فرنسا تواجه تاريخها الدموي اليوم.. هذي رسالة الجزائر إلى باريس في يوم الذاكرة

بينما تضع الجزائر ملف الذاكرة في صميم انشغالاتها، تواصل فرنسا تجنّب مواجهة حقيقتها الاستعمارية التي تعود اليوم بأحد أوجهها، بعد 79 سنة مرت على لحظة انتهاء الحرب العالمية الثانية بانتصار الحلفاء على النازية، حين خرجت عشرات المواكب إلى شوارع المدن الجزائرية، احتفاء بالحدث، لكن القوات الفرنسية واجهت تلك المواكب بالرصاص، مخلّفة مجازر راح ضحيتها أكثر من 45.000 جزائري كانوا قد طالبوا بحقهم الشرعي في الحرية والاستقلال.

ففي الوقت الذي كان الفرنسيون يحتفلون بانتصار الحلفاء على ألمانيا النازية مع انتهاء الحرب العالمية الثانية، خرج عشرات الآلاف من الجزائريين إلى الشوارع بكل من سطيف وقالمة وخراطة وكذا في مدن أخرى من الوطن، استجابة إلى نداء تنظيم مسيرة سلمية من أجل استقلال الجزائر.

لكن رد فعل الإدارة الاستعمارية كان شرسا وعنيفا، فقد أطلقت موجة من القمع الدامي ضد متظاهرين عزل. فخلال أسابيع عدة، استعملت القوات الاستعمارية وميليشياتها كل أنواع العنف مع عمليات تقتيل مكثفة لم تستثن لا النساء ولا الأطفال ولا المسنين.

وأبرزت مجازر 8 ماي 1945، الطابع الإبادي لفرنسا الاستعمارية من خلال أبشع الجرائم التي ارتكبت في حق الشعب الجزائري، وتم قتل أشخاص عزل رميا بالرصاص وتم نقل آخرين على متن شاحنات لرميهم في المنحدرات، فيما تم نقل آخرين خارج المدن لقتلهم. وبعدها تم حرق جثثهم في خنادق مشتركة.

كما استعمل الجيش الفرنسي، أفران الجير للتخلص من جثث الضحايا وتواصلت عمليات القصف وكل أنواع التجاوزات. وعلى الرغم من النداءات الداعية إلى طلب العفو، ما زال محور الذاكرة بين الجزائر وفرنسا حديث الساعة ويظل عقبة أمام تحسّن العلاقات الثنائية حتى وإن تم تسجيل تقدّم خلال السنوات الأخيرة.

وبالمقابل، فقد أكد رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، أمس الثلاثاء، أنّ ملف الذاكرة لا يتآكل بالتقادم أو التناسي ولا يقبل التنازل والمساومة، وسيبقى في “صميم انشغالاتنا” حتى تتحقق معالجته معالجة موضوعية ومنصفة للحقيقة التاريخية.

وفي رسالة له بمناسبة إحياء اليوم الوطني للذاكرة المخلد للذكرى الـ79 لمجازر الثامن ماي 1945، جدد رئيس الجمهورية التأكيد على أن “ملف الذاكرة لا يتآكل بالتقادم أو التناسي بفعل مرور السنوات ولا يقبل التنازل والمساومة، وسيبقى في صميم انشغالاتنا حتى تتحقق معالجته معالجة موضوعية، جريئة ومنصفة للحقيقة التاريخية”.

وبعد أن أكد رئيس الجمهورية استعداده “للتوجه نحو المستقبل في أجواء الثقة”، اعتبر أن “المصداقية والجدية مطلب أساسي لاستكمال الإجراءات والمساعي المتعلقة بهذا الملف الدقيق والحساس وما يمثله لدى الشعب الجزائري الفخور بنضاله الوطني الطويل وكفاحه المسلح المرير، والوفي للشهداء ولرسالة نوفمبر الخالدة”.

وأبرز رئيس الجمهورية في رسالته أن “عناية الدولة بمسألة الذاكرة ترتكز على تقدير المسؤولية الوطنية في حفظ إرث الأجيال من أمجاد أسلافهم، وتنبع من اعتزاز الأمة بماضيها المشرف ومن تضحيات الشعب في تاريخ الجزائر القديم والحديث لدحر الأطماع وإبطال كيد الحاقدين الذين ما انفكوا يتوارثون نوايا النيل من وحدتها وقواتها وما زالت سلالاتهم إلى اليوم تتلطخ في وحل استهداف بلادنا”.

وتابع رئيس الجمهورية بالقول: “نحتفي في الثامن من ماي باليوم الوطني للذاكرة، وفي هذه الذكرى تعود إلى أذهاننا مجازر 8 ماي 1945، التي أقدم على اقترافها الاستعمار بأقصى درجات الحقد والوحشية لإخماد سيرورة مد نضالي وطني متصاعد أدى إلى مظاهرات غاضبة عارمة انتفض خلالها الشعب الجزائري آنذاك معبرا عن تطلعه إلى الحرية والانعتاق وكانت إعلانا مدويا عن قرب اندلاع الكفاح المسلح في الفاتح من نوفمبر 1954”.

وذكر رئيس الجمهورية أنه جعل من ذكرى مجازر 8 ماي 1945، “التي دفع فيها الشعب من دماء أبنائه خمسة وأربعين ألف (45000) شهيد، يوما وطنيا للذاكرة، اعتزازا بفصول المسيرة الوطنية الحافلة بالنضالات جيلا بعد جيل، منذ أن وطئت أقدام الاستعمار أرضنا الطاهرة”.

وكانت مظاهرات 8 ماي 1945 – يضيف رئيس الجمهورية – “إحدى المحطات الدامية التي سجلها التاريخ الحديث في مصاف النماذج المعبرة عن مناهضة الاستعمار والتعلق بالحرية والكرامة، وواحدة من أعظم الأمثلة في العالم على حجم وعمق التضحيات والدماء والمآسي التي تكبدتها الشعوب المستعمرة ثمنا للتخلص من الظلم والهيمنة واستعادة السيادة الوطنية”.

صورة قاتمة لسياسة فرنسا الاستعمارية

ويحيى الجزائر اليوم الأربعاء اليوم الوطني للذاكرة المخلد للذكرى الـ79 لمجازر الثامن ماي 1945 التي كرّست الصورة القاتمة لسياسة الإبادة الجماعية التي انتهجتها فرنسا الاستعمارية وشكلت منعرجا حاسما في مسيرة الشعب الجزائري وتضحياته من أجل الاستقلال.

ورغم تعاقب الأجيال، فإن الشعب الجزائري لن ينسى تلك الجرائم ضد الإنسانية وهذه الصفحة الرهيبة من تاريخه في ظل إصرار وتعنت المستعمر السابق على تجاهل ما اقترفه في حق الجزائريين وعدم الاعتراف بماضيه الاستعماري.

وضمن هذا المسعى، فإن الدولة، ووفاء للتضحيات الجسيمة التي خاضها الشعب الجزائري، عازمة في الجزائر الجديدة على وضع ملف التاريخ والذاكرة في مسار يمكن من إضفاء كامل الشفافية والنزاهة والموضوعية، بعيدا عن أية مساومات أو تنازلات، مثلما أكد عليه رئيس الجمهورية.

وتبرز في هذا السياق أهمية وحساسية المهمة الموكلة إلى اللجنة المشتركة للمؤرخين من البلدين لدراسة ومحاولة معالجة جميع القضايا، بما في ذلك تلك المتعلقة باستعادة الأرشيف والممتلكات ورفات المقاومين والتجارب النووية والمفقودين.

ويبقى التاريخ شاهدا عن فظاعة وبشاعة المجازر المرعبة التي ارتكبها جلادو الاستعمار وأظهر للرأي العام العالمي الوجه الحقيقي لفرنسا الاستعمارية، وهو ما مهد فيما بعد لتدويل القضية الجزائرية وطرحها في أروقة هيئة الأمم المتحدة وأكد للجزائريين حتمية الكفاح المسلح تجاه قوى الشر التي لا تعرف للعهد وفاء.

حميد سعدون

حميد سعدون

اقرأ أيضا