بعد ثبوت براءة “الأونروا”.. المطلوب ملاحقة “إسرائيل”

بعد أن عجزت حكومة الحرب الصّهيونية عن تقديم أيّ إثباتات أو أدلّة بحقّ وكالة وتشغيل اللّاجئين عن تورّط عدد من موظّفيها في هجمات 7 أكتوبر من العام الماضي، وثبت أنّ عملية الاتّهام قصد منها التّحريض على أعمال الوكالة وإنهاء المهام المكلّفة بها لإغاثة وتشغيل اللّاجئين الفلسطينيين، والاتّهامات “الإسرائيلية” للوكالة ليست الأولى من نوعها، فمنذ بداية الحرب على غزّة، عمدت “إسرائيل” إلى اتّهام موظّفي الأونروا بالعمل لصالح “حماس”، في ما اعتُبر تبريرًا مسبقًا لضرب مدارس ومرافق المؤسّسة في القطاع التي تؤوي عشرات الآلاف من النّازحين، معظمهم من الأطفال والنّساء، وفق مراقبين.

اتهامات “إسرائيل” للأونروا هي اتّهامات سياسية وهدفها تصفية قضيّة اللّاجئين في المقدّمة.. والمنظّمة الأممية فضحت كذب الاحتلال بغلق المعابر.. وكشفت مجازره البشعة في مراكز الإيواء التّابعة لها تجاه النّساء والأطفال.

وبعد براءة وكالة الأونروا من التّهم التي نسبت إليها من قبل الكيان الصّهيوني بتعاونها مع منظّمات إرهابية وعجز سلطات الاحتلال الصّهيوني في تقديم دليل يدعم ذلك الاتّهام، طالبت الوكالة بالتّحقيق حول الجرائم التي ارتكبتها قوّات الاحتلال ضدّها من استهداف ممنهج في قتل موظّفيها وتدمير مبانيها وإعاقة عملها في قطاع غزّة، كما ساعد تقرير البراءة من عودة الدّعم لها من دول العالم.

فقد دعا مفوّض الاتّحاد الأوروبي المسؤول عن إدارة الأزمات يانيز لينارسيتش المانحين الدّوليين إلى دعم وكالة غوث وتشغيل اللّاجئين الفلسطينيين (أونروا) في أعقاب تقرير أشار إلى عدم وجود أدلّة تثبت أنّ موظّفي الوكالة كانوا أعضاء في مجموعات “إرهابية” ورحّب لينارسيتش بالتّقرير الذي أكّد على العدد الكبير من نظم الامتثال المطبّقة في الوكالة، وأوصى بتحسينها، ودعا لينارسيتش عبر منصّة “إكس” الدّول المانحة لدعم الأونروا، التي تعدّ شريان حياة للّاجئين الفلسطينيين.

وأفادت مجموعة مستقلّة مسؤولة عن مراجعة الأونروا بوجود “مشاكل تتعلّق بالحياد” في تقريرها الصّادر أوّل أمس الإثنين، لكن دراسة أجرتها وزيرة خارجية فرنسا السّابقة كاثرين كولونا أشارت إلى عدم وجود أدلّة تدعم اتّهامات “إسرائيل” للأونروا بتوظيف أكثر من 400 “إرهابي” وتمّ تشكيل المجموعة المسؤولة عن المراجعة بعد اتّهام “إسرائيل” في جانفي الماضي بعض موظّفي الأونروا بالمشاركة في عملية “طوفان الأقصى” التي شنّتها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في 7 أكتوبر 2023.

وبينما استأنفت بعض الدّول التّمويل مثل السّويد وكندا واليابان والاتّحاد الأوروبي وفرنسا، لم تستأنف بلدان أخرى التّمويل مثل الولايات المتّحدة وبريطانيا.

وإثر ذلك طالب المفوّض العام لوكالة الأونروا فيليب لازاريني، مجلس الأمن بالتّحقيق في التّجاهل الصّارخ لعمليات الأمم المتّحدة بغزّة بعد استشهاد مئات من موظّفيها وتدمير مبانيها، موجّها انتقادات حادّة لسلطات الغزو والاحتلال “الإسرائيلية”.

ووفقًا لما نقلته  وكالات الأنباء، قال لازاريني إنّه دعا “أعضاء مجلس الأمن إلى إجراء تحقيق مستقل ومساءلة عن التّجاهل الصّارخ لمباني الأمم المتّحدة وموظّفيها وعملياتها في قطاع غزّة”، مضيفًا أنّ “مباني الوكالة التي تمّ إخلاؤها استخدمت لأغراض عسكرية، في حين تمّ اعتقال موظّفين تابعين للوكالة وتعذيبهم”، وأضاف لازاريني “هنا تكمن أهميّة إجراء تحقيق ومساءلة تجنّبًا لتكريس معايير أكثر تدنيًّا في أيّ نزاعات مستقبلية”، جاءت تصريحات لازاريني، غداة صدور تقرير للّجنة مستقلّة كلّفتها الأمم المتّحدة إجراء تقييم لأداء الوكالة.

ويذكر أنّه ومنذ اندلاع الحرب على غزّة استشهد 180 من موظّفي الأونروا، وتضرّر أو دمّر 160 من مبانيها، وقتل 400 شخص على الأقل أثناء سعيهم للحماية التي يوفّرها علم الأمم المتّحدة”، وفق ما صرّح به لازاريني.

وعلى أهمية التّقرير في دحض أكاذيب “إسرائيل” ومن يقف خلفها، وتعريتهم، وفضح أهدافهم الخبيثة المستهدفة من حيث المبدأ وجود وكالة الأونروا، وسعيهم الحثيث لتصفيتها، واستبدالها كخطوة متقدّمة على طريق شطب ملف اللّاجئين الفلسطينيين، أحد أهم الملفّات الأساسية للقضيّة الفلسطينية، إلّا أنّ التّقرير جانب الصّواب في أكثر من نقطة:

أوّلًا: محاولة تنفيذ سياسة تكميم الأفواه والغمز في حقّ الموظّفين الفلسطينيين في التّعبير عن مواقفهم السّياسية، التي تعكس حقّهم في الحريّة والاستقلال والعودة وتقرير المصير، في محاولة مفضوحة لعزلهم عن كينونتهم وانتماءهم لشعبهم؛

ثانيًا: التّقرير جاء خاليًا من أيّ إدانة لحكومة الحرب على افتراءاتها وتضليلها للمجتمع الدّولي واعتبار أنّها دول فصل عنصري وتطهير عرقي وتمارس في حربها سياسة التّطهير العرقي.

ثالثًا: لم يطالب التّقرير بملاحقة ومحاكمة قادة “إسرائيل” على ادعاءاتهم وافتراءاتهم وارتكابهم جرائم حرب بحقّ مؤسّسة أممية دولية ومنشآتها والعاملين فيها.

رابعًا: لم يشر التّقرير إلى تحميل حكومة نتنياهو اليمنية العنصرية المتطرّفة المسؤولية عن استهداف أكثر من 170 موظّفًا، وهو الرّقم الأعلى في خسائر هيئة الأمم المتّحدة من موظّفيها الأمميين منذ تأسيسها، مع أنّهم يفترض محميين بحكم عملهم في الوكالة الأممية. ولم يتعرّض التّقرير للتّدمير الهائل لمؤسّسات ومدارس ومراكز وكالة الغوث الصّحية من قبل “إسرائيل” التي بحسب قرار محكمة العدل الدّولية الأوّلي والاحترازي متّهمة بتهم الإبادة الجماعية.

في ظلّ التّحقيقات وانعدام الدّليل على الاتّهامات وكشف الحقائق والأسباب والمسبّبات وراء الادعاءات “الإسرائيلية” المضلّلة وهدفها تصفية القضية الفلسطينية وحجب المعلومات عن الجرائم المرتكبة وبعد افتضاح النّوايا “الإسرائيلية” فهل ستشرع الأمم المتّحدة عبر مجلس الأمن بتشكيل لجنة تحقيق أممية للتّحقيق في جرائم ما ارتكب من قبل حكومة الحرب بحقّ وكالة غوث وتشغيل اللّاجئين ومسائلة حكومة الحرب عن جرائمها بحقّ المؤسّسة الدّولية حسب طلب مفوّض “الأونروا” أو أنّ مجلس الأمن الذي يتعامل بسياسة الكيل بمكيالين سيتجاهل تلك المطالب استنادًا لشريعة الغاب التي شرعتها الولايات المتّحدة الأمريكية التي تقدّم الدّعم الكامل للتّغطية عن جرائم “إسرائيل” المرتكبة بحقّ مؤسّسة تتبع الأمم المتّحدة وهي نفس السّياسة والنّهج المتّبع في كلّ ما يتعارض وأمن الكيان “الإسرائيلي” أو الانتقاد أنّه معادي للسّامية.

علي أبو حبله - محامي فلسطيني

علي أبو حبله - محامي فلسطيني

اقرأ أيضا