انكشاف العورات والفضائح بالمجان.. مسؤولو المستقبل في أمريكا ضد أمريكا!

أكثر ما تخشاه وترتعب منه الأنظمة الحاكمة غربية كانت أو عربية، ديمقراطية هي أو ديكتاتورية، انتفاضة النخبة، وما يعني ذلك من ثورة “نخب” وتغيير جذري لا يكتفي بفتات  استبدال الديكور الخارجي، ولكنه يمس “ميكانيزمات” النظام في حد ذاته؛ ولأنّ مشتلة أي “نخبة” وزرعها هي أسوار الجامعة، فإنّ الخطر الحقيقي الذي تعرفه الأنظمة الحاكمة على مختلف توجهاتها ومشاربها وولاءاتها السياسية، هو الحراك الجامعي، وما يعني من أفول توجّهات وسطوع أخرى، لذلك، فإنّ إستراتيجية تحييد المجتمعات الجامعية، داخل منظومات الحكم، ديكتاتورية كانت أو ديمقراطية، وعبر تعويم النخب الجامعية في التفاهات من جهة وإغراقها في سفاسف الأمور بعيدا عن أي أهداف حقيقية، من جهة أخرى، كانت، أي تلك الإستراتيجية، ولا تزال رهانا مرتبطا بلعبة الأنظمة في إقالة ثورة “العقول” وتغييب أي أثر أو تأثير لها داخل مجتمعاتها.

لكن بين ذلك الحال الذي نراه بالذات في مسمّى “الجامعات” بالدول العربية، والتي لم تعد تنتج من مسمّى “النخبة” إلا جيوش البطالين المدجّجين بشهادات “الخواء” التي لا تغني ولا تسمن من جوع، وبين حقيقة ما يجري الآن في الجامعات الأمريكية من ثورة، حرّرت طلبة أمريكا من “طوق” التبعية للوبيات الصهيونية الحاكمة والمتحكّمة في قرار البيت الأبيض، فإنّ الثورة الطلابية بأمريكا اليوم، ليست فقط انتصارا لقضية إنسانية تسمّى “غزة” وأطفال ونساء وشيوخ غزة، ولكنها انتصار لأمريكا ذاتها من عصبة صهيونية، كانت ولا زالت هي مصدر قرارها المتحكم في معيشة الأمريكيين وتوجهاتهم وحياتهم، لتكون “غزة” هي القشة التي قصمت ظهر “الثور” الأمريكي الهائج، وليس ظهر البعير الأعرابي الخانع، وتكون مأساة أطفالها هي المحطة الفارقة في تاريخ تآمر أمريكي مفضوح مع كيان صهيوني غاشم، تمخّض “عبثه” على ثورة طلاب ونخبة، أخرجوا كل تراكمات الصهيونية الحاكمة، ليصرخوا في منظومة بيت العم “سام”، أنه آن لأمريكا، وليس لفلسطين فقط، أن تتحرّر من اللوبيات الصهيونية الحاكمة ليستعيد الشعب الأمريكي حقه في حُكم نفسه بنفسه..

ما يجري في أمريكا من انتفاضة ، والأصح ثورة، جامعية أبطالها نخبة من دكاترة وطلبة ومجتمع مثقف، هو أخطر ما حدث حتى الآن في معادلة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ومكمن الخطورة في ذلك التحوّل الحقيقي للصراع الذي انتقل من ساحة غزة إلى ساحات الجامعات الأمريكية، تجلى، ليس فقط في الطريقة البوليسية المجنونة التي داهمت بها الشرطة الأمريكية الحرم الجامعي في أكثر من واقعة اعتقالات وسحل وصدام مع الطلبة المحتجين، ولكن في انتقال الرعب إلى داخل “إسرائيل” ذاتها، حيث لم يتردد، رسميا، جهاز “الموساد” في تهديد وتحذير الطلبة الثائرين من مغبة موقفهم ضد الصهيونية، مستعملا لغة الوعيد العلني للمحتجين، وذلك من خلال موقف الموساد الذي أعلن عنه في صفحته الرسمية على الفايسبوك، حيث كتب قائلا: “حذار، إنّ نظام التعرف على الوجه يمكن أن يحدّد ما إذا كنت قد شاركت في الاحتجاجات بالجامعات. وظائفك وشهاداتك ستصبح عديمة القيمة. فرصك في التوظيف ستكون محدودة”.

وهو التصريح أو التهديد، الذي يكشف إلى أي مدى وصل الرعب الإسرائيلي من “حراك” الجامعات الأمريكية وتداعيات ذلك، ليس فقط على وجود “إسرائيل” كدويلة بالأراضي المحتلة، ولكن عن فقدانها لمراكز تحكّمها في القرار الأمريكي، حيث، حتى نتنياهو المكابر بوحشيته، والذي ظلّ ساخرا من أي تحرك غربي أو عربي، وجد نفسه في حالة ثورة “الطلاب” الأمريكية، يفقد جنون عظمته، ليغازل الطلبة المحتجين من جهة، وليطلب من البيت الأبيض التحرّك بقوة لإخماد بذور ثورة يعلم أنها لن تنتهي بسقوطه فقط، ولكنها سترسو على نهاية “إسرائيل” بأمريكا  قبل فلسطين نفسها..

ما يؤكّد مستوى الرعب الذي اعترى الإدارة الأمريكية من جهة ودويلة الكيان الصهيوني من ضفة وجهة أخرى، جراء حراك الجامعات الأمريكية، أنّ الطبقة السياسية في تكتل “الصهيونية” العالمية، تعرف جيدا، أنّ ثورة الطلاب بأمريكا، ما هي إلا مقدّمة لثورة طلابية في كافة الجامعات الأوروبية، ما لم تتم محاصرتها مسبقا، حيث أنّ العدوى التي انتقلت من جامعة إلى أخرى لن تتوقف عند حدود أمريكا إلى أوروبا، وهو ما حدث في ثورة الطلاب سنة 1968،

التي بدأت في أمريكا ثم انتقلت إلى ألمانيا لتمتد إلى إيطاليا ففرنسا، واحتلال الطلبة لجامعة السوربون، ورغم أنّ الانتفاضة تمّ قمعها حينها، إلا أنّ الدرس ظلّ عالقا، على أنّ الخطر الحقيقي الذي يهدّد منظومة الحكم المعولمة، هو الجامعة وما تحتوي من “نخبة” يمكنها أن تخلّ بكل التوازنات والحسابات السياسية، لتعيد صياغة قبل الأسئلة، الأجوبة عما يجب أن يكون عليه العالم، وليس عما أريد له أن يكون كحالة اليوم وفوضاه المعلومة..

الغريب بل المؤسف والمخزي في التحوّلات التي تجري، أنه في الحين الذي لا زالت فيها أنفاس العالم مشدودة ومشدوهة مع ما يتشكّل من تغيير في “البنية” الذهنية الأمريكية منها والغربية، نتاج ثورة “النخبة” بأمريكا والغرب، فإنه في الضفة الأخرى للخذلان العربي، فإنّ مسمى الجامعات العربية في مختلف دول الخم الأعرابي، لا زالت هي الصورة البائسة لنخب بلا أثر ولا تأثير، فباستثناء أنّ مسمّى “الجامعات” العربية، ليست إلا هياكلا خاوية على عروش نخبتها، فإنه لا أمل في نخب “تابعة” ومستكينة بل ومباركة لأنظمة عارها في كل المحطات التاريخية.

وهي البضاعة التي نرى في خواء عربي، لم يعد مختزلا فقط في عمالة وخيانة أنظمة، ولكن في نخب “جامعية”، أضحت هي المؤطر للخذلان والمدافع عن استمرارية أنظمته، والنتيجة أنّ ما تعيشه الجامعات الأمريكية من حراك “إنساني” وثوري، لصالح مأساة غزة أولا ثم لصالح مقومات أوطانها وشعوبها ثانيا، نرى نقيضه في الأوطان العربية، فلا الشعوب شعوب ولا النخبة نخبة ولا الجامعة كما جوامع العرب منبرا ولا منابرا للتغيير والعطاء وطرح البديل، فقط، التبعية السياسية لأنظمة الحكم وللسلاطين والملوك، من تحدّد توجهات النخبة العربية وتؤطرها وفق مقتضى ما يراه ولي الأمر من مصلحة لدوام نظامه وسلطانه.

وهو الفارق بين “نخبة” هي “النكبة” في الأوطان العربية، وبين “نخبة” هي التغيير الذي يصنع الفارق في الجامعات الغربية والأمريكية، كما يظل الكابوس الجاثم على أنفاس الأنظمة هناك، حيث يكفي أن تتحرّك النخبة، حتى ينتهي زمن الساسة والسياسة والصفقات السياسوية، والنتيجة، أنّ الجامعات الغربية، وعكس هجين الجامعات العربية، تنتج خاما من المجتمعات الواعية بمصالح أمتها، فيما هجيننا لا ينتج من الوعي إلا مسمّى “النكبة” التي تعني النخبة المستلبة، والراضية بقدر السلطة والسلطان..

الفرق بين نخبتهم و”نكبتنا”، بين أن تكون صورة للوعي وللمسؤولية وللقيم المجتمعية التي تؤمن بها وليس تقرأها فقط ، وبين أن تكون صفقة في سوق “التبعية”، ذلك الفرق، تجسّده صورة رئيسة قسم الفلسفة بجامعة إيموري الأمريكية “نويل مكافي”، وهي تتعرّض للتعنيف والجرّ من طرف الشرطة الأمريكية، نتيجة موقفها المدافع عن فلسطين وعن وجه أمريكا الحقيقي، فيما في الضفة الأخرى لمواقف العار، صورة رئيسة جامعة كولومبيا المدعوة “نعمت شفيق” المصرية، وهي تفتح أبواب الجامعة أمام قوات القمع، لاعتقال الطلبة ووقف الاحتجاجات المؤيّدة للقضية الفلسطينية، والتي انتهت بتلك الدكتورة المستلبة، للوقوف أمام “عار” موقفها بالكونغرس الأمريكي، الذي دعا إلى إقالتها من منصبها، رغم أنّ موقفها المخزي، كان لصالح “إسرائيل”.

والغريب أنّ من طالبت بإقالتها من منصبها ليست إلا النائبة الصهيونية “ليز ستيفانيك”، ولنا أن نتصوّر حجم المهانة أن يبصق في وجهك من خنت وبعت أمتك من أجله، لكنها قاعدة أنّ “خونة” أهلهم، مصيرهم، أن يدوس عليهم من كانوا له عونا ضد أبناء جلدتهم، حيث واقعة نابليون بونابرت مع الضابط النمساوي، الذي سلّمه مدينته، لا زالت تؤكد أنّ الخونة يمكنهم أن ينالوا سعر خيانتهم، لكنهم لن ينالوا احترام من باعوا أهلهم من أجله، وهو ما قاله نابليون بونابرت للضابط النمساوي، حين قدّم، هذا الأخير، يده للإمبراطور مصافحا، فما كان من نابليون إلا أن رمى له بكيس نقود على الأرض، قائلا له: “يدي لا تعطي شرف المصافحة لمن يبيع بلاده، خذ ثمن خيانتك لأهلك وانصرف”، وهو الحال ذاته والصورة نفسها مع نوع “نعمت شفيق” من نخبة عار عربي، انتهى بها المطاف لأن تعيش بوشم الخيانة، فلا هي ببلح الشام ولا بعنب اليمن..

آخر الكلام والمطاف، في ثورة العقل بالجامعات الأمريكية، أنّ الانتفاضة الطلابية، لم تعد تخصّ فقط موقف البيت الأبيض من إبادة غزة، ولكنها، أي ثورة العقل الجامعي، أصبحت ثورة وعي عارمة، يجسّدها تصريح أحد النشطاء النافذين داخل الحزب الجمهوري المدعو “تيك فو ينتيس”، والذي انتهى لوصف أمريكا بالزبالة، نتاج ارتمائها في أحضان الكيان الصهيوني، حيث اختزل المعني موقفه بقوله: “اليهود يسيطرون على أمريكا، هم يديرون وزارة الخارجية، يديرون بنك الاحتياطي الفيدرالي، يديرون البنوك، يديرون هوليوود، يديرون تلك الأشياء.. بلادنا زبالة، لأنهم هم من يسيرونها”.

والنتيجة من كل ما سبق، أنها أمريكا “الزبالة”، من آن لها من خلال نخبتها الجامعية الثائرة أن تنظّف بيتها الأبيض من لوبياته اليهودية أو تنقرض، وذاك طبعا، قرار، يسمّى في عرف التاريخ، دورة الحضارة، التي وصلت إليها بلاد العم سام بسبب “غزة”، كانت هي عنوان الوعي العالمي ولا زالت هي طوفان الصمود الذي ألغى كل ما قبله وما بعده من خرافة آل “ثور” و”عجل”.

أسامة وحيد - الجزائر

أسامة وحيد - الجزائر

اقرأ أيضا