تكنولوجيا الأبارتهايد.. «غوغل» تتمادى في صهيونيتها

تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي، صور اللحظات الأولى لاعتقال وحدات من الشرطة الأمريكية مجموعة من الموظفين في شركة غوغل، كانوا يحتجون على دعم الشركة الأمريكية للكيان الصهيوني الذي يواصل ارتكاب حرب الإبادة في غزة.

وظهر في الفيديو المتداول على نطاق واسع عبر المنصات الرقمية الأمريكية، أفراد من الشرطة مدججون بالأسلحة، وهم يقتحمون مقر إدارة الشركة في نيويورك، ويخبرون المتظاهرين بأنه سيجري إلقاء القبض عليهم إذا لم يغادروا.

وذكرت صحيفة واشنطن بوست أنّه جرى إلقاء القبض على عدد من موظفي الشركة مساء الثلاثاء في مكاتب نيويورك وسانيفيل بولاية كاليفورنيا، الذين قاموا بالاحتجاج على دعم عملاق التكنولوجيا للحكومة الصهيونية وبيعها منتجات تكنولوجية. وأضافت الصحيفة، نقلًا عن المتحدثة باسم المتظاهرين جين تشونغ، أنه جرى القبض على 9 موظفين في كلا المكتبين.

وقال المتحدث باسم غوغل «بيلي تومسون»، إنّ “إعاقة عمل الموظفين الآخرين جسديًّا ومنعهم من الوصول إلى منشآتنا يُعَد انتهاكًا لسياساتنا، وسوف نقوم بالتحقيق واتخاذ الإجراءات اللازمة”، وأضاف “لقد وُضع هؤلاء الموظفون في إجازة إدارية، وقُطع وصولهم إلى أنظمتنا. وبعد رفض طلبات متعدّدة لمغادرة المبنى، جرى إشراك جهات إنفاذ القانون لضمان سلامة الشركة”.

احتجاجات وعقوبات

الموظّفون المحتجون كانوا قد أصروا على عدم المغادرة حتى تستجيب الشركة لطلبهم بالانسحاب من مشروع “نيمبس” الذي تبلغ قيمته 1.2 مليار دولار، وتتقاسمه مع شركة أمازون لتوفير الخدمات السحابية ومراكز البيانات للحكومة الصهيونية. واحتشد متظاهرون آخرون أمام مكاتب الشركة في نيويورك وسانيفيل وسياتل.

وعارض بعض الموظفين والناشطين مشروع “نيمبس” منذ تدشينه عام 2021، إذ تسمح التكنولوجيا التي يوفّرها بمزيد من المراقبة وجمع البيانات بشكل غير قانوني عن الفلسطينيين، وتسهيل توسيع المستوطنات اليهودية غير القانونية على الأراضي الفلسطينية.

وقام العمال بتوزيع رسائل بريد إلكتروني داخلية، واحتجوا خارج مكاتب الشركة بمدينة سان فرانسيسكو في ديسمبر الماضي، ما أدى إلى عرقلة حركة المرور في شارع مزدحم بوسط المدينة. ونُظمت الاحتجاجات بعد يوم من قيام ناشطين مؤيدين للفلسطينيين بإغلاق الطرق السريعة والجسور ومداخل المطارات في جميع أنحاء الولايات المتحدة في مظاهرات منسقة ضد العدوان الصهيوني على غزة والدعم العسكري الأمريكي للبلاد.

لا للفصل العنصري السحابي

وفي 4 مارس الماضي، وقف موظف واحتج أثناء خطاب ألقاه المدير الإداري في الفرع الصهيوني لشركة غوغل، باراك ريجيف، في مدينة نيويورك الأميركية، وقال الموظف وقتها: “أرفض إنتاج تكنولوجيا من شأنها تمكين الإبادة الجماعية والفصل العنصري”، مضيفا – قبل إخراجه من المكان بعد مدة وجيزة – “مشروع نيمبس يعرّض أفراد المجتمع الفلسطيني للخطر”، وصرخ “لا للفصل العنصري السحابي”.

وحين طرد هاتفيلد من الفعالية، علّق ريجيف قائلاً: “أحد امتيازات العمل في الشركة تمثّل القيم الديمقراطية هو إعطاء مساحة لآراء مختلفة”. وبعد ثلاثة أيام، أعلنت “غوغل” طرد المهندس المحتج الذي لم تعلن هويته، مشيرة في بيان إلى أنه “بغض النظر عن المشكلة، فإنّ هذا السلوك غير مقبول وأُنهيت خدمة الموظف لانتهاكه سياساتنا”.

ووقع الحادث خلال فعاليات “مايند ذا تِك” Mind the Tech، وهو مؤتمر إسرائيلي سنوي للتكنولوجيا في نيويورك. وقبله، كان أكثر من 600 موظف في شركة غوغل، وقّعوا على رسالة موجّهة إلى المسؤولين فيها، يطالبونها بالتخلي عن رعايتها مؤتمر “مايند ذا تِك” السنوي الذي يروّج لصناعة التكنولوجيا الإسرائيلية. وهاتفيلد ناشط في مبادرة “لا تكنولوجيا للأبارتهايد” التي تضم الآن نحو 40 موظفاً في “غوغل” إلى جانب المئات من العاملين في قطاع التكنولوجيا.

لكن الاحتجاجات تصاعدت خلال الأشهر السبعة الماضية مع استمرار قوات الاحتلال الصهيوني في حرب الإبادة التي تشنّها على الفلسطينيين في قطاع غزة. وعمّم الموظفون رسائل إلكترونية يعترضون فيها على المشروع، كما احتجوا خارج مكاتب الشركة، ونظموا تحركاً خارج أحد مبانيها في سان فرانسيسكو في ديسمبر، ما أدى إلى عرقلة حركة المرور وسط المدينة.

وطردت “غوغل” المهندس إيدي هاتفيلد، الناشط في مبادرة “لا تكنولوجيا للأبارتهايد”، الذي احتجّ على مشروع نيمبس، خلال فعاليات “مايند ذا تِك” وهو مؤتمر إسرائيلي سنوي للتكنولوجيا في نيويورك، في مارس الماضي. وكشفت مجلة تايم الأميركية أن اثنين من موظفي “غوغل” استقالا احتجاجاً على المشروع ذاته الشهر الماضي.

وكانت وثيقة حديثة، قد كشفت عن أنّ شركة غوغل تقدّم خدمات الحوسبة السحابية لوزارة الدفاع الصهيونية، وقد تفاوضت شركة التكنولوجيا العملاقة على تعميق شراكتها خلال الحرب الصهيونية في غزة، حسبما أظهرت الوثيقة التي اطلعت عليها مجلة تايم.

وثيقة العار

ووفقا للوثيقة، فلدى وزارة الدفاع الصهيونية ما يسمّى بـ”منطقة هبوط” خاصة بها في خدمة غوغل السحابية، وتعني حساب دخول إلى البنية التحتية للحوسبة التي توفّرها غوغل، والتي من شأنها أن تسمح للوزارة بتخزين البيانات ومعالجتها، والوصول إلى خدمات الذكاء الاصطناعي.

وطلبت الوزارة مساعدة استشارية من غوغل لتوسيع وصولها إلى خدماتها السحابية، بحيث تسمح لـ”وحدات متعددة” بالوصول إلى تقنيات الأتمتة، وفقا لمسودة عقد مؤرخة يوم 27 مارس 2024. ويظهر العقد أن غوغل تقدّم فواتير لوزارة الدفاع الصهيونية بأكثر من مليون دولار نظير هذه الخدمة الاستشارية.

نسخة العقد – التي اطلعت عليها مجلة تايم – لم تكن موقّعة من غوغل أو وزارة الدفاع، لكن تعليقا بتاريخ 27 مارس الماضي على الوثيقة، من قبل أحد موظفي غوغل، قال إنها غير موجودة “لأنها صفقة بين الكيان ونيمبوس (Nimbus)”.

ومشروع نيمبوس هو اتفاق مثير للجدل للحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي بقيمة 1.2 مليار دولار بين الحكومة الصهيونية وشركتين تكنولوجيتين، هما غوغل و أمازون. وكانت تقارير في الصحافة الإسرائيلية أشارت سابقا إلى أن عقد شركتي غوغل وأمازون لا يسمح لهما تزويد الجهات العسكرية بالتكنولوجيا الخاصة بهما بموجب مشروع نيمبوس. ولكن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها الإعلان عن وجود عقد يوضح أن وزارة الدفاع الصهيونية هي أحد عملاء تكنولوجيا غوغل السحابية.

وقد وصفت غوغل مؤخرا عملها لصالح الحكومة الصهيونية بأنه لأغراض مدنية إلى حد كبير. وقال متحدث باسم غوغل – لمجلة تايم في مقال نُشر في الثامن من أفريل الجاري – “لقد كنا واضحين جدا أن عقد نيمبوس مخصص لوزارات الحكومة الصهيونية، مثل المالية والرعاية الصحية والنقل والتعليم، وغير موجه إلى الأعمال العسكرية الحساسة للغاية أو السرية التي تتعلق بالأسلحة أو أجهزة المخابرات”.

وتأتي هذه الأخبار بعد أن زعمت تقارير حديثة في وسائل الإعلام الإسرائيلية أن الجيش الصهيوني، الذي تسيطر عليه وزارة الدفاع، يستخدم نظاما مدعوما بالذكاء الاصطناعي لاختيار أهداف للغارات الجوية على غزة، والذي من المحتمل أن يتطلب بنية تحتية للحوسبة السحابية لكي يعمل.

أغراض عدائية

ولا يحدّد عقد غوغل – الذي اطلعت عليه مجلة التايم – التطبيقات العسكرية التي تستخدم المسموح لها باستخدام هذه التكنولوجيا، ولا يوجد دليل على استخدام تقنية غوغل السحابية لأغراض الاستهداف.

ووصفت محاولة وزارة الدفاع الصهيونية لشمل المزيد من الوحدات العسكرية في العقد بأنها “المرحلة الثانية” من مشروع أوسع لبناء البنية السحابية للوزارة مع غوغل. ولا تصف الوثيقة المرحلة الأولى بشكل صريح، ولكنها تشير إلى العمل السابق الذي قامت به غوغل نيابة عن الوزارة.

وينص العقد على أن الوزارة “قامت [بالفعل] بإنشاء بنية تحتية لمنطقة غوغل السحابية (Google Cloud Landing Zone) كجزء من إستراتيجيتها السحابية الشاملة ولتمكين [وزارة الدفاع] من نقل التطبيقات إلى منصة غوغل السحابية (Google Cloud Platform)”.

بالنسبة إلى “المرحلة الثانية” من المشروع، ينص العقد على أن وزارة الدفاع “تتطلع إلى تمكين منطقة الهبوط الخاصة بها لخدمة وحدات ووحدات فرعية متعددة. لذلك، ترغب [وزارة الدفاع] في إنشاء عدة وحدات أتمتة مختلفة داخل منطقة الهبوط الخاصة بها استنادا إلى ممارسات غوغل الرائدة لصالح الوحدات المختلفة، مع العمليات المناسبة لدعم وتنفيذ الممارسات الرائدة لهندسة الأمن والحوكمة باستخدام أدوات غوغل”، واستقال اثنان من العاملين في شركة غوغل الشهر الماضي احتجاجا على مشروع نيمبوس، حسبما ذكرت مجلة تايم سابقا.

حميد سعدون

حميد سعدون

اقرأ أيضا