نهاية دور “الكومبارس” الصهيوني.. أمريكا تعترف: نحن “وحوش” العالم!

على هامش مشاركته في معرض للذكاء الاصطناعي في بواشنطن، وفي مصارحة مع الذات بعيدا عن توابل التدليس والتمييع والكذب التي كثيرا ما زيّنت بها أمريكا تاريخ مذابحها البائس، وتحت عنوان تسمية الأشياء بمسمياتها التي “سمّمت” وأحرقت ودمّرت دولا وأعراقا وشعوب، صَدَم رئيس أركان الجيش الأمريكي السابق، الجنرال “مارك ميلي”، ليس فقط المشاركين في تظاهرة الذكاء الاصطناعي ولكن “زناة” التاريخ ممن اغتصبوا باسم ديمقراطية الغزو والقتل والسلب، حقيقة الأشياء، كما زيّفوا حقيقة أمريكا ومغامراتها الدموية، من زمن بوش الأب فالابن إلى زمن الإفريقي المهجّن باراك أوباما وصولا إلى ترامب و”المتزهمر” العجوز جو بايدن.

وفي تعليق جنرال أمريكا ورئيس أركان جيشها السابق على “محرقة” نتنياهو في غزة، وما تهاوى واستبيح فيها من قيم وأرواح إنسانية، عرّت الوجه الحقيقي لأمريكا “الشرّ”، لم يتردّد الجنرال “مارك ميلي” في التصريح بقوله: “قبل أن نتبرأ جميعا بشأن ما تفعله “إسرائيل”، وأنا أشعر بالفزع تجاه موت الأبرياء في غزة، ينبغي لنا أن ننسى أننا نحن الولايات المتحدة قتلنا الكثير من الأبرياء في الموصل (العراق)، وفي الرقة بسوريا”، ليواصل قائلا: “بخلاف هيروشيما وناغازاكي.. على مرّ التاريخ، لقد ذبحنا الناس بأعداد هائلة، أناس أبرياء لا علاقة لهم بحكومتهم، رجال ونساء وأطفال”. وطبعا، هذا الاعتراف ومكانة وقيمة ونياشين قائله، ناهيك عن سياقه الزمني الذي جاء فيه، يدفعنا إلى التوقف عنده مرة وألف، لأنّ الأمر يتجاوز من تصريح للاستهلاك الإعلامي إلى “تأريخ” مرعب لمؤامرة كونية، لا زالت تداعياتها هي الحاكم الفعلي لمصير العالم..

الجنرال “مارك ألكسندر ميلي”، لمن لا يعرفه، ليس عسكريا عاديا ولا مجرد ضابط كبير في الجيش الأمريكي، ولكنه رقم أساسي ومؤثّر في العلبة السوداء وفي دهاليز القرار الأمريكي  وذلك طيلة ألفية كاملة، حيث من بنما إلى البوسنة والهرسك، فحرب العراق وأفغانستان ثم سوريا وليبيا، كان “مارك ميلي”، اليد الحديدية الضاربة التي نفّذت الأجندات السياسية الأمريكية في شتى أصقاع العالم، لذلك، فإنّ مسيرته التي انتهت لمحطة قائد أركان لأعتى قوة تدميرية على سطح المعمورة، جعلت منه شاهدا على قرن “المذبحة” الأمريكية بكل بشاعتها ووحشيتها ودمارها وزيفها الذي كان.

ومنه فإنّ شهادة الجنرال، وبتلك الصراحة التي وضعت النقاط فوق حروف التاريخ الأمريكي البشع، تتجاوز أي شهادة أخرى، لأنّ الشاهد على محرقة “العالم” بكل تاريخها الدموي الأسود هذه المرة، ليس بقايا رفات لا زالت تستصرخ حقيقة موتها، ولكنه “الجلاد” ذاته، بنياشينه وبدلته وضميره الذي استفزته مناظر الأشلاء في أنقاض غزة، ليستحضر جرائمه القديمة، ويصارح العالم من منبر تظاهرة للذكاء الاصطناعي، وللعبة التكنولوجيا القادمة، بحقيقة أنّ أمريكا هي “الوحش”، وأنّ ما اقترفه البيت الأبيض في إنسان العراق وسوريا وأفغانستان وليبيا واليمن، تحت مسميات تصدير الحرية والديمقراطية ومطاردة الإرهاب، ليس إلا فيض من “غيض” مما اقترفته وتقترفه “إسرائيل” اليوم بغزة، وبعبارة أخرى، الجنرال مارك ميلي، وفي صحوة “ضمير” متأخرة، أزاح الغطاء عن مسرحية “الكومبارس” الإسرائيلي، معترفا، أنّ الأصل في كل المذابح والمجازر وتاريخ القتل والدمار، هو أمريكا، أما ما يحدث اليوم من “همجية” بغزة ورفح، فليس إلا مشهدا بسيطا وصغيرا من تاريخ دموي أعظم، عنوانه، أنّ أمريكا هي جنون الدم الذي أغرق العالم في مستنقعات الدمار والقتل.

المفارقة العجيبة في تصريحات رئيس أركان الجيش الأمريكي السابق، أنها تزامنت مع اعتراف على أعلى مستوى من طرف الرئيس الأمريكي جو بايدن، حيث عجوز البيت الأبيض، وفي سياق تأكيده لصورة الإجرام الأمريكي المتأصّل، وعبر مقابلة مع شبكة “سي إن إن”، اعترف أنّ قنابله التي يبلغ وزنها 2000 رطل والتي زوّد بها “إسرائيل” قد استعملت في قتل المدنيين وإزالة أحياء سكنية كاملة، وهو الاعتراف الذي يوثّق الوجه الحقيقي لمذبحة أمريكية، لم يكن  نتنياهو فيها إلا “كومبارس” أو “وحش” بديل، لإجرام عنوانه، أنّ الأصل في كلّ الأرواح التي أزهقت والدماء التي سالت، ليس إلا حرب “هيكل” رأسها في البيت الأبيض، أما أطرافها المنفّذة ففي “تل أبيب”.

والمهم فيما أخرجته “غزة” للعلن، من خلال ملحمة طوفانها وأقصاها، أنها استدعت من بؤر النسيان كل ضحايا الإجرام الأمريكي من زمن الموصل إلى زمن اليمن ودمشق فليبيا وأفغانستان ناهيك عن البوسنة والهرسك، ليقف قتلى النبالم والقنابل والتطهير العرقي أمام “جلادهم”، بحثا عن قصاص، كان هو الحقيقة التي أقرّها بشكل رسمي جنرال برتبة رئيس أركان سابق، و”جو بايدن” برتبة رئيس أمريكي، لم يرتد له جفن، وهو يعترف بأنّ أمريكا كانت هي “القنبلة” الحقيقية التي أزهقت ما يقارب الأربعين ألف بريء بغزة، تحت عنوان دفاع “إسرائيل” عن نفسها، والنتيجة لقد قالت أمريكا للعالم، نحن “وحوش” الكوكب، ولا يهم إن كانت ملايين القرابين التي قدّمت على مرّ عصور التأسيس لذلك “التوحش”، قد نُحرت تحت مبرر الدفاع عن حقوق الإنسان أو بحجة تصدير الحرية والديمقراطية المزعومتين.

وذلك طبعا، تحت مظلة الدفاع عن الشرعية الدولية ممثلة في هيئة أمم متحدة؛ شاهد العالم كله، كيف مزّقت وداست  “إسرائيل” من خلال مندوبها الدائم لديها، على ميثاقها الأممي وذلك بمباركة من أمريكا، حيث كان يكفي أن “تشذّ” تلك الهيئة الأممية على قاعدة المباركة والتزكية والتبرير لمذابح أمريكا و”إسرائيل”، حتى تتحوّل إلى عبء يجب تجاوزه ولما لا إزالته من الطريق كمنبر أممي، وذلك بعد أن قضت المنظومة الماسونية منه وطرها، وكان “الغطاء” الدولي، لكل ما جرى وما حدث من وحشية معولمة أزالت شعوبا وألغت دولا وأنهت معالم وحدود.

السؤال المعلّق فيما تعرى من حقائق متراكمة، وما سقط من أقنعة ومتاجرة بالقيم والمثل الديمقراطية، ترى أيّ سر في “غزة” تلك، حتى يتهاوى العالم بهكذا بشاعة على ناصية صمودها، ليظهر كما هو دون “مساحيق”؟ وأي سحر وقوة لأشلاء طفل متناثرة بساحة غزة، استطاعت، أن تخرج وجه الجلاد من تحت خوذته، ليعترف بأنه “القاتل” وأنه الوحش وأنه فوق هذا وذاك، سبب كل الدمار الذي حلّ بالعالم؟ أي سر ذاك؟ وأي حقيقة غير أنّ مساحة جغرافية بسيطة وسط العالم، أصبحت هي العالم، وعداها، فإما “مجرم” أو عميل أو خائن أو متخاذل؟

هي غزة من فعلتها، غزة كإنسان صامد وليست كجغرافية محاصرة، حيث من صمود طفل وامرأة وعجوز، صحت الدنيا على حقيقة العالم كما هي، وليست كما يتم تسويقها، فلا أمريكا أرض حضارة ولا أوروبا عنوان ديمقراطية ولا أنظمة العار العربي صورة لتاريخ أمة، الجميع متواطئ وكاذب ومتاجر والأكثر من هذا وذاك، واجهة للعبة “غاب”، مهما غيّرت من ملامحها، إلا أنها عنوانا للقتل والتوحش والتدمير..

غزة، ومن خلال ما تمخّض من تحوّلات وما توالى من اعترافات رسمية، لم تنتصر فقط لوجودها، كما لم تنتصر على وهم “كيان” صهيوني، كان هو الأمر الواقع، ولكنها انتصرت لذاكرة ملايين الضحايا ممن كانوا رمادا في “محرقة” عالمية، وقودها أمريكا من زمن بوش الأب إلى زمن بايدن الخرف، حيث المساحة كانت ثروة “نفط”، هي كل ما أراده واستثمر في قتلاه التوحش الأمريكي، الذي أقرّ به، ليس محلّلا سياسيا أو كاتب أو إعلامي، ولكنه، جنرال برتبة قائد أركان سابق، وقف أمام العالم كله، ليخاطب بشره بقوله: فلنعترف، نحن وحوش العالم، لقد كنا الكذبة القاتلة التي ابتلعتها الإنسانية على مدار الأزمنة..

آخر الكلام، العالم كله ببشره وحجره وشجره، مدان لغزة ودماء غزة، بمعروف أبدي، كونها كانت “الحقيقة” الوحيدة التي صنعت الفارق في تاريخ الإنسان، ليستعيد البشر، من خلال صمودها، قدرتهم على رؤية الأشياء كما هي وليست كما سوّقتها لعبة الإعلام على مدار أزمنة من تغليف الجرائم الإنسانية وتعليبها بدواع أخلاقية مرة وديمقراطية أخرى، لتكون الحقيقة الوحيدة، أن رسخت غزة في الوعي الجمعي، أنّ هذه هي أمريكا، وأنّ تلكم هي أوروبا، وأنّ هذا هو العالم بكل بشاعته ووحشيته وحقيقته المطلقة.. انتهى نص البيان ومعه عنوان: أمريكا تعترف: نحن وحوش العالم!

أسامة وحيد - الجزائر

أسامة وحيد - الجزائر

اقرأ أيضا