في عالمٍ لا يزال يعاني من إرث الاستعمار، تتجدد المواقف الرافضة للهيمنة والاحتلال، مؤكدة أن النضال من أجل الحرية والسيادة مستمر. من أمريكا اللاتينية إلى إفريقيا، تتعالى الأصوات المناهضة للقمع والاستغلال، مع استمرار قضايا التحرر الوطني التي تعكس إصرار الشعوب على انتزاع حقوقها المسلوبة. في هذا السياق، برزت مواقف حاسمة من زعماء دول الجنوب العالمي، التي تجسد الالتزام بمبادئ التحرر ورفض التدخلات الأجنبية، من بوليفيا التي تجدد مطالبتها بحقوقها البحرية، إلى زيمبابوي التي تؤكد أن إفريقيا لن تكتمل حريتها ما دامت الصحراء الغربية تحت الاحتلال. هذه المواقف ليست مجرد بيانات، بل هي تعبير عن معركة طويلة ضد محاولات إعادة إنتاج الاستعمار بوجوه جديدة، معركة لا تزال شعوب الجنوب تخوضها بشجاعة، مستندة إلى إرث من المقاومة والكفاح من أجل تقرير المصير.
جاءت تصريحات الرئيس البوليفي خلال كلمته بمناسبة اليوم الوطني للبحر، حيث شدد على أن معاناة الشعوب المقهورة مع الاستعمار يجب أن تنتهي، سواء في إفريقيا أو في أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي، مشيرًا إلى القضايا الحدودية العالقة بين الدول، إضافة إلى الحصار الاقتصادي الظالم المفروض على كوبا. الحدث الذي أشرف عليه الرئيس لويس أرسي بحضور جميع أعضاء حكومته، شهد مشاركة السفارة الصحراوية في لاباث ممثلة في القائم بالأعمال خطري محمد مولود، إلى جانب السلك الدبلوماسي المعتمد في بوليفيا.
وقد شهد الحفل الرسمي، الذي أقيم يوم الأحد، رفع الرئيس شخصيًا للعلم الوطني في ساحة المقاومة البحرية وسط العاصمة لاباث، إضافة إلى تقديم أعضاء الحكومة أكاليل الزهور أمام نصب قائد القوات البحرية “إدواردو هيدالغو”، وإطلاق سبع طلقات من مدافع البحرية البوليفية التي لطالما كافحت لاسترداد منافذها البحرية، وهي القضية التي تظل محل نزاع بين بوليفيا وتشيلي، حيث أكد الرئيس البوليفي على أحقية بلاده في منفذ إلى المحيط عبر الأراضي التي استولت عليها تشيلي.
وتميزت الذكرى الـ 146 ليوم البحر بعروض عسكرية واستعراضات للقوات المسلحة البوليفية، حيث جددت بوليفيا التأكيد على أهمية الجاهزية الدفاعية لمواجهة مختلف التحديات المستقبلية. كما أن موقف الرئيس البوليفي القوي في إدانة الاستعمار وتعزيز المقاومة ضد محاولات نهب خيرات الشعوب وتقويض حق تقرير المصير، يعكس التوجه الثابت لدول أمريكا الجنوبية والكاريبي التي تسعى إلى التصدي لكل محاولات فرض الهيمنة.
وفي السياق نفسه، أكد رئيس زيمبابوي، إيمرسون منانغاغوا، بصفته رئيسًا لمجموعة “سادك”، أن التجمع الإقليمي يدعم بقوة نضال الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية من أجل تحرير كامل ترابها الوطني، مشددًا على أن إفريقيا لا يمكنها الادعاء بأنها تحررت بالكامل طالما بقيت الصحراء الغربية تحت الاحتلال المغربي غير الشرعي.
وفي خطابه الذي ألقاه يوم الأحد بمناسبة يوم الاستقلال الذي تحتفل به دول الجنوب الإفريقي في 23 مارس من كل عام، أكد منانغاغوا أن موقف “سادك” يتماشى تمامًا مع موقف الاتحاد الإفريقي، الذي يعتبر وجود المغرب في الصحراء الغربية استمرارا للحكم الاستعماري، ويرفض الاعتراف بأي سيادة للمغرب على الأراضي الصحراوية المحتلة.
من جهة أخرى، حذر رئيس زيمبابوي من التهديدات الخارجية التي تحدق باستقلال واستقرار دول المجموعة، مدينًا العقوبات غير القانونية والإكراه الاقتصادي وأشكال التدخل الأجنبي الأخرى التي تهدف إلى تقويض السيادة الإقليمية للدول الإفريقية. وفي هذا الإطار، دعا منانغاغوا إلى تعزيز دور التجمع الإقليمي في الدفاع عن استقلال إفريقيا ضد محاولات الاستعمار الجديد، مشددًا على ضرورة التنسيق بين الدول الإفريقية لمواجهة هذه التحديات وحماية حق شعوبها في تقرير مصيرها.
إن الموقفين البوليفي والزيمبابوي يعكسان إصرار دول الجنوب العالمي على التصدي لكل أشكال الاستعمار والهيمنة، سواء في إفريقيا أو أمريكا اللاتينية، حيث لا يزال كفاح الشعوب من أجل الحرية والسيادة مستمرًا في ظل محاولات القوى الاستعمارية الجديدة لإعادة إنتاج سياسات القمع والنهب. وبينما تواجه بوليفيا تحدياتها في استعادة حقوقها البحرية من تشيلي، تستمر الصحراء الغربية في نضالها العادل ضد الاحتلال المغربي، في ظل دعم متزايد من دول كبرى في القارتين، تؤمن بأن الاستقلال غير مكتمل طالما أن هناك أرضًا محتلة وشعبًا محرومًا من حقه في تقرير مصيره.
وفي ظل هذا الالتزام المشترك بين دول أمريكا الجنوبية وإفريقيا، يتضح أن قضية مقاومة الاستعمار لا تزال حاضرة بقوة في الأجندات السياسية، وأن التحالفات بين هذه الدول باتت تشكل سدًا منيعًا أمام محاولات فرض سياسات الإملاءات الخارجية، مما يعزز الآمال في تحقيق التحرر الكامل لشعوب العالم التي لا تزال تعاني من تبعات الاستعمار والسياسات الإمبريالية الجديدة.