من حروب الظل إلى المواجهة المباشرة.. عندما نفد صبر إيران

تحت أنظار العالم، تلقى الكيان الصهيوني ضربة عسكرية مركّبة رافقها زخم إعلامي كبير، وغلب عليها البعد السياسي، فيما غاب عنها عنصر المفاجأة، وكأنّ هذا الحدث غير المسبوق أخذ طابع الفرجة، وهكذا فإنّ التساؤلات – المطروحة في وسائل إعلام أبواق التطبيع – عن وجود قتلى من عدمه وعن أعداد المسيّرات والصواريخ الإيرانية التي تم إسقاطها، ما هو إلا محاولة استخفاف بائسة بقدرات إيران على حساب الواقع الذي كشف مرة أخرى مدى عجز الاحتلال الصهيوني عن حماية نفسه بعد أن أمعنت المقاومة الفلسطينية في فضحه وتعريته أمام العالم عبر معركة “طوفان الأقصى”.

=== أعدّ الملف: حميد سعدون – سهام سوماتي – منير بن دادي ===

لقد أرادت إيران تنفيذ ضربة مركّبة، ليس عسكريّا فحسب، ولكن سياسيّا أيضا، بمعنى أنها سعت إلى جذب اهتمام الإعلام العالمي مع تحقيق أهداف عسكرية محدودة، دون أن تؤدّي هذه الضربة إلى الزجّ بإيران في حرب شاملة، مع التأكيد على الرسالة المزدوجة الموجهة إلى الولايات المتحدة والدول الخليجية التي تستضيف قواعد أمريكية لديها بأنّ الرد سيأتي في حال تم استخدام تلك القواعد.

وبهذا تكون إيران قد اقتحمت ساحة القتال المباشر ضدّ الكيان “دون قفازات”، إذ ردّت على ضرب قنصليتها، بعملية مباشرة وواسعة ومؤثّرة سياسيا وربما عسكريا، رغم المزاعم الصهيونية بأنّها أسقطت 99% من المسيّرات والصواريخ، لكن طهران التي تحترف سياسة اللعب على حافة الهاوية وقياس خطواتها جيدا، تخلّت عن “سياسة الصبر الإستراتيجي” إزاء الكيان المحتل.

وفق ما نقلته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عن مسؤولين إسرائيليين، فقد أطلقت إيران خلال هجومها 185 طائرة مسيّرة من مختلف الأنواع و110 صواريخ أرض – أرض و36 صاروخ كروز، واستمر الهجوم لمدة 5 ساعات، واستهدف بالأساس قواعد وبنى عسكرية، وتحاشى الأهداف الاقتصادية أو المدنيّة.

وقال موقع بوليتيكو الأمريكي من جهته، إنّ هذه الهجمات “أخرجت المواجهات بين إيران والكيان المحتل من الظل ومن خلال الوكلاء إلى العلن بشكل صريح ومباشر”، وإنّ “الرد يمكن أن يقود إلى تصعيد كبير في المنطقة”. وتفادت سلطة الكيان نشر صور عن الهجوم الإيراني، كما فرضت الرقابة العسكريّة الصهيونية تعتيما كاملا حول ما حصل.

9 صواريخ إيرانية على الأقل ضربت قاعدتين لدى الكيان

صرح مسؤول أمريكي كبير لشبكة “ABC News” بأنّ تسعة صواريخ إيرانية على الأقل اخترقت الدفاعات الجوية الصهيونية وأصابت قاعدتين جويتين إسرائيليتين، وقال المسؤول إنّ خمسة صواريخ باليستية أصابت قاعدة “نيفاتيم” الجوية، مضيفا أنّ أربعة صواريخ باليستية إضافية أصابت قاعدة النقب الجوية.

واعتمدت إيران قبيل الضربة سياسة تسخين الجبهة لاحتواء أيّ ردود غير محسوبة خصوصا من الولايات المتحدة ودول الجوار، وكانت واشنطن على علم – عبر عدة قنوات – بتوقيت الضربة وحجمها، كما تم إبلاغ دول الجوار قبل 72 ساعة من العملية، وفق ما أفادت به التقارير وتصريحات المسؤولين الإيرانيين.

وجاء كل هذا، في ظل معطيات تشير إلى أنّ واشنطن كانت على علم بالضربة قبل حدوثها، وهو ما كشفه مصدر دبلوماسي تركي – يوم الأحد – حول تبادل رسائل بين طهران وأنقرة وواشنطن خلال الأيام التي سبقت العملية الإيرانية ضد الكيان الصهيوني، فقد قال ديبلوماسي تركي لرويترز إنّ الإيرانيين أبلغوا الأتراك مسبقا بعمليتهم.

وحسب المصدر، فإنّ واشنطن أخطرت طهران عبر أنقرة بأنّ عمليتها يجب أن تكون “ضمن حدود معينة”، وقال المصدر التركي، الذي تحدث شريطة عدم نشر هويته إنّ وزير الخارجية التركي هاكان فيدان تحدّث إلى نظيريه الأمريكي والإيراني في الأسبوع الماضي لمناقشة العملية الإيرانية، مضيفا أنّ أنقرة كانت على علم بالتطورات المحتملة.

وكان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن قد تحدّث إلى نظيره التركي قبل أيام لتوضيح مسألة مفادها أنّ التصعيد في الشرق الأوسط ليس في مصلحة أحد. وقال المصدر “أبلغتنا إيران مسبقا بما سيحدث. كما تطرقنا إلى التطورات المحتملة خلال الاجتماع مع بلينكن”. وأضاف أنّ الولايات المتحدة “نقلت إلى إيران من خلالنا أنّ رد الفعل هذا يجب أن يكون ضمن حدود معينة”.

إبلاغ العدو وإلغاء عنصر المفاجأة

واتضح من جميع التحليلات أنّ افتقاد عنصر المفاجأة – في الرد الإيراني – لم يكن ناجما عن بعد المسافة بين إيران وفلسطين المحتلة كما يذهب البعض، بل كان مقصودا، والمؤشرات حوله صريحة وكثيرة، منها الإعلان الأمريكي المسبق عن موعد الضربة في الليلة ذاتها، وكذا الاستنفار الصهيوني الواسع السابق للضربة بساعات، والإعلان المباشر من الحرس الثوري بمجرد إطلاق المسيّرات، وإعلان الحرس الثوري عن الخطة المركّبة للضربة بكون المسيّرات سوف تتبع بصواريخ باليستية في اللحظات الأخيرة، فالإعلان الإيراني عن إطلاق الصواريخ سبق عملية التنفيذ، ومن ثمّ فإيران ذاتها تعمّدت إلغاء عنصر المفاجأة.

وهذا يعني أنّ إيران تعمّدت أن تكون الضربة بهذا القدر الذي سمّته هي محدودا، أي ضربة مكشوفة مسبقا، تسحب من الكيان الصهيوني ذريعة ردّ أوسع، وتوفّر للأمريكي فرصة إقناع الاحتلال بعدم الردّ السريع والمكشوف على العمق الإيراني، مع إصابة عدد محدود من الأهداف العسكرية في النقب والجولان بعيدا عن التجمعات الحضرية الصهيونية، فالضربة الإيرانية – بالفعل – مركّبة عسكريّا وسياسيّا.

وإضافة إلى ذلك، فإنّ تعمّد إلغاء المفاجأة، وعدم استخدام الصواريخ والطائرات الأكثر تطورا، وعدم تفعيل الطبقات الهجومية المرتبطة بإيران في الإقليم، أسهم في جعل الهجوم الكبير من حيث الكم محدودا من حيث النوع وهذا مقصود إيرانيّا، وبقدر ما تحدّث الكيان عن نجاح في إسقاط المقذوفات الإيرانية، فإنه نجاح مشروط بطبقات الحماية المحيطة به، التي تتقدمها الولايات المتحدة الأمريكية، ومشروط بإرادة إيرانية أصلا.

ومن الجانب الإستراتيجي، فقد انكشف الكيان من جهة اعتماده المطلق على طبقات الحماية الدولية والإقليمية، وإحراج دولة عربية قيل إنها شاركت في إسقاط المقذوفات الإيرانية، وكذلك انكشفت طبقات الحماية وأدوات عملها وأماكنها وكيفيات عملها وتنسيقها بين بعضها سواء داخل الكيان أو في الإقليم.

وإذا كانت إيران من جهتها لم تضرب “إسرائيل” بسلاح لا تعرفه هذه الأخيرة أو لا تتوقعه، فإنّ “إسرائيل” كشفت عن كل أوراقها الدفاعية، في حين لم تكشف إيران عن كل أوراقها الهجومية. كما أنّ هذه المناورة تخدم إيران من جهة استطلاعها للقدرات العسكرية الدفاعية لـ”إسرائيل” وحلفائها وكيفيات عملها، وهو ما يمكن أن تستفيد منه إيران هي وحلفاؤها في مواجهة أكثر جدية لو فرضت عليها.

وتكشف الضربة، آفاق القوى الفاعلة في الإقليم، لا سيما إيران والولايات المتحدة، وتؤكّد المؤكد أصلا، بكونهما فعلا ليستا في صدد مواجهة أوسع وأشمل، ويمكن بهذه القراءة ملاحظة البعد الراهن المحدود للضربة بكونها حالة من التعادل النسبي بين الطرفين، والبعد الإستراتيجي الذي يحتاج وقتا ليتكشف وتتضح معالمه.

وحول احتمال أن يقوم الكيان الصهيوني بالرد على إيران، كشفت هيئة البث الإسرائيلية، أنّ سلطة الكيان ألغت في اللحظة الأخيرة هجوما قيل إنّها كانت ستنفّذه على إيران، وأشارت الهيئة إلى أنّ أغلبية أعضاء مجلس وزراء الحرب الصهيوني كانت تؤيّد شنّ الهجوم الذي كان على وشك التنفيذ، والذي أيّده أيضا الوزيران بيني غانتس وآيزنكوت، قبل إلغائه في اللحظة الأخيرة.

وذكرت أنّ بعض المصادر المطلعة على التفاصيل، قالت إنّ الإلغاء جاء عقب المحادثة التي جرت بين الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس وزراء سلطة الاحتلال الصهيوني – مجرم الحرب – بنيامين نتنياهو، وبدورها أكدت القناة 13 الإسرائيلية أنّ غانتس وآيزنكوت أيّدا الرد السريع على إيران خلال اجتماع مجلس وزراء الحرب ليلة الأحد.

وأشارت تقارير عسكرية إلى أنّ الضربة الإيرانية على أهداف صهيونية في فلسطين المحتلة، تمت باستخدام مسيّرات قديمة وصواريخ غير متطورة، باستثناء 12 صاروخاً متطوراً، كما أنّ الولايات المتحدة أنفقت أكثر من مليار دولار لرد الضربة الإيرانية، بينما أنفقت إيران بضع ملايين فقط، مشيراً إلى أنّ إيران تعمّدت إرسال مسيّرات منخفضة الكلفة وقد كلّفت “إسرائيل” الكثير، وبالتالي الهجوم كان مكلّفاً مادياً ومعنوياً على الكيان الصهيوني.

رياء غربي وازدواجية معايير مفزعة

هذا وأكد مندوب إيران لدى الأمم المتحدة أمير سعيد إيرافاني، أنّ عملية الرد أتت في إطار الدفاع عن النفس، وفق ما يسمح به القانون الدولي، إذ تم استهداف المواقع العسكرية مع تفادي الأهداف المدنية بعكس ما فعلته “إسرائيل” في سوريا. وخلال الاجتماع الطارئ لمجلس الأمن لبحث الرد الإيراني، هاجم مندوب طهران، الدول الغربية التي تطعن في حق إيران في الرد على العدوان، مشدداً على أنّ هذه الدول تحمي جرائم الإبادة التي ترتكبها “إسرائيل”.

وتابع: إنّ “إيران مارست لفترة طويلة ضبط النفس، لكن الأوان قد آن لمحاسبة “إسرائيل” على جرائمها”، وأضاف قائلاً: “حان الوقت لكي يمارس مجلس الأمن دوره ويفرض على “إسرائيل” عقوبات تحت الفصل السابع لعدم احترام قراراته”. وأضاف إنّ “إيران ليست مهتمة بالدخول في حرب ضد الولايات المتحدة بالمنطقة”، مشدداً في الوقت عينه على أنّه إذا هاجمت الولايات المتحدة مصالح إيران، فإنّ بلاده ستردّ بحزم عليها.

ومن جهته، دعا مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة، قصي الضحاك، الدول الغربية إلى مراجعة سياساتها تجاه المنطقة. وقال إنّ “على هذه الدول أنّ تبادر بشكل فوري وغير مشروط لتصويب تلك السياسات من خلال فرض وقف فوري للعدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني، وإنهاء الوجود العسكري اللاشرعي للقوات الأمريكية على أراضي سوريا ووقف نهبها للثروات الوطنية”.

وأضاف الضحاك أنّ “ما شهدته المنطقة نتيجة طبيعية وحتمية لأعمال عدوان متكرّرة وانتهاكات جسيمة للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة ارتكبتها سلطات الاحتلال الصهيوني على أراضي سوريا ودول أخرى مستفيدة من الدعم الذي وفّرته لها الإدارة الأمريكية”.

وقال الضحاك، إنّ “سوريا حذّرت مجلس الأمن والأمانة العامة مراراً وتكراراً من خلال رسائلها الرسمية من مخاطر التصعيد وتفجير الأوضاع الذي تسعى إليه سلطات الاحتلال الصهيوني للتغطية على إخفاقها في تحقيق أهدافها العسكرية في غزة ولإيجاد المبررات لمواصلة الإبادة الجماعية والأعمال الوحشية التي ترتكبها بحق الشعب الفلسطيني”. وأكد أنّ “بعض الوفود الغربية عبّرت مجدداً عن نهجها القائم على النفاق وازدواجية المعايير فالبعض في هذا المجلس اعتاد أن يقدّم التفسيرات التي يرتئيها لأحكام الميثاق وأن يسخّرها لخدمة أهدافه وأطماعه”.

وأشار مندوب سوريا لدى الأمم المتحدة إلى أنّ “ما قامت به إيران هو الممارسة الصحيحة والفعلية لحق الدفاع المشروع عن النفس كما تضمنه ميثاق الأمم المتحدة، كما أنه ضرورة ملحة فرضها إمعان الاحتلال الصهيوني في جرائمه وأعماله العدوانية، ومنع الدول الغربية مجلس الأمن من التحرّك لوقفها أو حتى مجرد إدانتها”. وقال الضحاك “سوريا العضو المؤسس للأمم المتحدة لا تزال تؤمن بهذه المنظمة ومبادئها ومقاصدها وتتطلع لقيامها بالدور المناط بها في حفظ السلم و الأمن الدوليين”.

من جهته، أكد مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا، أنّ الهجوم الإيراني على “إسرائيل” لم يأت من فراغ، بل جاء رداً على التقاعس المخزي لمجلس الأمن الدولي، وانتقد نيبينزيا، الأمين العام للأمم المتحدة لإدانته الهجوم الإيراني بينما لم يفعل الشيء ذاته في 2 أفريل، عندما اعتدت “إسرائيل” على القنصلية الإيرانية، واتهمه بإساءة استخدام موقعه.

كما انتقد الدول الغربية التي رفضت تبني البيان الصحافي الذي أعدّته روسيا ضدّ الهجوم الصهيوني، وأضاف أنّ الدول الغربية كانت ستهاجم فوراً في حال تعرّض قنصلياتها لخطر، لكن في هذه الحالة هناك رياء وازدواجية معايير من المعيب الاستماع إليها. وذكّر كيف أنّ العدوان الغاشم الذي شنّته الولايات المتحدة باغتيال القائد قاسم سليماني كاد يدخل المنطقة في صراع واسع.

سؤال مفتوح

ومن جانبه، أعلن المتحدث باسم “الجيش” الصهيوني، دانيال هاغاري، أنّ إيران أطلقت 350 صاروخاً باليستياً ومن طراز “كروز” وطائرة مسيّرة، محمّلة بما يقدّر بـ60 طن من المواد المتفجرة. وأكّد هاغاري أنّ إيران أرادت ضرب بنى تحتية إستراتيجية، ولذلك نفذت عملية واسعة واستهدفت قاعدة “نيفاتيم” الجوية.

وفي السياق ذاته، قالت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، إنّ نطاق الهجوم الإيراني من بين أكبر الهجمات التي شوهدت في الحروب الحديثة، مشيرةً إلى أنّ قدرة “إسرائيل” على الدفاع عن نفسها من دون مساعدة خارجية هي سؤال مفتوح.

وتساءلت الصحيفة عما إذا كانت “إسرائيل” ستكرّر هذا الأداء في ظلّ حرب شاملة، متحدثةً عن درس الولايات المتحدة و”إسرائيل” لإمكانية الرد، بوصفه واقعاً إستراتيجياً جديداً، أنشأه أول هجوم عسكري مباشر لإيران على “إسرائيل”.

ولفتت الصحيفة إلى أنّ الصواريخ الاعتراضية باهظة الثمن للغاية، ومحدودة الكمية، في حين لم يستهلك الهجوم أكثر من جزء صغير من ترسانة إيران الهائلة من الطائرات المسيّرة والصواريخ.

وأوضحت “وول ستريت جورنال” أنّ نطاق الهجوم كان أيضاً من بين أكبر الهجمات التي شوهدت في الحروب الحديثة، متوقفةً عند استخدام وابل “الصدمة والرعب” الروسي الافتتاحي في اليوم الأول للحرب ضد أوكرانيا ما بين 160 إلى 200 صاروخ “كروز” وصواريخ باليستية، ضد دولة تفوق مساحتها مساحة الكيان بـ20 مرة.

وشكّكت “القناة الـ13” الإسرائيلية في إمكانية قيام “إسرائيل” بفعل شيء لا يريده الأمريكيون، مشيرةً إلى أنّ الإيرانيين وضعوا معادلة جديدة تقوم على جباية ثمن من “إسرائيل” مقابل أي اغتيال لمسؤولين في دمشق أو لبنان. ورأى الضابط الأمريكي السابق سكوت ريتر أنه لم يعد بإمكان الولايات المتحدة القيام بأيّ شي في المنطقة، مؤكداً أنّ إيران طوّرت قدراتها وباتت قادرة على إلحاق الأذى بواشنطن.

أكثر من مجرّد رد عسكري..

الضربة الإيرانية امتداد لمعركة “طوفان الأقصى”

يشير محللون إلى أنّ الهجوم الإيراني غير المسبوق على الكيان يؤسّس بالضرورة لمعادلة جديدة بالمنطقة، فهو أكثر بكثير من مجرد تسجيل رد اعتبار لفائدة طهران أو ردع ضدّ الكيان للجمه عن التمادي في هجماته، فهو بحسابات الصراع القائم منذ عملية “طوفان الأقصى” يعد إسفينا جديدا في نظرية الأمن الصهيونية.

وأكّدت وكالة “بلومبرغ” الأمريكية، أنّ الرد الإيراني “يختبر حدود الدفاعات الجوية الصهيونية، التي تدعمها الولايات المتحدة”، ومن المرجّح أن “تراقب إيران بعناية الرد الصهيوني والأمريكي، لترى كيف تتنافس تقنيتها مع الأنظمة والتكتيكات الجوية الغربية”، بحسب ما نقلت الوكالة عن مسؤول استخباراتي أمريكي سابق، طلب عدم الكشف عن هويته نظراً على حساسية القضية.

وأضافت الوكالة أنّ إيران “يمكنها استخدام هذه الأفكار لتشنّ هجمات مستقبلية”، إلى جانب مشاركتها مع حلفائها في محور المقاومة، بهدف تحسين فعاليتهم مع الأسلحة الإيرانية. وفي أعقاب الرد الإيراني، أكدت وسائل إعلام تابعة للكيان أنّ “إسرائيل” تعرّضت لإهانة علنية ثقيلة وغير مسبوقة”، مشدّدةً على وجوب “أخذ التهديدات الإيرانية بجدية”.

وتملك إيران مجموعة من المسيّرات التي تمكّنها من استهداف الأراضي الفلسطينية المحتلة، منها طائرة “مهاجر”، التي يبلغ مداها 2000 كلم، ويصل ارتفاع تحليقها إلى 5500 متر، ويمكنها حمل صاروخين موجّهين. أما طائرة “فطرس” فيصل مداها إلى 2000 كلم، وتتمتع بالقدرة على التحليق مدة 30 ساعةً وحمل 4 صواريخ، فيما يصل مدى طائرة “آرش” إلى 2000 کلم، وبإمكانها التحليق حتى ارتفاع 3700 متر، وتنفيذ مهمات الدفاع الجوي.

كذلك، تمتلك إيران طائرة “غزة”، التي يصل مداها إلى 2000 كلم، وتستطيع التحليق لـ35 ساعةً وحمل 13 صاروخاً، إلى جانب “شاهد 129” التي يصل مداها إلى 1700 كلم، ويمكنها الطيران مدة 24 ساعةً متواصلة، وحمل 8 صواريخ. وإضافة إلى ذلك، تمتلك طهران طائرة “شاهد 136″، وهي طائرة انتحارية، يصل مداها إلى 2500 كلم، وبإمكانها الطيران 185 ساعةً.

وبحسب وسائل إعلام إيرانية، تم استخدام “شاهد 136” في الرد الإيراني على قواعد “الجيش” الصهيوني داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقد حققت إصاباتٍ دقيقةً ونفّذت مهامها. وتتمتع هذه المسيّرة بسعر منخفض وقدرة تدميرية عالية، طولها 3/5 أمتار، ووزنها 200 كلغ، وطول جناحيها 2/5 أمتار، فيما تبلغ سرعتها القصوى 185 كلم في الساعة.  وتقدر منصة إطلاقها على حمل 5 مسيّرات، وهي منصة متحركة وسريعة التنقّل، وبإمكانها مغادرة المكان بعد إطلاق المسيّرات، تجنّباً لرصدها واستهدافها.

أبرز الصواريخ الإيرانية

إضافة إلى المسيّرات، تمتلك إيران مجموعةً من الصواريخ التي يصل مداها إلى عمق الكيان، بينها صاروخ “سجيل”، الذي يتراوح مداه بين 2000 و2500 كلم، وسرعته بين 12 و14 ماخ. كما تشمل الصواريخ الإيرانية “خرمشهر 4″، ومداه يصل إلى 2000 كلم، وتبلغ سرعته 16 ماخ خارج الغلاف الجوي و8 ماخ داخله. أما صاروخ “عماد”، فمداه 2000 كلم وسرعته 7.2 ماخ، فيما صاروخ “شهاب 3” مداه 2000 كلم أيضاً، وسرعته 7 ماخ.

وتشمل الترسانة الإيرانية أيضاً صاروخ “قدر”، الذي يصل مداه إلى 1950 كلم وسرعته إلى 9 ماخ، وصاروخ “باوه”، ومداه 1950 كلم، وسرعته تتراوح بين 600 و900 كلم في الساعة. وإلى جانب ذلك، يفوق مدى صاروخي “فتاح 2″ و”قاسم” الـ1400 كلم وتبلغ سرعتهما 5 ماخ، بينما يفوق مدى “خيبر شاكن” الـ1450 كلم بسرعة تصل إلى 5000 كلم في الساعة.

ماذا فعل سرب المسيّرات الإيرانية بـ”القبة الحديدية”؟

أكد الخبير العسكري الصيني، وي دون شو، أنّ شنّ إيران هجوما واسع النطاق بمسيرات انتحارية خلال فترة قصيرة من الزمن يمكن أن يشكّل ضغطا كبيرا على نظام الدفاع الجوي الصهيوني المعروف بـ”القبة الحديدية”.

وأشار الخبير لصحيفة “غلوبال تايمز” الصينية إلى أنه رغم التقنيات وتصاميم الطائرات المسيرة “الكاميكازي” الإيرانية البسيطة نسبيا، إلا أنها تتمتع بالعديد من المزايا. وقال: “تحلق الطائرات دون طيار على ارتفاعات منخفضة باستخدام تكتيكات السرب لتجاوز الدفاعات الجوية للعدو، وهو ما يتيح لها مهاجمة الأهداف في المنطقة”.

وأضاف الخبير: “حتى لو كان نظام القبة الحديدية الدفاعي الخاص بـ”إسرائيل” قادرا على اعتراض الطائرات دون طيار الانتحارية، فإنه في حال إطلاق عدد كبير من المسيرات في وقت قصير، فإن نظام الدفاع الجوي الصهيوني سيواجه ضغوطا شديدة”.

كما نوه الخبير أن إيران تمتلك القدرة على تزويد الجماعات المسلحة الموالية لها في منطقة الشرق الأوسط بمسيرات انتحارية، الأمر الذي يسمح لها باستخدام مواقع الإطلاق الأمامية القريبة من “إسرائيل” للمشاركة في هجمات منسقة.

وأشار وي دونغ شو، إلى امتلاك إيران أيضا صواريخ باليستية يبلغ مداها حوالي 2000 كيلومتر وصواريخ كروز يصل مداها إلى أكثر من 1000 كيلومتر، وبالتالي فإنّ القوة النارية لطهران يمكن أن تغطي معظم منطقة الشرق الأوسط. واختتم: “في حال استهداف قواعد سلاح الجو الصهيوني، فإنّ قدرات الهجوم المضاد للقوات المسلحة الصهيونية ستضعف أيضا”.

ردّ دقيق ومحكم..

قراءة في أبعاد الضربة الإيرانية

ساري عرابي – كاتب وباحث فلسطيني

تُحاول أوساط في الكيان الإسرائيلي القول إنّ الكيان حقّق نجاحًا في إسقاط جميع الطائرات المسيّرة والعدد الأكبر من الصواريخ الإيرانية، ليشيروا في النتيجة إلى محدودية القدرات الإيرانية، هذه الأوساط تتحدث عن استعادة الكيان لزخم الدعم الغربي، وإعادة تشكيل المشهد بصرف الأنظار عن الجرائم الإسرائيلية في غزّة نحو تصوير “إسرائيل” من جديد دولة صغيرة تدافع عن نفسها من الأعداء “الأشرار” المحيطين بها.

لكن هذا التصوير الإسرائيلي لما حصل فيه قدر كبير جدًّا من المغالطة التي تهدف إلى تعزير الوعي الإسرائيلي والإقليمي بالقدرات الردعية والعسكرية الإسرائيلية.

إيران أرادت ضربة مركّبة لا عسكريًّا فحسب، ولكن سياسيًّا أيضًا، بمعنى أنها أرادت ضربةً تحظى بزخم إعلامي كبير، مع تحقيق أهداف عسكرية محدودة، دون أن تؤدّي هذه الضربة إلى جرّها لحرب شاملة، بمعنى كانت الضربة مدروسة ومناورة غاية في الحذر تسعى إلى صياغة موقف ردعي جديد لا يتطور إلى حرب أو تعريض عمقها ومصالحها الاستراتيجية داخل الأراضي الإيرانية لاستهداف أمريكي أو إسرائيلي.

إنّ افتقاد عنصر المفاجأة لم يكن ناجمًا عن بعد المسافة بين إيران وفلسطين المحتلة كما يذهب البعض، بل كان مقصودًا، والمؤشرات عليه صريحة وكثيرة، منها الإعلان الأمريكي المسبق عن موعد الضربة في الليلة نفسها، الاستنفار الإسرائيلي الواسع السابق للضربة بساعات، والإعلان المباشر من الحرس الثوري بمجرد إطلاق المسيرات، وإعلان الحرس الثوري عن الخطة المركبة للضربة بكون المسيرات سوف تتبع بصواريخ باليستية في اللحظات الأخيرة، فالإعلان الإيراني عن إطلاق الصواريخ سبق إطلاقها بالفعل، ومن ثمّ فإيران نفسها تعمدت إلغاء عنصر المفاجأة.

وهذا يعني أن إيران تعمدت أن تكون الضربة بهذا القدر الذي سمته هي محدودًا، أي ضربة مكشوفة مسبقًا، تسحب من الإسرائيلي ذريعة ردّ أوسع، وتوفّر للأمريكي فرصة إقناع الإسرائيلي بعدم الردّ السريع والمكشوف على العمق الإيراني، مع إصابة عدد محدود من الأهداف العسكرية في النقب والجولان بعيدًا عن التجمعات الحضرية الإسرائيلية، فالضربة الإيرانية مركبة عسكريًّا وسياسيًّا.

فتعمد إلغاء المفاجأة، وعدم استخدام الصواريخ والطائرات الأكثر تطورًا، وعدم تفعيل الطبقات الهجومية المرتبطة بإيران في الإقليم، ساهم في جعل الهجوم الكبير من حيث الكم محدودًا من حيث النوع وهذا مقصود إيرانيًّا.

الكيان وبقدر ما تحدث عن نجاح في إسقاط المقذوفات الإيرانية، فإنه نجاح مشروط بطبقات الحماية المحيطة به والتي تتقدمها الولايات المتحدة الأمريكية، ومشروط بإرادة إيرانية أصلاً.

أمّا إستراتيجيًّا فقد انكشف الكيان من جهة اعتماده المطلق على طبقات الحماية الدولية والإقليمية، وإحراج دولة عربية قيل إنها شاركت في إسقاط المقذوفات الإيرانية، وكذلك انكشفت طبقات الحماية وأدوات عملها وأماكنها وكيفيات عملها وتنسيقها بين بعضها سواء داخل الكيان أم في الإقليم.

إيران من جهتها لم تضرب “إسرائيل” بشيء لا تعرفه هذه الأخيرة أو لا تتوقعه، فبينما كشفت “إسرائيل” عن كل أوراقها الدفاعية لم تكشف إيران عن كل أوراقها الهجومية، فهذه المناورة تخدم إيران من جهة استطلاعها للقدرات العسكرية الدفاعية لـ “إسرائيل” وحلفائها وكيفيات عملها، وهو ما يمكن أن تستفيد منه إيران تاليًا هي وحلفاؤها في مواجهة أكثر جدية لو فرضت عليها.

تكشف الضربة آفاق القوى الفاعلة في الإقليم، لاسيما إيران والولايات المتحدة، وتؤكد المؤكد بكونهما فعلاً ليسا في صدد مواجهة أوسع وأشمل، ويمكن بهذه القراءة ملاحظة البعد الراهن المحدود للضربة بكونها حالة من التعادل النسبي بين الطرفين، والبعد الإستراتيجي الذي يحتاج وقتًا ليتكشف وتتضح معالمه.

الرد العقابي..

الهجوم الإيراني في صلب معركة “طوفان الأقصى

وليد عبد الحي – كاتب وباحث أكاديمي أردني

بعد وقوع الهجوم الإيراني ليلة السّبت بالمسيرات والصّواريخ على “إسرائيل” ردًّا على الهجوم “الإسرائيلي” على القنصلية الإيرانية في دمشق، لا بدّ من التوقّف عند بعض الملاحظات:

أولًا: انعدام المفاجأة: يمكن القول إنّ هذا الهجوم الإيراني تحديدًا لم يشكّل مفاجأة لأحد، إذ أنّ المستويات السّياسية الإيرانية من المرشد الأعلى إلى الرّئيس إلى قيادات الجيش والحرس الثّوري أكّدوا على أنّ “الرّد قادم بالتّأكيد وفي وقت ليس ببعيد”، وكان الموقف “الإسرائيلي” في توجّهه العام يصدق ذلك، كما أنّ الأمريكيين تعاملوا مع الأمر على أنّه أمر حتمي، ولعلّ المبرّر للهجوم الإيراني (قصف بعثة دبلوماسية لدولة معيّنة) كان محرجًا للولايات المتّحدة والاتحاد الأوروبي في الدّفاع عنه ناهيك عن الدّول الأخرى، أي أنّ الفعل “الإسرائيلي” المتهوّر “أضفى قدرًا من التّبرير” للهجوم، وهو أمر زاد من جرعة التّصميم الإيراني على الرّد، لأنّه فعل فاضح لجوهر القانون الدّولي في فرعه الدّبلوماسي.

من ناحية أخرى، فإنّ طبيعة الهجوم يجعل المفاجأة معدومة بتأثير المتغيّر الجيوسياسي، فالتّحضير للهجوم والفترة الزّمنية التي تستغرقها المسيرات والصّواريخ للوصول لأهدافها كافية لاتخاذ إجراءات سريعة للتّصدّي بقدر معقول، فأقصر مسافة بين إيران وفلسطين المحتلّة هي 1728 كيلومتر.

ثانيًا: إعداد القوّة المستخدمة: حاولت تتبّع عدد الصّواريخ والمسيّرات في بيانات الأطراف المباشرين وغير المباشرين، وتبيّن لي تباعد كبير للغاية بين تقديرات كلّ جهة، فالبعض أحصاها بأنّها 331 صاروخًا ومسيرة، والبعض أوصلها إلى 500، وآخر قال إنّها عشرات، بل إنّ تصنيفها (بين مسيرة وصاروخ وأنواع الصّواريخ بالستية أو غيره) متضاربة، وعليه فإنّ حجم الضّربة أمر متعذّر حتّى هذه اللّحظة على التّقدير.

كذلك فإنّ عدد الأهداف التي وصلتها هذه الهجمات غير معروف، ولا مدى انتشار هذه الأهداف جغرافيًا، ممّا يجعل تقييم الفعل الإيراني أكثر صعوبة.

ثالثًا: الآثار المادية والمعنوية: حتّى هذه اللّحظة (وقد تظهر بعض الآثار في الأيّام أو السّاعات القادمة) لم يعلن أيّ من الطّرفين عن عدد الأهداف التي تعرّضت للضّرب كما أشرنا، ولا عدد الصّواريخ والمسيّرات التي تمّ إسقاطها، ولا حجم الخسائر البشرية أو المادية، ولم نر حتّى هذه اللّحظة صورة واحدة لهدف ذي دلالة، واقتصر الإيرانيون على التّركيز على القاعدة “الإسرائيلية” التي تقول إيران إنّها كانت منطلق القصف للقنصلية في دمشق، وإنّ القاعدة أصيبت إصابة مباشرة، ويقول رئيس الأركان “الإسرائيلي” إنّ الإيرانيين أطلقوا 300 صاروخ ومسيرة وأنّهم – أي القوات “الإسرائيلية” – أسقطوا “99 بالمائة” منها، أي وكأنّه يدّعي أنّ ما وصل لفلسطين المحتلّة هو 3 صواريخ أو مسيّرات فقط، وهي نسبة لم تصلها “إسرائيل” حتّى في مواجهة صواريخ ومسيرات المقاومة في غزّة مع الفارق في مستوى التّطور التّكنولوجي لصالح الأسلحة الإيرانية، وبالتّالي يمكن تقييم الآثار المادية المعلنة والتي تتمثّل في وقف حركة الطّيران المدني وبعض الشّلل في بعض القطاعات إلى جانب الحالة النّفسية والاضطراب في ما يسمّى بالمجتمع “الإسرائيلي”، لكن من المتعذّر – حتى هذه اللّحظة – تقييم الأثر العسكري.

رابعًا: التّوظيف السّياسي للحدث:

شكّل الرّد الإيراني – بغضّ النّظر عن تقييم آثاره التي أشرت لها – تحذيرًا لـ”إسرائيل” بأنّ التّهديد يمكن أن يتحوّل لتنفيذ فعلي وليس كما كان الأمر سابقًا، كما أنّ المبرّر لردّ الفعل الإيراني يلقى “قدرًا من التفهّم” (وليس القبول) لدى الدّوائر الدّبلوماسية الغربية على أقلّ تقدير لأنّ الفعل “الإسرائيلي” -قصف بعثة دبلوماسية- فيه قدر من الشّذوذ عن النّمط السّائد في المواجهة بين الطّرفين.

والملاحظ أنّ الفعل الإيراني تحاشى تمامًا الأهداف المدنية (في ظلّ ما تمّ إعلانه أو ما يبدو من بعض الإشارات)، وكأنّ الفعل الإيراني هو أقرب للقول بأنّنا نردّ ولدينا القدرة على الرّد بغضّ النّظر عن النّتائج، ونبتعد عن الأهداف المدنية خلافًا لـ”إسرائيل” التي تجعل الأهداف المدنية هي المفضّلة، وهو ما يتجلّى تمامًا في غزّة وفي ضرب بعثة دبلوماسية مدنية.

ونعتقد أيضًا أنّ الفعل الإيراني زاد من الضّغوط الدّولية (مع ارتفاع أسعار النّفط، واضطراب التّجارة الدّولية، واقحام العالم في مشاكل جديدة، وارتفاع تكاليف الشّحن البحري والتأمين عليه، إلى جانب التّوتّرات في الشّارع السّياسي عالميًا، والتأثير على بعض الانتخابات القادمة في عدد من الدّول.. إلخ) لإعادة طرح فكرة لماذا كلّ هذا؟ ولا شكّ أنّ الجواب العالمي هو أنّ جذور الأمر تنتهي في تراب غزّة، وهو ما سيتمّ توظيفه لضرورة التّوجّه نحو السّبب لا نحو النّتيجة، وهو ما يعني مزيدًا من الضّغط على “إسرائيل” للعمل على إعادة الهدوء إلى قطاع غزّة، لأنّ التّوسّع نحو الإقليم تزداد إشاراته بعد الهجوم الإيراني، فقد بدأ الأمر بالطّوفان، ثمّ التحق به محور المقاومة بشكل متتابع، وها هو مركز المحور ينخرط مباشرة.. وهو ما يستدعي لجمه من منظور غربي وصيني وروسي وبعض العرب (لأنّ هناك دول عربية أكثر توقًا من “إسرائيل” لتوريط الولايات المتّحدة وإيران في مواجهة مباشرة)، وكلّ ذلك يعني مزيدًا من دعم جهود وقف إطلاق النّار في غزّة، وهو هدف يعزّز من قيمة الفعل الإيراني.

خامسًا: المعالجة الإعلامية العربية للمواجهة، لا أرى جدوى من مناقشة الإعلام الرّسمي العربي (فهو يعكس مواقف دوله)، لكن الإعلام الوكيل هو الذي يربك المتلقّي العربي، فعند النّظر لقناة الميادين نجدها مشغولة بتضخيم مباشر للحدث، بينما لا تتورّع قناة “العربية” عن محاولة إثبات أنّ نتائج الهجوم الإيراني هي “لصالح “إسرائيل”.. إلى حدّ القول على لسان أحد مذيعيها إنّ الهجوم الإيراني يساهم في إعادة صورة “إسرائيل” التي تشوّهت في غزّة إلى ألقها السّابق – الدّولة الضّحية -، أمّا الجزيرة فإنّ المتلقّي بحاجة ليقظة أعمق ليكتشف السّعي الذّكي لتحجيم “الأداء الإيراني أو محور المقاومة” من خلال خطاب إعلامي مصاغ بكيفية تستشعر وظيفته بشكل غير مباشر.

كلّ هذا يطرح السّؤال الجوهري: هل التّقييم العام للهجوم الإيراني له أثر إيجابي على الشّروع في إخراج غزّة من محنتها؟ نعم أنا أرى ذلك، لكن دون مبالغة فجّة، كما أنّ الأمر سيستغرق بعض الوقت في ظلّ مماحكات التّفاوض مع “إسرائيل”، لكن المؤكّد أنّ الضّغط للتّسوية في غزّة هي البديل الأقل ثمنًا للجميع من الانجرار خلف “أوهام نتنياهو”، ولعلّ إعلان إيران على لسان قادتها العسكريين عن “انتهاء العملية العسكرية” دليل على رغبة ضمنية لفتح الباب ثانية أمام التّفاوض للجم التّصاعد في الإقليم وبالتّالي في غزّة. ربّما.

على حافة الهاوية..

تلاشي الخطوط الحُمر

بقلم: علي أبو حبله – محام فلسطيني

دخلت منطقة الشّرق الأوسط منحى خطير وخطير جدًّا والسّبب أنّ حسابات البيدر هي غير حسابات الدّفتر وأنّ نتنياهو يجرّ المنطقة لحرب مفتوحة وبات خطر على “الإسرائيليين” والمصالح الأمريكية والغربية في الشّرق الأوسط، ووفق ما تتناقله وسائل الإعلام “الإسرائيلية” عن أحد “الإسرائيليين” – لم تذكر اسمه – قوله “نحن الآن في الهاوية، وإن لم يتنح نتنياهو من منصبه، فإنّنا سندخل في جهنّم، لقد فقدنا دعم العالم وفقدنا الولايات المتّحدة الأميركية.. نتنياهو لا يمكنه أن يبقى رئيسًا لحكومة “إسرائيل”.

رسالة السّيد خامنئي عقب عملية الرّد على قصف القنصلية الإيرانية في دمشق من داخل إيران مفادها أنّ بلاده تتحوّل من الصّبر الاستراتيجي إلى الرّدع الأكثر نشاطاً وهو ما يحمل دلالات تحوّل في الحرب من حرب الظّل والوكلاء لحرب مفتوحة غير محمودة العواقب والنّتائج على أمن وسلامة المنطقة.

الولايات المتّحدة الأمريكية تدرك مخاطر سياسة نتنياهو وتداعيات الحرب التي تشنّها “إسرائيل” على غزّة وأنّ الحرب على غزّة واجتياح رفح سيكون لها تداعيات على أمن وسلامة دول المنطقة وتعدّ أخطر من عملية الانتقام الإيراني.

نتنياهو يسعى إلى توريط الولايات المتّحدة في الصّراع مع إيران، وإدارة بايدن تدرك ذلك وتخشى على مصالحها في المنطقة وقد ذكرت وسائل إعلام أمريكية أنّ بايدن أبلغ نتنياهو بأنّ أمريكا لن تشارك في هجوم على إيران.

وأشارت الهيئة إلى أنّ أغلبية أعضاء مجلس وزراء الحرب “الإسرائيلي” كانت تؤيّد شنّ الهجوم الذي كان على وشك التّنفيذ، والذي أيّده أيضًا الوزيران بيني غانتس وآيزنكوت، قبل إلغائه في اللّحظة الأخيرة.

وذكرت أنّ بعض المصادر المطّلعة على التّفاصيل قالت إنّ الإلغاء جاء عقب المحادثة التي جرت بين الرّئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء “الإسرائيلي” بنيامين نتنياهو، في حين ذكرت مصادر أخرى -وفقا للهيئة “الإسرائيلية”- أنّ سبب الإلغاء هو أنّ الأضرار النّاجمة عن الهجوم الإيراني لم تكن كبيرة.

بدورها أكّدت القناة 13 “الإسرائيلية” أنّ غانتس وآيزنكوت أيّدا الرّد السّريع على إيران خلال اجتماع مجلس وزراء الحرب اللّيلة الماضية. ولكن متحدثًا عسكريًا “إسرائيليًا” قال إنّ “إسرائيل” ما زالت في حالة تأهّب قصوى بعد هجوم إيران وأقرّت خططًا دفاعية وهجومية.

وبالتّزامن مع الرّد الإيراني الانتقامي، اجتمع المجلس الوزاري السّياسي الأمني “الإسرائيلي” الموسع (الكابينت)، في وقت سابق، وأعقبه اجتماع لمجلس الحرب في مخبأ تحت الأرض بوزارة الدّفاع في مدينة تل أبيب (وسط).

ونقلت شبكة سي إن إن عن مسئولين “إسرائيليين”، قولهم إنّ تل أبيب عازمة على الرّد لكن لم يتقرّر بعد نطاقه وتوقيته. كما نقلت عنهم أيضًا أنّ اجتماع مجلس وزراء الحرب انتهى دون اتّخاذ قرار بشأن كيفية الرّد على الهجوم الإيراني.

وفوض الكابينت، خلال الاجتماع، كلًّا من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت والوزير بمجلس الحرب بيني غانتس لتحديد كيفية الرّد “الإسرائيلي” على الهجوم الانتقامي الإيراني.

كان من المتوقَّع أن تردَّ إيران على قتل “إسرائيل” ضباطَها الكبار داخل قنصليتها في دمشق، وذلك لأسباب عدّة، أهمّها تثبيت خطوط الرّدع الحُمْر بين الطرفين، وهي خطوط تجاوزتها “إسرائيل” باستهدافها مؤسّسة دبلوماسية إيرانية.

وهذه سابقة لم تحدث من قبلُ في الصّراع المنضبط بين الطّرفين بضوابط الواقعية السّياسية من طرف إيران، وسقف المصلحة الأميركية من طرف “إسرائيل”. وقد جاء الردّ الإيراني محسوب بعناية خشية تدحرج المنطقة لحرب إقليميه وبعلم أمريكي وكان الرّد متسقًا مع فكرة ضبط ميزان الرّدع، فتجاوزَ خطًا أحمرَ مهمًّا لم تتجاوزه إيران من قبلُ، وهو ضرب “إسرائيل” بسلاحٍ مُنطِلق من داخل الأرض الإيرانية.

الجديد في معادلة الصّراع أنّ حرب الظّل تحوّلت لحرب مفتوحة وأنّ الاستهداف الإيراني لـ”إسرائيل” – جهارًا – من داخل الحدود الإيرانية، لا من لبنان أو سوريا أو العراق أو اليمن، الدّول العربية الأربع التي اتخذتها إيران في الأعوام الأخيرة منطلقًا لإدارة صراعها مع “إسرائيل”، ومنصَّة لإطلاق أي ضربة تريد توجيهها إليها.

وهذا الكسْر الإيراني لأحد أهم الخطوط الحُمْر المرسومة بينها وبين “إسرائيل”؛ ردًا على كسر “إسرائيل” لخط أحمر آخر، يؤْذن بأنّ الصّراع الإستراتيجي بين الطّرفين بدأ يخرج من نطاق الحرب الخفية غير المباشرة إلى الحرب الصّريحة المباشرة. وهي حرب مفتوحة على كافّة الاحتمالات.

الوعد الصادق..

تغيير جذري في قواعد الاشتباك والسيناريوهات المحتملة

رضا الغرابي القزويني – كاتب وباحث إيراني

جاء الرد الإيراني في ليلة الأحد لينهي جميع التكهنات والترقبات والأقوال المتضاربة بشأن الرد الإيراني من عدمه، ثأرا بمقتل عدد من المواطنين الإيرانيين في الجريمة التي استهدفت المجمع الدبلوماسي الإيراني في دمشق.

عملية «الوعد الصادق» كما سماها حرس الثورة  استمرت لعدة ساعات من خلال إطلاق المئات من الصواريخ الباليستية وكروز من طراز عماد باوه والمسيرات الانتحارية المطورة من طراز شاهد، واستهدفت أهدافا عسكرية بحتة أهمها قاعدتي نفاطيم وخرمون.

“إسرائيل” هدّدت إيران قبل تنفيذ عملية الوعد الصادق برد مدمر إذا قامت طهران بإجراء أي عملية عسكرية داخل أراضيها، لكن حتى اللحظة لم يصدر أي رد فعل عسكري من قبل كيان الاحتلال، بينما طالب بايدن “إسرائيل” بعدم الرد من أجل احتواء الموقف وعدم التصعيد.

ماذا حصل بعد الرد الإيراني؟

النقطة البارزة في العملية الإيرانية والتي تستحق الاهتمام هي أن الاشتباك العسكري بين إيران و”إسرائيل” كان مباشرا لأول مرة. الرد جاء مباشرا من الأراضي الإيرانية دون الاستعانة بالحلفاء الإقليميين وضرب العمق الإسرائيلي. بالطبع هذا يكمن في طبيعة العملية العسكرية الإسرائيلية التي استهدفت القنصلية. عملية غير مسبوقة ومخالفة للمواثيق الدولية ضد طهران استهدفت جزء من أراضيها المتمثلة بالقنصلية. وهذا التصعيد الإجرامي  وضع إيران في موقف محرج حول طبيعة الرد. إذ كانت تشير بعض التقييمات ومن المرجح التقييمات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية عن عدم قيام إيران برد مباشر. أو في أسوأ السيناريوهات استهداف إحدى البعثات السياسية الإسرائيلية في دولة ما.

أما الرد الإيراني المفاجئ بغض النظر عن حجم الخسائر جاء ليغير قواعد الاشتباك حيث اظهر لكيان الاحتلال وداعميه أن أي ضربة مماثلة لإيران ستواجه رد قوي ممكن أن تصل داخل العمق الإسرائيلي.

بعد عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر تعرض الكيان وخصوصا المؤسسة العسكرية والأمنية إلى ضربات غير مسبوقة بسبب الفشل في تحقيق الأهداف والجرائم البشعة بحق المدنيين وصلت إلى إبادة جماعية في غزة. وجاء الرد الإيراني الواسع داخل العمق الإسرائيلي ليكسر الهيبة المتبقية لدولة الاحتلال في الداخل والخارج. وبمقارنة أماكن الاستهداف وحجم السلاح خلال عمليتي دمشق والوعد الصادق، يبدو واضحا أن قوة الرد الإيراني باستخدام أكثر من 200 صاروخ ومسيرة انتحارية داخل العمق الإسرائيلي كانت أكثر من جريمة دمشق وأكثر مما كان يتوقعها الكثير. لذلك الإسرائيليون الآن في وضع متأزم جدا.

يمكن القول أن أمام كابينة الحرب في تل أبيب سناريوهين لحفظ ماء الوجه تجاه الرأي العام الداخلي والخارجي وخصوصا أن نتانياهو الذي فشل فشلا ذريعا في غزة لا يريد أن يقدم خسارات أكثر مما هو عليه.

السيناريو الأول يتمثل في الاستجابة إلى الدعوات لضبط النفس وعدم الرد المباشر. يبدو أن الإدارة الإسرائيلية  المتهورة لا تستطيع أن تغض النظر عن الهجوم الإيراني الواسع وغير المسبوق لذلك من المحتمل جدا أن تقوم بالضغط على حلفاءها الدوليين خصوصا واشنطن لاتخاذ إجراءات سياسية صارمة تجاه طهران أبرزها العقوبات ضد إيران وتصنيف الحرس الثوري في قائمة الإرهاب.

بالإضافة إلى ذلك بإمكان “إسرائيل” أن تقوم بتخطيط وتنفيذ عمليات أمنية كبيرة داخل إيران وهذا احتمال وارد جدا. ولا ننسى أن هناك أهداف إيرانية ومقرات عسكرية داخل الأراضي السورية ممكن ان تكون أهدافا لكيان الاحتلال.

أما السيناريو الثاني هو الرد المباشر ضد أهداف داخل الأراضي الإيرانية. إذا قامت “إسرائيل” بهذا السيناريو فبالتأكيد لا يمكن لإيران ان تقف وقفة المتفرج تجاه ذلك والرد سيكون أكثر عنفا وأقوى من عملية الوعد الصادق وهذا الموضوع لا يريده الإطراف الدولية والإقليمية بسبب تداعياته السلبية الكبيرة على الجميع.

لذلك يبدو أنه من المرجح رضوخ “إسرائيل” إلى الضغوطات التي تطالب الاحتلال بعدم الرد المباشر وبالمقابل التوجه نحو تخطيطات لتنفيذ عمليات أمنية داخل إيران وتوسيع دائرة قصف واستهداف المستشارين الإيرانيين في سوريا بعيدا عن الأماكن الدبلوماسية.

وسيترك الرد الإيراني الواسع آثاره السلبية على الذاكرة الإسرائيلية لعدة سنوات كما انه سيرسم عهدا جديدا في المنطقة بقيادة إيران وحلفاءها والمقاومة لا يمكن التراجع عنها.

الكثير من الشعب الإيراني يعيش الآن حالة من الشغف وتزايدت توقعاته من قيادته السياسية والعسكرية في أي عدوان عسكري محتمل ضد البلاد. فالقيادة الإيرانية من خلال الوعد الصادق رسمت صورة جديدة عن قدراتها في الرد علی أي عمل عدواني ينتهك سيادة البلاد ولا يمکن التراجع عن شکل وحجم الرد ونحن في عهد جديد من الانتصارات لصالح شعوب المنطقة بعد أن سقطت الخطوط الحمراء.

الأيام نيوز - الجزائر

الأيام نيوز - الجزائر

اقرأ أيضا