الكيان الصهيوني يعبث بتابعيه.. المغرب “ضيعة ضائعة” وفرنسا مقاطعة يهودية خاضعة (الجزء الأول)

وإذا سمعتم عن اسفنجة امتصت المحيط، فاعلموا بأنّ تلكم هي فرنسا التي هوّدها الصهاينة وتغلغلوا في كيانها واستبدّوا بمفاصلها مثل الطاعون والكوليرا، فاستحالت الجمهورية “الفاضلة” على أيدي حثالة التاريخ ولقطاء الجغرافيا، إلى مجرد هيكل شامخ بلا قلب ولا روح، ولا عزّة ولا كرامة، حيث فقدت قيمها وباعت أخلاقها وأضحت مرتعا “فاخرا” لممارسة الرذائل والموبقات والمفاسد والعبث، بكل الاشكال والألوان.

من قبيل الثورة إلى إعدام “روبسبير”

كان اليهود في أوروبا عموما وفي فرنسا على وجه الخصوص، يعيشون حياة الفاقة والمذلة والقهر والهوان، إذ يكفي الاستدلال في هذا السياق، بإحدى أشهر مسرحيات الكاتب والأديب الإنجليزي “وليام شكسبير”؛ تاجر البندقية.. والتي لا تزال محل دراسة وتحليل من قبل النقاد عبر العالم، كما لا تزال موضع حقد ومعاداة من قبل ذوي الفكر اليهودي المتصهين بسبب شخصية “شايلوك” اليهودية المفعمة بأقذر مشاعر الخسة والنذالة مع الشح والغدر وموت الضمير، مقابل المشاعر الكريمة للتاجر المسيحي “أنطونيو” صاحب القلب الكبير والنبل والإخلاص، في إبراز مذهل لمدى ما يكنه العالم المسيحي من كره وحقد لليهود، على عكس ما كان عليه حالهم قبل سقوط الأندلس، في حمى البلاط العربي الإسلامي المنيع، الذي كان قد منحهم الحرية والكرامة والعدل والسلام، حيث لم يكن هناك فرق بينهم وبين بقية الملل والنحل، بما فيها العرب والمسلمون.

كانت بداية قلب الموازين لصالح الطائفة اليهودية في أوروبا، مع اندلاع الشرارة الأولى للثورة الفرنسية، حيث يذهب الكثير من “المراجعين” لتلك الحقبة التاريخية الفاصلة، إلى القول بأن كل شيء كان مدبرا، وليس هناك ما يثبت عفوية الأحداث إلا ما تم التسويق له بعد ذلك، من خلال أدبيات الثورة والانتصار، وما حبك حولها من خرافات وأساطير لا أصل ولا تأصيل لها في أرض الواقع، فحتى معركة اقتحام سجن “الباستيل”، التي منحت الثورة الفرنسية تاريخ الرابع عشر جويلية للاحتفاء والاحتفال، لم تكن في الواقع سوى معركة ضد الأبواب والجدران وضد الخرافات والترهات لا غير، ذلك أن “الثوار” الهائجين وعند دخولهم الأبواب وتفتيشهم زنازين وزوايا السجن، لم يعثروا سوى على سبعة أشخاص بداخله؛ أربعة مزوِّرين، مجنونان، ومنحرف أرستقراطي يدعى “كونت دو سولاج”.. وعندما أحسّ المقتحمون وشعروا بخيبة المسعى وعبثية الحراك، سارع أحد زعماء الثورة “لوسي سيمبليس كامي بونوا دي مولان”، إلى إشاعة بأن المغزى الحقيقي من اقتحام سجن قلعة “الباستيل” ليس تحرير المعتقلين، وإنما هو إسقاط صرح الدكتاتورية والاضطهاد في فرنسا.

كان يمكن للعالم أن يسلم “بعفوية” الثورة الفرنسية، لو لم يعترف أحد صناعها ومرشديها؛ “ماكسيمليان فرانسوا ماري إيزيدور دو روبسبير”، وهو نفسه قائد الثورة وعضو محفل “الإخوة المتحدين” الماسوني، حيث كتب مشيدا بدور اليهود في تفجير الثورة الفرنسية؛ “..لقد مول الثورة يهود بريطانيون، يتزعمهم “بنيامين غولد سميث” وأخوه “أبراهام”، و”موشيه كاتا” وصهره السير “موشيه مونتفيوري”، كما كان ليهود برلين، وعلى رأسهم “دانيال أتزك” و”ديفيد فريدلاندر” و”هرز شربير”، و”لومبار دي لانجر” الدور المحوري كذلك في تمويل الثورة..”.. كما يؤكد المؤرخون، على أن عدد المحافل الماسونية كان قد خرج من السرّ إلى العلن، وقفز لأكثر من ألف محفل العام 1790م، أي في ظرف سنة واحدة عن اندلاع الثورة، ليحصي أكثر من مائة ألف عضو ماسوني، يتبعون منظمة النور البافارية التي يرأسها الأديب والأكاديمي الماسوني “آدم ويسهاوبت”، يهودي المعتقد، صهيوني الفكر، ألماني المنشأ والوطن.

وفي خضم ذلك، وخضوعا لضغوط المحافل الماسونية التي تغلغل أعضاؤها في كل مفاصل المؤسسات والتنظيمات الثورية والثورية المضادة، أصدرت الجمعية الوطنية الفرنسية، عام 1791م، قانوناً يحرر اليهود الفرنسيين رسميا، ويمنحهم حقوقاً مساوية لغيرهم من المسيحيين وبقية المواطنين، وألغيت القوانين المقيدة لحرياتهم ونشاطاتهم، كما ظل عليه الأمر في كل الممالك والدول الأوروبية.

لا يمكن الخوض في تفاصيل “الثورة الفرنسية”، من دون الإشارة إلى التنظيم الأكثر شبهة بالانتماء للحركة اليهودية – الصهيونية حينذاك، ألا وهو “جمعية أصدقاء الدستور”، والتي أعيد تسميتها بـــ”جمعية اليعاقبة أصدقاء الحرية والمساواة”، ولتعرف بعد ذلك بـــ”نادي اليعاقبة – كلوب دي جاكوبان -” الذي كان أكثر التنظيمات السياسية “الفكرية” نفوذا وتأثيرا في مجرى أحداث “الثورة”، ذلك أن نشأته في الظاهر كانت على أيدي “النواب المعادين للنظام الملكي”، بتمويل سخي ومشبوه من جهات غير معروفة لدى الراي العام الفرنسي، وهو الوضع المالي المريح الذي جعل منه تنظيما قويا تمكن من فرض طروحاته الفكرية وتوجهاته السياسية، خاصة ما تعلق بفكرة الجمهورية على الصعيد الوطني، وقد بلغ عدد منخرطي هذا النادي أكثر من نصف مليون مناضل من مختلف الشرائح والطبقات، حيث ضمّ، إضافة إلى الفصائل البرلمانية البارزة مع أوائل عام 1790م، حزبي؛ “الجبليين” و”الجيرونديين”.

بعدما تمت الإطاحة بالنظام الملكي، وإعلان الجمهورية، بين عامي 1792-1793م، كان حزب “الجيرونديين” الأكثر هيمنة على المشهد القيادي الفرنسي، خاصة مع دخول فرنسا الحرب ضد مملكتي النمسا وبروسيا. ومن خلال صراع داخلي دامٍ، تمكن حزب “الجبليين” شهر ماي من عام 1793م، بقيادة “ماكسيميليان دو روبسبير”، من إزاحة “الجيرونديين” والسيطرة على مقاليد السلطة حتى شهر جويلية عام 1794م، وقد اتسمت هذه الفترة من حكمهم بفظائع إجرامية لم تشهدها فرنسا من قبل، حتى أطلق عليها فيما بعد توصيف؛ عهد الإرهاب.. ذلك أن حملة إعدامات واسعة، على الشبهة ومن دون محاكمة، كانت قد طالت رقاب الآلاف من المعارضين عبر جهات البلاد، خاصة “الجيرونديين” منهم.

وقد كان لــ”روبسبير” الدور المحوري في “عهد الإرهاب”، حيث أشرف بنفسه على اعتقال وإعدام عدد كبير من الخصوم السياسيين، من الذين عدهم وحلفاؤه معارضين للثورة، حيث مارس أقسى درجات العنف والقمع بحق “الجيرونديين” من اليمين، و”الهيبرتيين” من اليسار، و”الدانتونيين” من الوسط.. وقد عرفت هذه المرحلة كذلك سطوع نجم الطبيب الماسوني “جوزيف إنياس غيوتين”، وذلك لمساهمته في القتل باختراعه آلة الإعدام الشهيرة؛ “المقصلة”، والتي تسمت باسمه بعد ذلك إلى يوم الناس هذا.

كان “روبسبير” مهووسا بتأسيس الجمهورية المثالية، من دون أدنى اعتبار للتكلفة البشرية التي يمكن ان تدفع ثمنا لإقامتها. وكان هذا الاندفاع “الاجرامي” سببا مباشرا في تشويه سمعته، ومن ثم ظهور معارضين له على مستوى القيادة، خوفا من أن يطالهم “جنونه”، ما جعلهم ينقلبون ضده، ليتم اعتقاله رفقة الكثير من حلفائه، عقب انقلاب “الترميدوريين” عليه، شهر جويلية 1794م، ثم إعدامه بنفس المقصلة التي أعدم بها خصومه، شهر نوفمبر من نفس السنة، لينتهي بذلك “عهد الإرهاب”، ويتمّ إغلاق “نادي اليعاقبة” المثير للجدل.

مصطفى بن مرابط - الجزائر

مصطفى بن مرابط - الجزائر

كاتب في الأيام نيوز

اقرأ أيضا