لعبة الاستئناس الإعلامي.. الخوف كآلية لتسميم الرسالة الإعلامية

يعاني الإعلام العربي المُطبّع من عُقد عميقة ومركّبة تعكس الشّعور بالخوف الذي يعتري الأنظمة العربية – المُطبعة أو التي تستعدّ للتّطبيع – التي ينطق باسمها. 

هذه الانظمة، بتوجيه من الكيان الصّهيوني الذي نبّهها إلى خطورة وأهميّة الإعلام، عمدت إلى تدجين الصّحافة وحوّلتها إلى أبواق صادحة بمدحها -الأنظمة المُطبّعة- ومدح سياستها، بدل أن تكُون -الصحافة- فعلًا حضاريًا تنويريًا وتثقيفيًا. بهذا الفعل غير النّاضج تسيء صحافة هذه الأنظمة إلى تاريخها وسمعة شعوبها.

فبسبب الخوف الذي زرعه الكيان “الإسرائيلي” المحتل في نفسية الأنظمة المُطبّعة من الإعلام، أصيبت هذه الأخيرة بفوبيا الإعلام، وسيطرت عليه فأصبحت تشمّ رائحة حبر كلّ كلمة وتعدّ حروفها وتفحصها بالمجهر خوفًا من أن تحمل مسدّسًا أو قنبلة. وكجزء من الإستراتيجية الصّهيونيةّ فرض على الأنظمة المطبّعة أن يساهم إعلامها في محاربة المقاومة الفلسطينية ودعم الاحتلال الإسرائيلي.

إذا كانت الحرب على غزّة قد عرّت عورة العالم كلّه، بما في ذلك ديمقراطيته الزّائفة فإنّها كشفت، من زاوية ثانية، بشاعة الإعلام العربي المُطبّع الذي بدل أن يصدمه ما وقع في غزّة من محارق ويتجاوب معه إيجابيًا بالمشاركة في هزيمة “إسرائيل” إعلاميًا قدوة بالكثير من الإعلام العالمي، سارع إلى الاصطفاف مع الكيان الإسرائيلي الغاصب ضمنيًا في مشروعه الخطير ألا وهو هزيمة المقاومة إعلاميًا.

وبأمر من الأنظمة العربية المُطبّعة بدأت الآلة الإعلامية التّابعة لها باتّباع إيقاع مدمّر يستهدف تشويه المقاومة المسلّحة ويحاول إظهارها أنّها مغامرة غير محسوبة العواقب والنّهايات، وأنّها لن تقوى على عنف الاحتلال الإسرائيلي وقوّته العسكرية.

كتبت جرائد كثيرة وتكلّمت تلفزيونات مطبّعة أنّ حرب غزّة هي آخر حرب فلسطينية خاسرة ضدّ الكيان الغاصب، وبما أنّ “إسرائيل” مدعومة من أمريكا، فلن يقدر عليها أحد ومن الأحسن “استراتيجيًا” التّطبيع معها والتّوقيع على سلام معها. وإذا كانت بعض وسائل الإعلام الغربية قد بدأت بدعم “إسرائيل” بعد عملية “طوفان الأقصى” فإنّها، بعد أن رأت حمّامات الدّم، غيرت من خطابها وبدأت تلوم “إسرائيل” على العنف الرّهيب، فإن الآلة الإعلامية المطبّعة قد واصلت في غيّها لتنال من المقاومة.

ففي بلاد نظام المخزن، مثلًا، حين كانت الجماهير المغربية تخرج للشّوارع رفضًا للتّطبيع وتنديدًا بالعدوان، كانت الآلة الرّسمية الإعلامية المُطبّعة تتحدّث عن أهمية التّطبيع مع “إسرائيل” وعن “الفوائد” الكثيرة التي جناها المخزن من العلاقة مع “إسرائيل”، وتشوّه المقاومة وتصفها بأنّها غير برغماتية.

وإذا اتّجهنا شرقًا نحو البلدان المُطبّعة نجد أنّ إعلامها قد تحوّل إلى مخفّف للصّدمات عن الكيان الصّهيوني. فحين هاجمت “إسرائيل” قنصلية إيران في سوريا تعاطف الإعلام المدجن والمطبّع مع “إسرائيل” ولم يخفِ فرحته بما حدث، وقال إنّ ذلك هو نتيجة لتمدّد إيران في الوطن العربي. ومثلما تصدّت دفاعات الدّول المُطبّعة للصّواريخ والمسيّرات الإيرانية التي هاجمت “إسرائيل”، تصدّى الإعلام العربي المُطبّع لتلك المسيرات والصّواريخ بطريقته الخاصّة، وراح يشوّهها ويصوّرها أنّها عملية فاشلة.

كخلاصة، لعب الإعلام العربي المُطبّع دورًا بارزًا في دعم الكيان الصّهيوني، وفي محاولة النّيل من المقاومة، وكتب فصولًا سوداء في تاريخه لا يمكن محوها إطلاقًا.

حمدي يحظيه - كاتب من الصحراء الغربية

حمدي يحظيه - كاتب من الصحراء الغربية

اقرأ أيضا