بثبات الشجعان.. عيد غزة يبتسم في وجه الأعداء

رغم أنّ “العرب” – باستثناء الشرفاء منهم – تخلّوا عن غزة في أوجّ مأساتها، بل إنّ بعضهم تواطأ ضدّها، لكن غزة – بكرمها ونبلها وشهامة أهلها وشجاعة رجال المقاومة لديها – رفضت أن تتخلّى عنهم، فقد لملمت جراحها وكتمت آلامها العميقة وابتسمت يوم العيد، رحمة بهم، لإدراكها بأنّ المهانة تفتك بهم من الداخل، ومشاعر الخنوع تعصف بهم، لقد كانت بدرجة عالية من الكبرياء ما أتاح لها أن تتجاوز عنهم وتغفر لهم، فلا يستحق العاجز – من المقتدر – إلا التضامن، ولا يليق بالمنكسر – أمام سيد الشموخ – إلا الشفقة، إنه منطق التاريخ الذي أنصف غزة حين انحنى أمام عظمتها وقوة إرادتها بصنع أمجاد معركة “طوفان الأقصى”، وبالمقابل، وضع العرب المهرولين في قائمة المغضوب عليهم تحت عنوان: اللعنة عليكم.

=== أعدّ الملف: حميد سعدون – منير بن دادي – سهام سوماتي ===

غدر العرب وخيانتهم وتخلي المجتمع الدولي عن مسؤوليته، وهجمات قوات الاحتلال ضدّ مساجد غزة، لم يمنع الأهالي من الاحتفال وإقامة صلاة عيد الفطر – تحت الأمطار – في مخيم جباليا شمالي القطاع، وفوق ركام مسجد الفاروق برفح، وفي مراكز الإيواء بقطاع غزة.

لقد تعالت تكبيرات العيد بمحيط مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح، وحتى الأطفال لم يستطع الاحتلال الصهيوني سلبهم براءتهم، فبالرغم مما عاشوه وشاهدوه من قتل وتدمير، إلا أنهم احتفلوا بالقدر المتاح لهم، إذ أظهرت مقاطع فيديو فرحة الأطفال وارتداءهم ملابس نظيفة واللعب بين الركام فرحا بالعيد.

على الرغم من المآسي والآلام والدمار الذي يُحيط بهم من كل مكان، أصرّ سكان غزة على الاحتفال بعيد الفطر المبارك، فأدوا صلاتهم على أنقاض المساجد والبيوت المدمّرة، واستذكروا أحبابهم الأموات منهم والأحياء، وعاشوا لحظات نادرة من الفرح في ظلّ حزن وألم غامرين، لا يفارقان السواد الأعظم من أبناء القطاع المحاصر.

وأقام مئات آلاف الفلسطينيين في محافظات غزة، يوم الأربعاء الماضي، صلاة عيد الفطر المبارك فوق أنقاض مساجد دمّرتها قوات الاحتلال الصهيوني ضمن حرب إبادة متواصلة على القطاع منذ 6 أشهر، ففي مساجد مدينة رفح (أقصى الجنوب)، أقام الفلسطينيون صلاة العيد وصدحوا بالتكبيرات فوق أنقاض المساجد، بينها كل من مسجد الهدى والفاروق.

وأقام مئات آلاف الفلسطينيين في محافظات قطاع غزة صباح الأربعاء صلاة عيد الفطر المبارك فوق أنقاض المساجد التي دمّرتها قوات الاحتلال خلال حرب الإبادة المتواصلة على القطاع منذ 6 أشهر.

وفي مدينة خان يونس، أدى عشرات الفلسطينيين صلاة العيد داخل المستشفى الأوروبي، عقب تدمير معظم المساجد في المدينة جراء الهجمات الصهيونية، وفي شمال القطاع، أقيمت صلاة العيد على أنقاض مساجد مدمّرة وفي ساحات مراكز الإيواء، وسط تساقط الأمطار.

وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فقد دمّرت القوات الصهيونية 229 مسجدا بشكل كلي و279 مسجدا بشكل جزئي، بالإضافة إلى تدمير 3 كنائس، لكن رغم الأوضاع الصعبة، احتفل الأطفال بالعيد ببراءة، في حين استقبل النازحون عيد الفطر في حزن وظروف إنسانية قاسية.

كما أقام أكثر من 65 ألف فلسطيني – يوم الأربعاء – صلاة عيد الفطر بالمسجد الأقصى في مدينة القدس الشرقية المحتلة، دون أي أجواء احتفالية تعبيرا عن حزنهم على ضحايا حرب الإبادة الصهيونية المستمرة ضد قطاع غزة منذ 6 أشهر، وفي طريقهم إلى المسجد الأقصى وأثناء خروجهم منه، قام المصلّون بالتكبير، حسب ما أفادت به وكالة الأناضول.

وأعلنت دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس في بيان مقتضب أنّ أكثر من 60 ألف مصل أدوا صلاة عيد الفطر في المسجد الأقصى، ورغم هطول الأمطار، بدأ المصلون التوافد إلى المسجد منذ صلاة الفجر. وذكر شهود عيان لوكالة الأناضول أنّ الشرطة الصهيونية اعتدت بالضرب على بعض المصلين أثناء دخولهم وخروجهم من المسجد في منطقتي باب الأسباط وباب السلسلة بالبلدة القديمة.

وبث الإعلام الحربي التابع لسرايا القدس – الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي – فيديو جديدا بعنوان “عيدنا يوم نصرنا”، وتظهر عمليات إعداد منظومة صاروخية، وتظهر المشاهد مقاتلين من سرايا القدس وهم يردّدون تكبيرات العيد ويعكفون على تجهيز منظومة صواريخ كتب عليها “صنع في فلسطين”.

وكتب على جدران الغرفة التي كان يتواجد فيها المقاتلون عدة شعارات منها “عيدنا يوم نصرنا”، و”طوفان الأقصى”، بالإضافة إلى “وإن عدتم عدنا”، وهي مقتبسة من آية كريمة في سورة الإسراء. وبثت سرايا القدس هذه المشاهد في أول يوم من عيد الفطر المبارك الذي مرّ هذا العام على الفلسطينيين في قطاع غزة وهم في ظروف حرب إبادة شاملة لم ينجح المجتمع الدولي في إيقافها.

سقوط الغرب..

دماء على طاولة المفاوضات والاحتلال يواجه الهزيمة

حلّ العيد هذا العام، بينما أهالي غزّة يواصلون صنع يوميات التحدي تحت القصف الصهيوني الهمجي، فيما تواصل المقاومة تحقيق انتصاراتها المتتالية ضدّ قطعان العدو الذي يبق أمامه سوى الانتقام من الأطفال والنساء، وسط عجز عربي مريب ترك أهل غزة وحدهم في مواجهة آلة بطش همجية تدعمها أكبر القوى الغربية.

وتناولت صحف عالمية، فشل الاحتلال الصهيوني في تحقيق أهدافه المعلنة رغم دخول حرب الإبادة الشهر السابع، إضافة إلى إمكانية اندلاع حرب أخرى في ظلّ تهديد إيران بالرد على قصف الاحتلال قنصليتها في سوريا.

وفي هذا الإطار، قال الكاتب أوين جونس في مقال بصحيفة “الغارديان” البريطانية، إنّ سلطة الاحتلال تواجه هزيمة إستراتيجية كبرى ترتبط بسمعتها التي تضرّرت حتى بين أكثر المتحمسين للدفاع عنها.

وأضاف أنّه لن يستغرق الأمر كثيرا من الوقت حتى يتم النظر إلى مشجعي الكيان من حلفائه الغربيين بالعين ذاتها، مبيّنا أنّ حرب الإبادة الصهيونية في غزة تمثّل إحدى مظاهر سقوط الغرب الذي يجني الآن ثمار غطرسته.

بدورها، قالت صحيفة “هآرتس” العبرية، إنّ الحقيقة التي يجب أن تقال بوضوح هي أنّ قوات الاحتلال هُزمت، “فأهداف الحرب لن تتحقّق وعملية تحرير الرهائن (الأسرى) لن تنجح بالضغط العسكري”.

وأشارت إلى أنّ أمن الكيان سيبقى مهدّدا وستبقى منبوذة في الساحة الدولية، كما أنّه لا مخرج دبلوماسيا للكيان بعد الهجوم العسكري، مضيفة “الأجدر بالإسرائيليين إدراك هذه الحقيقة وتقبّلُها والشروع في استخلاص الدروس منها…”.

بدوره، تطرقت صحيفة “إندبندنت” البريطانية إلى تصريحات مديرة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية سامانثا باور، التي أكّدت فيها أنّ المجاعة تتفشى بالفعل في قطاع غزة، منبهة إلى أنها أول مسؤولة أمريكية تتحدث بشكل صريح عن مجاعة في غزة.

وبيّنت أيضا أنّ باور تلقت الكثير من الانتقادات بسبب حديثها في العلن ضدّ الدعم الأمريكي للحرب على غزة، كما قوبلت تقارير الوكالة المحذّرة من تداعيات الوضع المعقد في غزة بمعارضة موظفي وزارة الخارجية الأمريكية.

أما صحيفة “لوموند” الفرنسية فقالت في مقال إن كلا من إيران وحزب الله والولايات المتحدة وحتى الكيان لا يريدون حربا، لكن احتمال أن تتسبب حرب غزة في حرب أخرى وارد جدا.

وأضاف “طالما ظلت المأساة في غزة قائمة فإن كل يوم يمر يزيد من خطر نشوب صراع آخر في الشرق الأوسط”، وتساءل المقال عن التوقيت الذي تنتهي فيه مرحلة ما قبل الحرب بين إيران والكيان الصهيوني، مشيرا إلى أن ضربة دمشق كانت تعديا على أحد الخطوط الحمراء في الصراع بينهما.

من جانبها، نقلت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، عن باحثة في مجموعة الأزمات الدولية قولها إن توقيت استهداف أبناء إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) يبدو كأنه محاولة لعرقلة مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة.

ونعت حركتا المقاومة الإسلامية (حماس) والجهاد الإسلامي أبناء وأحفاد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية الذين استُشهدوا يوم الأربعاء، في قصف سيارتهم بقطاع غزة، كما تلقى هنية برقيات تعزية.

وقالت حماس في بيان تعزية وعهدِ وفاء وثبات إنه ” بكل آيات الفخر والاعتزاز، وبمزيد من الرضا والتسليم والإيمان والصبر والثبات على درب ذات الشوكة، ومواصلة مسيرة طوفان الأقصى البطولية، نبارك للأخ القائد المجاهد، إسماعيل هنية”.

وأشار البيان إلى أن استهداف قادة الحركة وأبنائهم وعائلاتهم هي محاولة فاشلة من “عدو فاشل في الميدان ومذعور من ضربات المقاومة وبسالتها وكمائنها المحكمة ضد جيشه الجبان”، وأكدت الحركة في بيانها أن ذلك لن يفلح “في كسر إرادة الصمود لدى كل أبناء الحركة والشعب الفلسطيني”. وشدد على أن “العدو” لن يحقق أي إنجاز “في مسار المفاوضات بعد فشله الذريع في تحقيق أيّ من أهدافه العدوانية”.

كما نعت حركة الجهاد الإسلامي أبناء هنية، مشيرة إلى أن عملية الاغتيال هذه تؤكد أن “العدو يعيش حالة من التخبط إثر الفشل الميداني في تحقيق أهدافه” وأنه يسعى من خلال ذلك إلى “التعويض بتوجيه سهام حقده الأعمى انتقاما من أبناء المجاهدين وعائلاتهم”. وأكد بيان الجهاد على أن عمليات الاغتيال “لن تزيد شعبنا ومقاومتنا إلا عزيمة وصلابة في التمسك بحقوق شعبنا، وإصرارا على مواصلة المقاومة”.

واعتبر رئيس وزراء سلطة الكيان السابق إيهود أولمرت اغتيال أبناء إسماعيل هنية “خطأ سيضر بسمعة الكيان”، فيما اعتبرت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية ادعاءات جيش الاحتلال بأن أبناء هنية كانوا في طريقهم لتنفيذ هجوم “أمرا لا يقبله حتى معارضو حماس لأن أطفالهم كانوا معهم”.

وادعى مقربون من – مجرم الحرب – رئيس وزراء سلطة الاحتلال بنيامين نتنياهو أن اغتيال أبناء وأحفاد هنية “تم دون علم مسبق من نتنياهو أو وزير دفاعه يوآف غالانت وأن ضابطا عسكريا بالتعاون مع جهاز الأمن العام “الشاباك ” في قيادة منطقة الجنوب اتخذا القرار بناء على معلومات آنية”.

من جانبه، أكد رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، إسماعيل هنية أن “كل أبناء الشعب الفلسطيني وكل عائلات سكان غزة دفعوا ثمنا باهظا من دماء أبنائهم وأنا واحد منهم”.

جاء هذا عقب قصف طائرات الاحتلال الصهيوني عصر – يوم الأربعاء – سيارة مدنية بمخيم الشاطئ غرب قطاع غزة كان يستقلها عدد من أبناء هنية وأحفاده، راح ضحية هذه المجزرة خمسة شهداء حتى الآن فضلا عن وقوع إصابات.

وقال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، في بيان: “ما يقرب من 60 من أفراد عائلتي ارتقوا شهداء شأن كل أبناء الشعب الفلسطيني ولا فرق بينهم”، مضيفا: “الاحتلال يعتقد أنه باستهداف أبناء القادة سيكسر عزيمة شعبنا”.

وتابع: “نقول للاحتلال أن هذه الدماء لن تزيدنا إلا ثباتا على مبادئنا وتمسكا بأرضنا، ولن ينجح العدو في أهدافه ولن تسقط القلاع، وما فشل العدو في انتزاعه بالقتل والتدمير والإبادة لن يأخذه في المفاوضات”.

وأكّد على أنّ الاحتلال الصهيوني “واهم إذا ظن أنه بقتله أبنائي سنغير مواقفنا”، مضيفا: “دماء أبنائي ليست أغلى من دماء أبناء شعبنا الشهداء في غزة فكلهم أبنائي، ودماء أبنائي هي تضحيات على طريق تحرير القدس والأقصى”.

وأشار إلى أنّ “تهديدات الاحتلال باجتياح رفح لا تخيف شعبنا ولا مقاومتنا، ولن نرضخ للابتزاز الذي يمارسه الاحتلال فالشعوب التي تستسلم لا تسلم ولن نتنازل ولن نفرط مهما بلغت تضحياتنا”.

إستراتيجيا وعسكريا وأخلاقيا..

 غزة تُرسّم الفشل الصهيوني أمام العالم

في تقرير مطوّل، قالت مجلة إيكونوميست البريطانية إنّ الجيش الصهيوني متهم بالفشل إستراتيجيا وعسكريا وأخلاقيا في حربه على قطاع غزة، كما اعتبرت أنّ قوات الاحتلال خسرت معركة الرأي العام العالمي.

ففي الساعات الأولى من يوم 7 أفريل، انسحبت الفرقة 98 التابعة لجيش الاحتلال الصهيوني من خان يونس، ثانية كبرى مدن قطاع غزة، بعد 6 أشهر بالضبط من هجوم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في 7 أكتوبر الماضي الذي سُمي “طوفان الأقصى”.

ورغم الدعم الغربي الواسع الذي حظيت به سلطة الكيان بداية الأمر – بحسب إيكونوميست – فإنّ هذا الدعم تراجع كثيرا بعد الخراب الكبير الذي حل بغزة، واستشهاد أكثر من 33 ألف فلسطيني، والمجاعة التي تكاد تفتك بمن بقي حيا، كما خسر الكيان معركة الرأي العام العالمي، حتى من أقرب حلفائه، بما في ذلك الولايات المتحدة التي تُفكّر في الحد من تزويدها بالأسلحة.

ويتركز جزء كبير من الانتقادات على الجيش الصهيوني، المتهم الآن بفشلين كارثيين، فضلا عن فشله الأكبر في منع هجمات السابع من أكتوبر. أولهما: أن العملية العسكرية في غزة لم تحقق أيا من أهدافها. والثاني: أن هذا الجيش الصهيوني تصرف بطريقة غير أخلاقية خرقت قوانين الحرب.

وتشير إيكونوميست إلى أن الآثار المترتبة على الكيان وجيشه عميقة. وتؤكد في الوقت ذاته أن الجيش الصهيوني لم يحقق – في أحسن الأحوال – سوى نصف أهداف الحرب، إذ يزعم أنه قتل حوالي 12 ألف مسلح، وهو ما يُمثّل نحو نصف تقديرات ما قبل الحرب التي تحدثت عن 40 ألف مقاتل لحركة حماس.

ومع تأكيد المجلة البريطانية أن قدرات حماس العسكرية بعيدة عن التدمير، فإنها تشير إلى أن من بين الرجال الثلاثة الذين يعتقد أنهم خططوا لهجمات 7 أكتوبر، هناك رجل واحد فقط، وهو مروان عيسى، نائب القائد العام لـكتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحماس، يُعتقد أنه قُتل.

وبحسب إيكونوميست، فإن الفشل الأول للجيش الصهيوني هو الإستراتيجية، يتحمله في المقام الأول السياسيون الصهاينة، وتحديدا رئيس وزراء سلطة الكيان بنيامين نتنياهو، الذين رفضوا قبول أي قوة فلسطينية بديلة تسيطر على غزة. كما تقع مسؤولية الهزيمة أيضا على عاتق الجنرالات وفهمهم لكيفية قياس النجاح هناك.

أما الفشل الثاني، فهي الطريقة التي خاض بها الجيش الصهيوني هذه الحرب، وتحديدا المستويات العالية من الدمار وقتل المدنيين. ويرجع ذلك إلى عاملين رئيسيين. أولا: التوجيهات العملياتية التي تسمح بالضربات حتى عندما يكون احتمال قتل المدنيين كبيرا، وثانيا: عدم الانضباط داخل الجيش الصهيوني في الالتزام بهذه القواعد.

وتنقل إيكونوميست عن ضابط احتياط خدم في غزة قوله إنه يمكن لأي قائد كتيبة تقريبا أن يقرر أن كل ما يتحرك في القطاع هو إرهابي أو أنه يجب تدمير المباني لأنه كان من الممكن أن تستخدمها حماس. ويقول خبير في كتيبة هندسية للمتفجرات إن وجود سلاح، أو حتى منشورات لحماس في مبنى، سبب كافٍ لتدميره.

أما الفشل الثالث لهذا الجيش فهو دوره في عرقلة سلطة الكيان لجهود المساعدات لسكان غزة، رغم أن الضباط ألقوا باللوم في ذلك على السياسيين بشكل أساسي. وتختم إيكونوميست تقريرها بالتأكيد على أن الوضع لا يبشر بالخير، فالحرب في غزة لم تنته بعد، كما أن الخطوة التالية للكيان غير واضحة.

التاريخ يحكم..

المجد لأحرار العالم والخزي لغلمان الصهيونية

عندما كانت الجزائر تكافح مع الشرفاء – يوم الخميس الفارط – في مجلس الأمن لاعتماد مشروع بيان صحفي يتعلق بقضايا المجاعة وأمن العاملين الإنسانيين في قطاع غزة، واصل نظام المخزن في المغرب إخراس الأصوات الحرة التي تفضح العمالة لقوى الصهيونية.

وبالفعل اعتمد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، يوم الخميس الماضي، مشروع بيان صحفي بمبادرة من الجزائر وغويانا وسلوفينيا، يتعلق بقضايا المجاعة وأمن العاملين الإنسانيين في قطاع غزة الذي يتعرض لهجوم صهيوني غير مسبوق منذ 7 أكتوبر الماضي.

وقد أعرب أعضاء مجلس الأمن في الوثيقة التي تم اعتمادها بالإجماع عن “قلقهم” إزاء الهجمات الصهيونية التي أودت بحياة سبعة من أعضاء منظمة “وورلد سنتر كيتشن” منذ أسبوعين.

وجاء في النص: “إن هذا الهجوم الشنيع قد رفع عدد العاملين الإنسانيين الذين قتلوا في غزة خلال النزاع إلى 224، أي أكثر من ثلاث مرات عدد العاملين الإنسانيين الذين قتلوا في أي نزاع مسجل خلال عام واحد”.

كما أكد أعضاء مجلس الأمن، الذين اجتمعوا الجمعة الماضي لمناقشة جدول أعمال يتعلق بالمجاعة وأمن العاملين الإنسانيين في غزة، على ضرورة “محاسبة” المسؤولين، مطالبين بإجراء تحقيق شفاف. كما طالبوا كذلك بحماية العاملين الإنسانيين، فضلا عن البنية التحتية والعمليات التي يتم تنفيذها تحت حماية القانون الدولي.

ومن جهة أخرى، أعرب أعضاء مجلس الأمن عن “قلقهم العميق” بشأن الحصيلة البشرية للعدوان الصهيوني الجاري في غزة، والوضع الإنساني المأساوي، علاوة على الخطر المحدق بحدوث مجاعة في القطاع الفلسطيني، داعين إلى رفع الحصار الصهيوني فورا وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية. كما دعت الوثيقة أيضا إلى الاحترام التام للقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي والقوانين الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، مطالبة بوقف دائم لإطلاق النار في قطاع غزة.

وأعرب المجلس كذلك عن دعمه الكامل لمنسقة العمل الإنساني وإعادة الإعمار في غزة “في إطار القرار 2720 (2023)”، وكذا دعم جهود جميع الموظفين ووكالات الأمم المتحدة بما في ذلك وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتوفير المساعدة للاجئين الفلسطينيين في الشرق الأوسط (الانروا) “الذين يعملون على توفير المساعدة الإنسانية للمدنيين في غزة”. وفي الختام، أدان المجلس جميع أعمال العنف التي تستهدف المدنيين.

أما في الرباط – إحدى عواصم التطبيع العربي – فقد أكدت الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع أن إدانة المدون عبد الرحمن زنكاض بالسجن لمدة 5 سنوات، بسبب تدوينات ينتقد فيها التطبيع المخزني-الصهيوني، الهدف منها هو “إخراس الأصوات الحرة التي تفضح الاستبداد والعمالة الصهيونية”.

تغوّل قوى الاستبداد المخزني والعمالة الصهيونية بالمغرب

وعبرت الجبهة المغربية، التي تضم العديد من المنظمات الحقوقية المناهضة للتطبيع، في بيان لها، عن ادانتها القوية لهذا القرار “الجائر” في حق عبد الرحمن زنكاض، والذي يضاف إلى لائحة طويلة للمعتقلين السياسيين بالمغرب. وأكدت في السياق أن هذا القرار “ليس إجراء معزولا بل يندرج ضمن نزوع عام للدولة يهدف واهما إلى إخراس الأصوات الحرة التي تفضح الاستبداد والعمالة الصهيونية”.

وهو ما تجسد سابقا – تضيف الهيئة – في اعتقال سعيد بوكيوض لأسباب مماثلة وفي منع عدد من التظاهرات المنظمة من طرف الجبهة المغربية ومحاكمة 13 عضوا فيها على مستوى مدينة سلا وغير ذلك من ممارسات التضييق والقمع.

والاثنين الماضي، أدانت المحكمة الابتدائية بمدينة المحمدية، المدون المغربي عبد الرحمن زنكاض بالسجن لمدة 5 سنوات وغرامة مالية، وذلك على خلفية تدوينات عبر فيها عن مواقفه وآرائه بخصوص القضية الفلسطينية والتطبيع الرسمي للنظام المخزني مع الكيان الصهيوني.

وكانت عدة هيئات ومنظمات حقوقية مغربية قد عبرت عن استنكارها لسياسة التضييق ومصادرة الحريات المتعلقة بالحق في التظاهر السلمي وحرية الرأي والتعبير التي ينتهجها نظام المخزن بشكل ممنهج، خاصة في صفوف المناهضين للتطبيع والداعين لمقاطعة الكيان الصهيوني.

وفي هذا الإطار، أدانت الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة هذا “الحكم القاسي وغير المبرر” على المدون المغربي عبد الرحمن زنكاض، معتبرة أنه (رسالة سياسية) إلى كل المعارضين لمسلسل التطبيع مع الكيان الصهيوني.

وطالبت الهيئة بـ”إطلاق سراح المدونين سعيد بوكيوض وعبد الرحمن زنكاض فوريا، لأن ممارسة الحق في التعبير عن الرأي والانتماء السياسي ليس جريمة”، شاجبة كل المتابعات بحق المدونين ومناهضي التطبيع والداعين إلى المقاطعة ومطالبة بإيقافها.

كما اعتبرت جماعة “العدل والإحسان”، التي ينتمي إليها زنكاض، هذا الحكم “مثالا آخر على ممارسات قمع الحريات وتقييد حق التعبير في المغرب”، مشددة على أن زنكاض كان يمارس حقه الدستوري في التعبير عن آرائه، لاسيما تضامنه مع قضية فلسطين، وهو ما يعد جوهر الاتهامات الموجهة إليه.

بينما حرب الإبادة مستمرة..

كيف استقبل الغزيون عيد الفطر؟

أبرز ممثل الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بالجزائر، محمد الحمامي، أنّ الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة، كان يُمني النفس أن ينتهي هذا العدوان المجنون قبل أن يحلّ عيد الفطر المبارك، وكان يأمل خلال شهر رمضان الفضيل أن تكون هناك ضغوطات شعبية عربية وإسلامية، خاصةً على تلك الحكومات التي تربطها علاقات مع الاحتلال الصهيوني باتجاه وقف هذا العدوان الهمجي الذي لم يسلم منه لا البشر ولا الحجر، وذلك من خلال استخدام عناصر القوة التي تملكها أمتنا العربية والإسلامية بما في ذلك سحب وطرد سفراء الكيان لديها وكذا تهديد مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، باعتبارها الداعم رقم واحد للاحتلال الإسرائيلي في حربه الشعواء التي يشنها ضد الآمنين في بيوتهم في القطاع منذ ما يزيد عن ستة أشهر على التوالي.

وفي هذا الصدد، أوضح الحمامي في تصريح لـ “الأيام نيوز”، أنّ الغزيين مرت عليهم أيام صعبة وعصيبة خلال الشهر الفضيل، بسبب الحرب المستمرة والظروف الإنسانية القاهرة التي يشهدها القطاع، لكن المُستغرب في الأمر هو كيف كان بإمكان المسلمين أن يفطروا بما لذ وطاب وفي نفس الوقت إخوانهم من الفلسطينيين يتضورون جوعا وألما ووجعا، وكل شبر في القطاع فيه دماء الأبرياء وقد جُبِلت بتراب غزة.

في السياق ذاته، أشار محدثنا إلى أنّه وبالرغم من قتامة المشهد إلاّ أنّ الشعب الفلسطيني كان عازماً ومنذ اليوم الأول للعدوان الصهيوني على أن يبقى صامداً متشبثا بأرضه، وهذا ما حدث بالفعل نصف عام من الصمود الأسطوري الذي حيّر العالم، خاصةً وأنّ الاحتلال الصهيوني المجرم يمتلك أعتى أنواع الأسلحة والتكنولوجيا ويحظى بدعم منقطع النظير من الولايات المتحدة الأمريكية وعدد واسع من الدول الغربية، نتحدث هنا عن الدعم المالي ومد الاحتلال بالسلاح وبالمرتزقة كذلك، وبالرغم من ذلك فشل هذا الاحتلال المستبد في تطويع وتركيع الشعب الفلسطيني الذي بقي ثابتا صامدا متمسكا بأرضه وحقه.

على صعيدٍ متصل، أردف الحمامي قائلا: “إنّ الاحتلال حاول خلال وقبل شهر رمضان المبارك استخدام كل أنواع الإجرام بحق أبناء شعبنا الأعزل، واليوم ونحن نعيش أيام العيد لم يختلف المشهد كثيراً، فنحن نعيش حالةً من الوجع والألم فالكثير من الآباء فقدوا أبناءهم والكثير من الأبناء فقدوا آباءهم حتى أنّ هناك عائلات مُسحت من السجل المدني بشكلٍ كامل، فخلال الأعوام الماضية وقبل هذه الحرب المدمرة كانت النسوة في قطاع غزّة يستقبلن العيد بحفاوة وفرح وسرور ويُقبلن على صناعة الكعك والحلويات فرحا بقدوم عيد الفطر السعيد، لكن خلال هذا العيد لم نجد شيئا غير رائحة البارود ورائحة الدم”.

إلى جانب ذلك، أفاد ممثل الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بالجزائر، أنّه وبالرغم من حجم الدمار والألم في قطاع غزّة، إلا أنّ الغزيين قاموا بأداة صلاة العيد تعظيما لواحدةٍ من أعظم شعائر الله، وبدأوا بمواساة أنفسهم ولسان حالهم يقول للأمة العربية والإسلامية “كل عام وأنتم بخير، ونحن بخير والشعب الفلسطيني بخير”، لأننا عازمون على استرداد حقنا من هذا الاحتلال المجرم الجبان الذي لم يجد سبيلا للانتقام لهزيمته النكراء التي مُني بها ذات فجر سبتٍ أسود غير استهداف وتقتيل المدنيين والأبرياء العزل في قطاع غزّة.

في سياق متصل، أبرز الحمامي أنّ عيد الفطر المبارك جاء ليكون فرصةً للأمة العربية والإسلامية حتى تتحمل مسؤولياتها الكاملة اتجاهنا لأن عمقنا هو عربي إسلامي، ونحن رأس حربة لهذه الأمة ندافع عنها وعن كرامتها، فهذه الأمة عليها مسؤوليات إنسانية وأخلاقية ودينية، فالمعركة هي معركة القدس وهي معركة العودة ومعركة الأرض، فالاحتلال الصهيوني يريد أن يجعل فلسطين دولةً يهودية تحت مزاعم وخرافات دينية توراتية، وبالتالي على الأمة العربية والإسلامية أن تضغط على هذه الأنظمة المطبعة من أجل قطع علاقاتها مع الاحتلال، فاليوم حتى الموقف الأمريكي تراجع أمام بشاعة ووحشية هذا المحتل الذي صنعته الولايات المتحدة الأمريكية والعالم الغربي.

وفي هذا الشأن، أشار المتحدث إلى أنّ الاحتلال الإسرائيلي عندما قام بقتل ستة من الأجانب انتفض العالم من أجلهم ولم يحرك هذا العالم ساكنا عندما قُتل نحو 40 ألف من الأطفال والنساء والشيوخ وأزيد من 80 ألف من الجرحى والمفقودين والبيوت المدمرة والدماء والأشلاء وكل شيء في قطاع غزة، هذا ما يتطلب من الجميع ومن المجتمع الدولي ومن كل أحرار العالم ومن الأمة العربية والإسلامية موقفاً صارماً داعماً للحق الفلسطيني.

هذا، وأعرب الحمامي عن استغرابه من تبادل تهاني العيد والشعب الفلسطيني يتوجع ويتألم ويعيش أياما وليالي من الرعب والخوف، في مواجهة احتلال لا يوجد لديه لا أخلاق ولا معايير ولا قيم ولا إنسانية، واليوم العالم كله قد وقف على مدى وحشية هذا الاحتلال الذي يقتل الأطفال ويعدم النساء الحوامل ويعتدي ويقصف المشافي والمدارس والمساجد والكنائس ويستهدف الصحفيين والأطباء وكل شيء ينبض بالحياة في قطاع غزة، وفي الضفة الفلسطينية أيضا هناك اعتداءات يومية من قطعان المستوطنين والحواجز واعتقال وقتل الفلسطينيين بدمٍ بارد، إضافة إلى تدنيس المسجد الأقصى، كل ذلك يتطلب من الجميع ومن أمة المليار تحركا عاجلا لدعم الشعب الفلسطيني ونصرته.

في سياق ذي صلة، تطرق الحمامي إلى حالة الغليان الموجودة داخل المجتمع الصهيوني، لافتاً إلى أنّ هناك هجرة عكسية للصهاينة من داخل فلسطين التاريخية، وبفعل صمود الشعب الفلسطيني وبفعل ثبات المقاومة الفلسطينية نقول إنّ يوم عيد الفطر المبارك فرصة من أجل الاستثمار السياسي في هذه التضحيات الجسام التي قدمها شعبنا الفلسطيني إسوةً بكل حركات التحرر، ونحن الفلسطينيون نستلهم من الثورة الجزائرية، ونؤكد أنه من خلال الوحدة الوطنية والمقاومة بكل أشكالها يمكن أن ننتزع استقلالنا، خاصة وأنّه يوجد لدينا منظمة التحرير الفلسطينية المعترف بها من كل دول العالم، وما علينا إلى تفعيلها وفق أسس ديمقراطية وتشاركية وبرنامج وطني ديمقراطي تحرري يقف في وجه المشروع الصهيوني الإحلالي الإجلائي الذي يهدف إلى تهجير الشعب الفلسطيني.

هذا، وأكّد محدث “الأيام نيوز”، أنّ الشعار الذي يرفعه شعبنا الفلسطيني هو “عيدنا يوم عودتنا”، هذا الشعار نرفعه منذ اليوم الأول للاستعمار الصهيوني لفلسطين ونحن نقول اليوم أن عيدنا سيكون يوم انتصارنا على هذا الاحتلال وأن اليوم التالي للحرب سيكون هو انتصارا للشعب الفلسطيني ولا يمكن لأي قوة في العالم سواء كانت عربية أو غير عربية أن تحكم الشعب الفلسطيني الحر الذي لن يقبل كما لم يقبل الشعب الجزائري أن يكون عبدا للاستعمار وللاحتلال الصهيوني المجرم.

وتابع قائلا: “على العرب أن يدركوا يقيناً أنّ هذا الاحتلال ومن خلفه الولايات المتحدة الأمريكية يُريد السيطرة على مقدرات وعلى خيرات المنطقة العربية، والمقاومة الفلسطينية الباسلة هي من تتولى الدفاع عن شرف هذه الأمة، فعملية “طوفان الأقصى” لم تكن من أجل فلسطين فقط، بل كان من أجل الأمة العربية والإسلامية في وجه الإمبريالية وعلى رأسها أمريكا التي كانت تريد تعميم التطبيع وأن تجعل من تواجد “إسرائيل” أمرا طبيعيا واعتياديا في الإقليم، تسيطر على كل شيء وتمسح كل شيء، فمعركة “طوفان الأقصى” كانت من أجل كل الأمة ومن أجل القدس ومن أجل أولى القبلتين فلا تخذلونا كما خذلتنا الرسميات العربية”.

خِتاما، أبرز محمد الحمامي ممثل الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بالجزائر، أنّ سكان القطاع استقبلوا عيد الفطر على وقع الألم والوجع ومشاهد الدمار وعشرات الآلاف من الجرحى في حالات حرجة، والذي يجب إخراجهم للعلاج خارج القطاع، فعيد الفطر يمكن أن يكون فرصةً من أجل فتح المعابر ورفع الحصار عن القطاع بأي وسيلة كانت ورفع الغبن والظلم عن شعبنا الفلسطيني، ونحن نعوّل على أحرار العالم وعلى كل الذين وقفوا إلى جانب الحق الفلسطيني، فاليوم هناك ثورة في كل عواصم العالم من أجل نصرة الحق الفلسطيني، وسيكون إن شاء الله العيد القادم هو عيد التحرير وعيد النصر وسيصلي الجميع في المسجد الأقصى وهو محرر بإذن الله تعالى. 

صوت الضمير في الشارع العربي..

العيد مؤجّل تأدّبا في حضرة غزة

بقلم: إبراهيم باجس عبد المجيد – باحث مقدسي

سؤال أرسله إليَّ صديق من خارج فلسطين يقول فيه: “سؤال ضروري وعاجل: في ظلِّ ما يعانيه أهلنا من حرب شرسة وإجرام صهيوني منذ ما يقارب السّبعة شهور..  ومع اقتراب عيد الفطر المبارك؛ ما هي المظاهر المسموح لنا إظهارها في العيد نحن من يعيش خارج قطاع غزّة؟”

ورسالة أخرى وصلتني، يتداولها الأصدقاء خارج فلسطين كذلك، ومن مختلف الجنسيات، تدعو إلى عدم إظهار الفرح بالعيد تضامناً مع أهل غزة. وهذا نص الدعوة: “لأنّنا كالجسد الواحد تضامناً مع ما يمر به أهلنا في غزة، ندعوكم في مبادرة إلى جعل ضيافة هذا العيد قهوة وتمرّ.. لن نقدّم الحلوى حتّى تطمئن غزّة”.

ودعوة أخرى وصلتني، لكن ليس إلى عدم الاحتفال بالعيد، بل هي للمساهمة والمشاركة في إدخال الفرحة والبهجة على أطفال غزّة في عيدهم، والدّعوة في حقيقتها هي ليست للكبار، بل للأطفال في العالمين العربي والإسلامي، بأن يحوِّلوا (عيديَّتهم) لأطفال غزّة.

وأُشاهد مسيرة تضامنية مع غزّة، في إحدى المدن العربية، يهتف فيها المشاركون بصوت واحد “كيف بتحتفلوا بالعيد وغزّة بتلبس كفن جديد”؟! ووزَّع متظاهرون بطاقات كتب عليها “عيدنا بانتصار غزّة”.

أربع محطّات، ومحطّات غيرها كثيرة، استوقفتني تدعو إلى حصر فرحة العيد في صلاة العيد فقط، وعدم المبالغة في إظهار مشاعر الفرح بهذه المناسبة، “تأدّباً في حضرة المصاب الجلل الذي يعاني منه الأهالي في قطاع غزة، من عدوان وتجويع وإبادة، على مدار أكثر من نصف عام”.

استوقفتني هذه المشاعر الفياضة من إخواننا في كل بقاع الأرض، متضامنين ومتعاطفين مع غزّة وأطفالها ونسائها وشيوخها في عيدهم.

كنَّا نحن أهل فلسطين نلمس فيما مضى من حروب هذه المشاعر الصّادقة تجاهنا وتجاه قضيتنا، ولكنّني اليوم أرى هذا (الطّوفان) من المشاعر والعواطف التي ولَّدها (طوفان الأقصى)… أرى هذه اللُّحمة قد عادت وبقوة إلى جسد الأمة، أرى شعور الأخ مع أخيه، والجار مع جاره، وهم ينظرون إلى كلِّ طفل غزِّي وكأنه ابنه لهم، يعملون على إسعاده كما يسعدون أبناءهم. ويشعرون أنه لزامً عليهم وواجباً مؤكداً أن يسعدوا هذا الطفل اليتيم الذي فقد أحد أبويه أو كليهما، أو ربما كل أسرته، ولم يبق على قيد الحياة إلا هو، أو ذلك الطفل الذي فقد ساقه أو ذراعه أو أكثر من عضو من أعضاء جسده.

يتواصل معي، أنا ابنُ فلسطين، كثير من إخواني العرب والمسلمين في شتّى الدول، ويعبّرون لي عن فرحة منقوصة بهذا العيد، إن وجدت هذه الفرح، بسبب ما يجري في أرض غزّة… وكأنّ في الحلق غُصَّة وفي القلب حسرة على ما يجري، حسرة تمنعهم من إظهار الفرح بالعيد. ويقولون: إن غزة ما غابت عنا في رمضان، لا في قيامنا، ولا في صيامنا، ولا في صدقاتنا، وينبغي ألَّا تغيب عنا في فرحتنا بعيدنا؟؟

فهذا شاعر من اليوم لا يجد طعماً للعيد وفلسطين وغزة يفعل بها الصّهاينة ما يفعلون، فيقول:

لا طعمَ للعيدِ والأوجاعُ شاخصةٌ              على ثَرانا وقتلٌ في فلسطينِ

وهو يتمنى على الله أنن تعود لفلسطين ولغزة أمجادها حتى يفرح بالعيد مع أهلها

يا أرضَ غزةَ هلْ عيدٌ سيجمعُنا                في مَقْطَفِ الكرمِ والزيتون والتينِ

لنطعمَ العيدَ بعدَ النَّصرِ فرحتَنا                ويستنيرَ مسارُ الكونِ بالدِّينِ

وبالمقابل… ما هي مظاهر العيد واستقباله عند أهل غزة، ذاك الشّعب المكلوم الجريح المنكوب؟

ربّما نقول إنّه لا وجود للعيد ولا لفرحة العيد هناك. وإن كان الأمر كذلك، فلا يُلامون، فكيف يفرح الطفل في عزة وقد استشهد والده أو والدته أو شقيقه، وكيف يفرح وقد هدم بيته وأصبح يأوي إلى خيمة بالية إن وجد تلك الخيمة؟

ولكن تعجب من صمود أهل غزّة أمام المحن والنكبات، وإصرارهم على إظهار الفرح بعيدهم رغم كل ما أصابهم، فلا يُظهرون عجزاً ولا ضعفاً أمام عدوهم، وهم يتمثلون قول الشّاعر العربي

وتجلُّدي للشامتين أرِيهمُ                أني لِرَيْب الموت لا أتضَعْضَعُ

وكأنّهم يقولون للعالم (نفرح بعيدنا ونغيظ عدونا).

وهذا صديق وأخ من غزّة، وهو أستاذ جامعي، يرسل إليَّ يقول: “سنفرح بالعيد رغم أنف نتنياهو وجيشه المأزوم المجرم، سنفرح بالعيد تعبُّداً لله بإظهار الفرح في هذه الأيام رغم الألم والوجع وشلال الدّماء والدّمار”.

يفرح أهل غزة بالعيد وهم يعلمون أنّ محنتهم ستنتهي، وأن عدوّهم سينهزم، كما انهزم المستعمرون من قبله، مهما طال الوقت والزّمن… وسيُكتب أهل غزة تاريخ المحتل الصّهيوني في الصّحائف السّود كما كتب أهل الجزائر تاريخ المستعمر الفرنسي في صحائف سوداء، بعد أن جثم على صدورهم 132 عاماً، واحتفلوا بعيدهم يوم نصرهم.

فكرة فلسطينية خلّاقة..

الفرح المقاوم

بقلم: الدّكتور صالح نصيرات – كاتب وباحث أردني

لكلّ الأمم مناسبات وطنية ودينية وقومية تجعل منها أعياد لها، وقد ارتبطت الأعياد عادة بإظهار الفرح والسّرور بتلك المناسبات، لأنّها تعبّر عن هويتها ونهجها في الحياة. وفي الإسلام عيدان يأتيان بعد أن ينهي المسلمون شهر رمضان ومناسك الحج الرّئيسة، ويظهر المسلمون سرورًا وفرحًا بهاتين المناسبتين لأنّهم يعتقدون أنّ الفرح الحقيقي هو في إرضاء المولى سبحانه وتعالى، وكذلك الحال بالنّسبة للمنسابات الوطنية والقومية.

ولأنّ الأمم تشترك في هذا الفعل وتمارسه بطرائق شتّى، إلّا أنّ الدّول التي لم تعاني من الاحتلال والاستعمار والقهر لا تستطيع فهم معنى العيد الذي يأتي في أعقاب دحر العدو.

وحتّى تحقّق الدّول حرّيتها وتنال حقّها في الحياة، فإنّها تدفع أثمانًا باهظة، فكلّ قوى الاستعمار التي مرّت على البشرية قوى ظالمة ولا يعنيها الإنسان، ولا تهتمّ بحياته وقيمه وعقيدته التي تدفعه للتحرّر من ظلم المستعمر.

وتشترك كلّ الأمم المتحرّرة من الظّلم في أمور كثيرة، أهمّها أنّ التّحرّر يعني أنّهم يخرجون من ربقة العبودية إلى الحريّة في أن يعيشوا وفق ما يحبّون وبالطّريقة التي تنسجم مع ما يعتقدون.

والمستعمر دومًا همّه أن يفسد على الشّعوب فرحتهم، ولذلك يتخيّرون أوقات ليبطشوا بالشّعوب المقهورة حتّى يفقدوا الأمل في حياة كريمة، وقد فعلتها فرنسا في الجزائر التي دفعت ثمنًا باهظًا لتّتحرّر من اليد الباطشة، وكذلك جنوب أفريقيا وفيتنام ودول إفريقية ولا تينية كثيرة.

وقد يجد كثيرون حرجًا في أن يحتفلوا بعيد وطني أو ديني وشعبهم يعاني من القهر و الظّلم، ولكنّ الحقيقة هي أنّ أكثر ما يغيظ المستعمر أن تعيش الشّعوب حالة من التّحدّي من خلال إظهار الفرح في وقت الحزن.

واليوم نرى قتلًا وتدميرًا وهمجية صهيونية لم نشهدها في تاريخنا الحديث، والعدو مصمّم على قتل حتّى هذه الفرحة في قلوب الغزيّين الذين أظهروا صبرًا وصمودًا وتوكّلًا على الله سبحانه لم نعهد مثله في التّاريخ إلّا في حالات نادرة.

فالعدو يعرف أنّ قهر المقاومة ومحاولاته الفاشلة لكسرها يمكن في قتل الرّوح المعنوية لدى حاضنته الشّعبية. ففي ليلة العيد دمّر وقتل وصباح العيد قتل الأطفال وهم يعبرون ببراءتهم عن الفرح و السّرور بالعيد، وهذه الأفعال الشّنيعة والمستنكرة لا يمكن للشّعوب أن تنساها. وكلّما ازداد العدو في وحشيته ضدّ الأبرياء من المواطنين العزّل بان بوضوح أنّه يعاني من انكسار في معنوياته، وفشل في تحقيق أهدافه.

ولذلك فإنّ أهل غزّة الأحرار لم يستسلموا لليأس وهم أهل الصّبر، ولم يعطوا العدو فرصة ليظهر فرحه بقتل الأبرياء، فهم يشيّعون أبناءهم وبناتهم وأزواجهم وزوجاتهم وآباءهم وأمهاتهم وهم يعتقدون بأنّ قتلاهم في الجنّة بإذن الله، وأنّ الحياة تحت سنابك خيل المستعمر لا طعم لها، وأنّ الثّمن الذي يدفعونه قليل مهما تعاظم ليذوقوا معنى الحياة الحرّة الكريمة.

إنّ المغالاة بإظهار الفرح  بالعيد من خلال حفلات ومسرحيات وغيرها يعني تخليًا عن أهل غزّة، فالأصل أن يكون العبد فرصة لمزيد من التّلاحم والتّضامن وإظهار الدّعم لأهل غزّة، فالمشتركات  كثيرة  فنحن أبناء دين واحد وأمّة واحدة ومصيرنا واحد ولن نحقّق وحدتنا إلّا بتغذية الشّعور الجامع لكلّ أبناء الأمّة.

الأيام نيوز - الجزائر

الأيام نيوز - الجزائر

اقرأ أيضا