلال تهدف إلى الانتقام من الشعب الفلسطيني وتحديدًا الأمهات، وقد شملت الاعتقالات النساء من مختلف الأعمار، بما في ذلك الأمهات، والطالبات، والناشطات، وحتى القاصرات، ورغم غياب الإحصائيات الدقيقة، فإن سياسة الاختفاء القسري كانت سيدة الموقف.
ومن بين هذه القصص الإنسانية المؤلمة، تبرز حالة أسيرة مسنة من قطاع غزة، التي لا تزال قابعة في سجون الاحتلال رغم تقدمها في السن. هذه الأم التي كانت قد اعتقلت إلى جانب بناتها الاثنتين، حيث مكثت إحدى بناتها لفترة طويلة داخل المعتقلات قبل أن يتم الإفراج عنها فيما ظلت الأم رهن الاعتقال، ولا زالت تعايش الكثير من الألم، حيث تعاني من آثار التقدم بالعمر والأمراض التي تفاقمها الجرائم الطبية.
“الكتابة بين الجثث”.. إصدار جديد لعيسى قراقع يوثّق حرب الإبادة في غزّة
صدر حديثًا عن دار طباق للنشر والتوزيع في فلسطين، كتاب “الكتابة بين الجثث” للكاتب عيسى قراقع، وذلك ضمن مشروع “يوميات غزة”، الذي أطلقته الدار لتوثيق حرب الإبادة التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة.
يقع الكتاب في 219 صفحة من القطع المتوسط، وحمل غلافه لوحة للفنان محمد العزيز عاطف. في تقديمه للكتاب، وصف الشاعر مراد السوداني، أمين عام اتحاد الكتاب الفلسطينيين، هذا العمل بأنه “سيرة غزة وما فيها من مواجع وفواجع، وقصص تنزّ ألمًا لا يخبو، وهو بذلك يثبّت في كتاب فلسطين المركّب على البطولات والتضحيات، بطولة المكان وفداحة الخطب، وهذا كتاب جدير يحاول فيه عيسى قراقع أن يصفع العالم بحقّ وحقيقة هذه الفلسطين وملحمتها الباقية حتى انتصار الشهيد.”
يضم الكتاب سبعًا وثلاثين حكاية، توثّق بشكل مباشر مشاهد الحرب، وما رافقها من أحداث في السجون والشوارع والبيوت والسياسة، حيث يسرد قراقع تفاصيل القتل والدمار والمعاناة التي تعرّض لها الفلسطينيون خلال العدوان.
عيسى قراقع، كاتب وناشط فلسطيني، صدرت له عدة مؤلفات، منها “الحب والحياة في سجون الاحتلال”، “امرأة الساعة السادسة والثلاثين”، و”الدهيشي”، كما شغل منصب رئيس هيئة شؤون الأسرى الفلسطينيين بدرجة وزير، وهو حاليًا رئيس المكتبة الوطنية الفلسطينية.