اكتمال دائرة الهزيمة.. “إسرائيل” تطالع سجل خسائرها الاقتصادية

إنّ حرب “إسرائيل” في غزّة والصّراع المحدود مع حزب الله على حدودها الشّمالية مع لبنان يؤثّران سلباً على الاقتصاد “الإسرائيلي”. فاستمرار العدوان “الإسرائيلي” على قطاع غزّة المحاصر قد عمّق خسائر تل أبيب على المستويين السّياسي والعسكري ويتزامن هذا مع تقرير معاريف الذي أكّد على أنّ الأضرار النّاجمة عن الحرب على قطاع غزّة أكبر بستة أضعاف من تلك التي خلّفتها الحرب الثّانية على لبنان عام 2006، إنفاقًا مباشرًا يوميًا بسبب الهجمات، منذ 7 أكتوبر، فقد أنفق الكيان الإسرائيلي نحو 300 مليون دولار. 

ويمكن تقييم العدوان العسكري على غزّة من خلال التّركيز على أربعة عوامل رئيسية هي: الخسائر في النّاتج المحلّي الإجمالي، والأفق الزّمني للتّعافي، والأثر المباشر على الأنشطة الاقتصادية بسبب الأضرار، والآثار المتوسطة الأجل على الفقر وإنفاق الأسر المعيشية.

ففي الرّبع الأخير من عام 2023، انكمش النّاتج المحلّي لـ”إسرائيل” بنحو 20 بالمائة، وانخفض الاستهلاك بنسبة 27 بالمائة والاستثمار بنسبة 70 بالمائة حسب مكتب الإحصاء المركزي “الإسرائيلي”.

وأدّى اندلاع الحرب إلى تعطيل حوالي 18 بالمائة من القوى العاملة في “إسرائيل”. ففي شهر أكتوبر، تمّ هروب وإجلاء 250 ألف شخص من المستوطنات الحدودية. وفي الوقت نفسه، تم استدعاء حوالي 4 بالمائة من القوى العاملة -أي حوالي 300 ألف شخص- للعمل في قوّات الاحتياط. وبلغ معدّل نمو الاقتصاد “الإسرائيلي” 2 بالمائة في العام الماضي، بعدما وصل إلى 6,5 بالمائة في عام 2022.

في 9 فيفري 2024، قرّرت وكالة موديز لخدمات المستثمرين خفض التّصنيف الائتماني لـ”إسرائيل”، وخفّضت وكالة موديز التّصنيف الائتماني للكيان من A1 إلى A2 مع نظرة مستقبلية سلبية، بعد أن خفّضت التّصنيف من مستقر. وبينما يستمرّ العدوان العسكري، يمكن تقدير عواقبها من خلال الاستعانة بالبيانات والاتّجاهات الاقتصادية التّاريخية. وانخفضت الأسعار لكن التّصعيد قد يؤدّي إلى إعادة ارتفاعها.

وتوقّع مركز تاوب لدّراسات السّياسة الاجتماعية، وهو مركز أبحاث “إسرائيلي”، أن يواصل الانكماش في اقتصاد الكيان الصّهيوني، وذكر التّقرير الذي نشرته صحيفة نيويورك تايمز في ديسمبر الماضي، أنّ نحو 20 بالمائة من القوى العاملة الإسرائيلية كانت مفقودة من سوق العمل في أكتوبر، مقارنة بـ 3 بالمئة قبل بدء الاعتداءات الصّهيونية.

ويعكس الارتفاع الكبير في معدّلات البطالة حقيقة أنّ حوالي 900 ألف شخص من الصّهاينة إمّا مجنّدين في الجيش، أو عاطلون عن العمل في منازلهم، وقد فرّوا من المستوطنات التي تركّزت فيها الهجمات، مثل الحدود مع لبنان وغزّة، أو غير قادرون على العمل بسبب الحرب، بعد أن تمّ تدمير مجالات عملهم.

كما أنّ 22 بالمائة من المواطنين -حوالي 710.000 أسرة- تعاني من انعدام الأمن الغذائي (…). إنّها زيادة مهمّة للغاية للأسر الضّعيفة، حيث وصل عددهم إلى 522000 دولار في عام 2021.

فقد تضرّر الاقتصاد “الإسرائيلي” جراء التّكاليف المرتبطة بتعبئة قوّات الاحتياط في الجيش، وانخفاض السّياحة، وضعف معنويات الأعمال. وانخفض سعر الشّيكل “الإسرائيلي” بشكل حاد في الأسابيع التي تلت 7 أكتوبر، لكنّه ارتفع منذ ذلك الحين بعد أن أفرج البنك المركزي عن 30 مليار دولار من احتياطيات النّقد الأجنبي. ووفّرت المساعدات العسكرية الأمريكية أيضًا درعاً للاقتصاد “الإسرائيلي”.

فالسّبب الرّئيسي للانكماش الاقتصادي هو تأثير الاستهلاك الدّاخلي، الذي يقلّ عن 26.9 بالمائة، بينما انخفضت استثمارات الشّركات إلى 67.8 بالمائة وانخفضت الصّادرات بنسبة 18,3 بالمائة والواردات بمعدل 42 بالمائة بعد البيانات المنشورة من قبل المكتب المركزي للإحصاء “الإسرائيلي”، يعود أساس PIB بشكل أساسي إلى الذي انخفض بنسبة 26,9 بالمائة. وفي نفس الوقت، ارتفعت نفقات الحكومة إلى 88.1 بالمائة لتعويض جزء من الخسائر وبشكل أساسي ما يتعلّق بنفقات الحرب.

أصبح تأثير الحرب على غزّة واضحًا بالفعل على الاقتصاد “الإسرائيلي”، فهذه هي المرّة الأولى التي تخلّت فيها وكالة موديز عن مذكرة التّفاهم “الإسرائيلية” التي تمّ اعتبارها بمثابة انقلاب على الصّورة الدّولية للمدفوعات، وذلك في إطار استخدام المستثمرين للورقة لحساب مخاطر الاستثمار في بعض الأمور.

ويتوقّع البنك “الإسرائيلي” تباطؤ النّمو خلال الأشهر الثّلاثة من عام 2024، حيث قام البنك “الإسرائيلي” بمراجعة توقّعاته لعام 2024 من نسبة 3.5 بالمائة إلى 8.2 بالمائة وزادت نسبة الإيداع بنسبة 0,5 بالمائة بين الأشهر الثّلاثة والرّابع من عام 2023، بما يتراوح بين 4 بالمائة إلى 4,5 بالمائة. وتمثّل هذه البيئة 35000 شخص إضافيين في الاختيار.

ونشر المكتب المركزي للإحصاء “الإسرائيلي” بيانات تشير إلى وجود 22 ألف موظّف في قطاع السّياحة بين أكتوبر 2023 وجانفي 2024. وحسب غرفة التّجارة “الإسرائيلية” ففي نفس الفترة فقد العمال أكثر من 50000 وظيفة في قطاعات مختلفة، مثل السّياحة والصّناعة والبناء. ومن صعوبات التوظيف: تواجه الشّركات “الإسرائيلية” صعوبات منذ 7 أكتوبر 2023 في توظيف موظّفين مؤهّلين في قطاعات معيّنة.

وانخفضت الصّادرات الإسرائيلية إلى 5 بالمائة خلال الأشهر الثّلاثة الأخيرة من عام 2023، ووقع اضطراب في سلاسل التّوريد، ممّا أدّى إلى زيادة أسعار الواردات، وزيادة التّضخّم في “إسرائيل” في عامي 2023 و2024، بنسبة 5 بالمائة على أساس سنوي في جانفي 2024. وتمّ زيادة الفائدة في العديد من المرّات لمكافحة التضخّم.

من جهة أخرى، بلغ إجمالي حجم المساعدات الاقتصادية الأمريكية لـ”إسرائيل” منذ 7 أكتوبر 2023 إلى 19 فيفري 2024 ما بين 3.8 مليار دولار و18.1 مليار دولار. وتقدّر تكلفة الحرب بحوالي 60 مليار دولار من ميزانية الدّفاع على مدار أربعة أشهر الأخيرة، مع إضافة التّأثيرات الاقتصادية المختلفة. ولقد أدّت الهجمات “الإسرائيلية” إلى زيادة في النّفقات المالية، وزيادة في الرّكود الاقتصادي، ونقص في الإنتاج الدّاخلي الخا، فزادت نفقات الميزانية في “إسرائيل” بنسبة 90 بالمائة منذ بداية الحرب لتمويل النّفقات العامّة.

ولقد تتسبّب الأضرار النّاجمة عن الهجمات في حدوث تأثيرات مباشرة، مثل عدم الاستثمار بشكل كبير، واضطراب في سوق العمل، وزيادة في تكاليف الإنتاج، بعد أن أدت الهجمات إلى تعطيل السّياحة في “إسرائيل” بشكل كامل، ومشاكل في القطاع البحري، وفي قاعدة الإنتاج الزّراعي والتّكنولوجي.

ستتواصل معاناة قطاع السّياحة في المدى المتوسّط، حيث لن تتمكّن البلاد من الحفاظ على بيئة مواتية للزيارات، ولن تجذب فرصًا مرتفعة للإيرادات، ولن تعود قريبا لـ”إسرائيل” الوجهة السّياحية، ومن هذا فقد أضاعت مقوّمات اقتصادية بعد تلطيخ سمعتها من خلال أعمالها الإرهابية.

قد تخسر “إسرائيل” 400 مليار دولار من الأنشطة الاقتصادية على مدار 10 سنوات متتالية بسبب الصراع. علاوة على ذلك، فإن 90 بالمائة من الأضرار التي لحقت بـ”إسرائيل” تؤدّي إلى آثار غير مباشرة، مثل انخفاض الاستثمارات، وتدهور سوق العمل، وخسارة الإنتاجية، وانخفاض الاقتصاد.

وبشكل عام، فإن عام 2024 سيكون أكثر صعوبة بالنّسبة للاقتصاد “الإسرائيلي”، مع نمو قد يكون أقل من 3 بالمائة. ويمكن أن يؤدّي هذا الوضع إلى عواقب على مستوى حياة “الإسرائيليين”، وعلى التّوظيف في البلاد، وعلى قدرة الحكومة على تمويل نفقاتها.

شبح “السّنة المفقودة” يهدّد الاقتصاد “الإسرائيلي” بحلول عام 2024؛ علاوة على ذلك، فإنّ السّنة الجديدة التي تبدأ بدون ميزانية دولة مكيفة مع اقتصاد الحرب، وهو ما يؤكد سيناريو الرّكود الذي يلوح في الأفق.

محمد حيمران - أكاديمي وخبير اقتصادي

محمد حيمران - أكاديمي وخبير اقتصادي

اقرأ أيضا