لشبونة ليست مدريد.. الحقيقة الجزائرية والوهم المغربي

يبدو نظام المخزن المغربي مثل تاجر فاشل، يبذل كلّ ما لديه لإقناع زبائنه المفترضين بشراء بضاعته الكاسدة، لكنّ، ما يخسره ـ في هذا المجال ـ من جهد ومال ـ ناهيك عمّا يقوم به من ممارسات هابطة ـ على حساب شرف المملكة ـ أقلّ قيمة من البضاعة ذاتها.

هذا بالضبط ما ينطبق على الحالة المغربية خلال ذلك المشهد البائس الذي ظهر فيه رئيس حكومة المخزن، «عزيز أخنوش»، وهو يهرول مستجديا دولة البرتغال ـ بجلالة قدرها ـ أن تعبّر له ولو بالتلميح عن تأييدها لطروحاته الوهمية بشأن ملف الصحراء الغربية.

وبالتأكيد فإن ألسنة نظام المخزن قد خرجت بأخبار محتشمة ـ وذلك بعد زيارة قام بها أخنوش إلى لشبونة، في إطار محادثات بين البلدين، حين أوّلت ـ عبر الصحافة الصفراء في الرباط ـ كلام موقف الحكومة البرتغالية، وتصرّفت في ترجمة الكلمات بما يخدم توجّهات النظام التوسعي المغربي ولو من بتعمّد الفهم الخاطئ.

بعد أيام أعلنت الرئاسة البرتغالية، أن الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، سيقوم بزيارة إلى لشبونة يومي 23 و24 ماي الجاري، بدعوة من الرئيس البرتغالي، مارسيلو ريبيلو دي سوزا، ولا شك أن هذا الخبر قد نزل كالصاعقة على رؤوس ساكنة نظام المخزن.

هذه الزيارة تم وصفها في البرتغال بأنها “تأتي في إطار منظور مشترك لتعميق العلاقات الممتازة بين البلدين”، وجاء في التفاصيل أن الاجتماع بين رئيسي الدولتين سيكون في القصر الوطني في بيليم، حيث سيتطرق الطرفان إلى الموضوعات المدرجة على جدول الأعمال الثنائي بين الجزائر والبرتغال.

نظام المخزن استبق الأحداث فتوقع أن قضية الصحراء الغربية ستكون من بين الملفّات التي ستسارع لشبونة إلى فتحها حتى لا تقع فيما وقعت فيه إسبانيا عندما انساقت وراء المغرب حين أيّدت مدريد طروحات المخزن الاحتلالية بشأن الصحراء الغربية، وكان ذلك على حساب الشرعية الدولية والأهم: على حساب علاقتها مع الجزائر.

إسبانيا أصبحت نموذجا واضحا للاختيارات الغبية، بما يعني أن البرتغال لن تقع في الخطأ الإسباني ذاته، وهكذا فإن استقبالها للرئيس تبون، إنما هو حدث هام، فالأمر يتعلق بعلاقة بين دولتين لهما شأن كبير، وليس بين دولة حقيقية وأخرى تمثّل كيانا فاشلا يتحدث باسمه سيء السمعة المسمى «عزيز أخنوش».

لكن، ماذا حدث بعد ذلك؟ بالتأكيد، الإجابة ستكون عبر البيانات الرسمية، وعلى ألسنة الكبار في المستوى الأعلى، ففي ندوة صحفية نشطها رئيسا البلدين، أكد تبون ـ الثلاثاء ـ أن المحادثات الثنائية التي جمعته بنظيره البرتغالي كانت توافقية ومثمرة في مجمل الملفات.

وقال رئيس الجمهورية إنه تحادث مطوّلا مع الرئيس البرتغالي مارسيلو ريبيلو دي سوزا حول الوضع في ليبيا ومالي ومنطقة الساحل وكذا الصحراء الغربية، بالإضافة إلى الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة وكذا حول ما يجري في الأراضي بين روسيا وأوكرانيا.

وذكر رئيس الجمهورية، في هذا الشأن، أنّ “الجزائر تطمح مثل دولة البرتغال، إلى السلم بين روسيا وأوكرانيا، وإلى حلّ قضية الصحراء الغربية حسب لوائح الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن”، وأضاف: “أكدنا دعمنا المطلق للقضية الفلسطينية، وموقف الجزائر واضح من ذلك، فهي تدافع عن حلّ الدولتين، وإقامة دولة فلسطين في حدود جوان 1967، وعاصمتها القدس الشرقية”.

ووصف تبون محادثاته مع مارسيلو بأنها كانت مثمرة وصريحة وصادقة، عكست حقيقة عمق العلاقات السياسية وسمحت بتعزيز التشاور السياسي المنتظم، المُعبّر عن الشراكة متعدّدة الجوانب التي تجمع الجزائر والبرتغال في بيئة إقليمية ودولية معقدة، مؤكد ـ في ذات السياق ـ على التوافق مع نظيره البرتغالي حول مجمل القضايا المُتطرق إليها.

الرئيس تبون جدّد بالمناسبة، التزام الجزائر بمعاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون الموقّعة مع البرتغال عام 2005، وهذا الكلام ـ بالتأكيد ـ يذكّر ـ على نحو ما ـ بمعاهدة الصداقة التي كان تجمع الجزائر بإسبانيا لكنها انهارت بمجرّد أن انقلبت مدريد على موقفها بشأن الصحراء الغربية.

من جانبه، اعتبر الرئيس البرتغالي مارسيلو ريبيلو دي سوزا أن الجزائر مهمّة في جميع المجالات، وأن هذه الزيارة ستفتح علاقات مشتركة بين البلدين، مؤكد أن موقف بلاده ثابت فيما يخصّ الصحراء الغربية من خلال دعمه لمساعي الأمم المتحدة والقانون الدولي بشأن القضية.

المحادثات التي أجراها رئيس الجمهورية ـ الثلاثاء ـ بالعاصمة لشبونة ـ بمقر رئاسة الجمهورية البرتغالية ـ مع نظيره البرتغالي، مارسيلو ريبيلو دي سوزا، توسعت لتشمل أعضاء وفدي البلدين، فقد حضرها عن الجانب الجزائري، وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، أحمد عطاف.

كما حضر هذه المحادثات كل من وزير الطاقة والمناجم، محمد عرقاب، وزير الصناعة والإنتاج الصيدلاني، علي عون، ووزير التجارة وترقية الصادرات، الطيب زيتوني، ووزير الأشغال العمومية والمنشآت القاعدية لخضر رخروخ ووزير اقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة والمؤسسات المصغرة، ياسين المهدي وليد.

وتتميز علاقات الصداقة التي تجمع الجزائر والبرتغال ببعدها التاريخي وبارتكازها على الاحترام المتبادل وحسن الجوار والتشاور المستمر، ومن شأن هذه العلاقات أن تتعزّز أكثر بعد زيارة الدولة التي يقوم بها رئيس الجمهورية، إلى هذا البلد منذ الإثنين الماضي.

وقد تأسست العلاقات الدبلوماسية المتينة بين البلدين عام 1975 وارتقى مستوى التعاون إلى التوقيع على معاهدة الصداقة وحسن الجوار يوم 8 جانفي 2005، وتسعى قيادتا البلدين إلى تعزيز مكتسبات هذه العلاقة الإستراتيجية وفتح المجال من أجل علاقات متميزة بين البلدين.

وتُعد الجزائر شريكا أساسيا وموثوقا، وهي التي لعبت دورا هاما في دعم المعارضة الديمقراطية ضد الديكتاتورية في البرتغال سابقا، مثلما صرح به وزير الدولة والشؤون الخارجية البرتغالي، أوغوشتو سانتوش سيلفا، لدى زيارته إلى الجزائر العام الماضي.

وذكر عقب استقباله من طرف رئيس الجمهورية، أنه في عام 1975، تم الإمضاء بالجزائر على اتفاقية سمحت باستقلال العديد من الدول الإفريقية التي استعمرت من طرف البرتغال وهو ما شكل – مثلما وضح – “ميلاد دول تتحدث اللغة البرتغالية”.

وللبلدين أهمية كبيرة في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط، حيث تطبع الثقة المتبادلة التعاون بينهما، لاسيما في مجال مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية وفي مجال الأمن والاستقرار في المنطقة وإرساء علاقات حسن الجوار بين الدول والشعوب.

وتتقارب وجهات نظر البلدين بخصوص مختلف المسائل الدولية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك، كما يتقاسمان ذات المبادئ الدبلوماسية القائمة على الاحترام المتبادل والندية واحترام إرادة الشعوب، سيما وأن البرتغال أدرجت في دستورها مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها.

كما يساهم البلدان في تطوير التنسيق السياسي والأمني والتشاور في إطار منظمات التعاون الإقليمي ويشاطران منتديات مشتركة من بينهما مجموعة 5+5، وتسعى القيادتان إلى توطيد العلاقات الجيدة في المجالين السياسي والدبلوماسي والارتقاء بمستوى التعاون الاقتصادي إلى آفاق أوسع.

وقد تعزز التعاون الدبلوماسي البرلماني في مارس 2022 بتنصيب المجموعة البرلمانية للصداقة الجزائرية-البرتغالية التي من شأنها تمتين علاقات الصداقة بين الشعبين والارتقاء بمستوى التنسيق والتشاور.

وفي المجال الاقتصادي، تسعى الجزائر إلى تعزيز مكانتها كأهم شريك للبرتغال في القطاع الطاقوي وتطمح إلى توسيع التعاون إلى مجالات أخرى، على غرار الطاقات المتجددة والصناعة والأشغال العمومية والمؤسسات الناشئة والفلاحة والسياحة، وذلك من خلال إعطاء نفس جديد للتعاون القائم بين البلدين وفق مبدأ المنفعة المتبادلة، كما تسعى أيضا إلى تعزيز تواجد الاستثمارات البرتغالية في السوق الجزائرية عبر شراكات مربحة.

ولهذا الغرض، انعقدت منتصف الشهر الجاري بالجزائر العاصمة الدورة السادسة لفريق العمل المشترك للتعاون الاقتصادي الجزائري-البرتغالي، برئاسة كل من وزير الصناعة والإنتاج الصيدلاني، علي عون، ووزير الاقتصاد والبحر البرتغالي، أنطونيو كوستا سيلفا.

وتوجت هذه الدورة بالتوقيع على محضر يتضمن تقييم التعاون الثنائي والمحاور الكفيلة بتعزيزه قصد تطوير أسس التعاون الاقتصادي والتجاري، وقد شهدت الدورة مشاركة ممثلين عن قطاع تكنولوجيات الإعلام والاتصال، الأشغال العمومية، المالية، الصناعة والإنتاج الصيدلاني، الري، الفلاحة، التجارة، الطاقة، النقل، السكن والمؤسسات الناشئة.

وتعد الجزائر بالنسبة إلى البرتغال شريكا أساسيا وموثوقا في عالم غير واضح المعالم على المستوى الاقتصادي والجيوسياسي، حسب وزير الاقتصاد البرتغالي الذي أكد في تصريح سابق له عقب اختتام أشغال الدورة السادسة لفريق التعاون، إرادة بلاده في تعزيز الاستثمارات في الجزائر حتى “تتضاعف خمس مرات خلال السنوات الخمس القادمة”.

وبالنظر إلى كل ما سبق، يتضح جليا أن الجزائر ماضية في تأكيد حضورها الفعّال ـ على المستوى الدولي ـ من خلال تبني سياسة الوضوح والحزم والثقة والعمل مع الشركاء الجادين على غرار البرتغال، فيما يستمر نظام المخزن في تأليف القصص الوهمية عبر التلاعب اللغوي الذي لا طائل من ورائه.

أكرم وائل

أكرم وائل

اقرأ أيضا