الرياض تحتضن “زردة” أعرابية بعد خراب مالطا.. قمة “عكاظية” على نعش غزة

بعد مضي ما يفوق الشّهر من انطلاق مذبحة لم يشهد لها تاريخ الحقد والقصف و”التيهوديت” مثيلا، وبعد أن اختتمت “رِيَاضُهُ” و”جَدّتُه” موسمهما الفني فيما سُمي بمهرجان الترفيه والتسلية، الذي احتضن حثالة القوم من مطربي وراقصات الملاهي ليرقصوا ويرقصن على جماجم المحرقة الأقذر في تاريخ التآمر الغربي والصمت والخذلان العربيين، تزامنا وما تُمْطِرُه سماء غزة من تنكيل وقتل وردم ممنهج القصف والتهجير.

ووسط دعوة وزير التراث الصهيوني في حكومة نتنياهو لإلقاء قنبلة نووية على غزة ونسفها وأهلها من الوجود، استيقظت سعودية بن سلمان ليقرر ولي عهدها عقد قمة عربية وإسلامية لمناقشة أوضاع غزة، والمضحك في تحرك أعراب بول البعير من حكام عقال وعمائم، أن المجتمعين تحت عباءة بن سلمان الثائر، تناسوا في غمرة زهوهم بعقد اجتماعهم أنهم تكرار بائس ومخز لصورة عن جزيرة “مالطا” حررها القائد الإنكليزي السّير ألكسندر من نابليون بونابرت بعد أن احتلها جيشه لسنتين، لينسحب منها الفرنسيس، بعد أن هدموا كنائسها وقصورها ودفعوا أهلها للفرار إلى جزيرة صقلية وخلفوها خرابا وأثرا بعد عين. فما كان للبقية الباقية من سكان مالطا ممن نجوا من مذبحة نابليون إلا أن استقبلوا القائد الإنكليزي المزهو بانتصاره المتأخر بعبارة ظلت مَثَلًا يُضرب لأي نصر بلا طعم ولا نكهة ولا قيمة، ومختزل تلك العبارة: “بعد خراب مالطا”، والحالة نفسها استنسخت لها خيبتها في مَثَلٍ مشابه ارتبط بخراب البصرة يوم حررها قائد عباسي من الزنوج بعد أن قضوا منها وطَرَهم وقاموا بإنزال عاليها سافلها، ليخاطبه سكانها بعد وصوله المتأخر بذات اللسان عن انتصار بلا معنى وعن “بصرة” لم يبق فيها من انتصار إلا الخراب وبعضا من بقايا بوم وغربان..!

قمة بن سلمان التي عقدت في الرياض بعد أن فعلت المقاصف الصهيونية فعلتها في نسف كل حياة بغزة، لا معنى لها سوى أن الأعراب اجتمعوا في السعودية ليشاركوا في اختتام أيام مهرجان الترفيه والتسلية، الذي أحيته كل من جدة والرياض قبيل أيام، وكان حسب المتتبعين مهرجانا ناجحا بامتياز، وخاصة أن حكومة بن سلمان استطاعت أن تحصن شعبها من خطر التأثر بما يجري في ساح غزة بساح رقص أغنى بلاد الحرمين وشعبها الميمون عن أي حزن أو أسى أو عقد نفسية، يمكن أن تخلفها جثث المتفحمين في غزة فتؤثر على زهو المملكة وطويل عمرها بن سلمان الهمام..

قمّة “عكاظية” بعد خراب البصرة!

ما هو ثابت أن الميزانية التي استهلكها آل سعود من خزينة النفط وديوان الحج لإنجاح ما يسمى بقمة مناقشة قضية غزة، أنها لو صُبّت لجياع ومرضى ومُهجري المذبحة لحلت مشكلتهم في تكفين موتاهم وسد رمق من ما زال يتنفس منهم تحت أنقاض المستشفيات المقصوفة، لكن ولأن الأصل في خراب مالطا لا علاقة له بإنقاذ ما يمكن تداركه من خرابها وفناء أهلها، فإن اجتماع القادة والزعماء العرب تحت عباءة بن سلمان لم يكن هدفه إلا حفظ ماء الوجه في موقف متأخر، لإسكات أصوات الشارع العربي وتململه. ومنه، فإن القضية برمتها تحولت إلى عكاظية شعرية، تبادلت فيها العمائم المُطَبِعة مع العمائم المتخاذلة والخانعة، أدوار التنديد والاستنكار والشجب، لتختم القمة بكونها مجرد “لمّة” إعلامية فارغة المضمون والمحتوى، إلا من بيان خاوٍ على حكامه وعروشه، دعا فيه المجتمعون، الأمم المتحدة والمجتمع الدولي إلى التدخل لوقف القصف الذي لم يبق لديه ما ينسفه بعد أن قضى نابليون والزنوج ونتنياهو وطرهم وخرابهم من مالطا والبصرة وغزة.

الأكثر من المضحك والمخزي في قمة الرياض العربية والإسلامية، أنها ضمت بين “رياض” حكامها، لوقف العدوان الصهيوني من خلال سياسة التنديد مقابل التنكيل الذي يجري، عرابي التطبيع من مخزن مملكة إلى شاويش مصر وصولا لخادم “الهرمين” الأمريكي والإسرائيلي فولي صهيون بالإمارات، ناهيك عن بقية قطعان الخنوع العربي، ليرسو مزاد انبطاحها على خذلان جديد لسان حاله أن من مدد أقدام القصف ليصل إلى مرحلة التلويح باستعمال القنبلة النووية من طرف وزير التراث الإسرائيلي ليس إلا سادة التطبيع ممن جمعتهم “رياض” بن سلمان تحت عباءة التعاطف الإنساني في محاولة اغتسال من عار الصمت أمام شعوبهم، لكنه التاريخ من سجل ويسجل أن مالطا كما البصرة وبعدهما غزة، لن يغفروا ليس فقط للمتآمرين على مقاومة الرجال، ولكن للمتاجرين بأجساد آلاف المتفحمين في المحافل السياسية بحجة الانتصار للعزل، فيما الحقيقة أن القمة الأعرابية بنقاشاتها لم تكن إلا محاولة أخيرة لحكام التطبيع لستر عورتهم بعد أن أضحوا هُم المعزولين عن شوارع شعوبهم المنادية بالثأر والنصر والاستنفار.

وسائل الإعلام الصهيونية، على رأسها صحيفة هارتس العبرية، وفي ردة فعلها على قمة الرياض، وبدلا من الخوف من مُخرجاتها، شكرت كل من السعودية والمغرب ومصر والأردن والإمارات والبحرين والسودان وموريتانيا وجيبوتي على مواقفهم العاقلة ووقوفهم ضد اتخاذ أي قرار جاد يمكنه أن يجعل للقمة قيمة بدلا من “قمامة” شجب واستنكار، وذلك بعد أن تعالت أصوات بعض الدول الإسلامية والعربية المعدودة على أصابع اليد لتبني رد فعل حقيقي متمثلا في الدعوة للاستنفار والتجييش، لكن إرادة صاحب “اللّمة” ومن هم من حوله من مطبعين وحكام خذلان وخيانة أمالت ضفة “العكاظية” على حساب ما كان يمكن أن يتحول لملحمة تحفظ وجه الأمة.

وشكر وسائل الإعلام العبرية لحكام وعمائم الخليج النفطي لم يأت من فراغ ولكنه دفاع ابن العم عن ابن دمه الصهيوني وعن عرشه ومستقبله، مادام القاصف هو صهيون، ومنه فليس غريبا ما صرح به نتنياهو في بداية الحرب القذرة، حين قال موجها تحذيره لحكام الخم العربي، عشية المذبحة: «أصدقاؤنا في الدول العربية يعرفون أننا إن لم ننتصر سيأتي دورهم»، ليختمها أثناء اجتماعهم بالرياض بتصريحه الصادم والفاضح لعمالة الحكام العرب بقوله: “فيما يخص قادة وزعماء الدول العربية الذين يبدون قلقهم على مستقبلهم، المطلوب منهم الصمت أو الوقوف ضد المقاومة”.

منتهى القول في قمة “الترفية والتسلية” التي قرعت طبولها على مسارح الرياض السياسية بعد اختتام فعاليات مهرجان الترفيه والتسلية الغنائي، أن شعوب الأمة العربية استمعت لأغنية حزينة ومؤثرة عن حكام عرب، يذرفون الدموع على أطفال ونساء غزة فيما يدافعون عن قاصفهم ويبحثون لهم عن مبررات نسف وخسف تحت غطاء حق الدفاع عن النفس والقصف، فشكرا لسادة الطرب الجميل؛ فقد أمتعتم الجماهير العربية بثنائية يأكل مع الذئب ويبكي مع الراعي ، والحديث كما النفاق والخذلان والعمالة قياس ورياض وشلة حكم عربي تسمى “بن سلمان” وآله من العاملين عليها، والمهم فيما غاب عن الأعراب في قمتهم، أن الشهيد ليس بحاجة لكفن، فغزة حتى وإن دفنت رميما فإن قدر الشهداء أن يواروا الثرى دون كفن ليبعثوا من رميم أنقاضهم بلباس بطولاتهم، فارفعوا أيديكم عن أرض الصامدين، فإنه لا شيء يمكنه أن يغير تاريخ العار حين يحتفي الملوك والأمراء والقادة بمواقف عنترية وحتى انتصارات متأخرة بعد خراب مالطا ودمار البصرة وضياع غزة..!

نكتة مجلس الأمن..

من المخرجات التي تمخضت عنها قمة الرياض، إجماع المشاركين في “حفلهم” السياسي على دعوة الأمم المتحدة ومجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية للتحرك الفوري لإنهاء العدوان، والمضحك في قمة صرفت على عقدها ملايير الدولارات أن القادة والزعماء العرب أضافوا لمهازل خذلانهم وجبنهم وتطبيعهم مهزلة تغابيهم الممنهج، وكأن تلك الهيئات الدولية والرقابية التي تحركت على جناح السرعة لمتابعة وإدانة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بتهمة وجرم تهجير 200 طفل في أوكرانيا، لم تر مقتل أكثر من 5000 طفل بغزة ، وكانت تنتظر فقط قمة بن سلمان لترى بقايا أشلاء المذبحة المعروضة جثثها في الهواء الطلق، والمفارقة التي راوغها قادة التطبيع والخنوع ويعرفها الشارع العربي والغربي معا، ليس فقط بغزة ولكن في سوابق مذابح العراق وسوريا واليمن والسودان والصومال. إن القانون الدولي لم يكن اختراع الضحية ولكنه اختراع مجرم هاله ما جنته يداه، فاهتدى إلى تأطير بشاعته في نصوص هو من كتبها وألزم الناس بها مادامت توافق مصالحه. لكن، إذا ما تصادمت مع تلك المصالح، فإن لذات القوانين كل السلطة المطاطية الكاملة على التمدد والتوافق مع الموجود؛ لذلك، فإن نكتة الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية ومجلس الأمن تبقى الصورة الأعمق عن جلاد صنع له قانونا، ليس لحماية ضحاياه، ولكن لإعطاء شرعية قانونية للقتل حتى لا يؤنبه ضميره ويُتهمه بأنه جزء من لعبة ولغة الغاب. ومنه، فإن دفاع أمريكا وأوربا وقطعان العرب ومن خلالهم الهيئات الدولية والحقوقية عن حق الكيان الصهيوني في الدفاع عن النفس كان هو قانون المقصلة، الذي اخترعه الجلاد ليكون هو صاحب اليد العليا في تقرير، من يحق له أن يعيش ومن يحق له أن يموت.

في تقرير صدر حديثا عن مجلة “فورين أفارز” الأمريكية، وبالتزامن مع دعوة قمة بن سلمان الأمم المتحدة للتدخل، ذكرت المجلة أن حرب غزة أظهرت أزمة ثقة متزايدة تُهدد مدى قدرة استجابة الأمم المتحدة للأزمات الدولية، والسبب أن عجز المجتمع الدولي على حماية المدنيين ووقوفه على منصة المتفرج على المذابح، أكد فقدان تلك الهيئة الدولية زمامَ المبادرة في حل الأزمات الكبرى، وقد أشار ذلك التقرير إلى أنّ الأمم المتحدة بكافة هيئاتها تحتاج إلى تقليص طموحاتها في الوقت الراهن، والتركيز على عدد محدود من الأولويات ذات الطابع الإنساني البحت، وقد استشهدت المجلة الأمريكية بأن أزمة الثقة تجلت ملامحها بين العرب والأمم المتحدة منذُ عام 1947 عندما صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح تقسيم فلسطين إلى دولتين يهودية وعربية، لكن ما أعقب ذلك كان ينتهي دوما بـ”فيتو” أمريكي يوقف أي قرارات يمكنها أن تدين دويلة الكيان الصهيوني. وبناء على ما سبق، فإن الأمم المتحدة التي دعـتها قمة الرياض لإنقاذ غزة من مقاصف الكيان الصهيوني، هي من تحتاج لمن يحفظ لها ماء وجهها وينقذ مصداقيتها، وذلك باعتراف وسائل الإعلام الأمريكية، بعد أن انتهت إلى هيئة بلا قرارإلا ما يقرره أصحاب الفيتو.

والسؤال المعلق هنا: “ما فائدة إعلان قوانين الحرب، وقائمة الأسلحة المحرمة الدولية، وحقوق المدنيين، ومنع استهداف المستشفيات إن كانت الدول التي أصدرت هذه القوانين هي أول من يدوس عليها بقدميها وتتقدم! فكيف يعقل أن تبقى لهذه الدول ومنظماتها أدنى شرعية في العالم؟!”

آخر الكلام في مسلسل “عقد الأعراب قمة”، فإنه – وكما يقال في المثل الشامي “ذاب الثلج وبان المرج” – فلا داعي لتزييف الحقائق، عبر عقد قمم يراد لها أن تخفي قمامة التطبيع وما جنته تداعياته على أمة أصبحت عروش حكامها هي الداء الذي ينخرها من الداخل، فيما الخارج من عدو تاريخي فإن الماضي كما الحاضر يحفظه عن ظهر مستقبل، لن يكتبه إلا صمود غزة ومن ورائها شرف طوفان مهما تأجلت فيضانات أمطاره فإنهم الأقصى وإنهم القادمون.

أتعلم، يا صاحبي، ما حبلت به مقاصف غزة بعيدا عن جثث أطفالنا المتناثرة في ساح الوغى وقمم حكامنا المتناثرين في ساح العُرّى، أن الذي يجري هذه المرة ليستْ معركةً عابرة، هذه المرَّةَ، “رَبِحْنا جيلاً كاملاً كنَّا نخافُ عليه أن يمُسخ وينسى قضيته الأم”.

أسامة وحيد - الجزائر

أسامة وحيد - الجزائر

اقرأ أيضا