قضية القانون رقم 6090.. هل يضحّي مجلس الشيوخ الأمريكي بالدستور إرضاء للصهيونية؟

تتّجه أنظار المتابعين للاحتجاجات الطلابية المناصرة لفلسطين في الجامعات الأمريكية، إلى الغرفة العليا بمبنى الكابيتول في العاصمة واشنطن، حيث من المنتظر أن ينظر أعضاء مجلس الشيوخ في قانون يهدف في ظاهره للتوعية بـ”معاداة السامية”، ويحمل في طياته أحكاما عقابية تفرض رقابة على الآراء السياسية المنتقدة لـ”الكيان الإسرائيلي”.

ووسط استمرار الاحتجاجات الطلابية وتوسّع رقعتها، ينتظر المؤيّدون لمشروع القانون رقم 6090، موافقة مجلس الشيوخ، للشروع في معاقبة الطلبة المساندين للقضية الفلسطينية، بينما يُحذّر المعارضون له من مغبة انتهاك التعديل الأول للدستور الأمريكي، الذي يكفل حرية التعبير والتظاهر، بهدف كبح الإنتقادات الواسعة للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والرافضة للإبادة الجماعية الحاصلة في حق المدنيين الفلسطينيين.

يهود يستنكرون توظيف ديانتهم في قمع الطلاب

وكتبت الديمقراطية سارة جايكوبس، وهي عضو في مجلس النواب الأمريكي، مقالا تشرح من خلاله سبب تصويتها ضد مشروع القانون، وقالت جايكوبس، وهي ممثلة المقاطعة الحادية والخمسين في ولاية كاليفورنيا بالكونغرس: “اليوم، قمت بالتصويت ضد مشروع القانون رقم 6090، لأنه فشل في معالجة الارتفاع الحقيقي لمعاداة السامية بشكل فعال، كل ذلك في الوقت الذي يقوم فيه بوقف تمويل الكليات والجامعات في جميع أنحاء البلاد ومعاقبة العديد منها، إن لم يكن جميعها بسبب المتظاهرين السلميين الذين يتحدثون علنا ضد السلوك القمعي للجيش الإسرائيلي.. إنّ الخلط بين حرية التعبير وجرائم الكراهية لن يجعل الطلاب اليهود أكثر أمانا، بل على العكس، من شأن مشروع القانون هذا أن يخنق الحقوق المنصوص عليها في التعديل الأول للدستور، والمتمثلة في حرية التعبير وحرية التجمع، ومن شأنه أن يصرف الانتباه عن معاداة السامية الحقيقية وعن جهودنا لمعالجتها”.

وتحدّثت عضو مجلس النواب، الأمريكية اليهودية سارة جايكوبس، عن الفرق الشاسع بين معاداة السامية، التي عايشتها خلال طفولتها، والتي قالت إنها تشعر بقلق عميق إزاء تصاعدها في سان دييغو بولاية كاليفورنيا، وفي جميع أنحاء الولايات المتحدة، وبين “معاداة الصهيونية”، مشيرة إلى أنّ مشروع القانون يخلط بين المفهومين، ويتجاهل آراء اليهود الأمريكيين، الذين ورغم ارتباطهم وتمسّكهم بالديانة اليهودية، يتساءلون عما إذا كان ينبغي لـ”إسرائيل” أن توجد كدولة يهودية.

من جانبه، انتقد الصحفي الأمريكي الشهير، في صحيفة “دايلي واير”، مات والش، مشروع القانون الهادف إلى توسيع مفهوم معاداة السامية، واعتبره تعارض جريء مع أحكام الدستور الأمريكي. وقال والش إنّ وصف معاملة الجيش الإسرائيلي للفلسطينيين بالعنصرية لا يجب اعتباره معاد للسامية، وأنّ التنديد بالتطهير العرقي الذي تمارسه الحكومة الإسرائيلية، ضد الآلاف من العرب والمسلمين لا يجب أن يدرج ضمن خانة معاداة السامية أيضا.

إضافة إلى معارضة محتوى النص التشريعي الذي وُصف بـ “تجريم انتقاد إسرائيل”، اتهم الصحفي المحافظ مات والش، الحكومة الإسرائيلية باستغلال المحرقة لتحقيق مكاسب اجتماعية وسياسية، وقال إنّ ما تعرّض له اليهود لا يجعلهم في قمة التسلسل الهرمي للضحايا، ولا يمنحهم امتيازات على باقي الأشخاص في العالم، ‏ولا يجعل الحكومة الإسرائيلية في منأى عن النقد الموضوعي.

وقال والش إنّه من حق أي شخص في الولايات المتحدة الأمريكية، “تأليه” “إسرائيل”، لأن ذلك سيكون خياره الشخصي، ولكن لا يجب أن يصبح ذلك قانونا إلزاميا على الجميع، كما يحاول فعله المشرعون الأمريكيون، وفي ختام تعليقه، قال مات والش، الذي يشتغل تحت رئاسة تحرير الأمريكي اليهودي بين شبيرو، بصحيفة “دايلي واير”، إنّ الخطوة الأخيرة لمجلس النواب تفضح ازدواجية المعايير الأمريكية.

معاداة السامية ستار لإخفاء الرقابة على الخطاب السياسي

أدان الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية، وهو أشهر منظمة مستقلة للدفاع عن الحقوق والحريات المدنية في الولايات المتحدة، مشروع القانون الذي قال مؤيدوه إنّ هدفه “التوعية بمعاداة السامية”، والذي جاء وسط تزايد الاحتجاجات المناهضة للحرب على غزة في الجامعات الأمريكية، وقال الاتحاد على موقعه الرسمي: “يدين اتحاد الحريات المدنية الأمريكي بشدة مجلس النواب لتمريره قانون “H.R. 6090″، أو “قانون التوعية بمعاداة السامية”، الذي يهدّد بفرض رقابة على الخطاب السياسي المنتقد لـ”إسرائيل” في الحرم الجامعي تحت ستار معالجة معاداة السامية”.

وقال كريستوفر أندرس، مدير قسم سياسات الديمقراطية والتكنولوجيا في الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية: “إنّ موافقة مجلس النواب على مشروع القانون المضلّل والضار، هو هجوم مباشر على التعديل الأول للدستور.. إنّ معالجة معاداة السامية المتزايدة أمر بالغ الأهمية، لكن التضحية بحقوق الأمريكيين في حرية التعبير ليست هي الطريقة لحل هذه المشكلة.. من شأن مشروع القانون هذا أن يلقي بكامل ثقل الحكومة الفيدرالية على الجهود الرامية إلى خنق الانتقادات الموجّهة لـ”إسرائيل”، ويخاطر بتسييس إنفاذ قوانين الحقوق المدنية الفيدرالية على وجه التحديد عندما تكون هناك حاجة ماسة إلى حماياتها القوية.. يجب على مجلس الشيوخ أن يعرقل مشروع القانون الذي يقوّض حماية التعديل الأول قبل فوات الأوان”.

ويهدف مشروع القانون إلى دفع وزارة التعليم إلى النظر في تعريف وُصف بـ “الفضفاض”، لمفهوم “معاداة السامية”، بحيث يشمل الخطاب السياسي المحمي بموجب الدستور الأمريكي، عند التحقيق في مزاعم التمييز العنصري ضد اليهود.

وحذّر الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية من أنّ هذا قد يُشكّل ضغطا على الكليات والجامعات الأمريكية، ويدفعها إلى تقييد خطاب الطلاب وأعضاء هيئة التدريس المنتقد للحكومة الإسرائيلية وعملياتها العسكرية، في قطاع غزة، خوفا من خسارة الكليات للتمويل الفيدرالي.

وكما جاء في رسالة حديثة أرسلها الاتحاد إلى الكونغرس الأمريكي، فإنّ القانون الفيدرالي يحظر بالفعل التمييز والمضايقة المعادية للسامية من قبل الكيانات الممولة اتحاديا، وليس هناك حاجة لقانون آخر يتعلق بمعاداة السامية لحماية الطلاب اليهود من التمييز.

وحظي مشروع القانون “H.R. 6090” الذي قدّمه النائب الجمهوري، مالك لولر، الأسبوع الماضي، بتصويت الأغلبية “320 صوتا مقابل 91 صوتا”، حيث صوّت 70 نائبا ديمقراطيا و21 نائبا جمهوريا ضدّ مشروع القانون، وقال مؤيدوه إنه سيساعد في مكافحة معاداة السامية في الحرم الجامعي، فيما رأى فيه معارضون “تجاوزا للحدود وتهديدا بقمع حرية التعبير”. ويحتاج مشروع القانون إلى موافقة تُلثي أعضاء مجلس الشيوخ، ليصبح قانونا ساري المفعول.

سميرة بلعكري - واشنطن

سميرة بلعكري - واشنطن

اقرأ أيضا