تمر اليوم 66 سنة على المجزرة المروعة التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي في غار أوشطوح ببلدية تاكسلانت غرب ولاية باتنة، حيث أباد 118 مدنيًا أعزل، معظمهم نساء وشيوخ، مستخدمًا الغازات السامة والمتفجرات في واحدة من أبشع جرائم الحرب التي لا تزال شاهدة على الهمجية الاستعمارية.
ورغم مرور أكثر من ستة عقود على هذه الجريمة، لا تزال باريس ترفض الاعتراف بمجازرها في الجزائر، ما يعمّق أزمة الذاكرة بين البلدين ويعزز التوترات الدبلوماسية القائمة، خصوصًا في ظل المستجدات الأخيرة التي أعادت ملف الاستعمار إلى الواجهة.
جريمة ضد الإنسانية بلا محاسبة
في أيام 21 و22 و23 مارس 1959، كانت قرية تارشيوين شاهدة على واحدة من أبشع صور الإرهاب الاستعماري، حيث احتمى عشرات المدنيين بغار أوشطوح هربًا من عمليات التمشيط الفرنسية. لكن جيش الاحتلال استخدم تكتيكات وحشية للقضاء عليهم، فقام بتفجير شابين داخل الغار، ثم قصف مدخله بغازات سامة قبل أن يدفنه تحت أطنان من المتفجرات.
يقول الناجون من المجزرة، ومنهم محمد فريك وعمر مزغيش، إن جثث الضحايا تكدّست داخل المغارة بين محترقة ومختنقة، بينما لقي عدد من الجرحى حتفهم لاحقًا بسبب إصاباتهم البليغة. بعض من تمكنوا من الفرار، كان مصيرهم الإعدام رمياً بالرصاص على أيدي الجنود الفرنسيين. لم تكن مجزرة غار أوشطوح حدثًا معزولًا، بل جاءت في سياق تصعيد عسكري ممنهج، حيث حاصرت قوات الاحتلال المنطقة مدعومة بغطاء جوي من قوات الحلف الأطلسي، ما يكشف حجم التواطؤ الغربي في الجرائم المرتكبة بحق الجزائريين.
ورغم الأدلة الدامغة على استخدام الأسلحة المحظورة ضد المدنيين، تواصل فرنسا التهرب من الاعتراف بمسؤوليتها. وفيما تطالب الجزائر بملفات الذاكرة كاستعادة الأرشيف والتعويض عن التجارب النووية، تكتفي باريس بإطلاق تصريحات دبلوماسية جوفاء دون أي خطوات ملموسة، مما يزيد من تأزم العلاقات بين البلدين.
وضمن جهود صون الذاكرة الوطنية، خصصت وزارة المجاهدين وذوي الحقوق غلافًا ماليًا بقيمة 5 ملايين دينار لإعادة تهيئة المعلم التاريخي الذي يخلد ذكرى المجزرة. وأوضحت مديرة القطاع بباتنة، نوال بوخابية، أن العملية تشمل توسعة الموقع ووضع جدارية بأسماء الضحايا، إلى جانب فتح مسلك نحو الغار، في خطوة تهدف إلى إبقاء هذا الحدث الدموي حاضرًا في الذاكرة الجماعية للأجيال القادمة.
غير أن هذه الجهود تبقى ناقصة في ظل غياب اعتراف رسمي من فرنسا، ما يجعل ملف المجازر الاستعمارية قنبلة موقوتة في العلاقات الجزائرية الفرنسية، خاصة مع استمرار التوتر حول قضايا أخرى مثل التأشيرات، والتدخلات الفرنسية في الشؤون الجزائرية، وصولًا إلى تصريحات الرئيس ماكرون المثيرة للجدل حول الأمة الجزائرية.
بينما تسعى باريس لتجاوز الماضي دون تقديم اعتذار أو تعويض، يظل ملف الجرائم الاستعمارية شاهدًا على حقبة سوداء من التاريخ الفرنسي في الجزائر. فمجزرة غار أوشطوح، شأنها شأن مجازر 8 ماي 1945 وتجارب الصحراء النووية، ليست مجرد أحداث منسية، بل وصمة عار لا يمكن محوها إلا بإنصاف الضحايا والاعتراف بالجرائم المرتكبة.