ما وراء الرسالة.. هل غيّرت المقاومة من خطّها الفكري والسياسي؟

بداية، يجب أن نتّفق أنّ ليس هناك حرب من أجل الحرب، وعليه فموقف حركة المقاومة الفلسطينية “حماس” يأتي في ضوء ما تحقّق في أرض المعركة، حيث يمكن البناء عليه في إطار عملية سياسية إيجابية، لأنّ من يعتقد أنّ “طوفان الأقصى” عسكري فقط يجانب الصّواب، فالموضوع سياسي في النّهاية من حيث السّياق والتوقيت والأهداف، والحركة سياسية في الأصل بجناح عسكري له عقيدة ووظيفة في إطار إستراتيجية شاملة وواضحة. 

فالمقاومة المسلّحة وسيلة شرعية لغاية شرعية وهي الدولة الفلسطينية، ولا أعتقد أنّ الحركة غيّرت من خطّها الفكري والميداني عندما تقترح رؤية براغماتية للصراع مع الكيان الصهيوني، بل هي تتحرّك وفق مقتضيات المشهد ومتغيّراته من أجل تحقيق مكاسب تكتيكية تخرج فيها المقاومة بشرف أولا وبقوّة ثانيا من الرّاهن الجيوسياسي بعد أكثر من نصف سنة من العدوان الصّهيوني بدعم لوجيستيكي واقتصادي أمريكي كبير، مع العلم أنّ الموقف الحمساوي هو موضوعيًا رسالة قويّة للداخل الفلسطيني بأنّ الحركة تعمل في خدمة مصلحة الشعب الفلسطيني عموما لتلبية حاجيات النضال الوطني الذي تلتزم به ولا تنفرد في تحديد مخرجاته.

كما أنّه رسالة قويّة للخارج في ظل رغبة نتنياهو والكابينت في الهجوم على رفح وذلك لإحراج الكيان الصهيوني أمام العالم وتقديم صورة حركة سلام وليس تنظيم إرهابي كما يسعى الكيان والغرب عمومًا إلى تسويقه، خاصّة في ظلّ الحراك الطلابي الأمريكي القوي ضد العدوان على غزّة، والذي يفيد الحركة على مستوى صورتها لدى الرأي العام الغربي، وبالعكس يضرّ أكثر بصورة “تل أبيب”.

وبالتّالي، نكون أمام موقف ذكي لحركة حماس من حيث القراءة الجيّدة للواقع الداخلي والدولي أولًا، ومن حيث توظيف الأحداث كفرصة للضّغط بما ينفع الجبهة الداخلية الفلسطينية، خاصة وأنّها تصبح على نفس المسافة مع حركة فتح وبما يؤثّر على العالم الغربي.

ولعلّ زيارة قيادة حماس لإسطنبول يضعنا موضوعيًا في صورة هذه الحقيقة، في إطار قواعد لعبة جديدة تستبق بها الحركة سيناريوهات أخرى جاهزة لتصفية القضيّة نهائيًا بدعم تيار التطبيع وقوى الشّر في المنطقة وفي العالم بصفة عامة، ومنه فاللحظة التاريخية الحالية مفصلية في عمر الحركة الوطنية الفلسطينية، والتي تعتبر حركة المقاومة الإسلامية جزء أصيل منها أو هكذا على الأقل نفهم من خرجتها العقلانية الأخيرة داخل الصندوق الوطني والدولي، إن صحّ التعبير.

عكنوش نور الصباح - خبير إستراتيجي جزائري

عكنوش نور الصباح - خبير إستراتيجي جزائري

اقرأ أيضا