من خلال إعادة تحليل أسباب الظاهرة.. هل من حلول جذرية لإنهاء كابوس الازدحام المروري؟

تستمرّ معاناة المواطن اليومية مع ظاهرة الازدحام المروري التي تحوّلت إلى كابوس حقيقي يؤرق مستعملي الطرقات، خاصةً عبر المدن الكبرى التي ترتفع فيها الكثافة السكانية مقارنةً بمناطق أخرى من الوطن، وتزداد وتيرة الاختناقات المرورية بشكل هستيري في أوقات الذروة التي تتزامن مع توجّه العمال والموظفين والتلاميذ والطلبة إلى مقرات العمل والدراسة أو خلال الفترة المسائية عند موعد العودة والالتحاق بالمنازل، غير أن مسلسل الاختناقات المرورية هذا، ليس قدرا محتّما على الجزائريين، باعتبار أنه يمكن التغلب عليه عبر مراحل محدّدة وخطط مدروسة، لكن، كيف ذلك؟

يرى مختصّون في هذا الشأن، أن الجهات الوصية عملت على معالجة فوضى النقل العمومي التي كانت واحدة من بين أبرز أسباب الاختناقات المرورية في المدن الكبرى من خلال إنشاء مترو الأنفاق والترومواي، وتحسين خطوط شركة النقل العام والنقل الخاص، لكن مشكلات الازدحام المروري ما زالت قائمة بالشدة التي تتطلب بذل جهود أكبر لمعالجتها وإعادة تحليل أسبابها الحقيقة ومن ثم إيجاد حلول جذرية لها.

الخبير والباحث الدولي في السلامة المرورية «أمحمد كواش» يرى أن هذه الظاهرة تُشكل حجر عثرة أمام تحقيق أيّة نهضة اقتصادية أو اجتماعية في ظل تواصل مسلسل الاختناقات المرورية اليومية، الأمر الذي يعيق بطريقة أو بأخرى الأنشطة الاقتصادية الكبرى، كما لا يمكن الحديث عن سياحة حضارية ومتطورة في ظل الاختناق المروري الذي يزعج السائح ويقلّل من قيمة السياحة في الجزائر.

سوء برمجة

وأوضح الدكتور كواش في تصريح لـ«الأيام نيوز»، أن الاختناقات المرورية تؤثر ـ أيضا ـ وبشكل واضح على السلامة النفسية والصحية للفرد، حيث تُسبّب القلق، التوتّر خاصة بالنسبة لدى سكان المدن الكبرى، وغالبًا ما يؤدي ذلك إلى الإصابة بعدة أمراض مزمنة، كأمراض القلب والشرايين والضغط الدموي وحتى الضغط السكري.

وفي سياق تطرّقه إلى أبرز أسباب الاختناق المروري في بلادنا، تحدث الخبير في السلامة المرورية عن مركزية الإدارة والأنشطة الاقتصادية والتجارية، بالإضافة إلى غياب الاحترافية في خدمات النقل الجماعي وعدم الانضباط والالتزام بالوقت، ما يدع بالمواطنين لاستخدام سياراتهم الخاصة وبالتالي التسبب في مزيد من الاكتظاظ في حركة السير.

وأردف المتحدّث قائلاً: “إن سوء برمجة مواقيت دخول وخروج الطلبة والموظفين في مختلف القطاعات، سبب آخر يُضاف إلى قائمة أسباب الاختناق المروري، خاصةً في أوقات الذروة، حيث تشهد الطرقات أزمة مرور خانقة بسبب الخروج أو الدخول المتزامن للطلبة والعمال، وعليه وجب إعادة النظر في برمجة هذه المواقيت، للتقليص ـ ما أمكن ـ في شدّة الازدحام المروري الذي تحوّل إلى كابوس يومي يؤرق الجزائريين”.

وأشار الدكتور كواش، إلى أن هناك عدة أسباب أخرى للازدحام المروري، تتعلّق بسلوكيات المواطن، من بينها، الرّكن العشوائي للمركبات، خاصةً في أماكن التسوّق، وأمام المراكز التجارية، وكذا المطاعم والمقاهي التي لا تتوفر على مرائب خاصة، ضف إلى ذلك، زيادة اختلال التوازن بين عدد المركبات التي تدخل المدن والقدرة الاستيعابية لشبكة الطرق ما ضاعف من حجم أزمة الازدحام المروري. 

مخطط مروري وفق مقاييس عالمية

من جهةٍ أخرى ـ وفي حديثه عن الحلول المقترحة والممكنة للحدّ من تفاقم معضلة الاختناقات المروية ـ أكد الخبير في السلامة المرورية، أن الحلول موجودة ويمكن تجسيدها على أرض الواقع، مشيرا إلى أنه وجّه في وقت سابق نداءً إلى رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في هذا الإطار، من خلال التخفيف من مركزية الوزارات والاحتفاظ بالوزارات السيادية فقط بالعاصمة، فيما يتمّ تحويل الوزارات الثانوية إلى ولايات مجاورة، وبهذه الطريقة يتراجع الإقبال الكبير للمواطنين على هذه المقرّات سواء من أجل قضاء بعض الأمور الإدارية، أو حتى بالنسبة للموظفين، وكل هذا بهدف التقليل من حدّة الازدحام المروري.

هذا، ودعا المتحدّث، إلى ضرورة وضع مخطّط مروري مُحكم وفق مقاييس عالمية لتجنّب الاختناقات المرورية، وذلك بالتنسيق بين مصالح الأمن (شرطة، درك، حماية مدنية)، وبإشراك مديرية النقل والأشغال العمومية، على أن يُؤسّس هذا المخطّط على تصوّر خاصّ بتنقّل المسافرين، (المركبات السياحية، الشاحنات…)، وتصوّر خاص بتنقّل الراجلين، وتصوّر آخر خاص بالحالات الاستعجالية أو ما يعرف بخطط الطوارئ، هذا بالإضافة إلى ضرورة التوزيع المدروس لنقاط المراقبة الخاصّة بالشرطة والدرك لتنظيم وتسهيل حركة المرور خاصة في النقاط السوداء التي يتضاعف فيها الازدحام المروري.

كما أشار الخبير، إلى أهمية تزويد الطرق بكاميرات مراقبة، بما فيها الطرق الرئيسية السريعة والأماكن الحساسة، حتى يكون التدخّل مدروسا ومبنيا على معلومات دقيقة، ضف إلى ذلك إجبارية استحداث مرائب عمومية خاصة بالتوقّف، تكون منتشرة بشكل منتظم، مع إلزام المؤسسات الاقتصادية الكبرى بإنشاء مرائب خاصة بها.

ومن الحلول الاستراتيجية الأخرى للقضاء على الازدحام المروري، ذكر محدّثنا، أهمية تشجيع النقل الجماعي، من خلال توفير حافلات متطوّرة تقدّم خدمة نوعية ومحترفة، وتلتزم بالمواعيد، إضافة إلى تكوين السائقين في هذا المجال.

إجراءات استباقية

هذا، واقترح الخبير كواش، تشجيع استعمال الدراجات بمختلف أنواعها، بالنظر إلى دورها الكبير في تخفيف الاكتظاظ عبر المدن الكبرى، باعتبار أنها لا تحتاج إلى مساحات واسعة للتوقف والركن، كما تسهّل على المواطن الوصول إلى أماكن العمل أو الدراسة بسهولة، وفي مدّة أقل مقارنة بوسائل النقل الأخرى المتوفّرة.

وفي إطار مساعيها الحثيثة للتخفيف من أزمة الاختناق المروري، اتخذت الحكومة جملةً من الإجراءات الاستباقية الرامية إلى مواجهة الازدحام المروري في عاصمة البلاد، تحسبّا لتكثيف وتطوير شبكة النقل العمومي وحركة السير في الولاية، حيث انطلقت وزارة الأشغال العمومية في إنجاز 18 مشروعا قاعديا بولاية الجزائر العاصمة يخصّ تهيئة الطرق وإنجاز محاور جديدة بهدف فكّ الخناق المروري والتخفيف من حدّة الازدحام المروري في العاصمة.

وحسب ما جاء في وثيقة البرامج والإنجازات، التي عرضها وزير الأشغال العمومية لخضر رخروخ مؤخرًا أمام اللجنة المتخصّصة في المجلس الشعبي الوطني، فقد تمّ الانطلاق في 10 مشاريع بنسبة تقدّم للأشغال تتراوح بين 20 و100 بالمئة، فيما يُنتظر أن يشرع في إنجاز بقية المشاريع المسطّرة، بعد رفع التجميد عنها.

سهام سعدية سوماتي - الجزائر

سهام سعدية سوماتي - الجزائر

اقرأ أيضا