قراءة في كتاب “مكانة الهاجس العليا” للكاتب الجزائري “يوسف بن عزوز”.. استكشاف عميق لدور الخوف في تحفيز التغيير والتطور

في عالم يزداد تعقيدًا يومًا بعد يوم، تبرز الحاجة إلى فهم أعمق للدوافع النفسية والاجتماعية التي تحرك الإنسان. يقدم كتاب “مكانة الهاجس العليا” للكاتب الجزائري “يوسف بن عزوز” رؤية شاملة للحياة الإنسانية كحركة مستمرة نابعة من النقص الموجود في الذات، حيث يجمع بين البعدين النفسي والفلسفي لاستكشاف دور الهاجس في تشكيل السلوك الإنساني وتطوره. وفقًا للكاتب، يُعتبر الخوف الحافز الذي يدفع الإنسان إلى التغيير والتطوير، والهاجس هو انعكاس لنزعة الإنسان نحو القوة والثبات، مما يدفعه لاختراق كل الحواجز والتحديات.

الكِتاب في سطور

يُعتبر “مكانة الهاجس العليا” عملًا فكريًا عميقًا يتناول تطور الخوف من منظور بيولوجي ونفسي، ويستكشف مفاهيم مثل امتداد التهديد، امتداد الضعف، نزعة المكانة، وسبات العادة المخادعة. يوضح الكاتب أن الخوف ليس مجرد شعور سلبي، بل هو قوة دافعة تحرك الإنسان من الركود إلى الديناميكية، ومن الجمود إلى التطور.

يقسّم “بن عزوز” الهاجس إلى ثلاثة أقطاب رئيسية: الفكرة، الخوف، الرغبة، مؤكدًا أن الهاجس هو طابع إنساني بحت مرتبط بالوعي، ولا يمتلكه الحيوان. من خلال دراسة هذه الهواجس، يمكن فهم الحالة النفسية للأفراد، بما في ذلك الرضا الذاتي، والقناعة، والمعتقدات، وأصول السلوك الثقافي والاجتماعي.

الكتاب: رحلة في أعماق النفس والمجتمع

يأخذنا الكتاب في رحلة عبر تسعة فصول، تبدأ بمواقع الهاجس وتنتهي بالهاجس بين الاستمرارية والآنية. يتناول موضوعات مثل الهاجس والإدراك، الهاجس والتمرد، الهاجس والتقييم الأخلاقي، والهاجس والزمن. كما يستكشف العلاقة بين الهاجس والمعرفة، الهاجس والعقاب، والهاجس ومواجهة الذات.

الأساسيات الستة للهاجس

يعتمد الكتاب على ستة أسس رئيسية لفهم طبيعة الهاجس:

امتداد التهديد: الخوف الذي ينطلق من مستوى مادي ليتحول إلى تهديد نفسي وفكري.

امتداد الضعف: الشعور بالنقص والرغبة في التغيير.

نزعة المكانة: السعي الدائم نحو تحقيق موقع في الحياة.

سبات العادة المخادعة: العادات التي، رغم ضرورتها للتأقلم، قد تصبح عبئًا قاتلًا على المدى البعيد.

أقطاب الهاجس: التفاعل بين الفكرة، الخوف، والرغبة.

آنية الحياة وعادة الموت: التناقض بين الحياة كحركة مستمرة والجمود كصورة من صور الموت.

الهاجس: بين الفكرة والخوف والرغبة

يصف “بن عزوز” الهاجس بأنه “فقاعات تصعد إلى السطح لتنبئ بشيء كبير في القاع”. فالهاجس ليس مجرد شعور عابر، بل هو نتاج تهديدات ودوافع وعوامل خفية تدفع الإنسان إلى التحرك والتغيير. وفقًا للكاتب، يعكس الهاجس الحقائق المطموسة التي قد تظهر على شكل مخاوف أو وساوس أو قلق.

كما يؤكد أن الهاجس مرتبط بالمكانة، حيث إن كل إنجاز إنساني، سواء كان طبيعيًا أو اجتماعيًا أو ثقافيًا، هو نتاج السعي لتحقيق مكانة معينة. وبالتالي، فإن الهاجس ليس مجرد شعور سلبي، بل هو قوة دافعة نحو التميز والتفوق.

الهاجس كقوة دافعة للتغيير

يؤكد “بن عزوز” أن الهاجس هو ما ينقذ الإنسان من الخمول والموت النفسي. فرغم أهمية العادة في التأقلم والاستمرارية، قد تصبح قاتلة إذا لم يتم تحديثها وتجديدها. الهواجس، سواء كانت مُضرّة أم نافعة، هي ضرورية لدفع الإنسان نحو التغيير والتطور.

الهاجس كجزء من الوجود الإنساني

يختتم الكتاب بالتأكيد على أن الهاجس جزء لا يتجزأ من الوجود الإنساني. فهو ليس مجرد شعور عابر، بل هو قوة دافعة نحو التميز والتفوق، مما يجعل الإنسان قادرًا على مواجهة التحديات وتحقيق الإنجازات.

“مكانة الهاجس العليا” لـ “يوسف بن عزوز” هو كتاب يستحق القراءة، خاصة لأولئك الذين يسعون لفهم الدوافع النفسية والاجتماعية التي تحرك الإنسان. يقدم الكتاب رؤية عميقة وشاملة للهاجس كقوة دافعة نحو التغيير والتطور، مؤكدًا أن الخوف والقلق ليسا مجرد مشاعر سلبية، بل هما جزء من عملية النمو الإنساني. في عالم يزداد تعقيدًا، يقدم هذا الكتاب إضاءات قيمة لفهم الذات الإنسانية ودوافعها، مما يجعله إضافة مهمة إلى المكتبة الفكرية الجزائرية.

Group 1555

“يوسف بن عزوز”: الهاجس.. قوة دافعة لتشكيل الوعي الإنساني

حاوره: ردوان كريم

في عالم التأليف، يُعد يوسف بن عزوز صوتًا شابًا وواعدًا. فقد أصدر كتابه الأول “مسار الحضارة في الوجدان الإنساني” عام 2023، ليتبعه بكتاب “مكانة الهاجس العليا” عام 2024 لدى مؤسسة خيال للنشر والترجمة، حيث يعكس في أعماله اهتمامًا كبيرًا بالفكر الإنساني والتاريخي، ساعيًا إلى فهم التحولات الكبرى التي شكلت الوعي البشري عبر العصور.

وُلد يوسف بن عزوز في 11 فبراير 1996 ببني مسوس، العاصمة الجزائرية. نشأ بحي بوفريزي بباب الواد قبل أن ينتقل إلى بئر توتة، حيث بدأت ملامح شخصيته الفكرية والثقافية تتشكل. بعد حصوله على شهادة البكالوريا في الآداب والفلسفة من ثانوية السعيد التواتي عام 2015، واصل مسيرته الأكاديمية بكلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر 3، متخصصًا في الدراسات الإقليمية. وقد حصل على شهادة الليسانس عام 2018، ثم الماستر عام 2020، ليباشر بعدها مشواره كباحث وكاتب، حيث ترك أعمالًا ذات بصمة مميزة في الساحة الثقافية.

في هذا الحوار الشيّق مع الكاتب المبدع، نتعرف على رؤيته الفكرية، تجربته الأدبية، وأسرار عالمه الإبداعي. وقد أجابنا على الأسئلة التالية:

 ما الذي دفعك لكتابة هذا الكتاب؟

من الأسباب التي دفعتني إلى كتابة هذا الكتاب اهتمامي بالجانب الباطني والأخلاقي والفكري للإنسان، إلى جانب بُعده الخارجي، وكذلك تأثير الفرد على محيطه من خلال عواطفه ورغباته وغاياته، وكل قوة دافعة نحو إثبات الذات. وقد اختصصتُ هذه المرة بالجانب الشعوري الذي يرتبط بالخطر، باعتباره أحد أكبر محفزات الحركة بشقيها المادي والمعنوي، وهو الخوف وامتداداته الأخرى، التي تولِّد الهاجس.

كيف تعرّف الهاجس في كتابك، وما الذي يميزه عن الخوف والقلق؟

عرّفتُ الهاجس في كتابي بأنه فكرة غير مكتملة لشعور ممتد، وأنه ظاهرة ناتجة عن امتداد التهديد الناجم عن النقص الإنساني، حيث يتجاوز فيه الشعور بالخوف حيز المكان والزمان المرتبطين بالظاهرة الممثِّلة للخطر. فحتى مع الابتعاد عن سبب الخطر، يبقى الخوف مستمرًّا في البث.

الهاجس هو شعور بخطر متكرر، والخوف والقلق جزء منه. وهو ذو طابع وجودي وشامل، مرتبط بقيمة الإنسان ومسار حياته، إذ يشكّلان إشارتين من إشارات الهاجس الأكبر. الهاجس ممتد عبر الماضي والحاضر والمستقبل، في حين أن القلق والخوف هما من مظاهره الآنية المحدودة بالظروف الواقعة.

– في كتابك، أشرت إلى الأقطاب الثلاثة للهاجس: الفكرة، الخوف، والرغبة. كيف تتفاعل هذه العناصر معًا، وما تأثيرها على تشكيل السلوك الإنساني؟

للهاجس ثلاث ظواهر تدفعه: الفكرة، والخوف، والرغبة. فالأفكار، المتمثّلة في الاعتقادات والمعارف والخبرات، تدفع إلى الخوف، إذ نخاف مما نفكر فيه وما اختبرناه. وهذا ما يجعلنا ندرك واقع المشكلة، سواء كان ذلك خوفًا أو عطبًا أو خللًا، مما يصبح دافعًا لتجاوز ذلك الحاجز. ومن هنا، تتولّد الرغبة في تخطّي الخوف.

الهاجس هو الصورة التي تقدّمها لنا إرادة الإنسان في مواجهة المخاوف والشعور بها في الوقت نفسه. ويبرز ذلك على مستوى السلوك الإنساني من خلال دوافع العمل والتعاون والتفكير والعلم والفضول، وكذلك نزعة الاستكشاف والفن والإبداع، التي تُمثِّل رغبة الإنسان في فهم عمقه.

– هل يمكن أن تقدّم مثالًا من الحياة الواقعية يوضح كيف يعمل الهاجس كقوة دافعة للتغيير؟

الطفولة القاسية قد تكون مدمّرة لشخصية الإنسان، وقد تكون دافعًا له لإصلاح ما فات، من خلال تعويض النقص بالعمل الإضافي واختبار عدد كبير من التجارب القاسية التي تساهم في نضجه.

وكذلك المرض؛ فهو حالة قاسية، سواء كان نفسيًّا أو جسديًّا، وقد يكون بذرة لنمو قوة عقلية كبيرة. فالكثير من المفكرين كانوا يعانون من مشاكل صحية.

هل يمكن أن يتحول الهاجس إلى عامل سلبي يؤثر على حياة الإنسان؟ وما هي السبل الفعّالة لتحويله إلى قوة دافعة تعزز النجاح والإيجابية في مسيرة الفرد؟

الهاجس سلاح ذو حدين، ولكي يصبح ناجعًا، يجب أن يُحاط بالعلم والمعرفة ليكون إيجابيًّا وفعّالًا.

ما هي النصائح التي تقدمها للقراء للتعامل مع هواجسهم بشكل صحي؟

أنصح بالتريّث والحكمة والعلم، واستغلال الهواجس في فهم الذات، وعدم اعتبارها خطأ أو انتقاصًا من الذات، بل فرصة لفهمها وتطويرها. الهواجس هي بداية مرحلة جديدة ينبغي الشروع فيها برويّة وشغف، وهي ليست اختزالًا لما فات، بل تعزيز له.

كيف ترى دور الهاجس في تشكيل الثقافة والمجتمع؟

الهاجس له بُعد طبيعي في مواجهة مخاطر الضياع والأذى والموت والفشل، وهذا ما يدفع البشر إلى التعاون والاتحاد بعدّة مظاهر تعبيرية، مثل العادات والتقاليد، كالرقص والرسم، إضافةً إلى المعتقدات الخاصة بالحياة والموت والخير والشر. كل هذا يعزّز مكانة الإنسان وقيمته، ويمنحه الرضا عن نفسه، ويخلق لديه الشعور بالاستحقاق.

ما الرسالة الرئيسية التي تود أن ينقلها كتابك للقراء، وكيف يمكنهم تطبيق أفكاره في حياتهم اليومية؟

الرسالة التي ينقلها الكتاب للقراء هي أن يعلموا أن الهاجس حالة طبيعية وحتمية وضرورية، متجذّرة في الوجود الإنساني. الهاجس فرصة للتقارب بين الناس، وفهم بعضهم البعض نفسيًّا وثقافيًّا وإيديولوجيًّا.

الهاجس فرصة للتلاقح، وهو دليل على أن القضية الإنسانية موحَّدة. فمع كل هاجس، هناك حقيقة تريد الانبثاق، وما عليهم سوى البحث في طيّات المخاوف عن مربط الفرس.

ما التحديات التي واجهتها أثناء كتابة هذا الكتاب، ومن هم المفكرون والكتب التي ألهمتك في إنجازه؟

يقول “ديكارت”: “أنا أفكر، إذًا أنا موجود”، وأنا أقول إن الهاجس هو استحقاق هذا الوجود والتفكير. فإذا كان التفكير اختياريًّا، فإن الهاجس حتميّة شعورية مرتبطة بصراع البقاء والإصلاح.

لقد كانت كتابة هذا الكتاب فرصة للجمع بين الظواهر الاجتماعية والنفسية والثقافية والسياسية والإيديولوجية، لاستكشاف العلاقة بين التاريخ الإنساني الحضاري والتطور البيولوجي والنمو العقلي والفكري والنظام الأخلاقي بين الفرد والجماعة. كان لا بدّ لي من فهم العلاقة بين المشاعر التطورية للإنسان في جانبها الشخصي وتأثيرها على السلوك الجماعي، مثل الهجرات والتلاقح والصراع الحضاري.

لذلك، تطرّقتُ إلى الغجر، وكيف تعكس سلوكيات مجتمعاتهم فهم الإنسان لهاجسه الجغرافي بين الاستقرار والمكانة والنظام. فالبشر، على المدى البعيد، هم كائنات مهاجرة. وهنا يبرز السؤال: كيف يمكن فهم هاجس الإنسان تجاه الثبات والركود والأسر الجغرافي من واقع حياة الغجر؟

واستلهمت كذلك من كتاب “جمهورية أفلاطون” حول العدل، وكيف يكون العدل وماهيته، وهل العدل أخلاقي دائمًا أم يترنح بين القوة والأخلاق، فالعدل من أكبر القضايا التي تشكل هاجسًا إنسانيًا.

ما الذي تخطط له بعد هذا الكتاب؟ هل هناك مشاريع جديدة تعمل عليها؟

نعم، هناك مشاريع في البعد الحضاري والإنساني والعلمي، رغبةً في تقريب الصورة وتقليص الفجوة بين الإنسان وحضارته.. نعم، أعمل على كتاب في المجال الفكري والإصلاحي.

ردوان كريم - كاتب من الجزائر

ردوان كريم - كاتب من الجزائر

اقرأ أيضا

آخر الأخبار
إحباط محاولة إدخال 30 قنطارًا من الكيف عبر الحدود مع المغرب الجزائريون في رمضان.. حين يتحوّل العمل التطوعي إلى عادة مُتجذرة في المجتمع شراكة أمنية وتنموية بين الجزائر وتونس لخدمة المناطق الحدودية غزة تحت القصف الصهيوني.. عظّم الله أجركم فيما تبقّى من إنسانيتكم أيها...! في محاولة لتخفيف التوتر.. وزير الخارجية الفرنسي يتودد للجزائر رقم أعمال "جيتكس" للنسيج والجلود يرتفع بـ15 بالمائة في 2024 اليونيسف: المشاهد والتقارير القادمة من غزة تفوق حدود الرعب القضاء الفرنسي يرفض تسليم بوشوارب للجزائر.. هل تتصاعد الأزمة؟ وزير الداخلية التونسي يزور مديرية إنتاج السندات والوثائق المؤمنة بالحميز انتشار "الجراد الصحراوي" يُهدّد 14 ولاية.. وهذه المناطق المعنية الجزائر تُروّج لمنتجاتها الغذائية في صالون لندن الدولي من الهاغاناه إلى "الجيش الإسرائيلي".. قرنٌ من التآمر على فلسطين! تقييم جهود البحث والإنقاذ البحري.. نحو استجابة أكثر فاعلية الجزائر تُندّد بجرائم الاحتلال في غزة وتدين صمت مجلس الأمن تراجع طفيف في أسعار النفط وسط احتمالات إنهاء الحرب بأوكرانيا نضال دبلوماسي لكسر العزلة.. الحقيقة الصحراوية تتحدّى التزييف المغربي خطوة نحو الاكتفاء الذاتي.. قطع غيار جزائرية في قلب صناعة السيارات فرنسا تفقد صوابها.. الجزائر تُحطم شراهة النفوذ البائد! نحو إعداد مشروع لتعديل أو استكمال القانون الأساسي لموظفي قطاع التربية الجزائر تدحض الادعاءات الفرنسية بشأن ترحيل رعاياها وتكشف تجاوزات باريس