وسط نيران الحرب الإبادية وأشلاء الضحايا وصمت العالم، يواصل الاحتلال الصهيوني ارتكاب مجازره بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، حيث تحوّل القطاع المحاصر إلى مسرح مفتوح للدمار والقتل بلا هوادة. تتساقط أجساد الشهداء يوميًا، وترتفع أصوات الاستغاثة من بين الأنقاض، بينما يمنع الاحتلال وصول فرق الإسعاف والمساعدات الإنسانية، ويشدّد قبضته الحديدية على كل مناحي الحياة. وفي خضم هذا المشهد الدامي، تتعالى أصوات المقاومة والدعوات للنفير العام، في محاولة لوقف آلة القتل التي تحصد أرواح الأبرياء بلا تمييز. وبينما تتسارع الأحداث، شهدت الساحة الإعلامية والسياسية داخل الكيان زلزالًا حقيقيًا عقب بث كتائب القسام لمقطع مصوّر يظهر فيه أسيران إسرائيليان يوجهان رسالة تحذيرية إلى حكومتهم، في خطوة تجاوزت كونها مجرد مادة إعلامية، لتتحول إلى أداة ضغط فعّالة أعادت ملف الأسرى إلى صدارة المشهد الصهيوني
واصلت قوات الاحتلال الصهيوني غاراتها العنيفة على قطاع غزة، مما أسفر عن استشهاد 26 فلسطينيًا منذ فجر أمس الثلاثاء، إضافة إلى استمرار الحصار الخانق على القطاع، وسط رفض الاحتلال إدخال المساعدات الإنسانية والطبية منذ 2 مارس الجاري. ومع تزايد وتيرة العدوان، دعت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إلى “النفير العام” نصرة لغزة والقدس والمسجد الأقصى، في وقت يظل مصير طاقم إسعاف فلسطيني مجهولًا بعد استهدافه بقصف صهيوني قبل ثلاثة أيام.
استهدفت غارات الاحتلال الصهيوني منازل وخيامًا تؤوي نازحين في وسط وجنوب قطاع غزة، حيث أفادت مصادر فلسطينية باستشهاد مواطن وإصابة آخرين إثر استهداف مجموعة من الفلسطينيين في شارع النص بمنطقة المواصي غرب مدينة خان يونس جنوب القطاع. كما استشهد فلسطينيان، أحدهما طفل، وأصيب آخرون في قصف صهيوني على منزل بمنطقة قيزان النجار في خان يونس، بينما استشهد ثلاثة فلسطينيين آخرين، بينهم طفل، إثر قصف خيمة تؤوي نازحين في مدينة حمد شمال خان يونس.
وارتفعت حصيلة العدوان الصهيوني منذ استئنافه في 18 مارس الجاري إلى 730 شهيدًا و1367 مصابًا، معظمهم من الأطفال والنساء، وفق وزارة الصحة في غزة. وأدى هذا التصعيد إلى نزوح أكثر من 124 ألف فلسطيني مجددًا، وفق تقديرات الأمم المتحدة، في ظل أوضاع إنسانية متفاقمة بفعل الحصار المشدد.
أكد الهلال الأحمر الفلسطيني أن مصير تسعة من أفراد طاقم إسعاف في رفح لا يزال مجهولًا بعد تعرضهم للقصف الصهيوني قبل ثلاثة أيام، مشيرًا إلى أن الاحتلال يرفض السماح للمنظمات الدولية بتسهيل وصول فرق الإنقاذ إلى الموقع المستهدف. وحمّل الهلال الأحمر قوات الاحتلال المسؤولية الكاملة عن سلامة طواقمه.
وفي سياق استهداف الصحفيين، أعلن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة ارتفاع عدد شهداء الصحافة الفلسطينية إلى 207 منذ بدء العدوان الصهيوني على القطاع في 7 أكتوبر 2023، عقب استشهاد الصحفي محمد منصور، مراسل قناة فلسطين اليوم.
دعوات فلسطينية للنفير العام نصرة لغزة والقدس والأقصى
في ظل استمرار العدوان الصهيوني على غزة، أصدرت حركة “حماس” بيانًا دعت فيه الشعب الفلسطيني وأحرار العالم إلى “النفير العام” أيام الجمعة والسبت والأحد، دفاعًا عن قطاع غزة والقدس والمسجد الأقصى المبارك. وأكدت الحركة أن الاحتلال يواصل عدوانه الوحشي بحق الفلسطينيين بدعم أمريكي كامل وصمت دولي، مما يستوجب تصعيد المسيرات والفعاليات التضامنية في مختلف المدن والعواصم العالمية.
كما دعت “حماس” أبناء الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس والداخل المحتل إلى شد الرحال والرباط والاعتكاف في المسجد الأقصى، والاشتباك مع قوات الاحتلال وقطعان المستوطنين في جميع الساحات، نصرةً لغزة والقدس والأقصى. وشددت الحركة على ضرورة خروج الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات في مسيرات حاشدة يوم 30 مارس، تزامنًا مع إحياء ذكرى يوم الأرض، رفضًا لسياسات الاحتلال التهجيرية والتمسك بحق العودة والتحرير.
وطالبت “حماس” الدول العربية والإسلامية بتحمل مسؤولياتها التاريخية، واتخاذ مواقف حاسمة لوقف العدوان ورفع الحصار عن غزة، مؤكدةً ضرورة دعم صمود الفلسطينيين في مواجهة آلة الحرب الصهيونية. كما وجهت الحركة نداءً إلى خطباء المساجد والدعاة لتخصيص خطبة الجمعة المقبلة للحديث عن فلسطين وغزة والقدس، ودعوة الأمة الإسلامية لدعم الشعب الفلسطيني وتعزيز صموده في وجه الاحتلال.
لماذا بثّت القسام مقطع الأسيرين الإسرائيليين الآن؟
في خطوة أثارت جدلًا واسعًا داخل الأوساط السياسية والعسكرية والإعلامية في (إسرائيل)، نشرت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة “حماس”، مقطع فيديو يظهر فيه أسيران إسرائيليان يوجهان انتقادات لاذعة لاستئناف العمليات العسكرية الصهيونية ضد قطاع غزة، محذرين من أن استمرار الحرب سيؤدي حتمًا إلى تعرضهما للخطر وربما إلى مقتلهما. ولم يكن هذا الفيديو مجرد مادة إعلامية عابرة، بل جاء ضمن سياق مدروس بعناية، مستهدفًا إعادة إحياء الجدل داخل الكيان المحتل حول ملف الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لدى المقاومة، مستغلًا في ذلك تراجع الاهتمام الحكومي والشعبي بهذا الملف في الآونة الأخيرة.
لم يكن اختيار توقيت نشر الفيديو اعتباطيًا أو صدفة، بل جاء في لحظة تعيش فيها سلطة الاحتلال الصهيونية واحدة من أشد أزماتها السياسية والأمنية، حيث تتزايد الضغوط الداخلية عليها بفعل استمرار العمليات العسكرية دون تحقيق نتائج ملموسة. فمنذ استئناف العدوان الصهيوني على غزة، بدأت عائلات الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لدى المقاومة، إلى جانب أحزاب المعارضة، في توجيه انتقادات شديدة لسلطة الاحتلال، متهمةً إياها بالإهمال وعدم إيلاء قضية الأسرى الأولوية التي تستحقها.
وقد زاد الفيديو من تأجيج هذا الغضب الشعبي، حيث أظهر الأسيران الإسرائيليان في وضع إنساني صعب، متحدثين مباشرة إلى الجمهور الإسرائيلي، ومطالبين بالتحرك السريع للضغط على سلطة الاحتلال من أجل إيجاد حل يضمن إطلاق سراحهما وإنهاء الأزمة التي يعيشانها. وكان من اللافت أن رئيس وزراء سلطة الاحتلال الصهيوني، مجرم الحرب بنيامين نتنياهو، الذي عادة ما يترك مثل هذه القضايا للمتحدث باسم الجيش أو للمسؤولين المختصين، اضطر هذه المرة إلى التعليق شخصيًا على الفيديو، في مؤشر واضح على حجم الأزمة التي سببتها هذه الخطوة. غير أن خطابه، الذي افتقر إلى التعاطف المطلوب، زاد من الانتقادات الموجهة إليه، خاصة من عائلات الأسرى، التي تعتبر أن حكومته تتعامل مع ملفهم بمنطق المماطلة والمناورة السياسية بدلًا من السعي الجاد لإعادتهم.
رسائل كتائب القسام من وراء نشر فيديو الأسيرين
لم يكن الهدف من هذا الفيديو مجرد استعراض إعلامي، بل حمل رسالتين أساسيتين:
- رسالة إلى الداخل الصهيوني
استغلت كتائب القسام الانقسام العميق الذي تعيشه (إسرائيل) بين سلطة الاحتلال من جهة والجبهة الداخلية من جهة أخرى، حيث باتت هناك قناعة متزايدة بين الإسرائيليين بأن استمرار الحرب على غزة لن يؤدي إلى استعادة الأسرى، بل ربما يزيد الأمور تعقيداً. وبهذه الخطوة، عززت المقاومة الشعور المتنامي بضرورة العودة إلى طاولة المفاوضات كخيار واقعي وحيد لاستعادتهم.
- رسالة إلى الوسطاء الإقليميين والدوليين
جاء الفيديو ليؤكد أن استمرار الحرب سيجعل ملف الأسرى أكثر تعقيداً، وأن الحل الأمثل هو استئناف المحادثات للوصول إلى صفقة تبادل جديدة، خصوصاً في ظل الضغوط الدولية المتزايدة التي تطالب بوقف العدوان الصهيوني على غزة.
تأثير الفيديو على المجتمع الإسرائيلي
أدى بثُّ هذا الفيديو إلى حالة من الصدمة داخل الكيان، حيث ظهر الأسيران في ظروف بدت صعبة، مما عزز مشاعر القلق لدى الشارع الإسرائيلي، خاصة مع تصاعد الانتقادات الموجهة للحكومة بسبب فشلها في تحقيق تقدم ملموس على صعيد استعادة الأسرى.
ساهم الفيديو في إعادة النقاش حول ضرورة التفاوض مع المقاومة الفلسطينية، بدلاً من الاعتماد على الحلول العسكرية التي لم تؤتِ أُكلها حتى الآن.
شهادات الأسرى السابقين.. معضلة الاحتلال
أحد أكثر الجوانب إثارة في هذا الفيديو كان دعوة الأسرى الإسرائيليين السابقين، الذين تم الإفراج عنهم في صفقات سابقة، إلى كسر حاجز الصمت والتحدث علناً عن ظروف احتجازهم لدى المقاومة. وتعد هذه النقطة حساسة للغاية بالنسبة لسلطات الاحتلال الصهيوني، التي تفرض رقابة مشددة على تصريحات الأسرى المفرج عنهم، وتمنعهم من الإدلاء بأي تفاصيل قد تناقض الرواية الرسمية حول تعامل المقاومة معهم.
في الواقع، سبق لبعض الأسرى الإسرائيليين الذين أُطلق سراحهم في صفقات تبادل أن تحدثوا عن ظروف احتجازهم الجيدة نسبياً مقارنة بما تروج له وسائل الإعلام الإسرائيلية، وهو ما دفع المؤسسة العسكرية الصهيونية إلى فرض رقابة أكثر تشدداً على أي شهادات قد تؤثر على الصورة النمطية التي تسعى الحكومة إلى ترسيخها حول تعامل المقاومة مع الأسرى.
ملف الأسرى.. بين الاستثمار السياسي والضغوط الشعبية
تحاول حكومة نتنياهو استغلال ملف الأسرى الإسرائيليين للحفاظ على شرعية العدوان المستمر على غزة، مدركةً أن استمرار احتجازهم لدى المقاومة يمثل أحد التبريرات الرئيسية لمواصلة العمليات العسكرية. غير أن هذا النهج بدأ يفقد تأثيره شيئاً فشيئاً، خاصة مع تصاعد الغضب الشعبي والمطالبات بضرورة البحث عن حلول تفاوضية بديلة.
وبحسب تقديرات إسرائيلية، لا يزال هناك 59 أسيرًا إسرائيليًا محتجزين داخل قطاع غزة، من بينهم 24 أسيرًا يُعتقد أنهم على قيد الحياة، في حين يقبع أكثر من 9500 فلسطيني في سجون الاحتلال، حيث يتعرضون لظروف قاسية تشمل التعذيب والإهمال الطبي المتعمد، ما أدى إلى وفاة عدد منهم وفق تقارير حقوقية فلسطينية ودولية.
المقاومة تعيد تشكيل النقاش داخل الكيان
يؤكد نشر هذا الفيديو أن ملف الأسرى لا يزال واحداً من أقوى الأوراق التي تمتلكها المقاومة الفلسطينية، وهو ما يعيد تشكيل النقاش الداخلي لدى الكيان حول مدى جدوى استمرار الحرب على غزة. وبينما تصرّ حكومة نتنياهو على المضي قُدماً في نهجها العسكري، فإن الانقسام المتزايد داخل المجتمع الإسرائيلي حول هذه القضية يعزز من احتمالات العودة إلى المفاوضات كخيار لا مفر منه في المستقبل القريب.
العدوان مستمر.. ومعاناة الفلسطينيين تتفاقم
منذ السابع من أكتوبر 2023، تشن (إسرائيل) حرباً دموية على غزة أسفرت عن استشهاد أكثر من 163 ألف فلسطيني وإصابة عشرات الآلاف، معظمهم من الأطفال والنساء، فضلاً عن فقدان أكثر من 14 ألف شخص. ويأتي هذا العدوان في ظل دعم أمريكي غير مشروط وصمت دولي، مما يزيد من معاناة الفلسطينيين ويفاقم الأزمة الإنسانية في القطاع المحاصر.
في ظل هذه التطورات المتسارعة، يستمر الاحتلال في قصفه العنيف على قطاع غزة وسط دعوات فلسطينية متزايدة للنفير العام والمواجهة الشعبية، فيما تواصل الجهات الإنسانية والدولية مطالباتها لوقف العدوان ورفع الحصار عن الشعب الفلسطيني المنكوب.