الأمل الدائم لفلسطين والكابوس المُزمن للكيان الشيطاني.. الطفل الفلسطيني.. البراءة التي تُرعب الوحش الصهيوني

الخامس من شهر أفريل/ نيسان هو يوم الطفل الفلسطيني.. لكنه مرّ في البلدان العربيَّة دون أن يحضر الطفل الفلسطيني في الفعاليات التي تضيء الزوايا المعتمة حول هذا الكائن الإنساني الصّغير الذي لم يعرف من الطفولة غير اسمها.. فهو محروم من التَّعليم في قطاع غزة مثلاً، وهو محروم من المأوى والغذاء الكافي ومن الشعور بالأمان.. بل هو محرومٌ من إنسانيّته!

الطفل الفلسطيني هو مستقبل فلسطين.. يُسجن ويُعذّب ويحيا الرّعب اليومي، ويجتهد الكيان الصهيوني في تهويده من خلال البرامج التعليميّة وغيرها من المشاريع التي تستهدف فكره ووجدانه.. فهل هو حاضرٌ في الأدب والفنون والإعلام العربي بالشكل الذي يعرّف بقضاياه ويشكّل الوعي العربي بالمآسي التي يعيشها هذا الكائن الإنساني البريء؟

ثم كيف يواجه هذا الطفل الحروبَ والمآسي اليوميّة، وهل هناك مشاريع تقوم على رعايته وتلقى الدعمَ العربي؟ وهل من حق هذا الطفل الفلسطيني أن يعيش الفرح مثل الفرح بعيد الفطر الذي هو بالأساس عيد الأطفال، وجاء هذا العام أيامًا بعد يوم الطفل الفلسطيني؟ توجّهت جريدة “الأيام نيوز” بهذه التساؤلات إلى نخبة من الكتّاب العرب لإنارة هذه الزاوية حول الهموم اليوميَّة للطفل الفلسطيني تحت رحى الاستعمار الاستيطاني الصهيوني، وفي خِضمّ الحروب والأهوال، وأيضًا همومه في بلدان اللجوء والتّهجير..

وحتى نختصر الكلام حول الطفل الفلسطيني وما يعانيه يوميًّا من أهوال ومآسي، نقول بأنَّ قتله وترهيبه.. من صميم الشريعة اليهوديّة التي يؤمن بها الصهاينة سواء كانوا متديّنين أو علمانيين أو ملحدين، ومن المُجدي أن نُشير إلى ما جاء في كتاب “توراة الملك” الصادر سنة 2009 عن “المعهد التّوراتيّ في يشيفات لا زال يوسف حيا” في فلسطين المُحتلَّة، لصاحبيه: الحاخام يتسحاق شبيرا والحاخام يوسي إيليتسور. فقد كتب المؤرّخ الفلسطيني الدكتور “محمود محارب” قراءة في هذا الكتاب، ورد فيها: “أمّا في شأن الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين يوم واحد وسنّ الرّشد، والذين بطبيعة الحال لا يخالفون الفرائض السّبع لعدم إدراكهم لها أو سماعهم عنها، فبالإمكان قتلهم (بسبب الخطر المستقبليّ الذي يشكّلونه إذا سُمِح لهم بالعيش ليكبروا فيصبحون أشرارًا مثل أهلهم). ويضيف المؤلّفان: (بطبيعة الحال يُسمح بقتل الأطفال، والمدنيّين الآخرين كذلك، الذين يحتمي بهم (الأشرار)، فيجب قتل (الأشرار)، حتّى وإن أدّى ذلك إلى قتل الأطفال والمدنيّين)”.

 

كمال الرواغ e1714003725878
كمال الرواغ (كاتب صحفي أمين عام الشبكة العربية للثقافة والرأي والإعلام. غزّة – فلسطين)

أكتبُ لكم من تحت القصف.. الطفل الفلسطيني في عين العاصفة الجهنمية

بقلم: كمال الرواغ (كاتب صحفي أمين عام الشبكة العربية للثقافة والرأي والإعلام. غزّة – فلسطين)

لطالما شكّل الأطفال مستقبل أيّ أمّة وُجدت في تاريخ الإنسانية. فالطفل هو المستقبل الذي ينظر الآباء والأجداد إليه في امتدادٍ لتاريخهم وتراثهم ووجودهم، فإذا تحدّثنا عن الطفل الفلسطيني فلا تنطبق عليه أيّ معايير تليق بالإنسانية أسوة بأطفال العالم الحر.. لقد تعمّد الاحتلال الصهيوني لفلسطين على قتل الطفولة وإعدام البراءة الفلسطينية من خلال أسلوب مُمنهج في استهدافٍ للطفل في فكره ووجدانه لحرف بوصلته عن قضيّته الوطنية، من خلال فرض الكثير من المشاريع العنصرية والتي تستهدف الطفولة الفلسطينية، وقيمها التربوية.

لقد رفع قادة الكيان الصهيوني شعارًا تصفويًّا ضدّ أطفالنا منذ بداية احتلالهم لأرض فلسطين، حيث قالت رئيسة وزراء الكيان “الكبار يموتون والصغار ينسون”، فاعتقلوا وسجنوا الأطفال ومارسوا ضدّهم كل أشكل التّرهيب والتّعذيب، فحرّفوا التعليم، وغيّبوا الرواية والسرديّة الفلسطينية الحقيقيّة وشوهوها في الإعلام الغربي، إلّا أنّ كل ذلك شكّل إرادة قوية للطفل الفلسطيني للتّحدي والمثابرة وتحقيق الإنجازات والنجاح. فكان هناك إبداعات للطفل الفلسطيني في مجالات متعددة، فبرزت الكثير من الأسماء الفلسطينية الموهوبة في العديد من المسابقات الدولية، في مجالات متعدّدة.. في الرسم والشعر والغناء، والتفوّق في التعليم وتحصيل أعلى الدرجات والإنجازات.. كل ذلك يبقى أعمال فرديّة للطفل الفلسطيني الموهوب، في غياب للمؤسسة الحاضنة والمتخصّصة، والتي يحرمه منها الاحتلال.

لقد أقدم الاحتلال مؤخّرًا على ارتكاب أفظع الجرائم ضدّ أطفال فلسطين، ففي الضفّة حرق أطفال عائلة “أبو خضير”، أمّا في غزّة وما يجري الآن من حرب إبادة للأطفال فحدِّث ولا حرج، فعلى مدار ستة أشهر قتل أكثر 15000 طفل، وشوّه الآلاف من أطفالنا في سابقةٍ خطيرة لم تحدث في التاريخ البشري.

إذًا نحن أمام محرقة تستهدف كل ما هو فلسطيني وخاصة الأطفال نواة المجتمع الفلسطيني ومستقبله. وهنا يطرح السؤال الكبير: أين المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الانسان والمؤسسات الدولية التي ترعى الطفولة من حماية الطفل الفلسطيني من هذا البطش الصهيوني والغلّ العنصري الذي ترك العديد من أطفالنا بدون عائلاتهم بعد أن أبيدت ومُسحت من السجّل المدني؟

كل هذا وذاك لن يثني شعبنا من استعادة حقوقه الوطنية وآماله المتجدِّدة في حياة كريمة له ولأطفاله في دولة فلسطينية حرة ومستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

رغم كل ذلك، وأنا اكتب هذه السّطور لكم من تحت القصف في إيواءات النُّزوح في دير البلح ورفح التي تضمّ الآلاف من الأطفال المهجَّرين من بيوتهم، وجميعهم يهتفون ويناشدون العالم بوقف هذه المحرقة، وإعادتهم إلى بيوتهم التي دُمِّرت من القصف المتعمّد والهمجي لمدينة غزّة.

 

إبتسام عبد الرحمن الخميري
ابتسام عبد الرحمن الخميري (أديبة وناقدة ذرائعية من تونس)

الطفل الفلسطيني.. كائنٌ صغير ولكنه عظيم

بقلم: ابتسام عبد الرحمن الخميري (أديبة وناقدة ذرائعية من تونس)

إنّ الطّفل الفلسطيني حاضر وبقوّة في الأدب والفنون والإعلام العربي لكن بشكل يحتاج أكثر وعي وأكثر دعم لما يعيشه هذا الكائن الصّغير الذي حُرم من أبسط حقوقه وهي العيش الكريم ضمن عائلته وأن يتمتّع بحقّه في السّكن والدّراسة والصّحة، وأهمّهم حقّه في الشّعور بالأمان والسّكون والرّاحة.

نعم، إنّ القضيّة الفلسطينيّة بصفة عامّة هي الشّغل الشّاغل لأغلب الشّعوب العربيّة، فقد باتت اليوم من أهمّ محاور الاهتمام وهي البارزة في جلّ المهرجانات والمنتديات الثقافيّة وحتّى في الكتابات الإبداعيّة من سرد وشعر، كما نجدها في مختلف الفنون من موسيقى ومسرح وفنون تشكيليّة.. حاضرة خاصة في الفترة الأخيرة وتزامنًا مع الوضع المتردّي والمؤلم الّذي تعيشه غزّة بأطفالها ونسائها وشبابها ورجالها… لذلك توجّهت الرّيشة والقلم إلى رسم هذا الوضع المؤلم الحزين جدًّا، كما ارتفعت الحناجر صادحة بأغاني ثوريّة مندّدة بما يحدث ولما يعانيه الإنسان الفلسطيني ما لاقاه الطّفل الفلسطيني من طمس لأبسط حقوقه في الحياة والعيش الكريم، حتّى أنّ الإعلام لم يدّخر جهدًا في توجيه عدساته إلى واقع الطّفل البريء الفلسطيني، حيث سلّط الضوء عليه محاولًا بثّ الوعي لدى الشّعوب. وقد رأينا كيف تحرّكت أغلب الشّعوب – إن لم نقل كلّها – وراحت تطالب بضرورة توفير العيش الكريم لإخواننا في فلسطين ولأبنائنا في غزّة.

في المقابل، نجد هذا الطّفل الّذي لم يدخل المدارس كغيره من الأطفال لكنّه واجه الحروب والمآسي اليوميّة بكلّ شجاعة وبكلّ بسالة، فارتسمت على محيّاه الابتسامة البريئة، كما كشفت عن إنسان يحمل في أحشائه قوّة لا مثيل لها، فعلّم بقيّة الشّعوب معنى القوّة والبسالة وعدم الاستسلام، بل وأرسل رسالة إليهم بأنّنا: رغم ما نحياه سنظلّ نبتسم لأنّنا سننتصر وذلك هو حقّنا.

إذًا، من حقّ الطّفل الفلسطيني أن يعيش الفرح مثل الفرح بعيد الفطر الذي هو بالأساس عيد الأطفال، بل ومن حقّه اللّعب واللّهو، ومن حقّه الدّراسة والتعلّم، والأهم من ذلك.. من حقّه البقاء بسلام والعيش بأمان، وما يفعله الكيان الصّهيوني تجاهه من سجن وتعذيب ورعب وغيرها من التّصرّفات اللّاإنسانيّة التي يقوم بها والتي يجتهد في التّفنّن فيها.. ما هو إلّا دليل على عظمة وقوّة هذا الكائن الصّغير، وأنّه يشكّل خطرًا على مستقبلهم، فالطّفل الفلسطيني هو مستقبل وغد فلسطين المضيء، وهو ركيزة مهمّة وأساسيّة لهذا الوطن المسلوب اليوم والّذي سيأتيه غد مشرق ويردّ إلى أصحابه الّذين هم أطفال اليوم ورجال الغد…

ويبقى الدّور الذي يقوم به الأدب والفنون والإعلام قصد تسليط الضّوء على وضع هذا الطّفل المحروم من أبسط حقوقه هو دور قليل جدًّا أمام حجم ما يعانيه وما يكابده ليلاً نهارًا دون أيّ وجه حقّ، لأنّ هذا الكائن البريء الّذي لا حول له ولا قوّة يحتاج إلى تكاثف الجهود الإنسانيّة أكثر بكثير حوله بُغية إيجاد حلول لوضعه المزري وتوفير ما يستحقّه مثل بقيّة أطفال العالم من حقوق حياتيّة ورفاهيّة العيش…

فها هي الأقلام والألوان ترسم واقع الطّفل الفلسطيني، وها نحن نشاهد الفنون والإعلام تواكب وتنقل وتدعم ما يعيشه وقد يحتاج الطفل الفلسطيني إلى سياسات وقرارات تهتمّ به وتصون حقوقه ليحقّ له الاحتفال بعيده كغيره من الأطفال، ولا يسعنا إلّا المساهمة بالقدر الّذي يمكِّننا من الكتابة والرّسم وتخصيص أنشطة ثقافيّة دوليّة مساندة له.

 

أسامة بشارات e1714003758452
أسامة بشارات (الناطق الإعلامي لمؤسسة الأشبال والزهرات – فلسطين)

أيّها العرب.. هل أتاكم حديث يوم الطفل الفلسطيني؟

بقلم: أسامة بشارات (الناطق الإعلامي لمؤسسة الأشبال والزهرات – فلسطين)

يعيش الطفل الفلسطيني منذ احتلال فلسطين في العام 1948م و1967م ظروفًا صعبة للغاية فرضها الاحتلال من خلال ممارساته القمعية والتعسفيّة بحق كل أبناء شعبنا، ولا سيما الأطفال منهم، منذ ذلك التاريخ يعاني الطفل الفلسطيني من الجرائم والمجازر المتتالية من قبل الاحتلال التي حالت دون مشاركته في مختلف الفنون الأدبية والأدائية، بالإضافة إلى ضعف التّغطية الإعلامية لما يعاني من انتهاكات من قبل المؤسسات الإعلامية والمؤسسات ذات العلاقة التي تسهم في فضح جرائم الاحتلال ومجازره ضد أطفالنا وشعبنا، علمًا بأنَّ مساهمات الطفل الفلسطيني التاريخية والحالية في مجالات الأدب والفنون تكاد تكون من أفضل المساهمات، إن لم تكن أفضلها على الإطلاق، حيث شارك أطفال فلسطين، منذ عودة السلطة الوطنية الفلسطينية إلى أرض الوطن من أكثر من ثلاثين عامًا، في الكثير من الفعاليات الثقافية والأدبية العربية والدولية من قبل المؤسسات الرسمية والأهلية، حيث جسّدت هذه الفعاليات قدرة الطفل الفلسطيني، ليس في المشاركة فقط، ولكن في الإبداع في مختلف الفنون الأدائية والأدبية المتنوعة عربيًا وفلسطينيًّا.

المشاركة في الفعاليات بمختلف مجالاتها والمساهمة الإيجابية التي استطاع الطفل الفلسطيني أن ينتزعها بجدارة، لم يتمّ استثمارها عربيًّا ودوليًّا من أجل تسليط الضوء بشكل أكبر على معاناة الطفل الفلسطيني المستمرة منذ احتلال فلسطين وحتى اليوم، رغم بعض المساهمات المتواضعة من قبل بعض المؤسسات الإعلامية، إلّا أنّ حجم المعاناة التي يتعرّض لها الطفل الفلسطيني أكبر بكثير ممّا يُتناول من قبل بعض المؤسسات الإعلامية؛ من حيث نوعيّة وكميّة الانتهاكات التي تحول دون مشاركة الطفل الفلسطيني وطمس كل ما يشكل لديه دافعيّة للإبداع والتميز في مجالات الأدب والفنون.

“في الخامس من نيسان/ أفريل عام 1995، وفي مؤتمر الطفل الفلسطيني الأول، أعلن الرئيس الراحل ياسر عرفات التزامه باتفاقية حقوق الطفل الدولية، وأعلن الخامس من نيسان/ أفريل يومًا للطفل الفلسطيني؛ علمًا بأنَّ المصادقة الرسمية لدولة فلسطين على اتفاقية حقوق الطفل الدولية كانت في 2 نيسان 2014”. (وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية).

منذ ذلك التاريخ يُحيي الشعب الفلسطيني هذا اليوم من كل عام، بكافة مؤسساته الرسمية، وبشراكة المؤسسات الأهلية والدولية التي تُعنى بالطفولة في فلسطين، بتنظيم كثير من الفعاليات والنشاطات الترفيهية والثقافية والتربوية والرياضية والإعلامية؛ بهدف مناصرة أطفال فلسطين الذين لا يزالون يعانون افتقادًا لأبسط حقوق التمتّع بطفولتهم البريئة وحق الحياة، جرّاء الانتهاكات الصهيونية المتواصلة بحقهم؛ فإدارة الكيان الصهيوني تضرب بعرض الحائط بكافّة المواثيق والأعراف الدولية؛ فتستهدف أطفال فلسطين بالقتل والاعتقال، والحرمان من أبسط الحقوق؛ وتقتل الأطفال حتى وهم في أحضان ذويهم.

إنّ جرائم الاحتلال بحق أطفال فلسطين عبر كل مراحل الاحتلال وصولًا إلى المجازر الأخيرة التي ارتكبها الاحتلال بحق أطفال فلسطين في محافظات قطاع غزّة من قتل وجرح وأسر وتشريد لعشرات الآلاف منهم، والانتهاكات المنظمة من قبل الاحتلال التي حالت دون تمكُّن الأطفال الفلسطينيين من ممارسة أبسط حقوقهم في المأوى والتعليم وكافة حقوقهم المدنية، حيث شهد العالم كله حجم الإبادة الجماعية التي ما زالت مستمرة حتى يومنا هذا.. التي أدّت إلى تدمير كل المؤسسات التربوية والثقافية معًا، مع تدمير كبير جدًّا للمنازل التي تأوي أهلنا وأبناء شعبنا في محافظات قطاع غزّة، وكذلك الممارسات القمعيّة بحق الأطفال الأسرى في سجون الاحتلال والحبس المنزلي خاصة في القدس الشريف، والتّرهيب اليومي في شوارع وحارات ومخيمات فلسطين.. شكّل تحوّلًا كبيرًا في عقلية الجرائم لدى المحتل، الأمر الذي كان يجب أن يشكّل اهتمامًا كبيرًا ومنظَّمًا من قبل المؤسسات والمنظمات العربية والدولية من أجل حماية الطفولة في فلسطين، وبالتالي العمل على توفير الحد الأدنى للعيش الكريم لأطفالنا وصولًا إلى إعادة مشاركتهم وتميّزهم وإبداعهم، حتى يسهموا في البناء الثقافي والتراثي الفلسطيني عبر مشاركاتهم الأدبية والفنية بكل أنواعها وأشكالها.

في الشَّتات وفي فلسطين، عملت مؤسسة “الأشبال والزهرات” التابعة لحركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” على تمكين الأشبال والزهرات (الأطفال) في المجالات الأدبية والفنية والإعلامية، وهدفت منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية إلى تعزيز الانتماء والتربية الوطنية للأشبال والزهرات ليكونوا مساهمين أساسيين في حركة التحرُّر الوطني، وليشكلوا رافدًا من روافد الثورة الفلسطينية، ومن أجل أن يكونوا قادرين على المساهمة في بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية المستقلة، عبر برامج التّمكين التي تستهدفهم من خلال المخيمات الصيفيّة السنويّة وبرامج العمل الوطنية وصولًا إلى برامج التثقيف الوطني الرّقمي عبر استثمار مميّز للتطور الرقمي الهائل في العالم، حيث تمّ استحداث أكاديميّة إلكترونية للأشبال والزهرات تضمّ كثيرًا من برامج التثقيف الوطني الرقمي وبأسلوب مميز وإبداعي ، بالإضافة إلى إصدار مجلة دوريّة مدمجة “مجلة وعد” تشمل على مشاركات الأشبال والزهرات الإبداعية والفكرية والفنية، ونشرها دوريًّا من أجل تسليط الضوء على الإبداع الأدبي والفني لأطفال فلسطين.

وفي إطار سعيها إلى تعزيز مشاركة الطفل الفلسطيني في الأدب والفنون والإعلام، أنشأت المؤسسة منصّة رقميّة عبر مختلف التطبيقات الرقمية المنتشرة (فيسبوك، تلغرام، منصة إكس، إنستغرام وغيرها)، وتنشر كل ما يسهم في تسلط الضوء على قضايا الطفل الفلسطيني، بالإضافة إلى نشر كل أنشطة الأطفال الفلسطينيين الأدبية والفنية، والتَّشبيك مع كثير من المؤسسات الرسميّة لنشر وتعميم كل ما له علاقة بالطفل الفلسطيني وتمكينه.. حتى يشكِّل مكوِّنًا أساسيًّا من مكوِّنات الشعب الفلسطيني، يعمل سويًّا مع كل مكوِّنات الشعب الفلسطيني من أجل التحرُّر وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

 

مريم المصري 1
مريم المصري (كاتبة وباحثة من نابلس – فلسطين)

رسالةٌ إلى والدنا في يوم الطفل الفلسطيني

بقلم: مريم المصري (كاتبة وباحثة من نابلس – فلسطين)

هذا اليوم لا يشبه أيّ يوم ثانٍ؛ لأنّه يوم مولدك الذي أضحى رمزًا لشهر نيسان/ أفريل، شهر التجدّد والعطاء، هذا الشّهر الذي تولد فيه الرّوح، وتتجدّد الأرض بالخضرة، والأزهار، فتكسوها رونقًا وجمالًا يبثّه نورك فينا.

أن أرى صورة الرجل الفلسطيني الثابت المتمسك بإرادته، وصلابته في موقفك في ملامحك.. عزيمة يتمتع بها كل إنسان محبّ لأرضه، هذه الأرض التي علّمتنا أن نكون على قدر كبير من العطاء، ويوم مولدك يختلف عن أي يوم، فهو يوم الطفل الفلسطيني الذي كبر على حب أرضه، يحمل الحجر بين يديه، تستتر خلفه رموز المقاومة والقوة، فإذا كنت قد فطمت عن الرّضاعة فإنك لم تفطم عن حبّ أرضك، ووطنك، وشرارة المحبّة التي تلمع في عينيك، فتضفي علينا نار عزّك، وعزيمتك التي حرصت دائمًا لتكون معنا، ولنكون كجبال راسخة بنهر عطائك، نحمل شحنات موقدة من الفرح والجمال، فالمتأمل الذي ينظر في صورتك تمنحه الطمأنينة والسلام.

كل عام وأنت إلى وطنك أنقى..

كل عام ووطنك يعتز بك، وبقوتك، وعزيمتك…

كل عام وأنت بهجة هذه الأرض…

كل عام وأنت بخير يا والدنا…

 

امال الهنقاري e1714003779636
آمال الهنقاري (كاتبة وخبيرة دولية في مجال الطفل من طرابلس – ليبيا)

كلمات إلى الطفل الفلسطيني

بقلم: آمال الهنقاري (كاتبة وخبيرة دولية في مجال الطفل من طرابلس – ليبيا)

تعجز أمامك الكلمات وتسكت الصرخات فقد علّمتنا يا صغيري كيف يكون الصبر، علّمتنا الصمود، علّمتنا الشجاعة وزرعت في قلب عدوك الخوف والرعب.. فصار كالمجنون يقتل حتى الرُّضع لأنه يعي تمامًا أنّه لن يكون مثلك شجاعًا وقويًّا. أخافه صوتكـ وأفزعه بكاء الخُدّج، وبات يقصف كالمجنون، فيما تزداد أنت إصرارًا على البقاء والشهادة..

تصلنا كلماتك التي يعجز الكبار عن صياغتها، وتفرَّدت بردود تعبِّر عن صلابتك ومحبّتك لأرضك وفخرك بأبيك الشهيد وعزّتك بأمّك الصابرة المحتسبة.. يصلنا صوتك بُنيّ، فنستمد منك الهيبة، وتبرز فيك رجولة مبكرة تسع كل الكون.

أيها الطفل الفلسطيني الباسل، لقد أيقظت العالم الإنساني من سُباته، وأزحت الغمامة عن عينيه، فخرجت الجموع في كل أرجاء الأرض تنادي باسم بلدك وتهتف لك.. ففي الوقت الذي يخذلك فيه الحكّام والظالمون، سطّرت بصمودك أعظم ملحمة في التاريخ..

هم لا يقاتلون جنودًا، بل يستهدفون جيلاً قادمًا ليس كمثل أقرانه.. ومهما دمّروا مباني وأحرقوا مزارع.. يبقى بيدك غصن الزيتون والليمون بيد، ومعول البناء باليد الأخرى.. شامخًا على أرض غزّة العزة في فلسطين.

وأقول لك ستبقى وتبقى بلادك أرض الأنبياء والحضارات رغم أنف الأعداء..

 

أيمن قدره دانيال
أيمن قدره دانيال (كاتب وشاعر من سوريا)

الطفل الفلسطيني.. أعلنوا عليه الموت فأصرّ على الحياة أكثر

بقلم: أيمن قدره دانيال (كاتب وشاعر من سوريا)

منذ اليوم الأول للحرب على غزّة، عانى الأطفال الفلسطينيون ويلاتها، وشهد العالم مناظر القتل والتّهجير القسري بحقهم دون وجه حق وبلا رحمة تُذكر.. هذا ما اعتاده المشهد الفلسطيني من احتلال للأراضي الفلسطينية وقصف مُمنهج للمدارس والمستشفيات وهدم للبيوت وتخريب ونهب للممتلكات، وهذا إن دلّ على شيء فهو يدلّ على وحشية المستعمر الصهيوني وفقدانه لأدنى الصفات الإنسانية، فمن حق أطفال فلسطين الحياة والتعلُّم وممارسة حرية طفولتهم في وطنهم وعلى أرض أجدادهم، ولا يحق اضطهاد الأطفال وحرمانهم من أبسط حقوقهم المشروعة.

فالقانون الدولي، الحاضر الغائب في أغلب الأحيان، يرعى ويكفل تلك الحقوق.. لكن دون أيّ مساس بالكيان المغتصب لأرض فلسطين، وكأنّه قانون سُنّ لحماية الاحتلال الصهيوني ودفعه إلى قتل المزيد من الأطفال الفلسطينيين وحرمانهم من أسمى معاني الحياة، وتعذيبهم وسجنهم في سجون الجهل والاحتلال، وإرغامهم على الاعتراف بيهودية الأرض المحتلَّة ونزع الهوية الفلسطينية من ضمائرهم الحية..

وهنا نقف أمام عجز الأمم المتحضِّرة المدَّعية بأنّها الراعية لحقوق الأطفال والضّامنة لرفع المعاناة عنهم.. موقف التأمُّل والتعجُّب من تصرفاتهم العمياء، بل إنهم يمدّون الكيان الصهيوني المحتلّ بأحدث أنواع الأسلحة المتطوّرة لقتل المزيد من البشر في فلسطين المحتلة، ضاربين بعرض الحائط جميع الحقوق والقوانين الدولية المعترف بها من قِبلهم في حماية الأطفال أثناء الحروب والكوارث الإنسانية، بل قاموا بحرمانهم من الطعام والغذاء عبر تجويعهم ومحاصرتهم بشكل متعمّد لقتل الروح النضاليّة في فكرهم الرّافض للاعتراف بيهودية المحتلّ للأراضي الفلسطينية، وتخريب عقولهم الصغيرة بادّعاءات مُسمّمة تسهم في تغيير الواقع الفعلي والحقيقي لأحقيّة الأرض.. حتى مخيّمات اللجوء التي كانت لهم الملاذ الآمن من بطش وتغول الحرب الصهيونية.. لم تنج من سياسة القتل والطرد والتشريد للأسف.

نعم إنّه واقع الحياة اليومية لأطفال فلسطين دون دعم عربي يُذكر، وإن وجد فهو على استحياء لشحّ النّفس وخوفًا من ردّة الفعل الصهيونية وغضب أمريكا الراعي الدائم لعملائها المطبِّعين من العرب، وحرمانهم من المعونة السنوية التي اعتادوا على فخامة أطباقها الدسمة من لحوم أشقائهم العرب وبالأخص لحوم الأطفال الأبرياء في فلسطين!

إنّ من حق الأطفال العيش في أمان وكرامة تكفل لهم جميع الحقوق وأبسطها والشعور بمشاعر الفرح في عيدٍ لم يشهدوا فرحته مثل أقرانهم الأطفال في الدول العربية المجاورة، بل جاء عليهم بوابل الحرب والموت والتَّجويع والحرمان من الأهل والوطن والمسكن الآمن والمأوى الذي كان يؤويهم من أخطار الحرب.. إنّه إرهاب العالم المتحضر المدّعي للإنسانية في كذبٍ دائم ونفاق اعتدنا على رؤية مشاهده الإجرامية كل يوم على أرض الطهارة في فلسطين المحتلة…

 

رشاد رداد
رشاد رداد (شاعر وكاتب من الأردن)

اغتيال الطفولة في يوم الطفل الفلسطيني

بقلم: رشاد رداد (شاعر وكاتب من الأردن)

مرّ يوم الخامس أفريل من هذا العام مرورًا سريعًا دون أن ينتبه له أحد، فالمصاب جلل والدماء وفيرة والوجع كبير. فقد تزامن هذا اليوم مع العدوان الهمجي البربري والابادة الجماعية التي تقوم بها العصابات الصهيونية الحاقدة على قطاع غزّة، وما نتج عن هذا العدوان من قتل للأطفال والكبار وتشريد وترويع وتعذيب وانتهاكات جسيمة للأطفال الفلسطينيين في قطاع غزّة وعموم فلسطين.

ولم يتوقّف الأمر عند هذا فقط، بل قام هذا المحتلّ بزجّ الكثير من الاطفال في السجون والمعتقلات الصهيونية، وما يرافق السجن من تعذيب وحرمان للأطفال من كافة حقوقهم الإنسانية.. وها هم في غزّة الصمود والعزّة يدفع هؤلاء الأطفال وذويهم فاتورة باهظة للعدوان الهمجي الصهيوني وعلى مرأى من العالم كله، وسط صمت وخذلان الشرق والغرب.. ولا تزال ماكنة التدمير من طائرات ودبابات وصواريخ تدكُّ مدن وشوارع وبيوت غزّة التي تدّمرها على رؤوس أصحابها ليل نهار منذ أكثر من ستة شهور. بالإضافة إلى حصار مؤلم تجاوز 17 عامًا، وما زال التجويع مستمرًّا بمنعها دخول الماء والطعام والدواء وحليب الأطفال، وليس هذا فحسب بل قاموا بتدمير وهدم المستشفيات وتعطيل عملها بمنع دخول شاحنات الوقود وكذلك اعتقال الاطباء والممرّضين وقتل بعضهم واعتقال الآخرين.

وما زال التّرويع الدّائم للأطفال وهدم مدارسهم واعتقال وقتل المدرسين.. حتى وصل بهم الأمر إلى هدم دُور العبادة من مساجد وكنائس، والعالم كله يسمع ويشاهد المجازر والمذابح دون أن ينبس ببنت شفة.

فكيف سيحتفل هؤلاء الأطفال الفلسطينيون بهذا اليوم والعدوان ما زال مستمرًا في غزّة خاصة وفلسطين عامة، وما زالت الإبادة الجماعية على القطاع.. ويرافقها قتل وهدم واعتقال وترويع وحصار، وكثير من الأطفال ماتوا جوعًا أو مرضًا أو قتلاً؟

كيف يحتفل الطفل الفلسطيني بهذا اليوم.. والطائرات تقصف ليل نهار والدبابات تلقي بقذائفها وحممها البركانية والجرافات تجرف البيوت والخيام وأحلام الأطفال؟ وكيف يحتفلون والاحتلال يمنعهم ويحرمهم من اللعب، ومن الوصول إلى مدارسهم، ويحرمهم من إقامة النشاطات الثقافية والترفيهية والرياضية؟ ألا يحق لأطفالنا كباقي أطفال العالم من العيش بكرامة وأمان والحصول على كافة حقوقهم؟!

أين منظمات حقوق الانسان؟ أين الضمير العالمي المغيّب؟ وأيّ مستقبل غامض ينتظره أطفال فلسطين؟ وما هي التداعيات النفسية على أطفال غزّة وفلسطين كلها الذين نجوا من الموت ومن الحرب بأعجوبة؟

لقد شوّه الاحتلال الصهيوني حلم الطفولة الفلسطيني، ودمّر مستقبل جيل كامل وفق خطّة ممنهجة لقمع الأطفال ومصادرة حقوقهم.. لقد اختطف الاحتلال الصهيوني طفولة أبنائنا بالتَّخويف والحرمان وبالتجويع والحصار والقتل والسجن والتعذيب والقهر اليومي الذي لا تحتمله الجبال.. ورغم كل هذه المعاناة التي تنوء بها الجبال ولا يحتملها بشر، فإنّ صمود أهلنا هو انتصار للحق الذي سيعود بإذن الله تعالى..

 

سامر المعاني e1714003808863
سامر المعاني (كاتب من الأردن)

الطفل الفلسطيني.. صغيرٌ بجسمه.. كبيرٌ بعقله وتضحياته

بقلم: سامر المعاني (كاتب من الأردن)

الطفل الفلسطيني هو مستقبل فلسطين.. يُسجن ويُعذّب ويحيا الرّعب اليومي، ويجتهد الكيان الصهيوني على تهويده من خلال البرامج التعليميّة وغيرها من المشاريع التي تستهدف فكره ووجدانه.. فهل هو حاضرٌ في الأدب والفنون والإعلام العربي بالشكل الذي يعرّف بقضاياه ويشكّل الوعي العربي بالمآسي التي يعيشها هذا الكائن البريء؟

استطاع الطفل الفلسطيني عبر مرور عقود من الزمن أن يكون حاضرًا ومشبعًا بالفكر الموروث والمعاش بأن يحمل قضيته رسالة وهمًّا معاشًا.

لقد أرعب العدو الصهيوني نضوج الطفل الفلسطيني واكتمال الصورة لديه، فهو يدرك ما يجري حوله، وملمّ بالتضحيات التي قدمها الآباء والأجداد، والتغييرات والتطورات التي حدثت من تهجير وتعذيب وحصار وأسر واستشهاد.

فتجد الطفل الفلسطيني مدرك لمفهوم الصهيونية، وتاريخ وطنه والصراع القائم سياسيًّا ودينيًّا واجتماعيًّا، كما يلمُّ بمعرفة كاملة من يقف خلف العدو، والمسمّيات الدولية والمحاكم والمؤسسات العالمية وكيف تؤثر عليها بعض الدول الكبرى.

لقد كان وما زال للطفل الفلسطيني حضور في الأدب العربي والإعلام العربي غير أنّه لم يكن بالصورة القادرة أن تُنتقل عالميًّا وتشكِّل تأثيرًا مباشرًا، وبقيت المنتجات محصورة عربيًا غير قادرة أن تصل إلى الشعوب التي تسيطر عليها وسائط الإعلام ووسائل الترجمة العالمية.

لقد شهدت في الآونة الأخيرة مخطوطات شعريّة وأدبيّة تنقل المشهد الفلسطيني بشكل موسع وواضح، وانتشرت أعمال أدبية وفنية تصوّر معاناة الطفل الفلسطيني واستهدافه المباشر من قبل العدو الصهيوني، فقد تعرّض الطفل الفلسطيني إلى القتل الممنهج والمخطّط بكل السُّبل من خلال القصف أثناء الهجومات والحروب، بالإضافة إلى استهدافه المباشر دون أن يكون هناك قدسيّة لدم الطفل.

يعيش العالم متناقضات ومقارنات بعيدة عن المنطق والصواب من خلال الكيل بعدة معايير، بينما هناك محاربة لعمل الطفل والتّعنيف الأسري.. نجد الطفل الفلسطيني الذي لا ذنب له غير أنّه ولِد في وطن محتلٍّ من عدو لا يرحم، يعيش مأساة حقيقية لم يشهد التاريخ مثلها، فهو أمام حالة اجتثاث وتهجير من محتل يريد أن ينفرد في وطن سكّانه بالملايين، ولأنّه مدرك بأنّه ليس أصيلاً، يخاف على نفسه من الأجيال القادمة التي تشرّبت حبّ الأرض.

تجسّد الطفل الفلسطيني في الشِّعر والسّرد الأدبي العربي وقليل جدًّا في الأدب العالمي، فقد حضر في الأدب العربي الطفل الفلسطيني في الشّتات.. والثائر والمطالب بحقوقه وحضوره.

ولم يقتصر العمل الأدبي على الكاتب الفلسطيني فقط، بل كان حاضرًا في الأدب العربي بشكل عام، غير أنّه ما زال بحاجة إلى أن يُترجم الجهد على أرض الواقع في الإعلام والأعمال المترجمة وأن تصل تلك الأعمال للعالمية لتؤثِّر أكثر.

ثم كيف يواجه هذا الطفل الحروبَ والمآسي اليومية، وهل هناك مشاريع تقوم على رعايته وتلقى الدعمَ العربي؟ وهل من حق هذا الطفل الفلسطيني أن يعيش الفرح مثل الفرح بعيد الفطر الذي هو بالأساس عيد الأطفال؟

لقد عاش الطفل الفلسطيني بالضفة الغربية وقطاع غزّة مراحل زمنيّة متباينة ومتفاوتة بضراوتها ونتائجها، وكان دومًا يتلقّى كل ألوان الحرمان والمعاناة الجسديّة والنفسيّة.. من الحياة اليومية للانتفاضة، إلى القصف والتعذيب والتجويع والحرمان.

وظهر الطفل الفلسطيني دومًا بصورة المتمسِّك بأرضه وهويّته، والمؤمن بأنّ العدو هو من اغتصب أرضه وحرمه الاستقرار والحياة الكريمة على أرضه كسائر دول العالم.. وهو أمام عدو لا يرحم ولا يحمل فرقًا بين الطفل والمقاتل.

عاش الطفل الفلسطيني معاناة نفسية قاتمة وفقدان الأمل والحلم من خلال اليتم والتشتت والفقر والجوع الذي يعود سببه للقتل الممنهج والاغتيالات والسجن على أبسط الأمور، فكان يحتله القلق والخوف من الحاضر والمجهول.

فالعالم يعيش أزمة أخلاقيّة في صمته ومساواته بين الضحيّة والجلّاد، والمحتل وصاحب الأرض.. فالطفل الفلسطيني بحاجة أن يكون كباقي أقرانه في كل دول العالم، حاصلاً على كل وسائل العيشة الكريمة، ولا بدّ من رعايته والاهتمام به، وأن يشعر بالأمن والأمان والتعليم والغذاء والدواء.

لقد اختُطف الفرح من الطفل الفلسطيني بأن ينعم بوطن حنون يرعاه ودولة تقيم له العناية والرعاية، وأن يبقى رهين المتغيّرات والسياسات الظالمة التي لا تبقي سلاما على البشر والحجر.

فبينما العالم يحتفي بالمناسبات والأعياد الوطنية والدينية، فإنَّ الطفل الفلسطيني يعاني بطش الاختطاف والتّهجير والسجن والتعذيب.. يحيط به صوت الطائرات الحربية والانفجارات ومشاهد الدم والقصف.. فلا بدّ من أن تتحمّل مؤسسات المجتمع الكوني والمدني الحفاظ على الطفل الفلسطيني وأن تقوم برعايته ودعمه وتقديم كل السّبل لحمايته، وتوفير الدّعم له ليستطيع أن ينشأ في بيئة الطفل الحقيقية، وهو ينعم بحياة كريمة واستقرار أمني وعاطفي في أسرة تحتضنه وتقدّم له الرعاية التعليمية والصحية والنفسية.

 

زينب دياب e1714003847186
زينب دياب (شاعرة وأديبة من لبنان)

أطفال فلسطين: أعطونا الطفولة وخذوا ما يُدهِش العالم..

بقلم: زينب دياب (شاعرة وأديبة من لبنان)

كلما قرأتُ شيئًا عن نعيم الجنة.. شعرتُ أنّ الله يتحدّث عن فلسطين.

الخامس نيسان/ أفريل من كلّ عام هو يوم الطفل الفلسطيني، اليوم الذي يحتفل فيه الأطفال، لكن هذا العام مرّ على صدى الوجع في حكايا مفتوحة على مصراعيها، وطفولة تُغتال كلّ يوم وكلّ ساعة، حتى أصبحت حياة الطفل الفلسطيني مهدّدة بالخطر كلّ لحظة من عدو أنكر عليهم هذه الطفولة، وهو لا يتمتّع بأبسط حق نصّت عليه المادة السادسة من اتفاقية حقوق الطفل، وهي الحق في الحياة، فقط لأنّه مستقبل فلسطين ومن حقه أن يحيا على تراب وطنه بأمان.

والطفل الفلسطيني يعيش داخل الأراضي المحتلة واقعًا مؤلمًا على الصعيد الأمني، الثقافي، النفسي، الاجتماعي، عبر عمليات اعتقاله وتعذيبه، وتهويده، وحرمانه من عائلته ومن المأوى والغذاء، فأين حقوق أطفال فلسطين التي كفلها القانون الدولي، والذين يشكّلون أكثر من نصف المجتمع الفلسطيني، والذين لم تعد تسعفهم الحرب ليكبروا كغيرهم، وأليسَ من حقّهم العيش بأمن وأمان؟

والطفل الفلسطيني في الشتات المنكوب بوطنه، والمنفي بين القارّات، يتعرّض للتجهيل بقضيته ووطنه، والانغماس في المجتمعات التي يعيش فيها، ولا يوجد هوية قوميّة في العالم تعرّضت لمثل ما تعرضت له الهوية الفلسطينية من محاولات تشويه وطمس، لذلك الحفاظ على الهوية هو مسألة مصيريّة في أدبنا وإعلامنا الفلسطيني، وعلى الإعلام تسليط الضوء على معاناة الطفل الفلسطيني، فما نفع الوطن وما الحاجة إليه دون أطفال فلسطين تحييه بالنصر الواعد والمستقبل الآمن.

ويجب أن يُقدّم للطفل الفلسطيني أدب يضيء له الطريق الصحيح، وفتح أفق جديد في مجال القراءة النصيّة الموجّهة إليه بلغة قريبة من إدراكه حتى يتسنى له فهم ما يقرأ، لتنمية ميوله واحتياجاته الفكرية، والاجتماعية، وتجسيد المعاني والأفكار والقيم التي تسهم في تشكيل وجدانه لكي تبنيه بناءً وطنيًّا، وفي خلق جيل العودة والحرية، لأنّ أدب الطفل هو أداة مقاومة، وأهمّ من أدب الكبار.

وأدباء فلسطين أصدق من عبّروا عن القضية الفلسطينية منذ بدايتها، وكم واجه أدب المقاومة محاولات لكسر أقلام الأدباء لإسكاتهم، واغتيالهم كما حدث لـ “ناجي العلي” مبتكر شخصية “حنظلة” والتي لا زالت تعبّر عن الطفل الفلسطيني الغاضب حتى الآن.

حاليًا الساحة الفلسطينية زاخرة بشعراء وأدباء ورجال إعلام حملوا على أكتافهم قضية فلسطين، على سبيل المثال لا الحصر: الشاعر والروائي أنور الخطيب، ياسمينة عكا نهى عودة، الشاعر جهاد حنفي، والإعلامي والشاعر محمد درويش.. حيث يظهر عمق المشاعر في الكلمات التي يعبّرون عنها بكل الأقلام التي يحاولون لثم أحبارها، وصرخات انتفاضة واقعهم الأليم من خلال قصائدهم، أو رواياتهم التي تُسلّط الضوء على معاناتهم..

في الختام، يقول أطفال فلسطين: أعطونا الطّفولة وخذوا ما يُدهِش العالم..

 

سماهر أبو الرب
سماهر أبو الرب (شاعرة من جنين – فلسطين)

الطفل الفلسطيني ووجه الحقيقة!

بقلم: سماهر أبو الرب (شاعرة من جنين – فلسطين)

هنا على عتبات فلسطين، حُسمت قوانين طالما تغنّت بالحقوق، وحماية الطفل، وإغاثته، ليتمّ على إثرها تشكيل لجان دولية، وانضمام الكثير من البلدان العربية، والعالمية.. لعلهّ يعلو صوت الانسان، في حالة عماء الحواس والضمائر الطيّعة.. لمعايير اللّاإنسان..

فما بالنا نرى أطفالاً يقتّلون، بأعتى وسائل الحرابة (بل المحرمة دوليًّا). أطفال مُزّقت أجسادهم على مرأى عدسات التصوير، لتكن أعين العالم، لا سواها شاهدة على حقيقة يصعب على غوابش المرابين إخفاؤها..

إذًا ما جدوى الاعتراف بمنظمات حقوق الانسان، والطفل، التي يسقط تحرّيها أمام هذا القلق الأبتر، من تطبيق قوانينه المسلوبة سلفًا؛ من مضامينها الزاخرة بالهشاشة!

لنقف اليوم أمام مصير معمّى، وذاهلة تسبح في بلدٍ منكوب. ويبقى التطلّع المنزلق من ندرة أحزاننا، ورحم الفجيعة، يحمل صفة الأسئلة المرقطّة بالدّم الغزّيِ الأشبه.. بقُبلة.. أسيرٍ لم تقع عليها شفاه الأمّهات

معضلة أسئلة تقرع لاهبة الذاكرة.. تراه ماذا سيفعل الطفل بحلمه الكسير، وقد زلزلت منهجية التعليم، حتى يمضغ الموت الممنهج من كبد حريته؟

ماذا عن طقوسه وهواياته التي نهش الخوف ملاذها؟  ماذا عن أبوين راعيين، وأسرة اختفت معالمها من السجّل المدني؟

من لآلامه المستشرية في صدره؛ وصرخته الشريدة، كغدٍ.. راعف لم يتعاف، منذ انثالت المشافي، على حين مظلمة ضروس، ساعة اغرورقت بجثث الأبرياء؟

وكأن بحالهم يقول: تَلَونا لأرضنا، وصية الدّم الجُمام، بُغية وطن كان القلب حارسه الأمين..

 

شوقية عروق منصور e1714003871474
شوقِيّة عروق منصور (كاتبة وشاعرة من فلسطين)

عندما يسرق الأسير الفلسطيني طفله من وراء القضبان!

بقلم: شوقِيّة عروق منصور (كاتبة وشاعرة من فلسطين)

الطفولة في فلسطين، مكوَّنة من طين التّحدي والشّقاء والخوف وفقدان الأفق التعليمي والعمل والتوظيف والاستقرار والأمن والأمان، الطفل الفلسطيني لم يهده القدر إلّا تعبًا ومعاناة وفقرًا وانتظارًا لعل الغد يكون أفضل من اليوم، لكن السنوات تركض وهو يركض خلف رغيف الخبز.

وفي صور الحرب على غزّة، كان قتل الأطفال جزءًا من استراتيجية “طفل اليوم فدائي الغد”، لذلك فإنَّ التخلص منه كان عملاً “بطوليًّا” صهيونيًّا، تشهد له أعداد الأطفال الذين قتلوا ويقتلون كل يوم، عدا عن صور الرعب والعيون المليئة بالدموع والضياع والتيه في الأزقة والبيوت المدمرة والطرقات الضيقة المليئة بالتراب المجبول بالأشلاء، أطفال يحيون في فراغ لا يعرفون أين يقفون؟ وأين يذهبون؟  وحسب الاحصائيات القادمة من غزة هناك آلاف أطفال أصبحوا لوحدهم نتيجة قتل جميع أفراد عائلاتهم، لا أحد يعتني بهم…

في المقابل هناك ظاهرة الأسرى الفلسطينيين، الذين يقومون سرًّا بواجب الحياة، قبل أن يغادروا مسرح الخنق والعمر المحاصر، تكون الوجوه جاهزة لطباعتها على ورق الميلاد، وما دام الضيف الثقيل الذي يُدعى القيد والأسر يزداد ضيقًا كل يوم، وما دامت القوانين تزداد وحشيّة، فالتهريب يكون الحلّ، والغوص في المستحيل صفقة القوة والشجاعة، وإذا الشاعر أكد (وفاز باللذة الجسور) فعلى الأسير تحطيم القضبان الحديدية أو تحويلها الى قضبان من الوهم أمام المهمة المستحيلة.

إنّهم لا يطلبون سرقة النار المقدسة، إنّهم يريدون سرقة طفل من عالم الغيب لعله يحوّل وحدتهم وسنواتهم إلى أمل يضيء نفق العتمة الذي يعيشون به، لا يريدون أن يكون العقاب الموت على بلاط السجن دون أثر..  دون كلمة: بابا، دون نسل، دون هوية تُبعث من بعده.

قبل عدة سنوات أخذنا نقرأ عن ولادة أطفال لسجناء فلسطينيين في السجون الصهيونية، وقد كانت هناك مستشفيات فلسطينية وعيادات تساعد في عملية زرع الحيوانات المنويّة التي نُقلت بأسلوب بوليسي وخيالي في أرحام النساء اللواتي وجدن في طريقة التهريب بابًا لعودة الحياة إلى بيوتهم، وإضفاء الأمل على جدران تلك البيوت التي كانت تعاني من الصمت واشباح الخوف من نفاذ زيت الاستمرارية.

وما زال أسلوب تهريب الحيوانات المنوية الفلسطينية  مُحاطًا بالذّعر، إنّه صندوق الأسرار الذي لن يمنحنا الإجابة الواضحة للرحلة الراكضة بين زوجة تنتظر وزوج ينتظر وبينهما مسافات مزروعة بالعيون والكاميرات والسلاح والقضبان ونوافذ الزجاج، حتى لو سجَّل هؤلاء الآباء مستقبلاً كيفية عمليات التهريب ستكون في الادبيات التي تهتم بشؤون السجن والسجناء والحرية والأسرى قمة الإبداع البشري والإنساني، لأنَّ نزيف الوقت وعرق الخوف ونبضات القلب قد تكون  تلك اللحظة أكبر من العملية الفدائية التي سُجن من أجلها هذا الأسير    وقد يُختصر عمره في نطفة مُهربّة قد تنجح وقد تضيع ويذهب الأمل.

نسمع ونقرأ بين كل فترة وفترة عن عملية تهريب الحيوانات المنويّة – النطفة – التي   تنتهي بولادة طفلاً يخرج إلى الحياة رغمًا عن أنف السجان، طفلاً يُفرح قلب السّجين الذي تحوّل إلى صحراء قاحلة، يعدّ السنوات ويعدّ القضبان، لكن الآن يعدّ أشهر وسنوات الطفل، يعيش الأسير الفلسطيني على حفيف أجنحته التي سيطير بواسطتها إلى دنياه الجديدة، وسيجلس على ضفاف صوته.

رغم المجتمعات المحافظة التي نظرت في البدايات إلى تهريب الحيوانات المنوية كأنَّها أمر صعب، يُغيّر الصورة النمطيّة للحمل، لكن رجال الدين عبر الفتاوى الدينية التي أطلِقت كي تساعد الزوجات اللواتي تركض سنوات أعمارهن ويعشن الانتظار الذي يؤدي إلى الذبول، وكانت عمليات الحيوانات المنوية التهريبيّة   الفدائية المباركة فرحًا تدلّى من مشنقة الزمن.

تهريب الحيوانات المنويّة الفلسطينية لم يعد أمرًا غريبًا، بالعكس أصبحنا نفرح وننتظر صور الأطفال الأبطال الذين يشقّون الظلم والظلام ويأتون على بساط أحمر رغم التفتيش الدقيق من قبل سلطة السجون.. وتعدَّدت قصص التهريب والوسائل التي استُعملت ولكن الانجاب واحد، وآخرها قصة الأسير الفلسطيني “وليد دقة” وزوجته المناضلة “سناء سلامة”، حيث وُلِدت الأبنة “ميلاد” التي كان قدومها الموّال الفلسطيني المجبول بالتّحدي العنيد.

ولقد مات الأسير “وليد دقة” مؤخّرًا بعد طال انتظار حريته، 38 عامًا في الأسر جعلته يحلم فقط بعناق ابنته “ميلاد”، لكن السلطات الاحتلال الصهيوني رفضت هذا العناق، ومات ” وليد” قبل أن يحقّق أمله.

 

عماد سعيد
د. عماد سعيد (كاتب من لبنان ورئيس جمعية “هلا صور الثقافية الاجتماعية”)

التاريخ سيلعن المثقف العربي المتقاعس عن نصرة الطفل الفلسطيني

بقلم: د. عماد سعيد (كاتب من لبنان ورئيس جمعية “هلا صور الثقافية الاجتماعية”)

مرّ قبل أيام عيد الفطر السعيد بينما كان الطفل الفلسطيني في غزّة في غياب تامّ عن الفرح بل عن الحياة.. قبل ذلك استشهد آلاف الأطفال دون أن يرف جفن أو يتحرّك ضمير في العالم.. بينما كان الطفل قد غاب عن كتابات الأدباء والإعلاميين العرب والأجانب، فلا قصيدة لهذا الطفل الذي حُرم من اللعب والأكل ومياه الشرب.. وصار جسده طعامًا للكلاب الشاردة!

هناك تقصير واضح وفاضح بحق الطفل الفلسطيني من الأمم المتحدة ولجنة حقوق الطفل في العالم.. وهناك اهتمام أكثر بتربية الكلاب والحيوانات وحفظ حقوقها.. من هنا يهمُّني أن أقول بأنَّ “جمعية هلا صور الثقافية الاجتماعية” تؤكد أنّ مهمتها كانت دعم الطفل في غزّة عن طريق الإعلام والموقع الإلكتروني والمجلة الشهرية الورقية التابعة لـ “هلا صور”، ومن خلالها أيضًا إقامة ندوات ومحاضرات أرسلناها إلى الجمعيات الدولية التي تتعامل مع الطفل بكل شفافية، بينما تناست الطفل الفلسطيني المتروك أمام الجريمة الصهيونية، وقد ارتكب العدو الصهيوني مجازر عدة ضدّ الأطفال في مدارسهم وأماكن هربهم وفي المستشفيات في غزّة وسواها من المناطق الفلسطينية…

إنَّ لنا عتب شديد على بعض الإعلام العربي الذي لم يلتفت إلى هموم الطفل الفلسطيني ورغبته في العيش بكرامة وحرية.. لهذا إنّ المطلوب اليوم هو إقامة يوم عربي دولي إعلامي لتركيز الضوء على مسألة الطفل الفلسطيني الذي يتعرّض للاعتقال والتعذيب والعنف على يد الاحتلال الصهيوني.  كما أنّ المطلوب اليوم إطلاق سراح الأطفال الذين اعتقلتهم قوات الاحتلال الصهيوني قبل وبعد حرب غزّة. والمطلوب أيضًا هو توفير الدواء والطعام والبيت للمريض الطفل، كما يجب على وكالة الأونروا أن تدافع عن الطفل الفلسطيني، وتضمن له الغذاء والدواء والتعليم والملابس ومكان الإقامة المحترم..

وإنّي أطالب جميع الأدباء العرب أن يشكّلوا جبهة إعلامية شاملة واسعة من فلسطين ولبنان وكافة الدول العربية، واتحاد الكتاب العرب.. للمطالبة بالحرية للأطفال الفلسطينيين، والحياة الحرة الكريمة لهم، وإنَّ أيّ إهمال في ذلك سيجعل التاريخ يلعن كل كاتب أو إعلامي أو فنان أو مثقف تقاعس عن نصرة الأطفال والالتفات إلى حقوقهم والقيام بالواجب الوطني والقومي والإنساني تجاههم..

لقد صدق قولٌ قديم سمعته وفيه أن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، فهل يبادر الإعلام العربي والدولي إلى القيام بدوره تجاه الطفل الفلسطيني الذي يعاني من جهنم العدوان الصهيوني.. هذا ما نتمنّاه ونعمل من أجله ليل نهار.. والله ولي التوفيق.

 

نهى عودة e1714003903692
نهى عودة (شاعرة وكاتبة فلسطينية)

الغرب مع الكيان الصهيوني والله مع الشعب الفلسطيني

بقلم: نهى عودة (شاعرة وكاتبة فلسطينية)

الطفل الفلسطيني كائنٌ إنسانيٌّ صغيرٌ بسنوات عمره وبنية جسده، لكن مأساته فاقت قدرة الرجال على تحمّل قهر الحياة.. يولد رجلًا منهكًا من فرط المآسي، شاردًا في مستقبل لا يعلم إن كان سيسعفه العمر ليصل إليه أو يستشهد قبل أن تتفتّح زهرة شبابه، لكنه لا يرى سبيلًا آخر ليمضي في دروب الحياة غير الصّبر والتحمّل وتجاوز الصعوبات مهما بلغت، وذلك من خلال فطرته الفلسطينية المبنيّة على أساس التحدّي والمغالبة والإيمان بحتميّة زوال الاحتلال الصهيوني.

الأوطان تبني قوّتها وتقدُّمها على أسُس النّهضات الفكرية والعلمية والأمن والاستقرار، ليعكس ذلك منهجًا واضحًا على أطفالها أولًا ونشأتهم ممّا يهوّن استقبال الحاضر بفكرٍ متنور وعلم ينفع المجتمع.. هذه المفاهيم لا تطبق على الطفل الفلسطيني في كافّة أرجاء الوطن دون استثناء وفي الشّتات أيضًا خاصة في مخيّمات اللجوء. إنّ قضية الأمن والاستقرار هما الحجر الأساس لحياة طبيعية، أمّا الحال في فلسطين تحديدًا فيمكنك أن ترى طفلًا يُعتقل ويُسجن وهو ذاهب في طريقه إلى مدرسته، بحجّة الإرهاب واختلاق القيام بعملية طعن كاذبة لكائن صهيوني، حتى وإن اضطرّ المحتلّ إلى وضع سكين في جيب الطفل الفلسطيني، ليؤكّد مزاعمه وادّعاءاته الباطلة.

حسب تقارير مؤسّسات الأسرى: (هيئة شؤون الأسرى والمحرَّرين، ونادي الأسير الفلسطينيّ، ومؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، ومركز وادي حلوة – القدس)، “بلغ عدد الفلسطينيين الذين تعرّضوا للاعتقال من قبل قوات الاحتلال الصهيوني منذ عام 1967 وحتى نهاية عام 2023 نحو مليون فلسطيني، أكثر من خمسين ألف حالة اعتقال سجِّلت في صفوف الأطفال الفلسطينيين (ما دون سن الـ 18 وفقًا للقوانين الدولية)”.. هذا الطفل المعتقل يتعرّض لأعنف الممارسات الصهيونية والتي تتمثّل في الحرمان من الغذاء، العلم، الدفء، الطبّابة، والسجن الانفرادي الذين يعملون به على تشويش ذاكرته وإتلاف خلاياه دماغية لتحوليه إلى طفل غير مكتمل فكريًّا ومضطرب نفسيًّا.

إنَّ الحرب بحدّ ذاتها تعيق تقدّم المجتمعات حتى انتهائها، وتضميد الجراح والمأساة وما ينتج عنها من دمار يؤخّر الحياة الطبيعية لسنين طويلة، فكيف باستيطان صهيوني همجي اغتصب أرض فلسطين وجرَّد شعبها من حقوقه، ومارست مرتزقتُه عنجهيّة التّدمير والقتل والتّشريد على مدى سبعة عقود وأكثر.. حيث تزداد في الصهيوني كل يوم شهوة القتل والتنكيل بالأطفال والناس العزّل، وذلك لسقوط نظرته اتجاه هذا الشعب والتي صرحت بها رئيسة وزراء الكيان الصهيوني السابقة “جولدا مائير”: “الكبار يموتون والصغار ينسون”، فأين أصبحت هذه المقولة في وقتنا الحالي؟

فهل يمكن للطفل أن يعيش حياة طبيعية في ظل وجود هذا الاستعمار الاستيطاني الحقير الذي يأخذ أيّ ذريعة لقتله؟ لكن ما مرّت وتمرُّ به فلسطين وخاصة في العدوان الصهيوني الأخير على غزّة هاشم والضفة الغربية والقدس.. وصمود الشعب الفلسطيني وحده يجعلهم موقنين بأنّهم واهمون، وبأنّهم سيعودون إلى الأوطان التي نبذتهم فرمتهم عالة على الأرض المقدّسة المباركة. رغم هذا ترى أنّ عددًا لا يستهان به من الأطفال الفلسطينيين قد وقفوا بمواجهة الدّبابة الصهيونيّة دون خوف أو رعب.. وذلك لأنَّ الطفل الرجل تربّى على الوجع وعلم أنّ هذا عدوّه وعليه اقتلاعه من أرضه.

إنَّ الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان وتحديدًا اتّفاقية حقوق الطفل، شدّدت على ضرورة توفير الحماية للأطفال، وقيّدت هذه المواثيق لضمان عدم سلب حريّة الأطفال والمساس بطفولتهم… إلّا أنّ سلطات الاحتلال الصهيوني جعلت من قتل الأطفال الفلسطينيين واعتقالهم والتّنكيل بهم همَّها الأول وذلك لمآرب كثيرة، فهي تعلم أنَّ الأطفال هم لبنة المجتمع في الحاضر، وهم المقاومون في المستقبل.. أشبال اليوم هم أسود الغد.

عملت منظمة التحرير الفلسطينية وعدد كبير من الجمعيات الفلسطينية المستقلة على إنشاء مراكز ودورات خاصة بالطفل الفلسطيني لتعميق وتجذير فلسطينيته وانتمائه ومعرفة هويته وتراثه.. ولربما الاحتلال قد أعطى للطفل سلاحه الموجّه نحوه دون أن يشعر.. هذا الطفل الذي يعي تمامًا بأنَّ هذا الصهيوني يحمل السلاح لقتله، فيجتاحه الفضول لتحضير أسئلته الكثيرة ومحاولة فهم كل ما يدور حوله من أحداث كثيرة متعددة.

إنّ مأساة الفلسطيني المتتالية وجنازات الشهداء والممارسات الاستيطانية، كل هذه المشاهد المتكرّرة تجعل الفلسطيني إنسانًا يصعب على الاحتلال الصهيوني تهويده أو تركيعه أو هدم شخصيته الأصيلة..

إنّ عمل وزارة الثقافة والإعلام الفلسطيني في ترسيخ البرامج الوطنية الثقافية والإعلامية وإقامة المهرجانات المتتالية على أرض الوطن وخارجه، والجمعيات والنشاطات المستمرّة التي ترعى بشكل دائم المواهب والإبداعات الفلسطينية، وتقديم التراث كهوية لا تتبدّل ولا تتحوّل.. تجعل الأمر أصعب على الكيان الصهيوني وتجعله دومًا على يقين بأنَّ الصغار المقهورين سيصبحون أداة لقتله ودحره خارج الوطن ليعود إلى من حيث جاء أو تبتلعه الأرض.

يعمد الاحتلال الصهيوني إلى قتل أكبر عدد من الشباب والأطفال الفلسطينيين، لكنه لا يعلم بأنّ فلسطين ولّادة، وهو واهمٌ إن اعتقد بأنّ قوّته وجبروته وطغيانه ودعم الغرب الاستعماري له سيمكّنه من ترسيخ أقدامه على أرض فلسطين..

فأرض الأنبياء التي باركها الله ومنح شعبها قوة جسدية ونفسية وروحيّة، ليتحمل الشعب الفلسطيني مثل هذا النّوع من الأعداء الذي لم يتوان يومًا حتى عن قتل الأنبياء.. هذه القدرة الإلهية التي أودعها الله في الشعب الفلسطيني كفيلة بأن تُبقيه على العهد مع أرضه وقضيته العادلة والإنسانية حتى تحقيق النصر المؤزّر وعودة اللاجئين إلى أرضهم الفلسطينيّة بإذن الله.

 

آمال عوّاد رضوان
آمال عوّاد رضوان (أديبة وشاعرة فلسطينية)

تساؤلات على هامش دفتر البراءة الفلسطينية

بقلم: آمال عوّاد رضوان (أديبة وشاعرة فلسطينية)

ما حاجتُنا إلى قصصٍ وأدبٍ وفنونٍ وإعلامٍ للطفلِ الفلسطينيّ، وعالمُهُ الصّغيرُ القريبُ والبعيدُ مِن حوْلِهِ هشٌّ مُهشّمٌ مُشوّش، عالمٌ مأساويٌّ بالكامل؟ هل يحتاجُ الطفلُ الفلسطينيّ إلى مرآةٍ تعكسُ واقعَه؟ وهل يحتاجُ إلى مرايا مُحدّبةً ومُقعّرةً تزيدُ واقعَهُ تشويهًا أكثرَ ممّا هو عليه؟ هل يحتاجُ الطفلُ الفلسطينيّ إلى كاميرا تُصوّر واقعَهُ وتُوثّقُهُ وتَنشرُهُ؟ أو ربّما يحتاجُ إلى عدسةٍ مكبّرةٍ تُهوّلُ الأحداثَ، أو عدسةٍ مُصغّرةٍ تُصغّرُ حجمَ المآسي، وتُخفّفُ وطأةَ عذاب الضّمائرِ الميّتة في العالم؟

هل لنوثّقَ حكايانا المأساويّة وحاضرَنا الوحشيّ، ليعرفَهُ وتعرفَهُ الأجيالُ اللّاحقة والعالم؟ هل لنُعزّزَ في نفوس أطفالنا اليأسَ وعجزَنا وقلّة حيلتِنا في الخلاص من قبضة الاحتلال؟ هل لنعزّز مشاعر النّقمة والانتقام ضد الظلم المجحف بحقه؟ هل لنُدَعّمَ الإيمان باللّامستحيل، ونعزّز حضور “الآمال” المشتعلة حياةً لا تخبو، ولا يُطفئها اليأسُ والبؤس، ولا تقوى عليها الهزائمُ والنّكساتُ والنّكبات، من أجل الوقوف على الحقّ الإنسانيّ، وعدم التّوقّف عن مطلب العدل والعدالة الإنسانيّة؟

الطفولة الفلسطينيّة المنسيّة الهاربة لا زالت جريحةً تنزف منذ عقود، تتدحرج مِن على منحدراتِ الحرب، إلى هاوياتِ الدّمار التي يعيشون تحت ظلالِها وفي كنفها، حيث تُداسُ حقوقُ الطفل الّذي لم يتذوّق طعمَ الحياة بعد، ولا نكهةَ مُستقبلِهِ المغلّفِ بقنابلِ الموت الموقوتة، أو بقذائف صاروخيّةٍ وقنابل فوسفوريّة، قد تتفجّر دون إنذار، وتنسفهُ هو وعائلتَه وحارتَه ومدرستَه، أو تُغتصَب أرضه وأملاكه، ويضيع النّاجون منهم ما بين ركامِ البيوت وحطام العائلة، وتتقافز الأحداثُ المرعبة والقصص المروّعة، وتتناسل الحكايا المربكة وجعًا، وتتوالد الذكرياتُ غصّةً في أذهانهم، وتتبلور التّجاربُ في نفوس أطفالٍ كبروا قبل أوانهم، فيتأثّرون بهمومِها المفروضة عليهم مُرغَمين غير مُخيّرين، وبمختلفِ التّساؤلات الحائرة المبلبلة المربكة يتساءلون: من نحن؟ ولماذا نحن؟ متى ننتهي؟ متى نتحرّر وكيف؟ وبشتّى السّيناريوهات المخيفة يواجهون ما يلامسهم على مدار اليوم من حواجز، جنود، دبابات، مآزق، مآسي، كمائن، أسر.. رجال ونساء وأطفال، هدم، حرق، أنقاض، أطلال، رحيل، مخيّمات، لجوء، شهداء، دماء، جثث، إعاقات، موت، انعزال، هزائم متكررة، عداء، نقمة، انتقام، بطالة، فقر، جوع، مرض، عدوى، ضياع، وعليهم أن يتأقلموا ويتكيفوا مع ظروف مهدّدة ومتقلبة متغيرة..

ولأنّ النّتاجَ الأدبيَّ والفنّيَّ من رسم وتشكيلٍ وتصويرٍ وموسيقى وإعلام، هو من الواقع المَعيش وليس الحالم، نراه صادقًا، لأنّه ينمو في تربةٍ متنازَعٍ عليها، وخصبة بشتّى أنواع النّزاعات والصّراعات والحروبات، فلا بدّ لهذه الحياة المعيشة أن تتعربش ظلالَ التّربة بقوّة، ويتصدّر المنتوجُ مَلامحَها، بعيدًا عن اللغة الشّعريّة ولغة الشّعارات.

الطفلُ الفلسطينيّ الّذي لم يشاهد البحر إلّا في الصّور والتّلفاز، يجد في الخيال مُتنّفَسًا وعزاءً في الطبيعةِ، فيظلُّ يحلمُ ببحرِ بلادنا والسّباحة فيه، ويحلم بسمائِها وطيورها وغيومها، وليس بالقذائفِ والصّواريخ.

إنّ قصصَ الأطفال المصوّرة مُكلفةٌ جدًّا طباعتُها، لأنّ جودتَها تحتاج إلى دور نشر احترافيّةٍ فنيّةٍ مدعومة، وبتقنيّاتِ طباعةٍ غير محدودة، وبرسوماتٍ، فرز ألوان، ورق مقوّى ودعم مؤسّسات وتمويل غير متوفرة، لذلك يواجه الكُتّاب مشكلةَ الطباعة ماديًّا وفنيًّا، فيلجؤون إلى دور نشر عربية في الوطن العربي.

لكن هناك أيضًا أزمة التّسويق الورقيّ للكتب المحليّة على أنواعها، وحتّى المستوردة لأطفال فلسطين، فعين الرّقابة تمنع ولا تسمح بتمرير إلّا بعض نسخ قليلة ومحدودة أو مُهرّبة، وتمنع الكاتبَ نفسه من التّنقل بحريّة بين مدن وقرى وطنه، فيظلّ الكاتبُ وإنتاجُهُ أسيرَ الحُلم ورحمةَ الاحتلال..

وأعودُ إلى الطفل الفلسطينيّ؛ هل يَسلم الطلّاب في مدارسِهم من القتل والأسر؟ هل يَسلمُ الأطفالُ واليافعون مِن فقدِ ذويهم كأسرى وشهداء؟ هل تَسلم المكتبات المتوفّرة على قلّتها، من النّسف والحرق والإتلاف؟

وهل يَسلم الأطفالُ أنفسهم من الأسر الجبريّ، ومن السّجون التي تغصّ بالأسرى الأطفال؟

هناك قصصٌ للأطفال تحاكي أحداثُها الواقعَ غيرَ المُبرّر من قتلٍ متعمّد، موت، فقد، استشهاد، أسر، غياب قسريّ، لجوء، معاناة وإلخ…، وتتحدّثُ سايكولوجيًّا، عن آثار هذا الواقع وانعكاساتِهِ النّفسيّة على الطفل، وكيف يغدو أسيرًا لأحاسيسِهِ المرتبكةِ المتخبّطة ما بين حزن، شكّ، غضب، كوابيس، أحلام رومنسية مستحيلة، حرية تعدو دون إمكانيّة الإمساك بها، خذلان.. يعجز الطفل الفلسطينيّ عن استيعاب الواقع بمنطقه. فهل على الطفل أن يستسلم لواقعِه الأليم المرير، وما مِن حلولٍ سحريّةٍ أو فوريّةٍ أو عادلة، توقفُ مسلسلَ الحرب والدّم؟ هل على الطفل أن يحتوي واقعَه عسير الهضم، وأن يراوغ الحياة، ويتصالح مع واقعِه العبثيّ وسجنِه الجبريّ بخنوعٍ وخضوع؟ هل على الطفل أن يغادر طفولتَه ويَنضج قبلَ أوانِهِ، ويُرغَم على تحمُّلِ مسؤولية الأحداث، وأن يتمرّد ويقاوم مِن خلال انتمائه إلى جماعاتٍ مقاوِمة، مِن أجل معالجةِ الواقع؟

أيائِلي مُشبَعةٌ برائحَةِ الهَلَع

وقد كنتُ كتبتُ على لسان الطفل قصيدة (أيائِلي مُشبَعةٌ برائحَةِ الهَلَع)، في ديواني الشّعري (بسمة لوزية تتوهج) عام 2005، جاء فيها:

لا تَبْحَثْ عَنْ زَماني العَتيقِ/ في رُكامِ أَعْوامي المَنْسِيَّة!

فَأَحلامي باتَتْ تَتأَرحجُ/ مِثلَ بَندولِ سَاعةٍ/ مَا بَيْنَ المَوْتِ وَالحَياة!

آهٍ.. قَلْبي تَصَدَّأ/ مُثْقَلًا.. بِحَكايا تَتَصدَّع!

قَلبي؛ غَصَّهُ الحُزْنُ/ هَدَّهُ امتِهانُ الرّوح!

لا تَبْحَثْ عَن ِالنّسْيانِ/ في خَريِطَةِ أَوْجاعي

بَيْنَ إِحْداثِيّاتِ ضَعْفي/ أَو بَيْنَ فَواصِلِ شِعْري!

لا تَنْبشْ أَدراجَ ذاكِرَتي/ لا تَحتَ خُطوطِ أَحْزاني/ وَلا فوْقَ مِساحاتِ أَفْراحي!

عَبثًا/ أَحْلامي رَحَلَتْ/ عَلى أَجْنِحَةِ النّورِ والظَّلام

هَرَبَتْ.. مِنْ مَداراتِ الرّعْبِ الدّامي/ وَخرَجَتْ.. مِن ْجاذِبِيةِ كَوْكَبِ اللِّئام!

ذاكِرَتي غَدَتْ مَزْكومَةً/ دواةُ اللَّيلِ انسَكَبَتْ/ فَوْقَ خَرائِطي!

مَحَتْ كُلَّ مَعالِمي/ نَثَرَتْ عَلى جَسَدي/ بُثورَ غُرْبَةٍ وضَبابًا / مِن آهاتٍ وَأكْفَان!

طَعَناتُ مَكائِد/ تَتَوالى.. تَتَهاوى/ من يَدٍ مَسْعورَةٍ تَغْرِزُها/ حتَّى في أَنويةِ الزّهور!

هِيَ المُفارَقاتُ.. تَنَثُرني بِلُؤْمٍ/ في حَدائقِ الظَّلامِ! / بِوَخَزاتٍ مُؤْلِمَةٍ/ تَمْتَصُّ وَميضي!

بِاحْتِضانٍ مُسْتَحيلٍ/ تَفرشُ مَخالِبَ وَصفِها/ فَوْقَ أَنفاسِ الحَياةِ/ وَتَحْتَ سَراحِ المَمَات!

تَتَصاعَدُ التّنَهُّداتُ.. مُشبَعةً لَهبًا/ حتَّى النّخَاع

آهٍ يَا.. مَلامِحي الوَرْدِيَّةِ جَفَّتْ/ ولُسِعْتُ بِسوطِ الخَرير/ وَوَشَمُوني بِمَاءِ الفَوضَى!

حَتَّى مَفاتيح الأَلَمِ.. سُرِقتْ مِنِّي/ تَركُوني أَتَأَرْجَحُ/ ما بَين الذَّاكِرَةِ وَالنّسْيان!

آهٍ ..لَكَمْ أَخْشى رُؤيةَ أَيائِلي/ تَتَناسَلُ مُهَرْوِلَةً.. مُشبَعةً/ بِرائِحَةِ الهَلَعِ وَالارتِجَاف!

تَتَراكَضُ جافِلَةً.. خائِفَةً/ ما بَيْنَ أَدْغالِ المَوْتِ وَشِراكِ الاحتِرَاق!

عُيونُ الشّرِّ/ تَتَربَّصُ بهم/ في كُلِّ اتِّجَاهٍ وَآن/ تَسْتَنْفِرُ حَواسَّ الذُّعرِ/ تَسْتَثيرُهم/ تَسْتَفِزُّ مَوْتَهم إلى المَوْتِ!

في مَلاجئ البَراءَة

وأيضًا عدتُ وكتبت بلسان الأطفال قصيدة (في مَلاجئ البَراءَة)، في ديواني الشّعري (سلامي لك مطرًا) عام 2007.

نحْنُ مَنْ تَلاشَيْنا/ مُنْذُ أَنْ هَبَطْنا مِنْ جَنَّتِنا/ أَقَدَرٌ أَنْ نظلَّ نَتَهاوى/ إلى غابَةٍ مُلَوَّثةٍ بِالحَرْبِ وَالعِصْيانِ؟

أَكَأنَّما نَحِنُّ لِرَحْمَةٍ طرَدَتْنا/ حينَ عَصينا المَعْرِفَة!

أَوْ كَأَنَّما ظِلالنا بَعْدُ/ ما تدَرَّبَتْ عَلى المَشْيِ حافِيَة/ عَلى مَساكِبِ الأَشْواكِ؟

أَما عَرَفَتْ عَثَراتُنا/ كَيْفَ تَنْهَلُ الأَلَمَ مِنْ مَنابِعِهِ؟

أما اسْتَطاعَتْ أنْ تلَوِّنَ المَنافِيَ/ بِالوَجَع.. بِالأَحْزانِ؟

نَمْضي حَزانى في عَياء العَزاءِ/ حُروفٌ مَجْروحَةٌ تتشَدَّقُ بعَذْبِ العَذابِ

وَالوَقْتُ يَعْدو إلَينا عَدْوَ عَدُوٍّ/ يَرْمَحُ عابِثًا برِماح وَجْهِهِ الأَهْوَجَ/ صَوْبَ مَرْقَصِ المَوْتِ!

يَ سْ تَ رْ سِ لُ/ في وَحْشِيَّةِ رَقْصَتِهِ الشّهِيَّةِ!

أَيَرْقُصُ نَدْبًا/ عَلى آلامِ الأَحْياءِ المَوْتى؟

أَمْ يَطيبُ لَهُ العَزْفُ/ عَلى ناياتِ العَذارى؟ عَلى هاماتِ اليَتامى والثَّكالى؟

أما حَنَّ الحَديدُ بَعْدُ؟ بلْ وَتبْرَعُ تتلهَّى! تَتَفَنَّنُ بِبَتْرِ أَعْناقِ القُلوبِ

لِنَنْزِفَنا عَلى طُرُقاتِ الهَوامِشِ/ تَغْسِلُنا بِمُنْحَدَراتِها القاحِلَةِ

وَفي عُرْيِ العَراءِ المَكْسُوِّ بِدِمائِنا/ تُ دَ حْ رِ جُ نَا

مِنْ عَلى هاوِياتٍ مَرْهونةٍ أَشْلاءَ بَشَر!

أَهُوَ الهَباءُ؟

تجْمَعُنا المُفارَقاتُ/ تَطْرَحُنا الضَّرَباتُ/ لِتقاسِمَنا رَغيفَ الحَياةِ وَالوَطن!

يوصِدُ الأَسى أَقْفالَهُ/ في مَلاجِئِ عُيونِ البَراءَةِ

يَشيبُ الصّراخُ الأبْكَمُ/ عَلى أَفْواهِ طُفولَةٍ شابَها الهَلَعُ

وَسائِدُ الضَّحايا تَتَشَرَّبُ العَويلَ الأبْكَمَ

تُعانِقُ أرْواحَ أَحْلامٍ هارِبَةٍ/ مِنْ نَواقيسَ فِرارٍ/ إلى.. كَوابيس اسْتِقْرار؟

أُمَّااااااااااهُ/ جَوْقٌ مِنَ الشّياطينِ/ يَتَهافَتُ عَلى سَحْقي.. عَلى تَمْزيقي..

لِمَ نَوافِذُ الرّهْبَةِ مُشَرَّعَةٌ في مَنافِذِ الصّمودِ؟

أَتَمُرُّ بِيَ رياحُ الرّعْبِ/ مِنْ آتِ وَحْشٍ/ يُدَنِّسُ جَسَدي الطَّاهِرَ

يَعْصِفُني.. / يَخْتَرِقُني.. / بِفَوْضى الأبالسّةِ؟!

العَتْمَة / تَ نْ ثَ ا لُ/ جَريحَةً ثَقيلَةً

عَلى أَشْباحِ المَساكين بِالرّوحِ/ عَلى جُثَثِ الأحْياء!

أيا فَجْريَ السّليبَ

آآآآآهٍ/ ما أَثْقَلَهُ الحُزْنَ!

دُروبُ المَوْتى تَتَعَثَّرُ بِقَناديلِ الظُّلْمِ المُظْلِمَةِ

تَحْنو عَلَيْها.. بِقَسْوَتِها الرّقيقةِ

تَقْتَنِصُ الأجْسادَ الضَّالَّةَ في غَياهِبِ الرّعْبِ/ بِكُتَلٍ مِنْ وَمْضٍ يَسْعُلُ

تُغْمَدُ في صَفْوَةِ صَفائِها سُيوفُ رَحْمَةٍ

اسْتَلَّتْها مِنْ غِمْدِ المَوْتِ/ لِتَنوسَ ذُبالَةُ فَوانيسِ الارْتِياح!

ارْتِياح!؟ بَلْ راحَةٌ أَبَدِيَّةٌ!

الرّوحُ تَتَبَعْثَرُ عَلى مُنْحَنى بَشَرِيَّةٍ/ غ ا صَ تْ بِأَعْماقِ مُحيطِ اللاّشُعور

اسْتِغاثاتٌ تَضِجُّ في مَفارِقِ الحَياةِ والمَوْتِ

حَناجِرُ طُفولَةٍ تُمَزِّقُها سَلاسِلُ مَسْلولَة

وَفي رَنينِ القَوافِلِ اللاّهِثةِ/ تتَلَهَّفُ قَبائِلُ القَلَقِ السّاهِمَةِ

أَنْ تُوارِيَ أَجْسادَ المَنْهوكينَ/ في الهَرَبِ/ في لحْدِ النّوْمِ المُؤَقَّتِ

لِتَبُلَّ ظَمَأَ الجُفونِ المُعَذَّبَةِ بِـ/ قَ طَ رَ ا تٍ

مِنْ نوْمٍ أَصَمَّ/ لا يَسْمَعُ أزيزَ المَوْتِ الكَفيفِ!

أَتَنْهارُ سُدودُ الحَقيقَةِ/ لِتنْقَلِبَ الأحْلامُ الخَضْراءُ مَرْتَعَ شِراكٍ؟

أَتُغْتالُ ظِباءُ المَنامِ؟/ أَتَفْقِدُ رَحْمًا تَتَناسَلُ فيهِ أَجِنَّةُ الرّحْمَةِ؟

لوْحَةٌ دَمَويَّةٌ تَجْري وَجَلا/ تَصُبُّ شَلاّلاتِ المَآسي في مَنابِع الغُرْبَةِ

وَعَلى ضِفافِ المَوْتِ/ وحينَ يَجِنُّ اللَّيْلُ/ تَتَجَنّى الصّوَرُ في مُجونِ الجُنون!

 

مروى فتحي منصور 1
مروى فتحي منصور (روائية وكاتبة من جنين – فلسطين)

الطفل الفلسطيني.. التاريخ يكتب بدمائه والكيان يحاول القيام على أشلائه

بقلم: مروى فتحي منصور (روائية وكاتبة من جنين – فلسطين)

الأطفال هم بؤرة الأرض التي تدور حولها أجنحة العطاء، وعلى هدى حركات أيديهم وشفاههم يتحدّد إيقاع الحياة.

وحيث أنَّ البشرية جمعاء، منذ بدأت الخليقة، أعطت للطفل حقوقًا بدهِيَّة وأحاطت أبناءها بوافر العطف والعناية والرعاية، معتبرة أنَّ الأطفال ليسوا كائنات مختلفة بالحجم عن البالغين فحسب إنّما كل طفل هو عالم من العمليات العقلية والعاطفية والوجدانية والنمائية المتشابكة، التي تحدّد شكل حياته ونمطها في المستقبل، وبطبيعة الحال تحدّد طبيعة المجتمع الذي يعيش فيه فيما بعد.

ونحن في فلسطين ندخل في حالة حِداد طويلة المدى بعد أن رأينا بأمّ أعيننا أطفالنا أكبادنا في قطاع غزّة يبادون باستهداف حقير بأعتى الآليات الحربية المتطوّرة التي حُشدت بعد السابع من أكتوبر (بطوفان الأقصى) إلى تلك الرقعة الجغرافية الصغيرة، وبدأت بالفتك بتلك الأجساد الصغيرة، فرأينا الآباء تتلوّى وتذوب كمدًا وهي تحمل أطفالها وأحفادها أشلاء ورمادًا في أكياس بلاستيكية، فبأيّ ذنب قُتلت تلك الأرواح؟ وبأيّ منطق تناثرت تلك الأعضاء في كل اتجاه؟ ومن بقي منهم ذوى ونحل بفعل الحصار والجوع؟ على مرأى ومسمع من العالم أجمع الذي لم يحرك ساكنا إلى يومنا هذا، متنكِّرًا لكل الشعارات التي سوَّقها الإعلام الغربي عن حقوق الإنسان والطفل، وأهمها اتفاقية حقوق الطفل المعتمدة في 20 تشرين الثاني/ نوفمبر 1989 والذي جاء فيها: “تتعهّد الدول الأطراف بأن تضمن للطفل الحماية والرعاية اللّازمتين لرفاهه، مراعية حقوق وواجبات والديه أو أوصيائه أو غيرهم من الأفراد المسؤولين قانونًا عنه، وتتّخذ، تحقيقًا لهذا الغرض، جميع التدابير التشريعية والإدارية الملائمة”، فأين جميع الأطراف المتنازعة عن هذه التدابير؟ حيث كان الطفل الغزّي في خطّ المواجهة الأولى بين الطرفين؟

أعلنت الأمينة التنفيذية للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) “رولا دشتي” أنّ عدد الأطفال الذين استشهدوا في قطاع غزّة خلال شهر، فاق العدد الإجمالي للأطفال الذين قتلوا في الصراعات المسلحة في 22 بلدًا منذ 2020، قال الجهاز المركزي للإحصاء، إنّ قوات الاحتلال تقتل حوالي 4 أطفال كل ساعة في قطاع غزّة، ويعيش 43349 طفلًا دون والديهم أو دون أحدهما، بسبب العدوان الصهيوني المتواصل على قطاع غزّة لليوم الـ 181.

وأوضح الإحصاء في بيان صدر عنه، لمناسبة يوم الطفل الفلسطيني، أنّ ما يزيد على 14350 شهيداً من الأطفال ويشكلون 44% من إجمالي عدد الشهداء في قطاع غزة، كما شكّل كل من النساء والأطفال ما نسبته 70% من المفقودين في قطاع غزّة، نتيجة العدوان الصهيوني، والبالغ عددهم 7000 شخصًا.

وحسب جهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فقد بلغ عدد الشهداء الأطفال في الضفة العربية 116 طفلًا شهيدًا، وهذا يدلّ على أنّ إدارة الكيان الصهيوني تستهدف الطفل الفلسطيني بشكل خاص، فما بين شهيد ومعتقل وحصار لمدارس.. تتنوّع ألوان العقاب الجماعي الذي تفرضه على أطفالنا في الضفة الغربية، ويطلب بعد ذلك من هذا الطفل أن يؤمن بخيار السلام ويسعى باتجاهه.

ومن هذا المنطلق، تسعى المنظمات والمؤسسات والجمعيات الأهلية في فلسطين إلى تخفيف آثار الحرب والحصار والاقتحامات على فئة الأطفال الذين واجهوا صفعة قوية على طفولتهم أينما كانوا في فلسطين، فهم لا يسمعون عن العدو ولا يقرأون عنه بل يرونه بأعينهم، ويواجهون أصعب فترة اقتصادية مرّت عليهم في حياتهم القصيرة، بعد الحصار الاقتصادي الذي تفرضه إدارة الكيان على حدودها وبفعل الحواجز المترامية بين المدن الفلسطينية، وتعيق حركة العمال والمواطنين، ناهيك عن الحصار المالي على أموال المقاصة الفلسطينية والتي تعيق دفع رواتب الموظفين الحكوميين في البلاد.

ومن هذه الجمعيات التي أردنا تسليط الضوء عليها بهدف محاكاتها ودعمها، جمعية ناشئة في الخامس والعشرين من آذار/ مارس من 2024م، اسمها “جمعية نادي الطفل الفلسطيني الخيريّة”، وهي منظَّمة غير ربحية تعمل في محافظة “جنين”، وتهدف إلى تقديم الدعم والرعاية للأطفال الفلسطينيين المحتاجين وذوي الاحتياجات الخاصة.

تركِّز الجمعية على توفير الرعاية الصحية، والتعليم، والدعم النفسي والاجتماعي للأطفال في المنطقة. كما تسعى الجمعية إلى تعزيز حقوق الطفل وتوفير بيئة آمنة وصحية لتنمية الأطفال وتحقيق إمكاناتهم الكاملة.

مهمّة جمعية نادي الطفل الفلسطيني الخيريّة في محافظة جنين تتمثل في: تقديم الدَّعم الشامل للأطفال الفلسطينيين المحتاجين وذوي الاحتياجات الخاصة في المنطقة، وتوفير الرعاية الصحية الأساسية والتّوعية بالصحة للأطفال وعائلاتهم، وتعزيز التعليم والتعلم للأطفال من خلال توفير فرص تعليمية جيدة ومناسبة، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال للمساعدة في تعزيز صحتهم النفسية وتطويرها، والعمل على تعزيز حقوق الطفل وضمان حياة كريمة وآمنة لهم.

وتسعى الجمعية إلى تشجيع المشاركة المجتمعيّة وتعزيز التّفاعل الإيجابي بين أفراد المجتمع من أجل دعم وتطوير بيئة صالحة لتنمية الطفولة.

بشكل عام، تهدف مهمّة الجمعية إلى تحسين جودة حياة الأطفال في محافظة “جنين”، وتأمين حقوقهم الأساسية في الصحة، والتعليم، والرعاية الاجتماعية.

وتتّخذ الجمعية رؤية سامية مستقبليّة تتمثّل في بناء مجتمع متكافل يحترم حقوق الأطفال ويوفّر بيئة آمنة ومحفِّزة لتنمية قدراتهم، من خلال تعزيز التعاون والشراكات المستدامة وتوفير الدعم الشامل لتحقيق حياة كريمة ومستقبل واعد للأطفال في المنطقة.

ولعل هذه الأهداف كانت وليدة الحاجة التي لاحظها القائمون على الجمعية نتيجة الظروف المستجدة، وتزايد أعداد أبناء الشهداء والمعتقلين في المدينة، وتزايد حالات الفقر نتيجة توقّف عجلة العمل بعد الحرب وتعطل الحركة الاقتصادية في المدينة بعد الحرب، وتزايد عدد الاقتحامات وحجمها ونوعيتها من قِبل الجيش الصهيوني للمدينة.

وفي الخامس من نيسان/ أفريل باشرت الجمعية بأولى نشاطاتها والتزاماتها تجاه الأطفال في المدينة بمناسبة حلول عيد الفطر، فوزّعت كسوة العيد على 140 طفلًا يتيمًا وابن شهيد ومحتاج في المدينة، كما وزّعت كعك العيد على أسر وأطفال الشهداء في مخيّم “جنين”.

هذا وتهتم جمعية العمل النسوي في “جنين” بإعطاء الأطفال حصّتهم من الرعاية منذ سنوات، حيث أنشأت ما يُسمّى بـ “البيت الدافئ” الذي يضمُّ مخيّمات صيفيّة وأنشطة تعليمية وترويحيّة ترفيهيّة لأبناء مخيّم “جنين”، ويقدّم مسرح الحرية في مخيّم “جنين” أنشطة مماثلة ونوعية لأبناء المحافظة.

ورغم هذا الجانب العملي المشرق بأياد مشرقة منيرة لأبناء فلسطين في خدمة بنيهم ورعايتهم إلّا أنّ الطفل الفلسطيني ليس بخير، ويمرّ عليه يوم الطفل الفلسطيني الذي يصادف في الخامس من نيسان/ أفريل وهو في حالة قلق واضطراب وترقُّب، كما مرّ عليه العيد وسط ضجيج الخوف وهدير الطائرات الحربية التي تحتلّ سماءه، وتستوطن محيطه، وتقيّد حركته، فتمنعه من التنقّل واللعب والحياة بشكل مستقر وآمن.

والسؤال الموجع هو: لِم التنكر لحقوق الطفل الفلسطيني رغم التزام فلسطين باتفاقية حقوق الطفل الدولية في مؤتمر الطفل الأول، وتمت المصادقة الرسمية لدولة فلسطين على اتفاقية حقوق الطفل الدولية في 2 نيسان/ أفريل 2014م؟ لماذا لا تحاسب إدارة الكيان الصهيوني على انتهاكاتها المتكررة لتلك المواثيق الدولية والأعراف الإنسانية؟ فإدارة الاحتلال الصهيوني تضرب بعرض الحائط بكافة المواثيق والأعراف الدولية؛ فتستهدف أطفال فلسطين بالقتل والاعتقال، والحرمان من أبسط الحقوق؛ وتقتل الأطفال حتى وهم في أحضان ذويهم، كما حدث مع الشهيد “محمد الدرّة”؛ كما يخطف المستوطنون “الإسرائيليون” الأطفالَ ويحرقونهم أحياء، كما حدث مع الطفل المقدسي “محمد أبو خضير”؛ إضافة إلى أن الأطفال الرُّضع يُحرقون وهم نيام على أيدي المستوطنين، كما حدث مع “سعد دوابشة” وعائلته في قرية “دوما”.

ولا يستطيع الأطفال في “غزّة” مواصلة تعليمهم بسبب حرب الإبادة التي تُشنّ عليهم، والعملية التعليمية في الضفة الغربية مرتبكة بسبب الاقتحامات المتكررة للمدن والقرى الفلسطينية، دون أيّ مراعاة لخصوصية الأطفال في المدارس، كما حدث في “جنين” في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام المنصرم، حيث حُوصرت 6 مدارس داخل مخيّم “جنين” وفي المناطق المتاخمة له، وبقي الطلّاب والطاقم التدريسي بداخلها لأكثر من 6 ساعات متواصلة، وبحسب وزارة التربية والتعليم فإنّ 3500 طالبًا وطالبة حوصروا في مدارسهم، إلى أن سُمح لمحافظة “جنين” – بتنسيق من الارتباط الفلسطيني – بإرسال حافلات لنقل الطلّاب من المدارس إلى أماكن قريبة من ملعب بلدية المدينة، حتى انسحاب قوات الاحتلال بشكل كامل في وقت متأخّر من الليل، ممّا أثّر نفسيًّا على الطلّاب والأهالي، وخلق ثقافة الخوف من الوصول إلى المدرسة عندهم.

السؤال الذي يئنُّ في ضمائرنا في يوم الطفل الفلسطيني: أليس أطفال فلسطين كباقي أطفال العالم؟! أليس من حقهم العيش بأمن وأمان واستقرار والحصول على كافة حقوقهم؟! لذا يجدِّد أطفال فلسطين في يوم الطفل الفلسطيني من كل عام مناداتهم الضميرَ العالمي ليوفِّر لهم العيش بحريّة وكرامة كسائر أطفال العالم.

 

سميح أبو زاكية e1714003932829
سميح أبو زاكية (مدير مركز فنون الطفل الفلسطيني)

صرخة “جرنيكا” فلسطين..

بقلم: سميح أبو زاكية (مدير مركز فنون الطفل الفلسطيني)

الفنان العالمي “بابلو بيكاسو” كان خير من عبر عن وحشية القتل الهمجي البربري الذي اقترفته الجيوش النازية بحق قريته “جرنيكا” في إسبانيا، فلقد صرخ عبر هذه اللوحة الموجودة الآن في قاعة الأمم المتحدة والشهيرة باسم “جرنيكا” والتي ملأها بأشلاء البشر جرّاء القصف الهمجي النازي للمدنيين من أطفال ونساء وشيوخ.. صرخة الإنسان إلى ضمير الإنسانية بوقف سفك الدماء.. ووقف الحرب. ولم يخصّص “بيكاسو” في لوحته نوع الدماء التي تم سفكها إذا كانت للكبار أم للصغار…

وبعد مرور وقت من الزمن على قصة بشاعة القتل التي اقُترفت في قرية “جرنيكا” بإسبانيا، أصبحت اللوحة الآن دعوة للسلام بين أبناء البشر، ودعوة لتجنّب ويلات الحروب وكراهية الإنسان لأخيه الإنسان..

ويبدو أنَّ “جرنيكا” تعود الآن إلى فلسطين لتسجِّل بشاعة القتل الهمجي البربري بحق أبناء الشعب الفلسطيني وبالذّات الأطفال الذين يقتلون بدم بارد وبطريقة أكثر بشاعة ممَّا اقتُرف في قرية “جرنيكا”!

والســــؤال: كيف يمكننا وقف هذه المشاهد المروِّعة لقتل الأطفال الأبرياء؟ وكيف يمكننا وضع حدٍّ لنزيف الدم الفلسطيني ودماء الأطفال؟! وكيف نستطيع أن نصرخ في وجه القتلة الذين لا يرأفون ولا يرحمون صرخات الأطفال وصيحاتهم؟! كيف نقنع البرابرة الجُدد، برابرة القرن الواحد والعشرين بضرورة وقف سفك دماء الأطفال…؟!

ويبدو أنَّ بربريّة القتل، وقتل الأطفال بــالذات، سياسة همجية جديدة لن يستطيع “بابلو بيكاسو” أن يعبِّر عنها في لوحة جديدة، فهي تتفوّق في همجيّتها على ما أقتُرف بحق قرية “جرنيكا”. والغريب أنَّ الدماء المُخصّصة لأن تُسفك هي دماء أطفال الشعب الفلسطيني التوّاق للحرية والخلاص والعيش بأمن وأمان وسلام وحرية..

أنّني أكرّر صرخة الفنان العالمي “بابلو بيكاسو” بصرخة جديدة، صرخة “جرنيكا” فلسطين.. كفاكم سفكًا للدماء. كفاكم قتلاً. كفاكم.. دماء الأطفال التي تلطّخ أياديكم بالسّواد. كفاكم أن يُطلق عليكم لقب (قتلة الأطفال).. وقتل الأطفال لن يجلب لكم السلام، فالسلام يبدأ من سلام الأطفال..

 

أطفالنا آمالنا في التّحرير وصناعة المُستقبل

هل يعقل أن يُقتل 14 ألف طفل فلسطيني بدم بارد في ظل عدوان بربري على قطاع غزة! ما ذنب هؤلاء الأطفال الذين يعيشون في ظروف استثنائية معقدة ومؤلمة ومبكية… حيث تؤثِّر الحروب المستمرة على حياتهم اليومية بشكل كبير.

هؤلاء الأطفال يواجهون العديد من التحديّات منذ الولادة، بما في ذلك القتل، والحصار، والقيود المفروضة على حركتهم وتنقلهم وتعليمهم. وكذلك الوضع الصحي والتعليمي لأطفال فلسطين يُعتبر من الأمور المؤلمة، حيث يتمُّ تقييد الإمكانيات المتاحة لهم وبذلك تحدّ من فرصهم في مستقبل أفضل.

هذا هو الاحتلال الصهيوني الذي لا يتوانى أن يجعل الأطفال هدفًا رئيسيًّا في الحرب البربرية التي يشنّها على الشعب الفلسطيني في غزة …من جهة أخرى تقف منظمات حقوق الإنسان ومنظمات حقوق الأطفال موقفًا سلبيًّا، فالبرغم من نداءات وقف قتل الأطفال وحماية المدنيين ووقف الحصار وسياسة التجويع..  إلَّا أنّ تأثير هذه المنظمات الدولية أقلّ ما يوصف بأنّه خجول ولا يرتقي إلى الضرورات التي يتوجب عليها القيام بها من أجل وقف سفك دماء الأبرياء من الأطفال ووقف معاناتهم..

لكن الحاجة ما زالت ماسّة للمزيد من الدعم الدولي والوعي بحقوق الطفل في فلسطين. من المهم التركيز على ضمان حقوقهم في الحياة، الصحة، التعليم والأمان، والعمل على إنهاء المعاناة التي يكابدها هؤلاء الأطفال يوميًّا في قطاع غزّة الحبيب من سياسات التّجويع والتّهجير القسري.. هذه هي حياة أطفال فلسطين، التي تتطلب اهتمامًا وجهودًا مستمرة من الجميع لمساعدتهم على بناء مستقبل أفضل.

دعونا نواصل استكشاف الواقع الذي يعيشه أطفال فلسطين وكيف يمكن للمجتمع الدولي أن يلعب دورًا فعّالاً في دعمهم. في فلسطين وبالتحديد في قطاع غزّة، يعاني الأطفال من العديد من الانتهاكات التي تؤثِّر على حقوقهم الأساسية. يتعرّضون للقتل والعنف والتهجير وفقدان أفراد الأسرة، ممّا يؤثر على صحّتهم النفسيّة والعاطفية بشكل كبير. هذه الآثار قد تمتدُّ لتشكِّل تحديّات جسيمة في مراحل حياتهم اللاحقة.

على الصعيد التعليمي، تعاني المدارس في فلسطين من نقص في الموارد والتجهيزات، وفي قطاع غزّة تعرّضت المؤسسات التعليمية إلى الدمار والتخريب، وهذا يحول دون حصول الأطفال على التعليم خلال السنوات المقبلة.. التعليم ليس فقط حقًّا أساسيًّا، بل هو أساس التنمية والتقدم لأي مجتمع.

من المهمّ أن يستمر الدعم الدولي للمؤسسات التي تعمل على حماية وتعليم أطفال فلسطين. يمكن للتبرُّعات والبرامج التعليمية ومشاريع البنية التحتيّة أن تُحدث فرقًا كبيرًا في حياة هؤلاء الأطفال في المستقبل، وخاصة في قطاع غزة..  كما ينبغي على المجتمع الدولي أن يلعب دورًا أكثر فاعليّة في الدفاع عن حقوق الطفل وضمان تطبيق القوانين الدولية لحماية هؤلاء الأطفال وتطبيق المواثيق التي تكفل حماية الأطفال في الحروب.

رغم من هذه التحديّات، يظهر أطفال فلسطين قوة ومرونة لافتة، يشارك العديد منهم في أنشطة وبرامج تهدف إلى تعزيز مهاراتهم وقدراتهم الشخصية والأكاديمية، الأمر الذي يُظهر قوة الروح الإنسانية والرغبة في السعي نحو حياة أفضل.

أطفال فلسطين هم شهود على الصّراعات والتحديّات ولكنهم أيضًا رمزٌ للأمل والإمكانيات اللامتناهية للتغيير نحو الأفضل. من خلال الدعم المستمر والاهتمام بقضاياهم، يمكننا أن نساهم في بناء جيل جديد يحمل طموحات عالية لنفسه ولوطنه.

ورغم كل المعاناة التي يعيشها أطفال فلسطين إلّا أنّ الأطفال في فلسطين لديهم قدرة مذهلة على الصّمود والتحمّل. فرغم الظروف الصعبة، يحاول هؤلاء الأطفال العثور على الفرح واللعب والتعلّم، والحفاظ على الأمل في حياة أفضل. والعالم ينظر إلى هذه الإرادة بإعجاب، ويسعى الكثيرون إلى دعمهم من خلال مبادرات التعليم والرعاية الصحية والحماية..

 

بيان أطفال “مركز فنون الطفل الفلسطيني”.. من أطفال فلسطين إلى كل العالم

رام الله: في غمرة الأحداث الجسيمة التي يواجهها الشعب الفلسطيني وأطفاله في قطاع غزة والضفة الغربية، ونحن على أعتاب مائتي يوم على الحرب البربرية على الشعب الفلسطيني في غزّة هاشم والضفة الغربية، وجه أطفال “مركز فنون الطفل الفلسطيني” في فلسطين نداءً من أجل الحياة إلى أطفال العالم، والى أصحاب الضمائر الحيّة وإلى كل الحكومات والمنظمات الدولية التي تُعنى بحقوق الأطفال. وفيما يلي نص البيان، من أطفال فلسطين إلى كل أطفال العالم:

إلى كل ضمير حيّ يؤمن بحرية الإنسان وحقوقه، إلى كل الحكومات والمنظمات الدولية التي تعنى بحقوق الأطفال.

نحن أطفال فلسطين صُنّاع المستقبل القادم وأمل الغد، التوّاقين إلى العيش بحرية وكرامة وسلام في وطننا العزيز فلسطين.

نحن أطفال فلسطين الذين حُرموا من معنى الطفولة ويفتقدون إلى الأمن والأمان والسلام والحماية، والذين يحلمون بغد أفضل وحياة كريمة بعيدة كل البعد عن ويلات الحروب والعنف والدمار والقتل والتشرد والحرمان من العدل والسلام.

نناشد المجتمع الدولي، ونناشدكم شعوبًا وحكومات ومنظمات دولية تُعنى بحقوق الإنسان وحقوق الطفل للتدخّل العاجل لوقف الممارسات الوحشية التي يقوم بها الاحتلال الصهيوني ضدَّ أبناء الشعب الفلسطيني، ولا سيما ما نتعرض له نحن الأطفال في قطاع غزّة والضفة الغربية، حيث قُتل ما يزيد على 14 ألف طفل وجرح الآلاف، وما زال الاحتلال يستخدم ضدّنا قوة عسكرية ضخمة تشمل كل أنواع الأسلحة.. هذه القوة ضدّ أبناء شعبنا الفلسطيني الأعزل، حيث قُتل الآلاف وجرح الآلاف، وتمّ هدم البيوت والمؤسسات التعليمية والمؤسسات الصحية والمستشفيات والجامعات والمساجد والكنائس والمؤسسات الثقافية والمكتبات العامة، وترحيل المواطنين من بيوتهم، وتدمير المزروعات وقتل آلاف الأطفال الأبرياء.

وانتهك الاحتلال الصهيوني كل المواثيق والأعراف والشرائع السماوية والقوانين الدولية والإنسانية الخاصة بحماية المدنيين وقت الحرب، ولا سيما حقوق الأطفال وحمايتهم أثناء النزاعات وفي الحروب.

ومن هنا فإنَّنا نطالب المجتمع الدولي وهيئاته المختلفة بالعمل على ما يلي:

1- وقف الحرب فورًا التي يشنّها الاحتلال على الشعب الفلسطيني وأطفاله، حتى يتمكّن الأطفال من العودة إلى مدارسهم ومؤسساتهم التعليمية والعيش بسلام.

2 – نطالب بالحماية الدولية للأطفال، وتطبيق المواثيق والقوانين الخاصة بحماية المدنيين والأطفال وقت الحرب.

3 – نطالب بوضع حدٍّ لاحتلال أرضنا الفلسطينية وتطبيق قرارات الأمم المتحدة.

4 – نطالب بوقف سياسة التجويع والحصار على المواد الطبية ومواد الإغاثة والوقود..

5 – إنَّ الحق في العيش في وطن حر ومستقل وآمن هو حق لنا نحن أطفال فلسطين حتى نتمكَّن من العيش مثل باقي أطفال العالم، ونطالب المجتمع الدولي التدخّلَ لإقامة الدولة الفلسطينية، باعتبارها الوطن للشعب الفلسطيني، ومنح الحقوق الكاملة للشعب الفلسطيني على تراب وطنه.

 

محمد ياسين رحمة - الجزائر

محمد ياسين رحمة - الجزائر

اقرأ أيضا