يوضح الدكتور سيد أحمد كبير، المتخصص في القضايا الجيوسياسية والأستاذ في المدرسة العليا للعلوم السياسية، أن المنطقة تشهد “وتيرة متسارعة من الأحداث السياسية، التي ليست سوى إشارات تحذيرية لتحولات جيوسياسية عميقة”.
ويضيف أن “هذا الوضع خلق تهديدات حقيقية للاستقرار والسلام في منطقة الساحل وشمال إفريقيا، والتي قد تكون لها تداعيات على حوض البحر الأبيض المتوسط بأكمله”.
باستحضار السياق التاريخي، يشير الباحث إلى أن “قضية بيغاسوس أثبتت أن التكنولوجيا أصبحت الآن عاملاً حاسمًا في مسائل السيادة والأمن”. ويؤكد أن “حماية البنية التحتية الرقمية ومكافحة الجرائم الإلكترونية لم تعد مجرد مسألة تقنية، بل تتطلب نهجًا متعدد الأبعاد، يشمل تحديث النصوص القانونية، والتدريب الاجتماعي والنفسي، إلى جانب الوعي بمخاطر التلاعب الإعلامي عبر منصات التواصل الاجتماعي”.
قطعت الجزائر علاقاتها مع المغرب في عام 2021، ومع ذلك، تمكن البلدان من تجنب مواجهة عسكرية مباشرة، رغم وقوع حوادث متكررة في الصحراء الغربية كان من شأنها أن تؤدي إلى التصعيد.
تحرك المغرب في عام 2020 نحو تطبيع العلاقات مع “إسرائيل”، وسعى إلى تعزيز التعاون العسكري معها، وهو ما دفع الجزائر إلى اعتبار هذا التقارب تهديدًا مباشرًا لأمنها الوطني، خاصة في ظل التطورات الأمنية المتسارعة في منطقة الساحل.
يشدد الدكتور كبير على أن “الجزائر، مثل أي دولة ذات سيادة، تنتهج سياسة خارجية واقعية”.
ويوضح أن “في العلاقات الدولية، لكل فعل رد فعل، ولهذا فإن قرار الجزائر بتجميد علاقاتها مع المغرب هو نتيجة طبيعية لتراكم عدة عوامل على مدى السنوات الماضية”.
يشرح الباحث الدور الذي لعبته القوى الخارجية في هذا الصراع، موضحًا أن “الحكومات الغربية واجهت صعوبات كبيرة في مساعيها الدبلوماسية، بسبب تعنت سياسات الرباط”.
ويضيف أن “إسبانيا وفرنسا حاولتا في البداية موازنة مواقفهما، لكنهما في النهاية انحازتا إلى المغرب، وعبَّرتا عن دعمهما لرؤية المخزن لحل قضية الصحراء الغربية”. وقد أدى هذا الموقف إلى “تنفير الجزائر، التي ردت بحزم على مواقف الدول الأوروبية المنحازة، مؤكدة تمسكها بمبادئها السيادية والرافضة لأي تدخلات في شؤونها الداخلية”.
تجمع الجزائر والمغرب عوامل مشتركة من لغة ودين وثقافة، غير أن تصلب النظام السياسي الحاكم في الرباط، وما أملته توجهاته السياسية من خلافات ونزاعات وتحالفات دولية، أدى إلى مسارات متباعدة، تتناقض تمامًا مع روح التوافق والتعاون التي كانت تطبع علاقتهما عندما اشتركتا في النضال ضد الاستعمار الفرنسي.
يشدد الباحث على أن “نظام الرباط يعمل على عرقلة إقامة علاقات شفافة مع الجزائر”، مضيفًا أن “المخزن ينتهج سياسة تخدم مصالحه الضيقة على حساب مبدأ حسن الجوار والتنسيق والتكامل في إطار اتحاد المغرب العربي، الذي أضعفته السياسة الخارجية لنظام يعاني من أزمة اقتصادية خانقة”.
ويتابع الباحث: “الجزائر عانت وتحملت لفترة طويلة عناد المخزن، من خلال جماعات الضغط التابعة له، ودبلوماسيته العدوانية، وتطبيعه الخبيث مع الكيان الصهيوني”.
يشير الدكتور كبير إلى أن “المغرب فتح الباب على مصراعيه أمام الكيان الصهيوني، الذي يسعى لترسيخ وجوده في المنطقة عبر بوابة المخزن”، مشددًا على أن “الخطاب الرسمي المغربي لا يتحدث عن مجرد تطبيع، بل عن تجديد وتعزيز العلاقات بين البلدين”. ويضيف أن “هذا يثبت وجود تواطؤ بين المخزن و”إسرائيل” منذ عقود، وهو تواطؤ يمكن اعتباره دليلاً على تورط الكيان الصهيوني وأجهزته في إثارة الفوضى في المنطقة”.
ويؤكد الباحث أن “إسرائيل تعتمد على الحروب بالوكالة، وتتجنب المواجهات المباشرة، حيث تعمل على نشر الفوضى غير المتكافئة عبر أدواتها الإقليمية، وعلى رأسها نظام المخزن، الذي يعتقد أنه حقق قفزة اقتصادية من خلال التطبيع، في حين أن الشعب المغربي لا يزال يتخبط في أزمات معيشية خانقة”.
ويختم الدكتور كبير بالتأكيد على أن “الجزائر، حرصًا منها على الحفاظ على الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والساحل، تواصل جهودها الدبلوماسية وفق قيمها الثابتة: عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، ودعم القضايا العادلة والمشروعة، وفي مقدمتها حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير”.