في مشهد صادم ومؤلم، يضع المغرب حقوق الإنسان وحرية التعبير أمام اختبار قاسٍ، بعدما اهتز الرأي العام على وقع اعتقال الطفلة ملاك الطاهري، ذات الثلاثة عشر عامًا، في واقعة وصفت بأنها “يوم أسود” في سجل الحريات. اعتقالٌ لا يقتصر أثره على طفلة تم انتزاعها من براءة طفولتها، بل يكشف عن منحى خطير في استهداف الأصوات المعارضة وقمع حرية الرأي، ليعيد إلى الأذهان صور القمع التي ظن المغربيون أنهم تجاوزوها. فكيف لبلد يفاخر بالتزامه بالمواثيق الدولية أن يبرر اعتقال طفلة قاصر؟ وأي رسالة تبعثها السلطات للعالم حين تُستخدم أساليب الضغط والانتقام ضد الأسر بدلًا من مواجهة الأصوات المعارضة بالحوار؟
أثارت فضيحة اعتقال السلطات المخزنية للطفلة ملاك الطاهري (13 سنة) غضبًا واسعًا لدى الحقوقيين والإعلاميين، الذين اعتبروه “يومًا أسود لحقوق الإنسان في المغرب”، وسط تحذيرات من خطر القمع المنهجي لحرية الرأي والتعبير، ومطالبات بالوقف الفوري للمتابعات في حق كافة المعتقلين السياسيين.
وفي هذا السياق، أعربت الهيئة المغربية لمساندة المعتقلين السياسيين (همم) عن قلقها البالغ إزاء اعتقال الطفلة ملاك الطاهري، التي تعاني من مرض مزمن، حسب ما تناقلته العديد من المصادر الإعلامية، إضافة إلى اعتقال شقيقها ووالديها. كما شجبت الهيئة “بشدة” اعتقال طفلة قاصر وسلبها من حريتها، معتبرة ذلك “خرقًا سافرًا” لمقتضيات الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، التي صادق عليها المغرب سنة 1993.
وطالبت “همم” بـ “تسليم الطفلة فورًا لأحد أفراد عائلتها في انتظار إطلاق سراح والديها”، معربة عن رفضها لمثل “هذه المحاكمات ذات الطابع الانتقامي ضد المدونين المغاربة داخل الوطن وخارجه، كما حدث خلال سنوات الجمر والرصاص”. كما أدانت الهيئة ذاتها الحكم القضائي الجائر الصادر بحق منسقها فؤاد عبد المومني، والذي قضى بإدانته بستة أشهر حبسًا نافذًا وغرامة مالية، معتبرة ذلك “انتقامًا واضحًا منه بسبب آرائه وانتقاداته المستمرة للوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والحقوقي في المغرب”.
وفي السياق ذاته، شجبت الهيئة استمرار اعتقال المدونين بسبب مواقفهم المناهضة للتطبيع مع الكيان الصهيوني، كما حدث مع المواطن محمد بوستاتي، الذي يُحاكم بسبب تدوينات داعمة لفلسطين، مطالبة بالإفراج عنه فورًا. وأدانت “همم” أيضًا تشديد العقوبة ضد الناشط المدني المدافع عن ضحايا زلزال الأطلس، سعيد آيت مهدي، من 3 أشهر إلى سنة حبسًا نافذًا، إضافة إلى تحويل أحكام البراءة لثلاثة متابعين آخرين إلى الإدانة، وإصدار أحكام بالسجن النافذ لمدة أربعة أشهر بحق كل واحد منهم. وانتقدت الهيئة هذه القرارات، مؤكدة أنها تأتي “في الوقت الذي كان يُنتظر فيه تحريك المتابعة ضد المسؤولين عن عدم الالتزام بالوعود المعلنة لإنصاف سكان الحوز والمناطق المتضررة من الزلزال”، الذي ضرب المنطقة منذ بداية سبتمبر 2023.
من جهتها، أكدت الحقوقية المغربية خديجة الرياضي، في تصريحات صحفية، أن توقيف الطفلة ملاك الطاهري يشكل “انتهاكًا سافرًا لاتفاقية حقوق الطفل”، مشيرة إلى أن هذا الحدث “شكل صدمة للجميع”. كما رجحت الرياضي أن يكون الهدف من هذا “الانتهاك الخطير” هو الضغط على المدون هشام جراندو، الذي ينشر مقاطع فيديو على شبكات التواصل الاجتماعي يفضح فيها رموز الفساد في المغرب.
وقالت الرياضي إن هذه الممارسة تعيد إلى الأذهان “أساليب السلطة في التعامل مع المعارضين خلال سنوات الرصاص”، مشيرة إلى أن الطفلة ملاك تنتمي إلى عائلة المدون هشام جراندو، المعروف باسم “فاضح الفساد”، والمقيم في كندا. وطالبت بـ”الإفراج الفوري عن الطفلة وتسليمها لعائلتها إلى حين إطلاق سراح والديها”.
وفي السياق نفسه، قال الصحفي المغربي يونس مسكين: “من العار والمسيء لنا جميعًا أن تقضي هذه الطفلة ليلة أخرى وهي مقيدة الحرية”. وأضاف: “إن وجود شخص معروف بمواقفه الجريئة وتسجيلاته التي تتناول مسؤولين سامين، في صلب هذه القضية، يعطي الانطباع بوجود نية للاستهداف والإخضاع، وتوظيف طفلة في هذا السياق”، داعيًا السلطات المغربية إلى “عدم صناعة فضيحة جديدة”.
أما القيادي في فيدرالية اليسار الديمقراطي، عمر الحياني، فقد وصف اعتقال طفلة قاصر في سن الثالثة عشرة بأنه “يوم أسود في تاريخ حقوق الإنسان بالمغرب”، متسائلًا: “كيف لطفلة بهذا العمر، التي تدرس في السنة السابعة إعدادي، أن تدرك معنى إهانة هيئة دستورية؟”.
وفي تصريحات صحفية، قال العياشي تاكركرا، رئيس فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في مدينة تاهلة (شمال المغرب)، إن هذه الاعتقالات ترتبط مباشرة بنشاط هشام جراندو، مشيرًا إلى أن “شقيقه محمد سبق أن خضع للاستجواب في قضية مماثلة، مما يعكس محاولة واضحة للضغط على العائلة بسبب نشاط هشام الحقوقي”. وأكد تاكركرا أن “السلطات تملك كل الوسائل القانونية لملاحقة هشام جراندو بشكل مباشر، إذا رأت أن تصريحاته تتضمن تجاوزات قانونية، بدلًا من اللجوء إلى الانتقام من أفراد أسرته واعتقال قاصرة تبلغ من العمر 13 عامًا”.