في ظل اتساع قائمة الأعداء المفترضين.. الأمريكيون يحدّدون أولوياتهم بشأن سياسة واشنطن الخارجية

يعتبر الأمريكيون باختلاف توجهاتهم الحزبية، حماية الولايات المتحدة من أية هجمات إرهابية، أهم الأوليات التي يجب أن تركّز عليها السياسة الخارجية الأمريكية، كما يصنّفون الحد من تدفق المخدرات والتصدي للنفوذ الروسي والصيني، وكبح قوة كوريا الشمالية وإيران، وكذا تعزيز حقوق الإنسان في الدول الأخرى وحماية الديمقراطية، إضافة إلى التصدي لتغيّرات المناخ، ضمن قائمة أوليات السياسة والأهداف طويلة المدى التي يجب على الخارجية الأمريكية تبنيها.

لكن تصنيف القضايا السابقة الذكر، باستثناء قضية حماية البلاد من الإرهاب، يختلف باختلاف التوجّهات الحزبية، وتباين الفئات العمرية، حسب تقرير جديد نشره مركز “بيو للأبحاث”، كشف تفاصيل عن توجهات الرأي العام الأمريكي، من شأنها أن تساهم في توجيه الناخبين الأمريكين، وتصنع قرار تصويتهم في الانتخابات الرئاسية المُقبلة، مع نهاية 2024.

وحين طُلب من المستجوبين، تصنيف أهداف السياسة الخارجية بعيدة المدى للولايات المتحدة، حسب الأولوية، قال غالبية الأمريكيين إنّ منع الهجمات الإرهابية – “73℅” – ومحاربة ظاهرة انتشار المخدرات بالبلاد – 64℅ – ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل – 63℅ – هي الأولويات القصوى التي يجب على الخارجية الأمريكية التركيز عليها. وقال أكثر من نصف الأمريكيين أيضا، إنّ الحفاظ على التفوّق العسكري ومنع انتشار الأمراض المعدية لابد أن يكون في صلب أهداف السياسة الخارجية.

وحسب الدراسة الجديدة المنشورة عن “مركز بيو للأبحاث”، تحت عنوان “ما هي أولويات السياسة الخارجية بالنسبة للأمريكيين؟”، فإنّ حوالي نصف الأمريكيين يرون أنّ الحد من قوة ونفوذ روسيا والصين يمثلان أولوية قصوى، وهو ما يتوافق مع التقييم السنوي من قبل مجتمع الاستخبارات الأمريكية لما يهدّد الولايات المتحدة، حيث ركّزت التقارير الاستخباراتية بشكل كبير، على العلاقات العسكرية القوية بين البلدين – روسيا والصين – وقدرتها على تشكيل الخطاب العالمي وتوجيهه ضدّ المصالح الأمريكية.

هذا، وقال 44℅ من المستجوبين، إنّ التعامل مع تغيّر المناخ العالمي، أولوية قصوى، كما قال 42℅ منهم إنّ جعل الدول الأخرى تتحمّل المزيد من تكاليف الحفاظ على النظام العالمي، لابد أن يكون في صلب اهتمامات السياسة الخارجية الأمريكية، مع تسجيل اختلافات حول القضيتين، باختلاف التوجّهات السياسية للمشاركين في الدراسة. وترى نسبة متزايدة من الديمقراطيين، والمستقلين ذوي الميول الديمقراطية، إنّ تغيّر المناخ يجب أن يكون على رأس الأولويات، بينما يؤكد ذلك 15℅ من الجمهوريين. أما بالنسبة إلى ضرورة تحمّل دول أخرى لمزيد من تكاليف الحفاظ على النظام العالمي، فقد أظهر الاستطلاع أنّ نسبة الجمهوريين الذي يرون فيه أولوية كبيرة أكثر من نسبة الديمقراطيين.

واعتبر أربعة من كل عشرة أمريكيين أنّ الحد من قوة ونفوذ كوريا الشمالية وإيران يعد من الأولويات القصوى، التي يجب أن يركّز عليها صناع السياسة الخارجية الأمريكية، وقال حوالي الثلث، الشيء نفسه عن كون الولايات المتحدة رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي، وهي التكنولوجيا التي أصبحت تشعر الحكومات في جميع أنحاء العالم بقلق متزايد بشأنها.

وحين يتعلق الأمر بالأهداف التي تركّز على المشاركة الدولية، مثل تعزيز الأمم المتحدة وحلف شمال الأطلسي أو إيجاد حل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، فإنّ أقل من ثلث الأمريكيين يعتبرون هذه الأهداف أولوية قصوى للسياسة الخارجية.

وقال ربع الأمريكيين فقط، إنّ تعزيز حقوق الإنسان في البلدان الأخرى، وقيادة الدول الأخرى في استكشاف الفضاء والحدّ من الالتزامات العسكرية في الخارج، قضية مهمة بالنسبة إليهم. وبالنسبة للصراعات والحروب الحاصلة في العالم حاليا، قال 23℅ فقط من المستجوبين إنّ دعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا يعد أولوية هامة، كما قال 22℅ فقط إنّ دعم الكيان الإسرائيلي، يشكّل أهمية قصوى بالنسبة للولايات المتحدة.

تعزيز الديمقراطية العالمية ومساعدة اللاجئين الفارين من العنف في جميع أنحاء العالم، هي أيضا ضمن قائمة أولويات السياسة الخارجية بالنسبة إلى الأمريكيين، وتأتي هذه التقييمات، حسب “مركز بيو للأبحاث”، وسط الارتفاع العالمي الأخير في طلبات اللجوء. ولا يعدّ تصنيف الترويج لضرورة تعزيز وحماية الديمقراطية في الدول الأخرى، في أسفل قائمة أولويات السياسة الخارجية، بالنسبة للمواطنين الأمريكين، خبرا جديدا، بل يعود تاريخه إلى إدارتي جورج دبليو بوش، وباراك أوباما، واكتشافات الأمريكيين بأنّ الحروب التي خاضتها بلادهم في الشرق الأوسط، وتحديدا في أفغانستان والعراق، لم تفعل شيئا لإحداث الديمقراطية هناك.

وكنتيجة لرصد توجّهات الرأي العام الأمريكي، حول أهداف السياسة الخارجية طويلة المدى، قال غالبية الأمريكيين إنها يجب أن تحظى ببعض الأولية، ولكن اللافت أنّ حوالي 3 فقط من كل عشرة مستجوبين اعتبروا دعم الكيان الإسرائيلي أولوية، و 27℅ قالوا الشيء ذاته عن دعم أوكرانيا، بينما اتفق 28℅ فقط منهم على أنّ تعزيز الديمقراطية في العالم، لابد أن تكون في صلب اهتمامات سياسة واشنطن الخارجية.

وبمقارنة نتائج هذه الدراسة الحديثة، مع دراسة مماثلة حول الأهداف الأولوية للسياسة الخارجية طويلة المدى في عامي 2018 و2021، ظهرت بعض التحوّلات الهامة في توجّهات الرأي العام الأمريكي، فمنذ 2018، أصبح الأمريكيون أكثر ميلا إلى القول بأنّ الحد من قوة ونفوذ الصين – بزيادة 17 نقطة مئوية – وإيجاد حل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني – بزيادة 11 نقطة مئوية – من أهم أولويات السياسة الخارجية.

وفي أعقاب الحربية الروسية الأوكرانية، زاد اهتمام الأمريكيين بالحد من نفوذ روسيا، بـ 8 نقاط مئوية، عما كان عليه سنة 2018، وفي المقابل سُجّل تراجع بـ 8 نقاط مئوية بالنسبة إلى تعزيز دور الأمم المتحدة ومساعدة اللاجئين، كما تراجع تعزيز حقوق الإنسان والدفاع عن البلدان الأخرى بـ 5 نقاط مئوية.

انقسام حزبي وتباين وسط الفئات العمرية حول ترتيب الأولويات

عكست نتائج الدراسة، اختلاف ترتيب الأولويات لدى الأمريكيين الجمهوريين ذوي الميول المحافظة، عن ترتيبها بالنسبة إلى الديمقراطيين ذوي الميول الليبرالية، إذ اتضح جليا أنّ اليمين الجمهوري يميل إلى تصنيف التصدي للإرهاب، والحد من تدفق المخدرات إلى البلاد، والحفاظ على التفوّق العسكري على الدول الأخرى، كأولويات قصوى، وتبيّن أيضا أنّ اليسار الديمقراطي أكثر اهتماما في التعامل مع تغيّر المناخ، ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل. أما الأمر الوحيد الذي اتفق الطرفين على تصنيفه كأولوية قصوية، وإن كان ذلك بنسب متفاوتة، فهو منع حدوث أية هجمات إرهابية على الولايات المتحدة.

التباين في تصنيف أولويات السياسة الخارجية الأمريكية، بدى واضحا أيضا، عند تقسيم المستجوبين وفق السن، حيث كان الشباب أقل احتمالا من الأشخاص الأكبر سنا للقول بأنّ القضايا السالفة الذكر تعدّ أولويات قصوى، وظهرت الاختلافات بشكل واضح في قضية التعامل مع تغيّر المناخ، والحد من الالتزامات العسكرية في الخارج، وتعزيز حقوق الإنسان والدفاع عنها في الخارج، وبالنسبة إلى هذه القضايا الثلاث، تبيّن أنّ الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 إلى 29 عاما، هم الأكثر احتمالا بكثير من أولئك الأكبر سنا لتصنيفها على أنها أولوية قصوى، باستثناء التعامل مع التغيّر المناخي الذي يعدّ قضية هامة بالنسبة إلى الشباب الأمريكيين، خاصة ذوي الميول الديمقراطية والمستقلين.

وبمقارنة نتائج هذه الدراسة الجديدة، مع مثيلتها في عام 2021، يبدو بوضوح تضاؤل الخلافات الحزبية حول أهمية العديد من قضايا السياسة الخارجية، وينطبق ذلك بشكل خاص على العناصر المتعلقة بقوة ونفوذ الدول الكبرى، مثل احتفاظ الولايات المتحدة بالتفوّق العسكري، وجهودها للحد من قوة ونفوذ روسيا والصين.

ورغم أنّ الناخب الأمريكي عادة ما يتّخذ قرار التصويت في الانتخابات بناء على قضايا داخلية ترتبط بحياته اليومية، فإنّ أهدف السياسة الخارجية وأولوياتها، ستكون هذه السنة ضمن المسائل الهامة التي يأخذها الناخبون بعين الإعتبار، حين يتوجهون لاختيار الرئيس المقبل، ما يعني أنّ آداء الرئيس الحالي جو بايدن، الساعي إلى الفوز بعهدة ثانية، وبرامج المترشحين الآخرين، وأبرزهم الرئيس السابق دونالد ترامب، ستكون ضمن المؤثرات في قرارات الناخبين الأمريكيين، وتساهم نسبيا في تحديد هوية الوافد الجديد إلى البيت الأبيض في الـ 5 نوفمبر 2024.

سميرة بلعكري - واشنطن

سميرة بلعكري - واشنطن

اقرأ أيضا