في سياق التقارب المتجدد بين الجزائر ومدريد بعد فترة من التوتر، أعرب رئيس المجلس الشعبي الوطني، إبراهيم بوغالي، عن أسفه لتغير موقف إسبانيا المفاجئ بشأن قضية الصحراء الغربية، داعيًا مدريد إلى العودة إلى موقفها التاريخي الحيادي من القضية، بما يتماشى مع قرارات الأمم المتحدة ومبادئ الشرعية الدولية.جاء تصريح بوغالي خلال استقباله، الأربعاء بمقر المجلس، سفير مملكة إسبانيا لدى الجزائر، فيرناندو موران، حيث أشاد باعتراف مدريد الرسمي بدولة فلسطين، معتبرًا ذلك خطوة إيجابية تعكس توجهًا أوسع نحو دعم الاستقرار في المنطقة. كما ثمّن استراتيجية إسبانيا لتعزيز التعاون الاقتصادي مع دول شمال إفريقيا ومنطقة الساحل، في وقت تشهد فيه العلاقات الثنائية مرحلة إعادة بناء بعد أزمة غير مسبوقة.
عاشت العلاقات الجزائرية-الإسبانية واحدة من أكثر فتراتها توترًا بعد قرار الحكومة الإسبانية في 2022 دعم مقترح الحكم الذاتي المغربي في الصحراء الغربية، وهو ما اعتبرته الجزائر تراجعًا عن التزامات مدريد السابقة، وانحيازًا لطرف على حساب الشرعية الدولية. وردّت الجزائر حينها بتعليق معاهدة الصداقة وحسن الجوار، وفرض قيود مشددة على المبادلات التجارية، في خطوة عكست حجم الفجوة الدبلوماسية بين البلدين.
غير أن التطورات الأخيرة، خاصة على الصعيد الأمني والاقتصادي، دفعت الجانبين إلى إعادة فتح قنوات الحوار. وشكّلت زيارة وزير الداخلية الجزائري، إبراهيم مراد، إلى مدريد مؤخرًا محطة مفصلية في مسار إعادة ضبط العلاقات، حيث أنهت رسميًا قطيعة دامت ثلاث سنوات. وخلال الزيارة، ناقش مراد مع نظيره الإسباني التعاون في قضايا الأمن، مكافحة الإرهاب، الهجرة، والجريمة المنظمة، إلى جانب التنسيق حول الملفات الاقتصادية ذات الاهتمام المشترك. كما حملت الزيارة دلالات سياسية عميقة، عكست رغبة الطرفين في طي صفحة التوتر والعودة إلى نهج الشراكة المتوازنة، لا سيما في ظل استمرار حاجة مدريد إلى استقرار إمدادات الطاقة الجزائرية.
وفي هذا السياق، شدد بوغالي على أهمية تعزيز التعاون والشراكة بين البلدين في مختلف المجالات، خصوصًا في القضايا الأمنية، مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، والهجرة، إلى جانب الاستثمار والمبادلات التجارية والتبادل الثقافي. كما أعرب عن تطلعه لإنشاء مجموعة الصداقة البرلمانية الجزائر-إسبانيا، باعتبارها خطوة أساسية نحو مزيد من التقارب بين المؤسستين التشريعيتين في البلدين.
إشادة بجهود الجزائر وتأكيد على المصالح المشتركة
من جانبه، عبّر السفير الإسباني عن شكره للجيش الوطني الشعبي الجزائري على تحرير الرهينة الإسبانية، مشيدًا بمتانة العلاقات الجزائرية-الإسبانية رغم التوترات السابقة، ومؤكدًا أن التعاون الثنائي يشهد ديناميكية متزايدة، ما يفتح آفاقًا أوسع لتعزيز الاستثمار والتبادل التجاري. كما شدد على ضرورة تكثيف التبادل الثقافي والأكاديمي بين البلدين، لتعميق جسور التواصل الشعبي والمؤسساتي.
وفيما يتعلق بالمواقف الدولية، أكد السفير الإسباني اعتراف بلاده بدولة فلسطين، مشيرًا إلى أن موقف إسبانيا من قضية الصحراء الغربية يقوم على إيجاد حل متفق عليه بين الطرفين، وفقًا لقرارات ومواثيق الأمم المتحدة، وهي إشارة قد تحمل في طياتها محاولة لإعادة التوازن إلى موقف مدريد بعد الانتقادات الواسعة التي طالت انحيازها السابق.
وتأتي هذه التطورات في وقت تزداد فيه الرهانات الجيوسياسية في شمال إفريقيا، حيث رسّخت الجزائر موقعها كفاعل أساسي في المعادلات الإقليمية، سواء عبر سياستها الدبلوماسية النشطة أو مكانتها كمزود رئيسي للطاقة في أوروبا. وفي ظل هذا المشهد، تجد مدريد نفسها أمام اختبار حقيقي لإعادة ضبط علاقاتها مع الجزائر، بما يحقق توازنًا بين المصالح الاقتصادية والالتزامات السياسية في المنطقة.