بين مذكّرات الجنائية ومحاكمات الداخل.. نتنياهو طريدا أو سجينا

تشير العديد من التقارير إلى أنّ سلطة الاحتلال الصهيوني تلقت رسائل تفيد بإمكانية صدور أوامر اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي ضدّ مسؤولين صهاينة كبار من ضمنهم – مجرم الحرب – بنيامين نتنياهو، الذي التزمت حكومته الصمت إزاء سيناريوهات تزيد من جديتها، الأزمة الإنسانية التي تسبّب فيها “جيش” الاحتلال. ويبدو أنّ فرصة إصدار مذكرات الاعتقال – في القريب العاجل – باتت ممكنة جدا فيما تحاول سلطة الكيان الاستعانة بجهات دبلوماسية دولية نافذة وموالية للصهيونية من أجل منع صدور هذه الأوامر، لكن الكوارث المتلاحقة على الكيان لم تقف عند هذا الحد، فللمرة الأولى، فرضت الولايات المتحدة عقوباتٍ على وحدة “نيتسح يهودا” في “جيش” الاحتلال، ضمن محاولاتها في ترميم صورتها المتدهورة على مستوى العالم، في خطوة وصفها الإعلام الصهيوني بـ”الدراماتيكية”.

=== أعدّ الملف: حميد سعدون – سهام سوماتي – منير بن دادي ===

بمجرد أن اتخذت محكمة العدل الدولية، قرارات تدابير احترازية في قضية “الإبادة الجماعية” المرفوعة ضدّ الكيان الصهيوني، توقّع خبراء أنّ تلك القرارات ستمهّد الطريق إلى محاكمة واعتقال رئيس وزراء سلطة الكيان بنيامين نتنياهو وقادة جيشه.

وكانت محكمة العدل الدولية قد أمرت الكيان الصهيوني – في 26 جانفي الفارط – باتخاذ تدابير منع وقوع أعمال إبادة جماعية بحق الفلسطينيين، وتحسين الوضع الإنساني في قطاع غزة، لكن القرار لم يتضمن نص “وقف إطلاق النار”.

هؤلاء الخبراء ومن بينهم المحامي الباكستاني حسن إسلام شاد، أكدوا على أهمية وصف محكمة العدل الدولية القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا بأنها “معقولة” للنظر فيها. وقال شاد – وهو أول محام من دولة مسلمة بالمحكمة الجنائية الدولية – إن هذا القرار “يمثل الخطوة الأولى نحو محاسبة “إسرائيل” على بعض أعمال الإبادة الجماعية، وإن لم يكن كلها”.

وأوضح – في حديث مع الأناضول – أن “هذا الاستنتاج كشف أيضا عن الأساس القانوني لمسؤولية “إسرائيل”، مشيرا إلى تشكل “زخم سياسي كبير” في هذا الإطار. لافتا إلى “وجود مفهوم ولاية قضائية عالمية تربط جميع الدول، وبالتالي يجب عليها اتخاذ الخطوات اللازمة لمحاكمة المسؤولين عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية ضمن قوانينها الداخلية”.

وأضاف “من الممكن بالفعل أن نشهد في المستقبل القريب جدا أخبارا عن إصدار مذكرات اعتقال ضد بنيامين نتنياهو، أو قادة “الجيش” الصهيوني والأفراد المشاركين في الحملة العسكرية، وبمجرد أن يحدث ذلك، فسوف يكون ذلك هو اليوم الذي تندم فيه “إسرائيل” على أفعالها في غزة”، وفق حديث المحامي الباكستاني قبل نحو ثلاثة أشهر.

ولفت شاد أيضا إلى أن “الضغوط تتزايد ضد “إسرائيل” التي لم تحترم القانون الدولي طوال تاريخها”، وأنه “بعد قرار محكمة العدل الدولية، ستزداد الضغوط السياسية الداخلية على نتنياهو”.

“إسرائيل” المنبوذة

وبالفعل فقد زادت الضغوط على الكيان الصهيوني الذي وجد نفسه معزولا – بل منبوذا – على أكثر من مستوى، وفي المدة الأخيرة، قررت حكومة الاحتلال إطلاق حملة سياسية وقضائية لمنع محكمة الجنايات الدولية في لاهاي من إصدار أمر اعتقال دولي بحق نتنياهو.

وتشير عديد التقارير والتقديرات السياسية والحقوقية أن سلطة الاحتلال تلقت رسائل حول إمكانية صدور أوامر اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي ضد مسؤولين صهاينة كبار من ضمنهم نتنياهو.

ويعكس الصمت الإسرائيلي الرسمي تجاه هذه التقارير الهواجس التي تعيشها سلطة الكيان في ظل استمرار حرب الإبادة على غزة، مع ازدياد التقديرات بإمكانية تقديمها للمحاكمة الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب.

ووسط الرسائل التحذيرية الدولية، عقد ديوان نتنياهو جلسة سرية الثلاثاء 16 أفريل، تم خلالها استعراض سيناريوهات مثيرة للقلق ومخاوف جدية مرتبطة بصدور مذكرات اعتقال دولية بحق قيادات أمنية وعسكرية وسياسية لدى الكيان، وذلك حسب تقرير لقناة عبرية يوم الخميس 18 أفريل.

وشارك في المشاورات السرية كل من وزير الشؤون الإستراتيجية رون ديرمر، ووزير القضاء ياريف ليفين، ووزير الخارجية يسرائيل كاتس، بالإضافة لمختصين ومحامين يتعاملون مع هذه القضية في وزارة الخارجية والأمن.

وهيمنت على النقاشات مسألة الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، وتصريحات عدة دول بأن “إسرائيل” تنتهك القانون الدولي، فضلا عن معاملة السكان المدنيين في قطاع غزة بطريقة تنتهك اتفاقية جنيف الرابعة.

وخلال الاجتماعات التي عقدها الأربعاء 17 أفريل، مع وزير الخارجية البريطاني، ديفيد كاميرون، ووزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا باربوك، طرح نتنياهو هذه المسألة وطلب الحصول على دعم لندن وبرلين في مواجهة قرار بهذا الخصوص من قبل المحكمة الدولية.

عقوبات “نيتسح يهودا”

دقّت وسائل إعلام إسرائيلية جرس إنذار، ينبه إلى أن تطبيق الولايات المتحدة عقوبات على كتيبة “نيتسح يهودا” في الجيش الإسرائيلي، قد يفتح الباب أمام جهات أميركية ودولية لملاحقة مسؤولين لدى الكيان.

ومن المنتظر أن تعلن وزارة الخارجية الأميركية خلال أيام، عن عقوبات محتملة على هذه الكتيبة، بتهمة أنها شاركت في انتهاكات حقوق إنسان وأعمال عنف في الضفة الغربية، وهذه أول مرة تتجه واشنطن لاتخاذ هذه الخطوة ضد الجيش الإسرائيلي.

حذّرت صحيفة “يديعوت أحرنوت”، في تقرير لها نُشر الأحد، من أن هذه العقوبات المحتملة قد تسمح بملاحقة دولية لمسؤولين لدى الكيان؛ على رأسهم نتنياهو، ووزير الدفاع يوآف غالانت، وضباط وجنود، وهي سابقة لم تحدث منذ إنشاء الكيان.

وبالعودة إلى تحليل سابق، قال رئيس تحرير مجلة ‏‏”وقائع فلسطين” رمزي بارود إن “إسرائيل” استخدمت المحرقة اليهودية أو الهولوكوست بطرق عديدة، لتبرير وجودها وأعمال العنف التي ارتكبتها ضد العرب والفلسطينيين في غزة على مر السنين”. وبيّن بارود أن “إسرائيل” استخدمت الهولوكوست أيضا من أجل اتهام منتقديها وأعدائها بمعاداة السامية”.

وعبّر عن اعتقاده بأن “قرار محكمة العدل الدولية مهم وتاريخي للغاية، والحكومة الصهيونية تعلم جيدا أنه يشكل سابقة تاريخية”. ورأى بارود أن “هذا يعطي شرعية كبيرة للمقاومة الفلسطينية، لأنها أصبحت الآن تكافح ضد الإبادة الجماعية بشكل رسمي إلى حد ما”. وقال “لم تشِر محكمة العدل الدولية إلى حماس أو الجماعات الفلسطينية الأخرى على أنها إرهابية، بل أشارت إليها على أنها جماعات فلسطينية”.

وأكد بارود على أن “إسرائيل” بدأت تدرك أنها تفقد الشرعية بسبب أفعالها باعتبارها دولة لا تعترف بالقانون الدولي انطلاقا من موقف عامّ”. وقال إن “تصريح نتنياهو السريع والتصريحات التي أدلى بها مسؤولون إسرائيليون آخرون (بعد القرار القضائي) ما هي إلا مؤشرات على أن القضية (في العدل الدولية) تؤخذ على محمل الجد”.

وأوضح بارود أن تصريحات نتنياهو في أعقاب القرار الصادر عن محكمة العدل الدولية “كانت مليئة بالتناقضات” ويفتقد للمنطق. وأضاف “نتنياهو يتهم محكمة العدل الدولية باتخاذ قرار مُخز، ويقول أيضا إن “إسرائيل” ستواصل الحرب، لكنها ستحترم القانون الدولي. يبدو أن “إسرائيل” لم يعد لديها خطاب سياسي منطقي”. وأعرب بارود عن اعتقاده أن “الإفلاس السياسي لحكومة نتنياهو مستمر بعد قرار محكمة العدل الدولية، ومن المؤكد أن هذا سيؤدي إلى مزيد من عزلة “إسرائيل” مع مرور الوقت، وسيعزز موقف الفلسطينيين بشكل أكبر”.

وأشار إلى أن “أكثر محكمة تحترمها “إسرائيل” دوليا، هي محكمة العدل الدولية، بسبب موقفها من التطهير العرقي والإبادة الجماعية (بحق اليهود) وأن التجارب التاريخية لليهود لها تأثير في ذلك، ولذلك فإنه من التناقض التاريخي أن يبدأ الإسرائيليون في النظر إلى المحكمة نفسها على أنها عدو”، وفق بارود الذي ورأى أن “جنوب أفريقيا قامت بدورها على أكمل وجه في هذه القضية، ويتعين على الدول الأخرى أيضا أن تفكر في ما يجب عليها فعله”.

كما أن “هناك حاجة للضغط على الدول التي تدعم “إسرائيل””، بحسب بارود، “لأنه بدون دعم هذه الدول، لما تمكنت “إسرائيل” من القيام بهذه الأمور (الانتهاكات)، واليوم تُتهم “إسرائيل” بارتكاب جرائم إبادة جماعية”. وخلص بارود إلى القول “لذا، فإن الدول لديها كل الأسباب الأخلاقية والقانونية لتقول إن لدينا التزاما قانونيا بالشروع في إجراءات مقاطعة “إسرائيل” حتى تنهي احتلالها لفلسطين، أو ربما حتى يثبت أنها لم ترتكب إبادة جماعية في غزة”.

محكمة العدل الدولية أم المحكمة الجنائية الدولية؟

يأتي كل ذلك، فيما تتصاعد الدعوات الدولية من زعماء دول ومنظمات ومحامين لمحاكمة “إسرائيل” ورئيس حكومتها بنيامين نتنياهو، في المحكمة الجنائية الدولية، بتهم ارتكاب جرائم إبادة وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجريمة عدوان، ضد سكان قطاع غزة. وكانت المحكمة الجنائية الدولية قد أعلنت في 17 نوفمبر الماضي، تقدم خمس دول أعضاء فيها بطلب “للتحقيق في الهجمات الصهيونية على غزة”.

وهذه ليست المرة الأولى التي تتلقى فيها المحكمة الجنائية الدولية طلبات للتحقيق في جرائم ارتكبتها “إسرائيل” خلال السنوات الأخيرة، خاصة بعد انضمام دولة فلسطين لمحكمة الجنايات الدولية في 2015، ما يعني أن الجرائم التي ترتكب في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، أصبحت ضمن دائرة اختصاص المحكمة. ومن شأن الضغوط الدولية والشعبية للتسريع في محاكمة حكّام “إسرائيل” وعلى رأسهم نتنياهو، أن يصطدم بموقف متشدد من الولايات المتحدة، وبالأخص حلفائها الأوروبيين الأعضاء في المحكمة وبالأخص ألمانيا، رغم موقف إيرلندا وبلجيكا الداعم لفكرة محاسبة “إسرائيل”.

واكتسبت محكمة العدل الدولية – فيما يخص القضية الفلسطينية – حضورًا شرعيًا أدّى إلى تراجع دور المحكمة الجنائية الدولية، ومن هنا يأتي السؤال: كيف تعمل هذه المحكمة؟ ما هي مهامها وكيف يتم تعيين القضاة الذين يشتغلون فيها وما هو الفرق بينها وبين الجنائية الدولية؟

محكمة العدل الدولية، هي هيئة قضائية تابعة للأمم المتحدة. تأسست بموجب ميثاق الأمم المتحدة (الفصل الرابع عشر) في 26 جوان 1945 بمدينة سان فرانسيسكو الأمريكية ويطلق عليها أيضا اسم “المحكمة العالمية”. عملها يكمن في النظر في الخلافات والنزاعات بين الدول التي تعرض عليها وذلك في إطار مراعاة القانون الدولي.

لها أيضا دور استشاري في القضايا القانونية التي تطرح عليها من قبل المنظمات الأخرى التابعة للأمم المتحدة. تبلورت فكرة تأسيس محكمة دولية في القرن 19 خلال مؤتمر لاهاي للسلام الذي انعقد في العام 1899. ثم تطورت الفكرة مجددا في مؤتمر السلام الثاني الذي انعقد في نفس المدينة في 1907 ومن ثمة بعد تأسيس عصبة الأمم المتحدة في 1919 بعد نهاية الحرب العالمية الأولى (1914-1918).

وبدأت هذه المحكمة نشاطها للمرة الأولى في العام 1922 لكنها لم تتمكن من مزاولته بسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية. الأمر الذي أدى إلى تجميدها بشكل كامل إلى غاية 1946 وهو تاريخ انعقاد أول جلسة افتتاحية لها.

مهمات المحكمة؟

محكمة العدل الدولية هي الهيئة القضائية الرئيسية لمنظمة الأمم المتحدة، وتتمثل مهمتها، وفقا للقانون الدولي، في تسوية النزاعات القانونية التي تعرضها عليها الدول، وإصدار الفتاوى بشأن المسائل القانونية التي تحيلها إليها هيئات الأمم المتحدة ومؤسساتها المتخصصة المأذون لها بذلك.

يقع مقر محكمة العدل الدولية في مدينة لاهاي الهولندية جنوب البلاد. في مبنى يطلق عليه اسم “قصر السلام”. لديها موقع على شبكة الإنترنت تتوفر فيه جميع المحتويات المتعلقة بأشغالها باللغتين الرسميتين وهي الفرنسية والإنجليزية. كما تقترح أيضا بعض المحتويات، على غرار ملخصات الأحكام وآرائها الاستشارية وقرارتها باللغة العربية.

تتكون هيئة محكمة العدل الدولية من 15 قاضيا يتم انتخابهم من قبل الجمعية العامة ومجلس الأمن التابعين لمنظمة الأمم المتحدة لولاية مدتها 9 أعوام. فيما يعتبر جميع أعضاء “الأمم المتحدة” بحكم عضويتهم أطرافا في النظام الأساسي لهذه المحكمة. كما يجوز لأي دولة أن تنضم إلى النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية لكن بشروط تحددها الجمعية العامة لكل حالة بناء على توصية مجلس الأمن.

ويتم تنظيم انتخابات كل 3 سنوات على ثلث المقاعد بسبب انتهاء ولاية 5 قضاة خلال الأعوام الثلاثة الأولى من الولاية. ثم 5 في نهاية السنوات الست من الولاية مع إمكانية إعادة انتخابهم. فيما ينتمي كل قاض بشكل ملزم إلى بلد مختلف كونهم لا يمثلون بلدانهم، بل يتميزون بالاستقلالية التي تسمح لهم بالنظر في النزاعات بشكل حر ودون ضغوط.

تنص المادة 94 من ميثاق الأمم المتحدة على أن كل عضو من أعضاء “الأمم المتحدة” يتعهد أن يطبق حكم محكمة العدل الدولية في أية قضية يكون طرفا فيها. وفي حال امتنع أحد المتقاضين في قضية ما عن القيام بما يفرضه عليه حكم تصدره المحكمة، فالطرف الآخر له الحق أن يلجأ إلى مجلس الأمن. وبإمكان هذا الأخير تقديم توصياته أو إصدار قرار بالتدابير التي يجب اتخاذها لتنفيذ الحكم.

مراعاة التوازن الجغرافي للحصانة الدبلوماسية

تسعى محكمة العدل الدولية إلى مراعاة التوازن الجغرافي في طريقة تعيين وانتخاب القضاة. لذا يحتل القضاة الأفارقة 3 مقاعد. وأمريكا اللاتينية وبحر الكاريبي مقعدين. فيما تكون 3 مقاعد أخرى من نصيب منطقة آسيا و5 مقاعد لقضاة من الدول الغربية و2 لقضاة من أوروبا الشرقية مع العلم أن لكل الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن (الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا والصين وروسيا) قاض لها في هذه الهيئة.

في حالة رفع دعوى أمام المحكمة بعريضة مقدمة وفقا للفقرة 1 من المادة 40 من القانون الأساسي لمجلس الأمن، فيجب أن توضح العريضة الطرف الذي يرفع الدعوى والدولة المدعى عليها وموضوع المنازعة. كما ينبغي أن توضح العريضة قدر المستطاع الأسباب القانونية التي يبنى عليها المدعي قوله باختصاص المحكمة فضلا عن تعيين الطابع المحدد للادعاء. وهذا ما ستسعى القيام به جنوب أفريقيا التي رفعت دعوى ضد “إسرائيل”.

قبل أن يتولى أي عضو من أعضاء المحكمة مهامه، يجب عليه أن يدلي بتعهد رسمي أمام محكمة معلنة بأنه سيمارس مهامه وسلطته بنزاهة وضمير ودون أي تحيز لأي جهة كانت. فيما يتمتع أعضاء المحكمة بامتيازات وحصانة دبلوماسية تسمح لهم بالقيام بعملهم دون ضغوط أو خوف. كما لا يحق لأي موظف الانخراط في مهنة أخرى أو ممارسة وظيفة سياسية أو إدارية. عليهم أيضا ألا ينحازوا إلى طرف من طرفي النزاع.

أما بشأن سؤال: ما هو الفرق بين محكمة العدل الدولية والجنائية الدولية؟ فإن الإجابة تأتي كالآتي: الأولى تتعامل مع النزاعات والحروب بين الدول أما الثانية فهي تنظر في التهم الموجهة للأفراد.

واشنطن تتجه إلى معاقبة كتيبة ضمن “الجيش” الصهيوني

بينما تدرس المحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرات اعتقال دولية في المستقبل القريب بحق رئيس سلطة الاحتلال بنيامين نتنياهو ومسؤولين كبار آخرين على خلفية ارتكاب “جرائم حرب” ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، أثار توجه الولايات المتحدة لفرض عقوبات لأول مرة على كتيبة “نيتسح يهودا” – لانتهاكها حقوق الإنسان ضد الفلسطينيين بالضفة الغربية – غضب قادة الكيان وفق موقع عبري.

وللمرة الأولى، فرضت الولايات المتحدة عقوباتٍ على وحدة “نيتسح يهودا” في “جيش” الاحتلال، ضمن محاولاتها ترميم صورتها المتدهورة في العالم، في خطوة وصفها الإعلام الإسرائيلي بـ”الدراماتيكية”.

فقد قال نتنياهو، إن التوجه لفرض عقوبات أمريكية على وحدة في “الجيش” الصهيوني “قمة السخافة والتدني الأخلاقي”، وذلك في هجوم غير مسبوق على واشنطن، وفي تدوينة على حسابه عبر منصة إكس، كتب نتنياهو “لا يجوز فرض عقوبات على “الجيش” الصهيوني”، مؤكدا أن حكومته ستتحرك بكل الوسائل ضد هذه التحركات الأمريكية.

وفي وقت سابق من مساء السبت، نقل باراك رافيد المراسل الدبلوماسي لموقع والا عن 3 مصادر أمريكية لم يسمها، أنه من المتوقع أن يعلن وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، خلال الأيام المقبلة عن عقوبات ضد كتيبة نيتسح يهودا الصهيونية، على خلفية انتهاك حقوق الإنسان في الضفة الغربية.

يأتي هذا القرار في وقت تواصل واشنطن دعمها المطلق للاحتلال في حربه الهمجية ضدّ الفلسطينيين، وتستمر في تسليح “جيشه”، بالتوازي مع تراجع شعبية الرئيس جو بايدن في الولايات المتحدة، قبيل الانتخابات الرئاسية الأمريكية.

وتتزامن الخطوة الأمريكية أيضاً مع تدهور صورة واشنطن في العالم، نظراً إلى دورها الرئيس في استمرار الإبادة الجماعية التي ترتكبها “إسرائيل” في قطاع غزة، الأمر الذي دفعها إلى اتخاذ إجراءات تهدف إلى ترميم صورتها.

في السياق ذاته، أدرجت وزارة الخارجية الأمريكية، الجمعة، رئيس منظمة “لاهافا” الصهيونية، بن تسيون غوبشتاين، في لائحة العقوبات. وبحسب البيان الأمريكي، شارك أعضاء هذه المنظمة في “أعمال عنف مزعزعة للاستقرار في الضفة الغربية”، حيث قامت بأعمال عنف أو هدّدت بالعنف ضدّ الفلسطينيين، وخصوصاً تحت قيادة غوبشتاين.

وأدرجت وزارة الخزانة الأمريكية كيانين صهيونيين في لائحة العقوبات، بسبب “دوريهما في تنظيم حملات جمع تبرعات نيابةً عن اثنين من المتطرفين الأمريكيين، الذين شاركوا في أنشطة عنيفة”.

يُذكَر أنّ بايدن وقّع على قرار يفرض بموجبه عقوبات على مستوطنين صهيونيين “متورّطين في أعمال عنف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية”، أوائل فيفري الماضي. وحينها، درست إدارة بايدن درست فرض عقوباتٍ على وزير “الأمن القومي” الصهيوني، إيتمار بن غفير، ووزير المالية، بتسليئيل سموتريتش، لكنها قرّرت في النهاية عدم القيام بذلك.

وجاء القرار الأمريكي على الرغم من أنّ بن غفير “أمر الشرطة بعدم اعتقال المستوطنين الذين يعتدون على الفلسطينيين في الضفة”، في وقت تزعم واشنطن أنّها حريصة على محاسبة المستوطنين “المتطرفين”.

قالت رئيسة حزب العمل اليساري الإسرائيلي ميراف ميخائيلي، يوم الأحد، إن كتيبة “نيتسح يهودا” التي تعتزم واشنطن فرض عقوبات عليها “تقتل الفلسطينيين دون سبب حقيقي، وتسيء إلى المعتقلين”.

جاء ذلك في منشور لميخائيلي عبر منصة “إكس”، تعقيبا على عزم واشنطن فرض عقوبات على الكتيبة لانتهاكها حقوق الإنسان ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، وقالت رئيسة حزب العمل: “العقوبات المتبلورة على كتيبة نيتسح يهودا هي خطوة خطيرة وصعبة ومقلقة للغاية”. واعتبرت أن الرد على هذه العقوبات يجب أن يكون من خلال “الاعتراف بالواقع، والفهم أن سلوك “إسرائيل” في المناطق الفلسطينية لن يكون قادرا على الاستمرار”.

وأكدت أن “السلوك العنيف والفاسد لكتيبة نيتسح يهودا معروف منذ سنوات، ولم يتم فعل أي شيء لوقفه، ومنذ عامين أنشأت الولايات المتحدة فريق تحقيق حول الكتيبة، ولا يمكن للمستويات السياسية والعسكرية لدى الكيان أن تتظاهر بأنها لا تعلم بالأمر”. وقالت: “بدلا من الاستيقاظ والمواجهة، نحصل على جرعة أخرى من الإنكار والتشهير والأكاذيب وتغطية الواقع المرير، ما أدى إلى وضع يفرض فيه أهم حليف استراتيجي لـ”إسرائيل” عقوبات على كتيبة في جيشها”.

يجب حل الكتيبة

وأضافت ميخائيلي أن “نيتسح يهودا، هي كتيبة في “الجيش” الإسرائيلي كان ينبغي حلها منذ سنوات عديدة”. وأكدت أنها “كتيبة من شبيبة التلال (حركة صهيونية يمينية متطرفة)، أولئك الذين يعتبرون الدين ذريعة لمهاجمة العرب”. وعن نهج الكتيبة قالت ميخائيلي: “إنها كتيبة تدرب على عنف المستوطنين وتقتل الفلسطينيين دون سبب حقيقي، وتضرب وتسيء إلى المعتقلين الفلسطينيين”.

واعتبرت أن “الدفاع التلقائي من قبل الساسة في (صهيون) عن الكتيبة والقول إنها جزء لا يتجزأ من “الجيش” الصهيوني يلقي بظلال ثقيلة على “الجيش” بأكمله، وهذا يؤدي إلى فساد “الجيش” الصهيوني”. وختمت تدوينتها المطولة بالقول إن “العقوبات الأمريكية يجب أن تجعل “الجيش” الصهيوني يفهم ذلك، وأن يفكك نيتسح يهودا بشكل عاجل”.

ومساء السبت، نقل المراسل الدبلوماسي لموقع “واللا” الإخباري باراك رافيد عن 3 مصادر أمريكية لم يسمها، إنه “من المتوقع أن يعلن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، خلال الأيام المقبلة عن عقوبات ضد كتيبة نيتسح يهودا الصهيونية، على خلفية انتهاك حقوق الإنسان في الضفة”.

وخلف التقرير حالة من الغضب لدى الكيان، وشن نتنياهو هجوما غير مسبوق على واشنطن، اعتبر خلاله أن “التوجه لفرض عقوبات على كتيبة في “الجيش” الصهيوني هو قمة السخافة والتدني الأخلاقي”.

وستكون هذه المرة الأولى على الإطلاق التي تفرض فيها الإدارة الأمريكية عقوبات على وحدة عسكرية صهيونية بسبب أنشطتها في الضفة، وفق المصدر ذاته. وتم إنشاء كتيبة “نيتسح يهودا” عام 1999 كوحدة عسكرية خاصة لليهود المتشددين (الحريديم)، وجميع الجنود والضباط فيها من الرجال.

وفي سبتمبر 2022، أفاد المحلل العسكري لصحيفة “هآرتس” العبرية عاموس هرئيل، أن وزارة الخارجية الأمريكية بدأت إجراء فحص لكتيبة “نيتسح يهودا” في أعقاب عدة حوادث تورط فيها جنود من الكتيبة في أعمال عنف ضد المدنيين الفلسطينيين.

استقالة رئيس شعبة الاستخبارات في “الجيش” الصهيوني

أعلن “جيش” الاحتلال الصهيوني، أمس الاثنين، قبول استقالة رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) أهارون هاليفا، على خلفية فشله في كشف عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023.

وقال هاليفا في نص الاستقالة الذي قدمه لرئيس الأركان هرتسي هاليفي “إن شعبة الاستخبارات لم تقم بالمهمة التي اؤتمنت عليها” داعيا إلى “تشكيل لجنة خاصة للتحقيق في الأحداث التي قادت “إسرائيل” إلى ما جرى يوم السابع من أكتوبر”.

وتتبع شعبة الاستخبارات هيئة الأركان في “الجيش”، وتعدّ أكبر الأجهزة الاستخبارية، وتسند للهيئة مسؤولية تزويد الحكومة بالتقييمات الإستراتيجية التي على أساسها تُصاغ السياسات العامة، خصوصاً فيما يتعلق بقضايا الصراع. من جهته، قال زعيم المعارضة يائير لبيد إن استقالة رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية أمر مشرف، مشيرا إلى أنه كان من الأنسب أن يحذو رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حذوه.

وجاء في بيان للجيش أن هاليفا طلب، بالتنسيق مع رئيس الأركان، التنحي عن منصبه بسبب مسؤوليته القيادية بصفته رئيسًا لهيئة الاستخبارات العسكرية خلال أحداث 7 أكتوبر”.

وأضاف البيان “بموجب القرار الذي اتخذه مع رئيس الأركان وبموافقة وزير الدفاع يوآف غالانت، سيتنحى اللواء هاليفا عن منصبه وسيُحال إلى التقاعد من “جيش” الدفاع، بمجرد تعيين خلف له من خلال عملية منظمة ومهنية”. وفي وقت سابق أمس الاثنين، أعلنت إذاعة “جيش” الاحتلال أن هاليفا “قرر الاستقالة من منصبه، على خلفية فشله في التنبؤ بهجوم 7 أكتوبر” مضيفة أن الاستقالة “لن تكون فورية، لكنها متوقعة خلال أسابيع قليلة”.

وبحسب الإذاعة، يقول هاليفا في رسالته مخاطبا هاليفي “إلى جانب السلطة، تأتي مسؤولية ثقيلة، شعبة الاستخبارات تحت قيادتي لم ترقَ إلى مستوى مهمّتها” مضيفا “حملت ذلك اليوم الأسود بكل شجاعة، منذ ذلك الحين، ليلا ونهارا، سأحمل معي إلى الأبد آلام الحرب الرهيبة”.

وتعدّ هذه أول استقالة رسمية لقائد رفيع في “إسرائيل”، وخاصة بـ”جيش” الاحتلال، بينما تتواصل المطالبات في الشارع الإسرائيلي بمحاسبة المسؤولين العسكريين والسياسيين عن الفشل في الكشف والتعامل مع هجوم “طوفان الأقصى”.

ومنذ 7 أكتوبر الماضي، تشن “إسرائيل” حرب إبادة انتقامية مدمرة على قطاع غزة راح ضحيتها أكثر من 111 ألف فلسطيني ما بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، مخلفة دمارا هائلا، ومجاعة أودت بحياة أطفال ومسنين، حسب بيانات فلسطينية وأممية. وتواصل “إسرائيل” حربها رغم صدور قرار من مجلس الأمن بوقف إطلاق النار فورا، وكذلك رغم مثولها أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب إبادة جماعية.

اعتقاد صهيوني نسفه طوفان الأقصى..

ألف طريقة وطريقة للإفلات من العقاب

أفاد المحلّل السياسي الفلسطيني، مأمون أبو عامر، أنّ احتمالية إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكراتِ اعتقالٍ دولية في المستقبل القريب بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومسؤولين كبار آخرين على خلفية ارتكاب جرائم حرب ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، في حقيقة الأمر ليس بالأمر الجديد، فقد حصل ذلك في وقتٍ سابق مع عدد من المسؤولين الإسرائيليين الكبار بِتُهمٍ تتعلقُ بارتكاب جرائم حرب على خلفية اغتيال قائد الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) صلاح شحادة بقصف منزله عام 2002، وكان من بين أبرز هؤلاء المسؤوليين رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق دان حالوتس.

وفي هذا الصدد، أوضح أبو عامر في تصريح لـ “الأيام نيوز”، أنّه وبالرغم من عديدِ المطالب ودعوات التحقيق مع مسؤولين صهاينة في عدد من المحاكم الدولية، إلاّ أن الأمر غالباً ما ينتهي دون الوصول إلى أيّ حكم أو نتيجة تُذكر، فدائما ما يُفلت هؤلاء من العقاب وتجد في كل مرة الجانب الإسرائيلي نفسه، يستمر في سياسات القتل والتنكيل والتدميرِ بحق كل ما هو فلسطيني غير آبه لا بالأعراف الإنسانية ولا بالقوانين الدولية أو حتى بالملاحقات القضائية أو أوامر الاعتقال الدولية بحق قادة الاحتلال ومسؤوليه.

في السياق ذاته، أشار محدثنا إلى أنّ الاحتلال الصهيوني يتنصل في كل مرة من الدعاوى القضائية المرفوعة ضده، لأنّ هناك من يقف وراءه وهناك من يحمي “إسرائيل” أمام المجتمع الدولي، فعلى سبيل المثال لا الحصر نجد في المجتمع الغربي وسائلا تقنية قضائية للتهرب من هذه الملاحقات، حتى أنّ أمريكا الحليف الاستراتيجي للاحتلال الصهيوني، نفسها لا تعترف بشيء اسمه قرارات محكمة الجنايات الدولية ولا تنفذها بالأساس، إضافةً إلى أنّ فرنسا وبريطانيا كذلك لا تقومان بعمليات اعتقال رسمية لهؤلاء، وبالتالي فهم محميون في عدد كبير من الدول خاصةً الغربية بمجرد أنهم “إسرائيليون”.

على صعيدٍ متصل، أبرز الخبير في السياسة، أنّه قد يكون هناك فرضٌ لبعض العقوبات الخفيفة على عددٍ من الجنود الصهاينة الصغار، كأن يتم منعهم من السفر على اعتبار أنهم مطلوبين من المحاكم الدولية، أما المسؤولين السياسيين فقط يمتنعون عن الذهاب إلى بعض الدول التي فيها سلطة عالية للمحاكم، الأمر الذي قد يُسبب بعض الإشكاليات لهم، وبالتالي قد يتجنبون ويتفادون السفر إلى هذه الدول.

أمّا من الناحية العملية فيمكن لهؤلاء المسؤولين مثلا لقاء وزراء خارجية بعض الدول التي بها قوة نفوذ للجهاز القضائي على السلطة التنفيذية في خارج البلاد، ففي نهاية المطاف يجد هؤلاء المسؤولين الصهاينة ألف طريقة وطريقة للتهرب من هذه الإجراءات العقابية.

هذا، وفي ختام حديثه لـ “الأيام نيوز”، أبرز المحلّل السياسي الفلسطيني، مأمون أبو عامر، أنّه في حال ما إذا توالت هذه الاستدعاءات وتم إصدار مذكرات اعتقال فعلية بحق كبار المسؤولين الصهاينة وفي مقدمتهم مجرم الحرب بنيامين نتنياهو، ربما قد يكون هناك ضغط حقيقي قد يؤدي إلى تغير فعلي في هذا الاتجاه، لكن إذا بقيت الأمور فقط على مستوى بعض الأفراد هنا أو هناك، أعتقد أن الممارسات والنتائج السابقة سوف تتكرر ولن يكون هناك أيّ شيء عملي على أرض الواقع للأسف الشديد، وسيواصل هذا الاحتلال النازي الفاشي ارتكاب المزيد من الجرائم والمجازر المروعة بحق أبناء الشعب الفلسطيني الأعزل، لأنه في كل مرة يضمن الإفلات من العقاب والمحاسبة.

في ظل الصمت الدولي الفاضح..

بين واقع الإبادة الجماعية وأمنية الإدانة

بقلم: سمر شمة – إعلامية سورية

شهد تاريخ البشرية على مرّ العصور كثيرًا من المجازر التي ارتُكبت من الدول، والميليشيات، والجماعات الإرهابية، على المستويين الداخلي ضد شعوبها، والخارجي ضد الشعوب الأخرى، إضافةً إلى الحروب الدموية التي أسفرت عن قتل، وتدمير، وتهجير، وتطهير عرقي، ومجاعات، وجرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، وإبادة جماعية.

دمرّ المغول بغداد، وارتكبوا مجازر كبرى فيها، قتلوا ونهبوا وأحرقوا المباني والمنازل والمكتبات، وألقوا بالكتب في مياه نهر دجلة التي تحولت إلى اللون الأسود، واعتدوا على النساء في العراق والشام، وأبادوا قبائل بأكملها. كذلك فعل الفرس، والإغريق، والرومان. ومنذ ذلك التاريخ، وحتى الآن، لم تتوقف هذه الجرائم، بل أصبحت أشدّ وحشية وفتكًا ودمارًا.

اليوم، ومنذ السابع من أكتوبر 2023، ما زالت قوات الاحتلال الإسرائيلية توغل في جرائمها، وفي الإبادة الجماعية، في غزة، من قتل واعتقال وتعذيب وحشي، وتدمير للمنازل والجوامع والكنائس والمستشفيات والمؤسسات التعليمية والثقافية والسياسية والاقتصادية، وتوغل في سياسات التهجير القسري الممنهج لسكان القطاع، والتنكيل بالأسرى وجثث الشهداء والجرحى والمصابين، وسط صمت وتواطؤ دولي وعربي مشين.

تجدد الحديث عن الإبادة الجماعية منذ ذلك التاريخ، بعد التطهير العرقي الذي تمارسه “إسرائيل”، وبعد مثولها أمام محكمة العدل الدولية إثر اتهام جنوب أفريقيا لها في 29 ديسمبر الماضي بممارسة إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني في غزة، وتقديمها لأدلة جوهرية تثبت هذه الجريمة، ونوايا قادة “إسرائيل” في ارتكابها، إضافة إلى شهادات وتعليقات السياسيين والعسكريين الصهاينة التي تحض على هذه الجريمة.

وركزّت لائحة الاتهام على أن السياسة الإسرائيلية تؤدي إلى تدمير الوجود المادي للفلسطينيين في القطاع، وتعاملهم بطريقة تجردهم من إنسانيتهم مستشهدة بتقارير للأمم المتحدة، إضافة إلى أدلة تدلّ على قتل الفلسطينيين بمن فيهم الأطفال والنساء بأعداد كبيرة والتسبب في أذى جسدي وعقلي خطير، وفرض ظروف معيشية تسعى إلى تدميرهم وتهجيرهم قسريًا، إضافة إلى حرمانهم من الماء والغذاء والنظافة والمأوى والمساعدات الطبية، وتدمير المرافق العامة، ومحو عائلات بأكملها، وفرض إجراءات لمنع الولادات الفلسطينية.

وبالرغم من دفاع بعض الدول عن “إسرائيل” والخلافات الدائرة، فقد اتهمت منظمة الدفاع عن الأطفال في نوفمبر الماضي الولايات المتحدة بالتواطؤ مع جريمة الإبادة الجماعية في غزة.

وذكر محامون في مركز الحقوق الدستورية أن الاحتلال يدمرّ السكان هناك، بينما قالت منظمة الصوت اليهودي من أجل السلام: “إن الحكومة الإسرائيلية أعلنت حرب إبادة جماعية في القطاع”، ودعت أصحاب الضمير الحي لإيقافها فورًا، وقال المؤرخ الإسرائيلي راز سيغال: “إسرائيل غارقة بعمق في خطاب الإبادة الجماعية، ويجب أن تكون هناك نيّة وفعل لتسمية الأحداث باسمها الحقيقي”، وقالت مقررة الأمم المتحدة فرانشيسكا ألبانيز: “إسرائيل” تقوم بأعمال إبادة في غزة، ويبدو أن نيتها تدمير الفلسطينيين بشكل كلّي، أو جزئي”، بينما أعلنت الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال أن عام 2023 هو عام الإبادة الجماعية بحق أطفال فلسطين، وكان المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابي قد قال منذ عام 2007: “إن الإبادة الجماعية هي الطريقة الوحيدة لوصف ما يفعله الجيش الإسرائيلي في غزة”.

ومعروف للجميع أن الإبادة الجماعية المتواصلة في قطاع غزة منذ شهور ليست الأولى، بل هي سياسة وسلوك ثابت للاحتلال منذ احتلاله لفلسطين حتى الآن، بل وقبله أيضًا عندما عملت العصابات الصهيونية على إبادة وقتل وتهجير وتدمير مدن وبلدات كاملة، وأحلّت مكانها تجمعات لمستوطنين يهود، وقد وجهت لـ”إسرائيل” اتهامات بالتحريض، وتنفيذ الإبادة الجماعية، خلال تاريخ القضية الفلسطينية، وذلك بناء على المجازر والحروب التي قام بها العدو الصهيوني على مدى عقود، ومنها مثالًا لا حصرًا مجزرة الدوايمة، مذبحة دير ياسين، مذبحة خان يونس في 12 نوفمبر 1956، مجزرة صبرا وشاتيلا: وهي مذابح جرت عام 1982 في مخيمين للاجئين الفلسطينيين في لبنان، مذبحة الطنطورة، مذبحة كفر قاسم في 29  أكتوبر 1956، مجزرة الحرم الإبراهيمي في الخليل، مذبحة مخيم جنين: جرت خلال الانتفاضة الثانية في أفريل 2002 واستشهد فيها أكثر من 500 شهيد وشهيدة، إضافةً إلى الاعتداءات على قطاع غزة وجرائم الإبادة: 2008 ــ 2009 ــ 2012 ــ 2014 ــ 2021 ــ و2023.

وقد حدثت مجازر أثناء هذه الاعتداءات الوحشية، وتم تدمير وقصف القطاع بكل ما فيه من بشر وحجر، غير أن العدوان الأخير والمتواصل حتى الآن على غزة هو الأعنف والأشد وحشية والأكثر استخدامًا للأسلحة الفتاكة في تدمير  المنشآت  والمدارس والمستشفيات، والأكثر قتلًا للصحافيين، والعاملين في المنظمات الدولية الإنسانية، والصليب الأحمر، والهلال الأحمر، والصحة العالمية، والكوادر الطبية والتعليمية والصحافية، إضافة إلى الأعداد  الهائلة للشهداء والمعتقلين والمصابين، والتدمير الكلي والممنهج، وكل  بقعة في القطاع تشهد على ذلك، وهذا ما دفع بعلماء القانون الدولي إلى توجيه تهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وإبادة جماعية، للاحتلال في غزة، حتى أن مؤرخ الهولوكوست الإسرائيلي عومر بارتوف قال: “إن تصريحات كبار المسؤولين الاسرائيليين تؤكد على وجود نية الإبادة الجماعية لديهم منذ السابع من أكتوبر الماضي حتى الآن”.

وإذا نظرنا إلى القواسم المشتركة والمتكررة في هذه المجازر نجدها تتجلى في تدمير المنشآت السكنية والمرافق العامة والمؤسسات التابعة للأونروا، وللفعاليات المدنية، والمنظمات الدولية الإنسانية والصحية والقانونية، إضافة إلى استخدام الطائرات الحربية، والمدافع، والمدرعات، وإعدام المدنيين، وإبادة وقتل عائلات بأكملها، وسرقة جثث الشهداء والتنكيل بها، ومنع إسعاف الجرحى والمرضى والمصابين.

أشار عدد من منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان، ووكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين، وهيومن رايتس ووتش، وأطباء بلا حدود، ومنظمة الصحة العالمية، وغيرها، إلى ارتكاب “إسرائيل” جرائم حرب في غزة.

الجدير ذكره أن هنالك عوائق تحول دون تطبيق بنود الاتفاقية الخاصة بالإبادة الجماعية، وخاصة في دول وقعت عليها، كالبحرين، وفيتنام، واليمن، ويوغسلافيا، شرط ألا تُستخدم ضدها في محكمة العدل الدولية دون موافقتها في حال اتُهمت بهذه الجريمة، إضافة إلى الدول التي حصلت على حق الحصانة من الملاحقة القانونية، كالولايات المتحدة الأميركية، التي رفضت السماح بمناقشة تهمة الإبادة الجماعية التي وجهتها يوغوسلافيا سابقًا ضد أميركا عقب حرب كوسوفو 1999.

وهنالك عوائق أخرى تتجلى بالخلاف بين المنظّرين ورجال القانون حول التطهير العرقي والإبادة في قرننا الحالي، وفي القدرة على إثبات هذه الجرائم، إذ أن تعريف الأمم المتحدة لهذه الجريمة استند بشكل أساسي على وجود النيّة بالقضاء على مجموعة بأكملها، وهذا يتعذر إثباته، وفي الإرادة الدولية التي تكيل بمكيالين في هذه القضايا.

وبالنسبة لجرائم الصهاينة في فلسطين وغزة، وحسب نص المادة 8 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فقد أشار عدد من منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان، ووكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين، وهيومن رايتس ووتش، وأطباء بلا حدود، ومنظمة الصحة العالمية، وغيرها، إلى ارتكاب “إسرائيل جرائم حرب في غزة، حتى أن مدير مكتب المفوضية العليا لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة غريك مخيبر استقال من منصبه احتجاجًا على الصمت الدولي إزاء “حالة سافرة من الإبادة الجماعية في غزة”، كما قال.

حتى الآن، لم تبت المحكمة الدولية إلا في عدد قليل من الوقائع على أنها تشكل جريمة إبادة جماعية، وذلك لتعذر الاتفاق حول التوصيف، ولتدخل الدول والأنظمة في عملها.

ولكن المهم في الأمر أن جميع الاتفاقيات المتعلقة بالإبادة الجماعية تنصّ على أنها: “جرائم لا تخضع للتقادم، ومرتكبوها لا يستفيدون من الحصانة، إذ تتم ملاحقة كل شخص ارتكبها، أو أمرَ بارتكابها، من دون النظر إلى منصبه، وفقًا للمادتين الرابعة والثالثة من اتفاقية منع هذه الجريمة النكراء”، ولعل ذلك يعطي للبشرية أملًا بعيدًا، أو وهمًا جديدًا، بأن العدالة ستأخذ مجراها يومًا ما ولو نسبيًا.

محكمة الجنايات الدولية أمام التحدي الأكبر..

ما دور المنظمات غير الحكومية في تعزيز العدالة الدولية؟

بقلم: محمد آدم المقراني – محام وناشط حقوقي جزائري

في الآونة الأخيرة، أفادت تقارير بأنّ سلطات الاحتلال “الإسرائيلي” تلقّت إشارات تحذيرية تفيد بإمكانية صدور أوامر اعتقال دولية ضدّ مسؤولين بارزين، بما في ذلك رئيس الحكومة الحالية بنيامين نتنياهو، من قِبل المحكمة الجنائية الدّولية في لاهاي، بسبب الجرائم المرتكبة ضدّ المدنيين في فلسطين.

تتزامن هذه التّقارير مع استمرار الأزمة الإنسانية في المناطق المحتلّة، حيث تسبّب العدوان المستمر في دمار واسع وخسائر في الأرواح بين المدنيين الفلسطينيين، الأمر الذي يلقي بظلاله على الجهود الدّولية لمحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم.

في ظلّ هذه الظّروف، تسعى سلطات الاحتلال “الإسرائيلي” إلى الاستعانة بجهات دبلوماسية دولية نافذة، موالية للصّهيونية، في محاولة لمنع صدور أوامر الاعتقال والتي يُنظر إليها على أنّها ستشكّل سابقة قانونية مهمّة.

تعتبر المحكمة الجنائية الدّولية أداة قانونية مهمّة قادرة على محاسبة الأفراد الذين ارتكبوا جرائم ضدّ الإنسانية، لكن فعاليتها تعتمد بشكل كبير على دعم المجتمع الدّولي وتعاونه، كما أنّ تحقيق العدالة في مثل هذه القضايا يتطلّب دعماً قويّاً وإرادة سياسية لا تلين لمواجهة تحدّيات النّفوذ السّياسي والدّبلوماسي الذي قد يعرقل مسار العدالة، فالدّول الكبرى والمنظّمات الدّولية لها دور حاسم في هذا الإطار، حيث يمكنها ممارسة ضغط كبير لضمان التّعاون مع المحكمة وتنفيذ قراراتها.

بالإضافة إلى ذلك، يجب على المحكمة العمل بشفافية تامّة لكسب ثقة العالم وتأكيد استقلاليتها وحيادها، وهو ما يعزّز من مصداقيتها ويقوّي موقفها كهيئة قضائية دولية موثوقة، فالشّفافية والمساءلة هما الرّكيزتان الأساسيتان التي تُبنى عليهما العدالة الفعّالة والتي تضمن أن لا أحد فوق القانون، مهما كانت الظّروف السّياسية أو العسكرية.

من ناحية أخرى، يظهر التحدّي في مقاومة الضّغوط الخارجية، خاصّة من الدّول التي تدعم الكيان “الإسرائيلي” دبلوماسيًا وسياسيًا. يتطلّب ذلك جهدًا جماعيًا من المجتمع الدّولي للحفاظ على استقلالية المحكمة وتمكينها من تنفيذ مهامها دون خوف أو محاباة، فالدّعم الشّعبي والحقوقي أيضًا يلعب دورًا مهمًّا في هذا السّياق، حيث يمكن للحركات الاجتماعية والمنظّمات غير الحكومية أن تعزّز الوعي بأهميّة العدالة الدّولية وتدعم جهود المحكمة من خلال الضّغط على الحكومات وتعزيز السّياسات الدّاعمة للقانون الدّولي.

في الختام، تظلّ القضيّة الأساسية هي ما إذا كان المجتمع الدّولي سيستطيع فعلاً إنهاء ظاهرة الإفلات من العقاب التي شهدتها العديد من النّزاعات والجرائم عبر التّاريخ.

إنّ الجهود المستمرّة والمتواصلة لتعزيز دور المحكمة الجنائية الدّولية وضمان التّعاون الدّولي الفعّال يمكن أن تؤدّي إلى إنشاء نظام عدل دولي أكثر فعالية وعدلاً، حيث تُحترم حقوق الإنسان وتُحمى بغضّ النّظر عن الحدود الجغرافية أو القوّة السّياسية. 

نحو تغليب منطق المساءلة الدولية..

المطلوب “تقديم قادة الكيان للمحاكمة الدولية

بقلم: علي أبو حبله – محام فلسطيني

قال ممثّل الجزائر الدّائم لدى الأمم المتحدّة عمار بن جامع، إنّ “القرار التّاريخي لمحكمة العدل الدّولية يؤكّد أنّ زمن الإفلات من العقاب قد انتهى دون رجعة”، في إشارة إلى قرار المحكمة في الدّعوى المقامة من جنوب إفريقيا ضدّ “إسرائيل”، والتي اتّهمتها فيها بارتكاب جريمة إبادة جماعية في غزّة.

قرار المحكمة الدّولية فتح الباب واسعًا لملاحقة قادة “إسرائيل” أمام محكمة الجنايات الدّولية بتهم ارتكاب جرائم حرب، ووفق رأي الخبير القانوني الدّولي ومدير قسم الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظّمة “أفدي الدّولية” عبد المجيد مراري فإنّ محكمة العدل “تضع حدًّا للإفلات من العقاب، وتؤكّد حقّ الفلسطينيين في الحماية من أعمال الإبادة الجماعية”. وأنّ هذا القرار “سيعزّز المساعي الفلسطينية أمام المحكمة الجنائية الدّولية، ويعدّ أساس قانوني يمكن الاعتماد عليه كمرجعية في التّحقيقات ومن شأن ذلك أن يجعل المدّعي العام في الجنائية الدّولية في وضع يمكّنه من إصدار مذكّرات توقيف في حقّ مجرمي الحرب”.

وترى الخبيرة القانونية ناريمان أنّ “قرار محكمة العدل الدّولية وضع “إسرائيل” فعليًا في قفص الاتّهام وسطّر خسارتها أمام القانون الدّولي، مشيرة إلى أنّه سيتعيّن على الحكومات والدّول التي دعّمت سلطة الاحتلال التّفكير جديًّا لتجنّب اتّهامها بالتّواطؤ”.

إنّ قرار المحكمة الجنائية الدّولية اعتزامها إجراء تحقيق حول إمكانية ارتكاب “إسرائيل” جرائم حرب في الأراضي الفلسطينية هو سابقة في تاريخ الكيان “الإسرائيلي”، وبرأي خبراء القانون، فإنّ القرار مؤشّر على نهاية إفلات “إسرائيل” من العقاب وإن “إسرائيل” لم تكن قطّ متخوّفة من إمكانية إجراء تحقيق مستقل بخصوص ارتكاب جرائم حرب في الأراضي الفلسطينية، ولكن تخوّفها في الأساس من إصدار مذكّرات جلب وإحضار وتوقيف بحقّ قادة الكيان الصّهيوني وهو ما يعتبر نهاية للإفلات “الإسرائيلي” من العقاب.

فقد كشفت وسائل إعلام عبرية أنّ رئيس حكومة الاحتلال “الإسرائيلي” بنيامين نتنياهو يخشى أن تصدر المحكمة الجنائية في لاهاي أوامر باعتقاله ومسئولين آخرين بسبب الانتهاكات في العدوان على غزّة. وبحسبها فإنّ نقاشًا عاجلًا جرى مؤخّرًا في مكتب رئيس الوزراء وظلّ سريًّا حتّى الآن، ظهرت فيه سيناريوهات مثيرة للقلق ومخاوف جديّة تسمح بإصدار مذكّرات اعتقال دولية من المحكمة الجنائية الدّولية في لاهاي بحقّ كبار المسئولين الصّهاينة والقادة الأمنيين والسّياسيين بمن فيهم نتنياهو نفسه.

وذكرت أنّ النّخبة السّياسية والقانونية العليا في “إسرائيل” كانت حاضرة في المناقشة، وأشارت القناة العبرية إلى أنّ خلفية إصدار مذكّرات اعتقال دولية هي الحرب في غزّة. وأكّدت أنّ نتنياهو طلب من وزيري خارجية بريطانيا وألمانيا خلال زيارتهما الكيان “الإسرائيلي” التدخّل لمنع إصدار أوامر اعتقال من قبل المحكمة الجنائية.

وأوضحت أنّ تل أبيب حصلت على معلومات ورسائل تفيد باحتمال إصدار أوامر كهذه على نحو كبير، وقد يكون إصدارها نهاية الشّهر المقبل. وأفادت بأنّ المشاورات طرحت مسألة الأزمة الإنسانية في قطاع غزّة، وتصريحات عدّة دول بأنّ “إسرائيل” تنتهك القانون الدّولي، فضلًا عن معاملة السكّان المدنيين في قطاع غزّة بطريقة تنتهك اتفاقية جنيف الرّابعة.

وفي نهاية المناقشة تمّ اتّخاذ قرار بمحاولة اتّخاذ بعض الإجراءات العاجلة في اللّحظة الأخيرة أمام المحكمة الجنائية الدّولية في لاهاي وأمام الأحزاب السّياسية النافذة أيضًا، وذلك لمنع صدور أوامر الاعتقال.

على قادة الكيان الإسرائيلي أن يعلموا أنّ عهد وعصر الإفلات من العقاب قد انتهى ويجب على العالم أن يدرك أنّ إنهاء الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني هو شرط مسبق لوقف انتهاكات حقوق الإنسان المتكرّرة في “إسرائيل” والأراضي الفلسطينية المحتلّة.

بموجب القانون الدّولي الإنساني، يُفترض أن يكون احتلال إقليم ما أثناء فترة نزاع مؤقتًا. ويتعيّن على سلطة الاحتلال أن تدير الأرض لصالح السكّان المحليين أبناء الأرض المحتلّة وأن تحافظ قدر الإمكان على الوضع السّابق للاحتلال، بما في ذلك عن طريق احترام القوانين القائمة والامتناع عن إدخال تغييرات ديمغرافية والتّلاعب بالوحدة التّرابية للأراضي المحتلّة.

ولا يزال قطاع غزّة محتلًا حتّى بعد انسحاب القوّات “الإسرائيلية” منه وإخلاء المستوطنين في 2005، حيث تحتفظ “إسرائيل” بالسّيطرة الفعلية على القطاع وسكّانه، بما في ذلك من خلال سيطرتها على حدوده ومياهه الإقليمية ومجاله الجوّي والسّجل السّكاني لمواطنيه. ومنذ 16 عامًا، تتجلّى مظاهر الاحتلال في غزّة من خلال الحصار “الإسرائيلي” غير القانوني الذي يقيّد بشدّة حركة الأشخاص والبضائع ويدمّر اقتصاد غزّة، ومن خلال جولات متكرّرة من الأعمال العدائية التي قتلت وجرحت آلاف المدنيين ودمّرت البنية التّحتية والمساكن في غزّة.

يتعرّض الفلسطينيون الذين يعيشون تحت الاحتلال “الإسرائيلي” لعدد لا يحصى من انتهاكات حقوق الإنسان، يبقي عليها نظام مؤسّسي من الهيمنة والاضطهاد المُمنهجيْن. فقد أدّت القوانين التّمييزية والقمعية، التي اعتُمدت ظاهريًا كجزء من الاحتلال ولكنّها تخدم فعليًا أهداف نظام الفصل العنصري “الإسرائيلي”، إلى شرذمة وعزل وتفرقة الفلسطينيين في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلّة، بينما تستغلّ مواردهم بشكل غير قانوني وتقيّد حقوقهم وحرّياتهم بشكل تعسّفي، وتسيطر على كافة جوانب حياتهم تقريبًا.

وتوثّق منظمة العفو الدّولية، منذ ستة عقود، ارتكاب القوّات “الإسرائيلية” انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلّة مع الإفلات من العقاب.

في العام 2022، أصدرت المنظّمة تقريرها الذي حمل عنوان: نظام الفصل العنصري (أبارتهايد) “الإسرائيلي” ضدّ الفلسطينيين: نظامٌ قاسٍ يقوم على الهيمنة وجريمة ضدّ الإنسانية، والذي يسلّط الضّوء على الدّور الرّاسخ الذي لعبه الجيش “الإسرائيلي” واحتلاله في إدامة نظام الأبارتهايد. وتؤكّد العديد من نتائج التّقرير وتوصياته على الحاجة الملحّة لإنهاء الاحتلال “الإسرائيلي” لإزالة البيئة التي تمكّن من ارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية وجرائم حرب.

وقد آن الأوان لوضع حدود لهذه الانتهاكات الخطيرة التي تتطلّب ملاحقة قانونية وجنائية ضدّ قادة الاحتلال ومساءلتهم ومحاكمتهم أمام محكمة الجنايات الدّولية لوضع حدّ لجرائم الإبادة الجماعية وممارسة سياسة الأبارتهايد “الفصل العنصري” مع ضرورة انصياع “إسرائيل” لكافّة قرارات الشّرعية الدّولية وإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية بما فيها القدس.

موقف ألمانيا على المحكّ..

فرصة تاريخية للتخلص من ابتزاز اللوبي الصهيوني!

بقلم: علي سعادة – كاتب وصحفي أردني

تقف ألمانيا للمرّة الثّانية في الجانب الخاطئ من التّاريخ، وبدلًا من أن تتحرّر من سطوة اللّوبي الصّهيوني الذي يبتزّ الشّعب الألماني منذ نهاية الحرب العالمية الثّانية وحتّى اليوم، تواصل تكبيل يديها بهذا اللّوبي الجشع المتعطّش دائمًا للأموال ولمطاردة أيّ صوت ينتقد الدّولة المارقة والمنبوذة في فلسطين المحتلّة.

أكثر من 82 مليار دولار حصلت عليها سلطة الاحتلال من ألمانيا بحجّة المحارق النّازية، وهو مبلغ ضخم استثمره الاحتلال في قمع الشّعب الفلسطيني وفي مصادرة أراضيه، وارتكاب مجازر لا تعدّ ولا تحصى من كثرتها توّجها بالإبادة الجماعية في قطاع غزّة على مرأى من العالم أجمع، وعلى مرأى من الحكومة الألمانية نفسها.

في معرض ردّها في مرافعتها أمام محكمة العدل الدّولية قالت ألمانيا إنّ أمن سلطة الاحتلال “الإسرائيلي” هو “في صميم” السّياسة الخارجية لبرلين، رافضة بشكل حازم اتهامات نيكاراغوا ومفادها أنّ ألمانيا “تسهّل الإبادة” في غزّة بسبب تصدير الأسلحة إلى سلطة الاحتلال بالتّزامن مع العدوان على غزّة.

وشدّد محامو نيكاراغوا على أنّ ألمانيا تنتهك اتفاقية الأمم المتحدة لمنع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها المبرمة العام 1948.

وتخنق الحكومة الألمانية أيّ صوت ينتقد جرائم الاحتلال في غزّة وهي جرائم حرب وإبادة وفقًا لتقارير صدرت عن منظّمات وهيئات وشخصيات تتبع الأمم المتّحدة.

ومن الأدلّة على هذا التّضييق على المحتوى والصّوت المساند للشّعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة، فقد قرّرت هيئة الإذاعة والتّلفزيون في جنوب غرب ألمانيا “SWR”، قبل أيّام فصل مذيعة لديها من أصول سورية ومولودة في ألمانيا عقب دعوتها إلى مقاطعة المنتجات “الإسرائيلية” تضامنًا مع الشّعب الفلسطيني في قطاع غزّة.

وكان مشهد اعتداء رجال الشّرطة الألمانية بشدّة على سيدة مسلمة ترتدي الحجاب داخل محطّة القطار المركزية في برلين، ضمن القمع الشّديد الذي قوبلت به مظاهرة مؤيّدة للشّعب الفلسطيني، مثيرًا للغضب على نطاق واسع في منصّات التّواصل.

وأظهر المقطع العديد من ضبّاط الشّرطة وهم يحيطون بالسّيدة قبل أن يسقطوها أرضًا بعنف شديد، وهي تصرخ وتقول: “ما هذا؟ ماذا تفعل؟”. وسارع شرطيان إلى تثبيت السّيدة على الأرض خلال اعتقالها، فيما تتصاعد صراخات المحيطين بها إثر قمع الشّرطة الألمانية للمتظاهرين واعتقال العديد منهم، واحتجزت الشّرطة المرأة المحجّبة رغم أنّها لا تشكّل أيّ تهديد.

العالم أجمع بدأ يتحدّث عن جرائم سلطة الاحتلال وبشكل خاص تعمّد تجويع سكّان القطاع بمنع دخول المساعدات وإذا دخلت يتمّ قتل المشرفين عليها، كما بدأ الحديث عن تحوّل هذه الدّولة المصطنعة في قلب الوطن العربي إلى دولة محاصرة ومعزولة عن المحيط الإنساني بأكمله، بعد تعمّدها قتل وإصابة أكثر من 100 ألف فلسطيني غالبيتهم من الأطفال والنّساء.

نظنّ أنّ هذه هي الفرصة المناسبة للحكومة الألمانية للتخلّص من عبء الصّهيونية، والتحرّر من تاريخ مضى عليه أكثر من 80 عامًا، وحان الوقت لإغلاق الملف وعدم الخضوع من جديد لابتزاز لوبي لا يشبع ومتسلّق على حبال الكذب والمراوغة.

وربّما تكون قضيّة نيكاراغوا ضدّها أمام محكمة العدل الدّولية فرصة لليقظة إذ لا يمكن بقاء ألمانيا تدفع ثمن حدث تاريخي قديم نسيه العالم إلى الأبد

نهاية زمن المظلومية والمسكنة..

النيران تحيط الكيان من كل الجبهات!

بقلم: عبد الله المجالي – كاتب وإعلامي أردني

يخوض العدو الصّهيوني معارك في جبهات متعدّدة أطلقتها معركة “طوفان الأقصى”، حيث تقع معركة الوعي والسّمعة في قلب تلك الجبهات، ولعلّ خسائر العدو فيها هي الأبرز، فلأوّل مرّة منذ إنشاء الكيان يواجه مأزق الشّرعية ويواجه مخاطر فقدان المظلومية والمسكنة ودعم الرّأي العام في بلدان حلفائه.

رغم التّهديد والمحاكمات ينتشر في الغرب شعار “من البحر إلى النّهر”، وبرغم اختلاف تفسير الشّعار، إلّا أنّه يسبّب صداعًا نصفيًا للاحتلال، ويصرّ على تفسيره أنّه محاولة لتدمير الكيان.

كشْف الكيان عن وجهه الحقيقي في غزّة الذي ظلّ سنوات يخفيه، تسبّب له بخسائر كبيرة على المستوى الدّولي؛ فهو لأوّل مرّة يمثل أمام محكمة العدل الدّولية بتهمة “الإبادة الجماعية”، ولأوّل مرّة توجّه له تهم باستخدام سلاح التّجويع، ولأوّل مرّة يواجه قرارًا من مجلس الأمن بوقف إطلاق النّار.

توالي التّقارير الدّولية المندّدة بجرائم الكيان، وحصاره للفلسطينيين، وضربه عرض الحائط لكلّ المواثيق والشّرائع الدّولية، بل لكلّ المطالبات الدّولية، جعل منه كيانًا مارقًا يستحقّ العزل وفرض العقوبات عليه، وجعل من الصّعوبة استمرار العلاقات معه بشكل طبيعي، لدرجة أنّ بعضًا من حلفائه أوقف تصدير السّلاح إليه.

يسخّر الكيان الكثير من قدراته وخبراته وحلفائه لخوض هذه المعركة، وكما يستخدم كلّ أدواته القذرة والدّنيئة في جبهة غزّة، فإنّه لا يتورّع عن استخدام أدواته القذرة والدّنيئة في هذه الجبهة.

يصرّ العدو على الاستمرار في جرائمه البشعة في قطاع غزّة، وبذات الوقت يريد أن يبدو مظلومًا وبريئًا، لذلك فهو لا يرى في الحراك والتّظاهرات التي تندّد بجرائمه وتطالب بعزله وفرض عقوبات عليه في بلدان العالم إلّا “إرهابيين مناصرين لحركة حماس”.

الأيام نيوز - الجزائر

الأيام نيوز - الجزائر

اقرأ أيضا