واشنطن وتل أبيب تتشاركان قتل الأبرياء.. حرب الإبادة تمتد من غزة إلى صعدة

وسط أنقاض المنازل المدمرة وأصوات الاستغاثة التي تخترق صمت العالم، تستمر معاناة الأبرياء في اليمن وفلسطين تحت نيران الحروب والتجويع والحصار. ففي غزة، حيث تحوّلت الحياة إلى صراع يومي من أجل البقاء، يواجه الفلسطينيون حرب إبادة ممنهجة تُستخدم فيها كل وسائل القتل، من القصف إلى التجويع وقطع المياه. وفي اليمن، تزداد الأوضاع سوءًا مع التصعيد الأمريكي الأخير، حيث حصدت الغارات أرواح العشرات في صنعاء وصعدة والبيضاء، في خطوة أشعلت التوتر الإقليمي وأعادت الصراع إلى واجهة الأحداث الدولية.

جاءت الضربات الأمريكية انتقامًا من اليمنيين الذين ساندوا المقاومة في غزة، وأكد البيت الأبيض أن الهجمات استهدفت قادة “أنصار الله”، في حين شدد وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو على استمرار العمليات العسكرية حتى إنهاء قدرة الجماعة على تهديد السفن الدولية. من جانبها، حذَّرت إيران من أي استهداف لها، مؤكدةً أنها ستردّ بحزم، بينما دعت روسيا إلى وقف التصعيد واللجوء إلى الحوار السياسي لتفادي مزيد من الدماء.

استشهد 31 شخصًا على الأقل وأُصيب أكثر من 100 آخر، معظمهم من النساء والأطفال، جراء ضربات جوية أمريكية استهدفت مناطق مدنية في صنعاء وصعدة والبيضاء، وفقًا لوزارة الصحة في صنعاء. جاء هذا الهجوم بعد تهديد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لأنصار الله بـ”جحيم لم يعهدوه”، ردًا على هجماتهم على الملاحة البحرية.

وأكد البيت الأبيض أن الضربات أسفرت عن مقتل عدد من قادة المقاومة اليمنية، بينما شدد وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو على استمرار العمليات العسكرية حتى إنهاء قدرة اليمنيين على تهديد الملاحة الدولية، مستبعدًا أي تدخل بري في الوقت الحالي.

حذَّرت إيران من أي استهداف لها، مؤكدة أنها ستردّ “بحزم”، فيما وصف قائد الحرس الثوري “أنصار الله” بأنهم “ممثلون للشعب اليمني”. ومن جانبها، دعت روسيا وواشنطن إلى وقف التصعيد وبدء حوار سياسي لتجنب المزيد من سفك الدماء.

توعد “أنصار الله” بالتصعيد واستهداف مصالح أمريكية، مؤكدين أن “العدوان لن يمر دون رد”. وأوضحوا أن هجماتهم على السفن في البحر الأحمر مستمرة دعمًا لفلسطين، خصوصًا بعد منع (إسرائيل) إدخال المساعدات إلى غزة.

وأعاد ترامب تصنيف “أنصار الله” في القائمة السوداء، وسط تصاعد التوترات الإقليمية. وأدانت حركة حماس الضربات الأمريكية، ووصفتها بأنها “انتهاك صارخ للقانون الدولي”، يأتي هذا التصعيد في وقت تشهد فيه المنطقة اضطرابات متزايدة، حيث تهدد المواجهة بين الولايات المتحدة واليمن بجرّ أطراف إقليمية أخرى إلى النزاع.

في قطاع غزة، لا تزال الأوضاع الإنسانية تتفاقم يومًا بعد يوم نتيجة حرب الإبادة الصهيونية المتواصلة والعمليات العسكرية التي تستهدف المدنيين والبنية التحتية، مما أدى إلى أزمة إنسانية غير مسبوقة تهدد حياة مئات الآلاف من الفلسطينيين. بين أزمة المياه التي تهدد سكان القطاع بالعطش والمجازر التي ترتكب بحق المدنيين وعمال الإغاثة، وبين تعثر المفاوضات السياسية واستمرار التصعيد العسكري، تبدو غزة ساحةً مفتوحة للموت والمعاناة وسط صمت دولي مخزٍ.

حذرت بلدية غزة من أزمة مياه حادة قد تؤدي إلى حالة عطش شديدة، في ظل استمرار (إسرائيل) في إغلاق المعابر ومنع دخول الوقود، وتهديدها بوقف خط مياه “ميكوروت” الذي يغذي المدينة بحوالي 70% من احتياجاتها اليومية. وأكدت البلدية في بيان لها أن توقف هذا الخط سيؤدي إلى كارثة إنسانية تهدد الصحة العامة وتزيد من انتشار الأمراض.

يُذكر أن قطاع غزة يعتمد على مصادر محدودة جدًا للمياه، حيث تخضع معظم مصادره للسيطرة الصهيونية، مما يجعلها وسيلة ضغط على الفلسطينيين. وتفاقمت الأزمة بعد إغلاق (إسرائيل) جميع المعابر المؤدية إلى القطاع عقب انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في مارس الماضي، مما منع دخول المساعدات الإنسانية والوقود اللازم لتشغيل محطات المياه والصرف الصحي، التي توقفت بالفعل عن العمل بسبب انقطاع الكهرباء.

وتأتي هذه الإجراءات في إطار سياسة العقاب الجماعي التي تنتهجها (إسرائيل) ضد سكان غزة، حيث صرح المتحدث باسم رئيس الوزراء الصهيوني عومري دوستري في 4 مارس أن “قطع المياه والكهرباء عن غزة غير مستبعد كوسيلة للضغط على حركة حماس”، بينما قرر وزير الطاقة الصهيوني إيلي كوهين وقف تزويد القطاع بالكهرباء فورًا. وقد ناشدت بلدية غزة المنظمات الأممية التدخل العاجل للضغط على (إسرائيل) لاحترام القوانين والمواثيق الدولية وتوفير المياه والطاقة دون عوائق.

استهداف متعمد لعمال الإغاثة

في سياق متصل، استهدفت غارات صهيونية مكثفة مدينة بيت لاهيا في شمال غزة، مما أدى إلى مقتل 8 من عمال الإغاثة العاملين في مؤسسة “الخير” الخيرية، بالإضافة إلى مدني فلسطيني آخر. وكشفت المؤسسة، التي تتخذ من بريطانيا وتركيا مقرًا لها، أن الغارة استهدفت سيارة كانوا يستخدمونها في افتتاح مخيمات للنازحين، حيث قُتل مصوران كانا يوثقان أعمال الإغاثة. وعند إرسال سيارة أخرى لإجلاء الناجين، تعرضت للقصف أيضًا، ما أدى إلى مقتل جميع من كانوا فيها.

ووصف مدير المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، إسماعيل الثوابتة، هذا الهجوم بأنه “مجزرة وحشية مروعة”، مشيرًا إلى أن (إسرائيل) قتلت أكثر من 150 فلسطينيًا منذ بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار في 19 يناير 2025، بينهم 40 خلال الأسبوعين الماضيين فقط. وأكد المكتب الإعلامي أن الاحتلال الصهيوني يستهدف المدنيين عمدًا، بما في ذلك أولئك الذين يجمعون الحطب أو يتفقدون منازلهم، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني.

من جانبها، أدانت حركة حماس المجزرة في بيت لاهيا، ووصفتها بأنها تصعيد خطير يعكس استهتار الاحتلال بالقانون الدولي وسعيه لعرقلة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار. واتهمت الحركة (إسرائيل) بالسعي لإفشال الاتفاق وإهدار أي فرصة لتبادل الأسرى، داعية الوسطاء إلى التدخل العاجل للضغط على الحكومة الصهيونية لاحترام التزاماتها.

اعترف صهيوني

في تطور مثير، كشفت تسجيلات صوتية لرئيس أركان “الجيش” الصهيوني السابق، هرتسي هاليفي، عن إشادته بما وصفه بـ”الخداع” الذي مارسته حماس ضد (إسرائيل) قبل هجوم السابع من أكتوبر 2023، المعروف باسم “طوفان الأقصى”. وأوضح هاليفي، الذي غادر منصبه في مارس الجاري، أن الحركة استخدمت الاحتجاجات والأنشطة الإنسانية لإيهام (إسرائيل) بأنها غير مستعدة لأي هجوم، في حين كانت تخطط للهجوم الأكبر في تاريخ الصراع الفلسطيني الصهيوني.

 

وقال هاليفي في التسجيلات التي نشرتها إذاعة “الجيش” الصهيوني: “ليس لدي خيار سوى الإشادة بحماس على الخداع الذي مارسته ضدنا”، معترفًا بأن “الجيش” الصهيوني لم يكن يتوقع حدوث 5% مما جرى في ذلك اليوم. وأكد أن هذه المفاجأة شكلت أكبر فشل استخباراتي وعسكري للكيان، ما أدى إلى إلحاق أضرار جسيمة بصورة “الجيش” الصهيوني عالميًا.

منذ السابع من أكتوبر 2023، تشن حملة عسكرية واسعة ضد قطاع غزة بدعم أمريكي، أسفرت عن استشهاد وإصابة أكثر من 160 ألف فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال، فيما لا يزال أكثر من 14 ألف شخص في عداد المفقودين. وفي ظل استمرار الحصار الصهيوني وإغلاق المعابر، يعيش الفلسطينيون في ظروف مأساوية، مع تزايد معاناتهم من العطش والجوع وانعدام الخدمات الأساسية.

ومع استمرار الانتهاكات الصهيونية، يجد الفلسطينيون أنفسهم أمام كارثة إنسانية غير مسبوقة، حيث لا يقتصر العدوان على القصف العسكري فحسب، بل يشمل أيضًا استخدام المياه والطاقة كسلاح ضغط، واستهداف المدنيين وعمال الإغاثة، وعرقلة أي جهود للتهدئة أو الحلول السياسية. ومع كل هذه الجرائم، يبقى المجتمع الدولي صامتًا، ما يمنح (إسرائيل) الغطاء للاستمرار في سياساتها القمعية والعدوانية بحق الفلسطينيين.

وفي ظل هذه الظروف، تتزايد الدعوات للتحرك العاجل لوقف المأساة في غزة، حيث تدعو المنظمات الإنسانية والحقوقية المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته والضغط على (إسرائيل) لإنهاء حصارها الوحشي ووقف عدوانها المستمر ضد المدنيين الأبرياء.

حميد سعدون

حميد سعدون

اقرأ أيضا

آخر الأخبار
15 سنة حبسا نافذا في حق تاجر متهم بالمضاربة في الموز بوهران برلمانية من حزب "فرنسا الأبية" تتهم روتايو بأنه "مثير للمشاكل" الجزائر ترفض دراسة قائمة بأسماء مواطنين صدرت في حقهم قرارات إبعاد من فرنسا واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز المسال تسجل مستوى قياسيا وزارة العدل.. إجراءات جديدة لاستخراج شهادة الجنسية الجزائرية قانون تسيير النفايات الجديد.. خطوة نحو تحقيق تنمية مستدامة الجزائر تُوسّع آفاقها الخضراء.. نحو رفع مساحة الأراضي المسقية إلى 3 ملايين هكتار وزير الخارجية يستقبل عددا من السفراء الجدد المعتمدين لدى الجزائر المصادقة على القانون المتعلق باختصاصات محكمة التنازع القمة الروسية-الأمريكية.. هل تتغلب براغماتية بوتين على مزاجية ترامب؟ 70% من الأشغال مكتملة.. مصنع "فيات" بوهران يستعد للمرحلة القادمة الرقابة على الأسواق في رمضان: إغلاق محلات وحجز أطنان من السلع وكالة "عدل" تمدد ساعات العمل بمكاتب التحصيل خلال رمضان روتايو يهدد بالاستقالة.. والمعارضة الفرنسية ترد: "فليذهب!" واشنطن وتل أبيب تتشاركان قتل الأبرياء.. حرب الإبادة تمتد من غزة إلى صعدة بالصور | 4 إرهابيين يسلمون أنفسهم للسلطات العسكرية ببرج باجي مختار عرقاب يُعاين تقدم أشغال خط السكة الحديدية المنجمي بشار-تندوف-غار جبيلات بعد 48 عامًا على اغتياله.. كمال جنبلاط ينتصر من قبره! وزارة التجارة ترقمن البيانات الغذائية للحد من المخاطر الصحية تعويض البطالة.. صندوق "كاكوبات" يُطلق خدمة إلكترونية جديدة