مغامرة رفح بين عبث نتنياهو وسقوط أمريكا.. هكذا لعبت حماس بالبيضة والحجرة

في أكثر محطات التاريخ دموية وصراعا، فإنّ الغلبة كما النصر، لم تكن للأكثر عُدة وعتادا وعددا بقدر ما كانت لصالح الأقدر صبرا وتجلدا وثباتا، فالإمكانيات المادية مهما بلغ حجمها وتعدادها، لا يمكنها وحدها أن تفصل في سيرورة ونتيجة أي معركة، ما لم يكن زناد البنادق من زند الرجال الذي يتوسدون قضيتهم، قبل أن يشدوا إلى أكتفاهم مقابض بنادقهم.

الحال كما الحالة نفسها، مع طوفان الأقصى وما تداعى عنه من تآكل صهيوني، جعل من أسطورة “جيش لا يقهر”، أضحوكة عالم، طيلة ثمانية أشهر من وحشية كلما ارتفع سقف مقاصفها ومذابحها، كلما تجدّدت من ركام وحطام ورماد المحرقة، طيور النعام، معلنة، أنّ النصر ثبات وأنّ مقاومة لا تمتلك من سلاح الصمود إلا إيمانها بقضيتها، استطاعت، ليست فقط أن تطيح بالبعبع الصهيوني وتُقلّم وجوده كما وكيفا، ولكن بمنظومة عالمية تسمى أمريكا وأوروبا وأعراب الذل والخنوع والهوان، ممن كانوا “جميعهم” هم السند والمدد، لتكون النتيجة أنّ كل ذلك “الزخم” الذي حدث، رسا في منتهى أمره، للبحث عن مخرج من مأزق كان غزة، فأصبح اليوم “إسرائيل” الفاشلة والمنكسرة والمنهارة على كافة الجبهات الداخلية والخارجية، حيث من “تل أبيب” إلى شوارع واشنطن وبروكسل وباريس وإنكلترا فبرلين وغيرهم من عواصم الغرب، فإنّ الإفلاس اليوم، كيان صهيوني، راهن على إزالة قطعة جغرافية، هي غزة، فأزال نفسه من العالم، بعد أن لفّ الحبل حول عنق ساسته ومسمى جيشه وقادة جيشه..

المقاومة الفلسطينية التي أثبتت على مدار صمودها مع “شعب” غزة المرابط على حدود الشرف والكرامة، استثمرت لأكثر من نصف عام في استنزاف ليس فقط لقوات العدو الصهيوني على الجبهة العسكرية، ولكن في “تقزيم” وجود دويلة الكيان على المستوى السياسي، حيث المعركة “الحقة”، لم تكن فقط ملحمة طوفان عسكرية، أدمت الذات اليهودية وأطاحت بكل قيمة ومقام لها، ولكنها معركة “سياسية”، أفرغت “إسرائيل” من أي مضمون أو صورة نمطية عن مسمى “دولة” ومجتمع وتاريخ، ظلّت المخابر الإعلامية والفكرية والفلسفية والثقافية، تستثمر في ترسيخهم في الوعي العام.

فإذا بمقابض المقاومة في الميدان تطيح بوهم الجيش الأسطورة، وإذا بعقول المقاومة وساستها في الضفة الأخرى لمعركة المفاوضات ومبادرات السلام، ينزعون عن نتنياهو و”رهطه” كل أقنعة، وذلك من خلال “صفقة”، والأصح “صفعة”، قبول المقاومة لمبادرة وقف إطلاق النار، والدخول في هدنة مستدامة، بناء على وساطة كانت أمريكا مهندسة فكرتها، فيما كانت قطر ومصر واجهتها، لكن، بين قبول المقاومة للهدنة وفرضها لشروط سلام “الشجعان”، وبين الرِدّة التي أعلنتها حكومة نتنياهو، عقب الإعلان عن بنود الهدنة، فإنّ العالم كله، بغربه المتواطئ وأعرابه الخانعين، رأى، من هو “أبو عبيدة” ومن هو “نتنياهو”، ومن هم سادة الحرب والسلام معا، ومن هُم تجار الدم وخونة العهود على مرّ العصور؟

قبول المقاومة، من مركز قوة وتأثير، لهدنة تحفظ للشعب الفلسطيني كرامته، ولغزة شرفها وتضحيتها، قابلته “إسرائيل” بجنون “عجل” سامري، ما كان ليتوقّع، أنّ من هزمه في ساحة الحرب والصمود، سيطرحه أرضا في ساحة المفاوضات، ليعرّي فيه كل وهم، والنتيجة، أن وقع نتنياهو في ورطة قاتلة وضعته فيها المقاومة، ورطة، حصرته في منتصف الأشياء، فلا هو قادر على الاعتراف بهزيمة عمرها ثمانية أشهر من القصف الوحشي للمدنيين، دون تحقيق أي هدف من حربه على حركة حماس، ولا هو قادر على مواصلة السباحة  في مياه متجمّدة، حاصرته ارتداداتها عبر العالم، لتجعل منه المنبوذ الأول عالميا، والمهم، أنّ “جنون” حكومة نتنياهو، عقب إعلان المقاومة موافقتها على الهدنة المستدامة، مقابل الإفراج عن الأسرى المحتجزين، الذين فشلت كل الوحشية الصهيونية في استعادتهم، مرده، أنّ قبول نتنياهو بتلك الهدنة، إقرار ليس فقط بهزيمته ونهايته ولكن بهزيمة كيانه الصهيوني ومنظومته الأمنية جملة وتفصيلا، وهو ما يعني استسلام مع مرتبة العار..

نتنياهو ومن وراءه حكومة المتطرفين التي تحيط به، وفي نطح للجبل بقرون خاوية، ورغم كل الضغوطات التي تحاصره من أمريكا وحتى من حلفائه الأعراب من ممالك وإمارات الخيانة والخنوع، من أجل قبول هدنة المقاومة، وجد نفسه أمام خيار من إثنين، فإما أن يقبل صفقة و”صفعة” الهدنة بشروط نصرها الذي أحرزته مقاومة الرجال، وبذلك ينهي مسيرته، وإلا فإنه لا مناص من مواصلة الهروب إلى الأمام، ليس حفاظا، هذه المرة على “إسرائيل”، ولكن دفاعا على رأسه ومستقبله السياسي، وهو الخيار الذي تبناه في البحث عن نصر في “رفح” بعد أن كانت الهزيمة “غزة”، لكن ما تم تغييبه في القادم من مغامرة رفح.

وهو ما كتبته صحيفة معاريف العبرية على لسان ضابط الشباك الأسبق المدعو “ليثور أكرمان” حيث الصورة الحقيقية برفح تم اختزالها في عبارة: “ما يحدث الآن في رفح يلخّص الفشل الإسرائيلي برمته، والإنجاز الوحيد المرئي هو بقاء نتنياهو وأصدقائه المجانين، الذين يقودون البلاد إلى الدمار”، ومنه، فإنّ رفح، التي يريد من خلالها “رهط” نتنياهو، ترقيع ما حدث من هزيمة في غزة، لن تكون إلا محطة أخرى للإفلاس، عنوانها الوحيد، أنّ المقاومة، في كل الأحوال، افتكت قبل شرعية حربها، انتصارها السياسي والعسكري معا.

آخر الكلام ومجمله، يقال في فلسفة الأفول، “إذا رأيت ظلّ الأقزام يزداد طولا، فاعلم أنّ الشمس توشك على المغيب”، وفعلا، فإنّ الذي نراه ويعايشه العالم عن قرب من تحوّلات، ما هو إلا غروب قادم، غروب لا يخصّ شخص معتوه يُدعى نتنياهو و”عصبته” الوحشية، كما لا يخص “إسرائيل” وحدها ككيان فَقَدَ كل مبررات استمراره، ولكنها، منظومة عالمية، وأنظمة أعرابية، جرفتهم غزة إلى مستنقع الهوان، وها هم الآن يقفون وجها لوجه على مشارف “رفح” في مواجهة نتنياهو، اتخموه عمالة وخنوعا وانبطاحا، وحين تحرّكوا باحثين عن مخرج يحفظ وجودهم وما تبقّى من وجود الكيان، “بال” نتنياهو في صحونهم، برفضه لاتفاق “هدنة” هُم من “سعى” إلى تجسيده وعقده بشق الأنفس، ليبصق في وجوههم ويصفعهم حفاظا على وجوده، لا على عروشهم.

والغريب كمنتهى كلام، أنّ جنون نتنياهو، لم يستثن، لا مساعي أمريكا ولا الغرب ولا مسمّى العرب، فالكل في نظره هامش، ما دام الأصل في مغامرته برفح وجوده ومسيرته ومستقبله المهدّد بين أروقة محكمة العدل الدولية وحتى داخل بيته بعقر “تل أبيب” ذاتها، وذلك بعد أن أصبح “البيبي”، كما يناديه بايدن، ورقة محترقة وخطر متحرّك، لا بديل عن استئصاله اليوم قبل الغد، لكن يبقى السؤال العالق إلى حين “مغامرة رفح، “حتف” نتنياهو أم نهاية “إسرائيل”؟.

أسامة وحيد - الجزائر

أسامة وحيد - الجزائر

اقرأ أيضا