تكنولوجيا القتل الانتقائي.. الذكاء الاصطناعي لتعويض الغباء الصهيوني

ثبت لكل العالم أنّ جيش الاحتلال الصهيوني يستخدم الذكاء الاصطناعي – في حرب الإبادة ضدّ غزة – مستغنيا بذلك، عن الجانب البشري، ليجعل مصائر المدنيين في غزة مجرّد أهداف يتم إصابتها – افتراضيا – على شاشة كومبيوتر، دون الاهتمام بما يحدث من مجازر رهيبة على أرض الواقع. وبهذا المعنى تكون سلطة الكيان – تحت تأثير نزعة الإجرام والهوس التكنولوجي – قد قطعت أي رباط بينها وبين الإنسانية، وهكذا فقد سمحت بتفويض قرارات الحياة والموت إلى حسابات تجريها الخوارزميات بـ”دم بارد” وفق تعبير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.

=== أعدّ الملف: حميد سعدون – سهام سوماتي – منير بن دادي ===

قبل أيام قليلة تم الكشف عن تفاصيل متعلقة ببرنامج للذكاء الاصطناعي، الذي يعرف باسم “لافندر”، والذي يستخدمه الاحتلال الصهيوني في حرب الإبادة المستمرة على القطاع، وقد تسبّب في مجازر واسعة واغتيالات للفلسطينيين. ونقل موقع عبري شهادات لـ6 ضباط صهاينة، تورطوا بصورة مباشرة في استخدام التقنية لقتل الفلسطينيين. وأشار الموقع العبري، إلى أنّ برنامج “لافندر” لعب دورا محوريا في القصف الهمجي غير المسبوق على قطاع غزة، وتم التعامل معه على أنه قرار بشري دون مراجعة.

وتم تصميم نظام “لافندر” لتحديد جميع النشطاء في الأجنحة العسكرية للمقاومة، لحماس والجهاد الإسلامي، في فلسطين، بما في ذلك العناصر ذات الرتب المنخفضة، كأهداف محتملة للعدوان، وقالت المصادر إنه، خلال الأسابيع الأولى من العدوان، اعتمد (الجيش) بشكل شبه كامل على لافندر، الذي سجّل ما يصل إلى 37000 فلسطيني على أنهم مسلحون، ودون التأكد من الأمر، تم قصف المنازل التي يفترض – نظريا – أنها تأوي هؤلاء 37000، ما تسبب في استشهاد عشرات الآلاف من المدنيين أغلبهم من الأطفال من النساء.

وهناك نوعان من التقنيات في هذا المجال، الأول: “لافندر” وهو نظام توصيات يعمل بالذكاء الاصطناعي مصمم لاستخدام الخوارزميات لتحديد مواقع رجال المقاومة كأهداف، والثاني: المسمى بشكل غريب “أين أبي؟” وهو نظام يتتبع الأهداف جغرافيًا، بحيث يمكن متابعتهم إلى مساكن عائلاتهم قبل مهاجمتهم، ويشكل هذان النظامان معًا مكونات البحث عن المسار والهدف لما يعرفه جيش الاحتلال باسم “سلسلة القتل”.

وكشف التحقيق أنه “خلال المراحل الأولى من العدوان على غزة، أعطت سلطات الاحتلال موافقة شاملة للضباط على اعتماد قوائم القتل التي أعدها نظام لافندر، دون الحاجة إلى التحقق من دقة نتائج هذه الآلة واختياراتها أو فحص البيانات الاستخباراتية الأولية التي استندت إليها.

وذكر أحد المصادر أن الأفراد البشريين – من (الجيش) الصهيوني – غالبا ما يكونون بمثابة ختم لقرارات الآلة، وعادة ما يخصصون حوالي 20 ثانية فقط لكل هدف قبل الإذن بقصفه فقط، وهذا التأكد يتم عبر الإجابة على سؤال واحد وهو عما إذا كان الهدف المحدد ذكرا وليس أنثى، ومع ذلك فإن استشهدا آلاف النساء يشير أن هذه التقنية يتم استخدامها لرفع المسؤولية عن (الجيش) الصهيوني.

وتم استخدام التقنيات لاستهداف الأفراد (رجال المقاومة) وتنفيذ التفجيرات عند دخولهم – افتراضيا – مساكن عائلاتهم، ونتج عن ذلك، كما شهدت المصادر، وأيضا كما يظهر من خلال أرقام الشهداء الضخمة، هي أن آلاف الفلسطينيين معظمهم من النساء والأطفال أو الأشخاص الذين لم يشاركوا في أي عمليات استشهدوا بسبب الغارات الجوية الصهيونية، وذلك بسبب الاعتماد الكلي تقريبا على الذكاء الاصطناعي.

وأوضح خبراء من الأمم المتحدة، أن الاحتلال مارس قصفا يُسمى “أهداف القوة” لاستهداف المباني السكنية والعامة الكبيرة عالية الارتفاع، خاصة في الأسابيع الأولى من الحرب، والتي لم تكن أهدافًا عسكرية مشروعة قد تم قصفها ببساطة بهدف صدم السكان وزيادة الضغط المدني على حماس.

إرهاب الذكاء الصناعي..

وجوه أهالي غزة تحت الفحص

يحتفظ (الجيش) الصهيوني بسجلات لسكان القطاع المرتبطين بالمقاومة، وهي القضية التي أفضت إلى قلق دولي متزايد بشأن استخدام “الذكاء الاصطناعي” في حرب الإبادة الصهيونية، ففي أواخر مارس الماضي، نقلت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، عن ضباط مخابرات وعسكريين صهاينة، أنّ قوات الاحتلال تستخدم برنامجًا لـ”التعرف على الوجه” وكذلك تحديد أسماء الأشخاص في ثوانٍ معدودة.

فإلى جانب حرب الإبادة والدمار والحصار الخانق، يجري خلف الكواليس ما هو أخطر. ففقد كشفت عمليات الاعتقال التي أجرتها القوات الصهيونية خلال الأشهر الماضية، أنها تحتفظ بـ “مسح” لوجوه الغزيين الذين يمرون عبر الحواجز. فالقوات الصهيونية تستعمل برنامج ذكاء اصطناعي “يتعرف على الوجوه ويجمع صورها ويحتفظ بها ضمن أرشيف أو فهرس”.

هذا ما كشفه ضباط مخابرات إسرائيليون ومسؤولون عسكريون، لافتين إلى أن سلطة الاحتلال بدأت في استعمال هذا البرنامج منذ أواخر العام الماضي، وفق ما أفادت صحيفة “نيويورك تايمز”. وإلى ذلك، أوضحوا أنه تم استخدام تلك التقنية في البداية للبحث عن الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في القطاع منذ السابع من أكتوبر، لكن لاحقا استعملت للاستقصاء والبحث عن أي شخص له علاقات مع الجماعات الفلسطينية المسلحة. إلا أن الأخطر في الموضوع أن جمع صور الغزيين وأرشفتها يتم من دون علمهم أو موافقتهم على الأقل.

كما أن هذه التقنية قد تصنف أحياناً بعض المدنيين على أنهم من عناصر حماس بشكل خاطئ، حسب ما أكد أحد الضباط المطلعين عليها. أما الجهة المسؤولة عن إدارة هذا البرنامج فهي “وحدة الاستخبارات العسكرية الصهيونية ووحدة الاستخبارات الإلكترونية 8200”. فيما الشركة التي طورت تلك التقنية أو برنامج التعرف على الوجوه فهي “كورسايت” الصهيونية، التي تعتمد على أرشيف واسع جداً من الصور التي تلتقطها الطائرات المسيرة فوق قطاع غزة أو حتى الصور المنتشرة على غوغل.

يشار إلى أن المرة الأولى التي ألمحت فيها سلطة الاحتلال إلى استخدام الذكاء الاصطناعي في حربها الهمجية على غزة، كانت في جانفي الماضي، حين أكد المتحدث باسم (الجيش) الصهيوني، دانيال هاغاري، إلى أن القوات الصهيونية تعمل فوق الأرض وتحتها. بينما أوضح مسؤول عسكري أن هذه التقنية تستخدم لإسقاط المسيرات الفلسطينية، كما تستعمل لرسم تصور أو خريطة للأنفاق التي حفرتها حماس تحت الأرض.

علماً أنه سبق أن نبه عدد من المراقبين والمحللين إلى أن الحرب في غزة أتاحت للاحتلال استعمال العديد من تقنيات الذكاء الاصطناعي غير التعرف على الوجوه ومسح الأراضي، بعضها يتعلق بالأسلحة أيضاً والتقنيات العسكرية الجديدة.

وتدير برنامج التعرف على الوجه “وحدة الاستخبارات العسكرية الصهيونية ووحدة الاستخبارات الإلكترونية 8200”. ويستخدم العاملون في هذه الوحدة تقنية طورتها شركة “كورسايت” الصهيونية، والتي تعتمد على أرشيف هائل من الصور التي تلتقطها طائرات مسيرة وصور أخرى يتم إيجادها عبر غوغل بحسب ما أكدت المصادر لنيويورك تايمز.

وأشارت الصحيفة إلى أن تقنيات التعرف على الوجه حول العالم المدعومة بأنظمة الذكاء الاصطناعي أصبحت تنتشر بشكل أكبر، وتستخدمها بعض الدول لتسهيل السفر والتنقل، ويبرز مؤخرًا استخدامها من قبل الاحتلال في الحرب على غزة.

وأفادت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، في جانفي، بأن الولايات المتحدة، بدأت تدريب جنودها على استخدام تقنية “سمارت شوتر” لإسقاط المسيرات، علمًا بأن هذه الأخيرة تستخدم بشكل متزايد منذ اندلاع حرب غزة من قبل فصائل مسلحة مناهضة لواشنطن، لاستهداف قواعد تضم جنودًا أمريكيين في الشرق الأوسط.

لكن هذه التقنيات – بطريقة الاستخدام الصهيونية – تثير قلقا دوليا، خصوصا في ظل الحصيلة المرتفعة للشهداء في صفوف المدنيين الذين يشكلون غالبية ضحايا الحرب في القطاع الفلسطيني المحاصر. وأيدت أكثر من 150 دولة في ديسمبر الماضي، قرارًا للأمم المتحدة يتحدث عن “تحديات ومخاوف جدية” في مجال التقنيات العسكرية الجديدة، بما يشمل الذكاء الاصطناعي وأنظمة السلاح الذاتية التشغيل.

فضيحة المطبخ المركزي العالمي..

“إسرائيل” المريضة بالهوس التكنولوجي

في تصريح لموقع Ynet، قال الجنرال آفيف كوخافي، رئيس هيئة أركان (الجيش) الصهيوني السابق: “كنا نحدّد في السابق 50 هدفاً سنوياً (للقصف) في غزة، ولكن مع هذه الآلة، بتنا نحدّد الآن 100 هدف في يوم واحد و50% منها تتعرض للهجوم.

لكن هذا الغرور الصهيوني والاندفاع، أصبح مشكلة كبيرة تواجه المجتمع الدولي العاجز عن أجبار الكيان الصهيوني على الالتزام بالحد الأدنى من الحس الإنساني، فقد كان مقتل سبعة من موظفي منظمة “المطبخ المركزي العالمي”، في غارة صهيونية يوم الاثنين في 1 أفريل الجاري، بمثابة صدمة فتحت أعين الغربيين على برامج الذكاء الاصطناعي التي يستخدمها (الجيش) الصهيوني في حربه الهمجية على قطاع غزة، وعلى نتائج الأخطاء التي يمكن أن تقع خلال استخدامها.

كما لاحظ الصحافي في صحيفة “لوموند” الباريسية بنجامان بارت، في مقال نشره في 9 أفريل الجاري بعنوان: “في قطاع غزة، تتضاعف جرائم الحرب بسبب الخوارزميات”، ومما ورد فيه: “لأن ستة من الضحايا كانوا من الرعايا الأجانب، فقد كان لا بد من محاسبة (الجيش) الصهيوني”، بينما “لو كانوا جميعاً فلسطينيين، مثل المئتين الآخرين من العاملين في المجال الإنساني وموظفي الأمم المتحدة الذين قتلوا منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، فإن هذا الحدث لم يكن ليسبب سوى ضجة نسبية للغاية على الساحة الدولية”.

ويتابع الصحافي نفسه أن هيئة الأركان العامة للجيش الصهيوني أرجعت الإغارة على قافلة مركبات هذه المنظمة الإنسانية إلى “خطأ فادح”، زاعمة أن جنود وحدة الطائرات بدون طيار التي نفذت الضربات “اعتقدوا أنهم رأوا سلاحاً في يد أحد العاملين في المجال الإنساني، واستخلصوا أنه، وجميع الركاب الآخرين، أعضاء في حماس، ومن هنا شراسة الطائرات بدون طيار التي أطلقت النار ثلاث مرات على المركبات، فقامت بتصفية ركابها الواحد تلو الآخر”.

في ماي 2021، انطلقت “هبة القدس”، أو “هبة الكرامة” من قطاع غزة، فردّ عليها (الجيش) الصهيوني بشن عملية “حارس الأسوار” على القطاع. وخلال 11 يوماً، استخدم (الجيش) الصهيوني الذكاء الاصطناعي لأول مرة، بحسب صحيفة “جيروزاليم بوست”، وذلك بعد أن تمّ، في سنة 2019، إنشاء مجموعة متخصصة في تحديد الأهداف، وخصوصاً في قطاع غزة، تتكوّن من جنود نظاميين وجنود احتياط، وتتبع الوحدة 8200، في مديرية الاستخبارات العسكرية الصهيونية التي يقودها العميد يوسي سارئيل، “المهووس بالذكاء الاصطناعي كما هو معروف عنه”، والذي أعدّ كتاباً عن الاستخدام المحتمل للذكاء الاصطناعي في الحروب المستقبلية، بعنوان: فريق الإنسان والآلة: خلق التآزر من أجل عالم ثوري”، ونشره باللغة الإنكليزية بالأحرف الأولى من اسمه (ي. س) على موقع أمازون. وكانت صحيفة “جيروزاليم بوست” قد نشرت، في شباط/فبراير 2023، تقريراً عن مؤتمر عُقد في جامعة تل أبيب وتناول “كيفية اختيار الضربات الموجهة ضد حركة “حماس” في سنة 2021″، وكيف “تمّ ترسيخ استخدام الذكاء الاصطناعي تدريجياً داخل الوحدة 8200، أرقى وحدة استخبارات عسكرية صهيونية، متخصصة على مر السنين في التجسس الإلكتروني”.

كانت مجالات استخدام الذكاء الاصطناعي، وهو تقنية تم تطويرها لمحاكاة الذكاء البشري من خلال الخوارزميات، قد شهدت، في السنوات الأخيرة، نمواً سريعاً، وذلك بعد أن “أثبت نفسه بصفته تقنية أساسية ليس فقط للشركات، بل للأفراد أيضاً”. فمن الزراعة إلى الصحة إلى الصناعات الإنتاجية، صار الذكاء الاصطناعي يؤثر في كل مجالات الحياة تقريباً.

وللاقتراب قدر الإمكان من عمل الدماغ البشري، “يستخدم الذكاء الاصطناعي عدداً معيناً من العناصر، أهمها: خوارزميات الكمبيوتر، قواعد بيانات كبيرة، أنظمة وأجهزة تكنولوجيا المعلومات عالية الأداء”، بحيث يتيح استخدام هذه العناصر الثلاثة لأنظمة الذكاء الاصطناعي “التعلم والتحسين بصورة متكررة من خلال تحليل ودمج المعلومات المقدمة لها”.

وفي الميدان العسكري، لم يكن (الجيش) الصهيوني أول من استخدم الذكاء الاصطناعي، بل سبقه إلى استخدام الخوارزميات لتحسين ضرباته الجوية (الجيش) الأميركي خلال حرب الخليج في الفترة 1990-1991، وكذلك في حربه في أفغانستان والعراق، كما لجأ حلف “الناتو” إلى استخدام الخوارزميات، في سنة 1999، خلال حملة القصف التي استهدفت أهدافاً عسكرية صربية.

منطق الإجرام الصهيوني..

الضحايا الجانبيين وقاعدة “واحد مقابل عشرين”

ادّعى (الجيش) الصهيوني، في بيان نشره على موقعه في 2 نوفمبر 2023، أنه أنشأ “مصنعاً للأهداف” في حربه الهمجية على قطاع غزة، بالاستناد إلى برنامج “هبسورا” للذكاء الاصطناعي، مكّنه “من تحديد أكثر من 12 ألف هدف خلال أقل من شهر من الحرب”، وأتاح له تكثيف هجماته الجوية، التي شنها وفقاً لـ”عقيدة الضاحية” التي اعتمدها هذا (الجيش) الصهيوني خلال عدوانه على لبنان في جويلية 2006، والتي تقوم على الاستخدام غير المتناسب للقوة، بحيث تلحق – نظريا – بالطرف الذي يهاجم الكيان خسائر مدنية هائلة.

وفي تحليل أجراه كميل لوران، في 5 ديسمبر 2023، لصالح راديو فرانس، أشير إلى أن هذا البرنامج يعمل 24 ساعة يومياً، ويراجع “آلاف البيانات من أجل تحديد الأهداف المحتملة تلقائياً وبوتيرة مستمرة”، ويتغذى “بصور الطائرات بدون طيار، والرسائل على شبكات التواصل الاجتماعي، والمعلومات التي يجمعها الجواسيس على الأرض، ومواقع الهواتف”. وقد أدت التوصيات الصادرة عنه “إلى قصف أهداف، مثل منازل الأفراد المشتبه في أنهم أعضاء في حركة “حماس” أو الجهاد الإسلامي”، والواقع أن أغلبهم مدنيون.

وكانت وسيلتان إعلاميتان مستقلتان، هما “مجلة +972” وموقع “النداء المحلي” Local Call قد نشرتا، في 3 أفريل الجاري، تحقيقاً عن برنامج للجيش الصهيوني يسمى “لافندر”، يستخدم الذكاء الاصطناعي لتحديد الأهداف في قطاع غزة، مع هامش خطأ معين، استندتا في إعداده إلى “ستة ضباط مخابرات إسرائيليين”، أكدوا أن هذا البرنامج “اضطلع بدور مركزي” خلال الأسابيع الأولى من القصف الصهيوني على قطاع غزة، وأن (الجيش) الصهيوني “تعامل مع مخرجات آلة الذكاء الاصطناعي كما لو كانت قرارات بشرية”.

ووفقاً لاثنين من هؤلاء الضباط، قرر (الجيش) أيضاً أنه “في مقابل قتل كل عضو “صغير” في حماس تم اكتشافه بواسطة “لافندر”، يُسمح بقتل 15 إلى 20 مدنياً، بصفتهم ضحايا جانبيين، وترتفع النسبة إلى 100 مدني لقائد واحد في الحركة الإسلامية الفلسطينية”، الأمر الذي تسبب في سقوط عدد كبير جداً من الضحايا المدنيين في قطاع غزة.

وبحسب يوفال أبراهام، مُعد التحقيق الذي نشرته مجلة +972، فإن حسابات (الجيش) الصهيوني بشأن التناسب تطورت بصورة واضحة، إذ إنه “بينما كان يتم التسامح حتى السابع من أكتوبر 2023 إزاء مقتل حوالي عشرة ضحايا جانبيين للقضاء على عضو تنفيذي في حماس، فقد بات من الممكن الآن قبول مقتل أكثر من مائة مدني لتحييد عضو تابع للحركة”.

هذه الهمجية الصهيونية تفسر “تدمير بنايات بأكملها لإسقاط هدف واحد مدرج (على قائمة الاغتيالات)، كما يتضح من الغارة على مخيم جباليا للاجئين في 31 أكتوبر 2023، والتي استهدفت واحداً فقط من قادة هجوم السابع من أكتوبر، وخلّفت 126 قتيلاً، وفقًا لمجموعة Airwars (لمتابعة الأضرار المدنية في الحروب)”.

وأثار الدمار الهائل الذي ألحقه (الجيش) الصهيوني بمساكن قطاع غزة وبناه التحتية، والأعداد الهائلة من الضحايا الذين سقطوا جراء عملياته الجوية والبرية، انتقادات شديدة لاستخدام الذكاء الاصطناعي كوسيلة لتوفير أهداف للهجمات الصهيونية على القطاع المنكوب.

ففي يوم الجمعة في 5 أفريل الجاري، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش للصحافة: “إنني منزعج للغاية من التقارير التي تفيد بأن حملة القصف العسكري الصهيوني تستخدم الذكاء الاصطناعي كأداة لتحديد الأهداف، لا سيما في المناطق السكنية المكتظة بالسكان، ما يؤدي إلى سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين”، ذلك إنه “لا ينبغي تفويض أي جزء من قرارات الحياة أو الموت التي تؤثر على عائلات بأكملها إلى الحسابات الباردة للخوارزميات”.

وأضاف الأمين العام: “لقد حذرت منذ سنوات من مخاطر استخدام الذكاء الاصطناعي كسلاح وتقليص الدور الأساسي للتدخل البشري”، وأكدت أنه “يجب استخدام الذكاء الاصطناعي كقوة من أجل الخير، لصالح العالم، وعدم المساهمة في الحرب على المستوى الصناعي، ما يؤدي إلى عدم وضوح المساءلة”.

ومن جانبه، وصف أليساندرو أكورسي، الخبير في منظمة Crisis Group لحل النزاعات، المعلومات الواردة عن استخدام (الجيش) الصهيوني الذكاء الاصطناعي في عملياته الحربية في قطاع غزة بأنها “مقلقة للغاية”، وأضاف “إنه أمر مروع، ذلك إنه من الواضح أن النظام يمكن أن يصاب بالهلوسة، وأن درجة سيطرة الإنسان عليه منخفضة، ومن الواضح أن هناك آلاف الأسئلة حول هذا الأمر، حول مدى أخلاقية استخدامه، لكن هذا ليس مفاجئاً”.

أما يوهان صوفي، المحامي الدولي والمدير السابق للمكتب القانوني لوكالة الأونروا في قطاع غزة، فقد رأى أن أساليب استخدام الذكاء الاصطناعي في الحرب “تنتهك جميع المبادئ الأساسية للقانون الإنساني الدولي”، بما في ذلك “التمييز بين المقاتلين والمدنيين، واتخاذ الحيطة والحذر”، وهي “تشكّل بلا شك جرائم حرب”، وندّد بالرغبة “في مهاجمة السكان المدنيين في غزة بطريقة منهجية وواسعة النطاق”.

الهوس بالخوارزميات أحد أسباب الفشل الصهيوني

قدّر الصحافي الفرنسي دوف ألفون أن الهوس بإمكانيات الذكاء الاصطناعي كان “في صميم الفشل المأساوي”، الذي لحق بالوحدة 8200، التي يقودها العميد يوسي سارئيل، وتسبب في عجزها عن توقع هجوم حركة “حماس” في 7 أكتوبر 2023، فقد كان ضابط صف في الوحدة 8200 وصف بدقة الهجوم المرتقب، مع كل التفاصيل اللازمة لمواجهته باستثناء التاريخ الدقيق لوقوعه.

لكن “نظام الإنذار الأحمر الذي تم وضعه للحصول على معلومات من هذا النوع ألغاه يوسي سارئيل، الذي فرض نظاماً مركزياً يدار بواسطة خوارزميات (خارقة)، وهذا النظام، المتطوّر للغاية من الناحية النظرية، لم يفهم شيئاً، من الناحية العملية”، عن التقرير المرسل إليه وقام بحظره.

ويخلص دوف ألفون إلى أنه في عمليات التجسس “هناك دوماً إمكانية لبروز حقيقة ثانية، لذلك من المحتمل جداً أن يكون يوسي سارئيل قد أغرق وحدته وجيشه وكيانه بالاستماع إلى صفارات الإنذار التكنولوجية، لدرجة نسيان مبادئ مهنته كضابط استخبارات.

تكنولوجيا القتل..

الذكاء الاصطناعي في يد الصهيونية الرعناء

أبرز الأستاذ والباحث في الشؤون الدولية، عبد الرحمان بوثلجة، أنّ التطور الحاصل في مجال الذكاء الاصطناعي في العالم، رغم إيجابياته العديدة في تطوير وتسهيل مختلف مناحي الحياة، إلا أنّ له بالمقابل جُملةً من السلبيات، خاصةً إذا كان استخدامه بين أيدي من لا ضمير لهم ولا إنسانية، وقد كنا في وقتٍ سابق نشاهدُ في أفلام الخيال العلمي كيف أنّ الآلة تصبح هي المتحكم في مصير الإنسان، وهذا ما وصلنا إليه اليوم ووقفنا عليه خلال العدوان الصهيوني الجائر على قطاع غزة.

وفي هذا الصدد، أوضح الأستاذ بوثلجة في تصريح لـ “الأيام نيوز”، أنّ الحرب الشعواء التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني الأعزل في قطاع غزّة، كانت بالنسبة لهذا الاحتلال السافر وداعميه، فُرصةً لتجربة تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، فهؤلاء السياسيين يعتبرون الحروب فرصةً لتجريب الأسلحة ومختلف أدواتهم الحربية، غير أبهيين بالحياة الإنسانية ولا يُلقون بالاً حتى للمواثيق والقوانين الدولية أو إلى أيّ مبادئ تتعلق بالطبيعة البشرية بصفة عامة.

في السياق ذاته، أشار محدثنا إلى أنّه ليس مستغرباً استخدام وتوظيف الكيان الصهيوني لبرامج الذكاء الاصطناعي في استهداف الأبرياء في قطاع غزّة، فمنذُ اليوم الأول للعدوان الصهيوني المجنون على القطاع، خرج علينا قادة الاحتلال بتصريحاتٍ عنصرية تتضمن الوعيد للفلسطينيين، على غرار وصف وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت للمقاومين الفلسطينيين بالوحوش البشرية، وتصريحات وزير التراث الإسرائيلي التي تضع إسقاط قنبلة ذرية على غزة “أحد الاحتمالات” في الحرب التي تشنها “إسرائيل” على القطاع، إضافةً إلى ذلك نجد أنّ هناك من طالب بتهجير سكان القطاع إلى دول أوروبية وإلى بعض الدول العربية، وغيرها من التصريحات التي كانت تُعبّرُ حقيقةً عن الحقد الدفين والكره الشديد لدى الاحتلال اتجاه كل ما هو فلسطيني، على الرغم من أنه هو من يحتل أرض الفلسطينيين، وبالتالي فمن حقهم الدفاع عن أرضهم ووطنهم وفق ما تتضمنه المواثيق الدولية.

على صعيدٍ متصل، أفاد الباحث في الشؤون الدولية، أننا أصبحنا اليوم نعيشُ في كنف عالمٍ تحكمه القوة، فبعد أكثر من نصف عام من هذه الهمجية المفرطة والعدوان الهستيري بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة، لم يتمكن أحد من وقف آلة الحرب الصهيونية، بسبب وقوف الولايات المتحدة الأمريكية وعدد من دول الغرب الاستعمارية إلى جانب هذا الاحتلال الجائر، الذي ظهر للعالم أجمع أنه ضعيف بدون هذا الدعم، وظهر جليّا أنه قاعدة متقدمة للغرب في الشرق الأوسط، فهو ليس ذلك الكيان القائم بذاته والذي يملك من المقومات التي تسمح له بالبقاء والاستمرار وحيداً منفرداً.

في سياق ذي صلة، أبرز الأستاذ بوثلجة أنّ استخدام الذكاء الاصطناعي عندما يكون في غير موضعه وبأيدي أناسٍ لا يحترمون قوانين الحروب، على غرار عدم استهداف المدنيين وعدم استهداف البنى التحتية المدنية، يتحوّل إلى أمر بالغ الخطورة، والملاحظ أنّ جيش الاحتلال الصهيوني لا يختلف عن الآلة، فخلال عدوانه على قطاع غزّة كان آلة قتل وآلة تدمير حيث كان يتعمدُ استهداف المدنيين بصفة مباشرة لأنه لا يستطيع الوصول إلى المقاومين، لذلك فخطر الذكاء الاصطناعي في هذه الحالة قد يكون مُتساويا مع خطر الكيان الصهيوني نفسه.

وفي هذا الشأن، دعا محدثنا المجتمع الدولي إلى استحداث قوانين وتشريعات من شأنها الحدّ من استعمال وتطوير الذكاء الاصطناعي فيما لا يخدم البشرية هذا من جهة، ومن جهة أخرى، محاسبة الكيان الصهيوني عن المجازر والاعتداءات التي يقوم بها ضد الفلسطينيين عن طريق توظيف هذه البرامج، والعمل كذلك على منع توريد السلاح له وهذا ما تقوم به الكثير من الدول حتى الغربية منها، بسبب ضغوطات الرأي العام هناك.

في سياق متصل، يرى الخبير في السياسة، بأنّ المقاطعة يجب أن تكون وسيلة ناجعة بالنسبة للذين يدعمون القضية الفلسطينية، لافتاً إلى أنه خلال الأيام الأخيرة تم توقيع عقد بين الكيان الصهيوني وبين شركة “غوغل” بقيمة مليار و200 مليون دولار، وينصُ هذا العقد على أن تزود هذه الشركة الكيان الصهيوني بالذكاء الاصطناعي، لذلك يجب علينا نحن كعرب وكمسلمين أن نكون أكثر وعيا وإدراكا لكل ما يحدث وأن نُساهم بما نستطيع في دعم الحق الفلسطيني، على الأقل من خلال مقاطعة كل الشركات التي تدعم الكيان الصهيوني بطريقة أو بأخرى.

إلى جانب ذلك، تحدث الباحث في الشؤون الدولية، أنه من واجب هذا العالم ومنظمة الأمم المتحدة، وعلى الأقل كل من يؤمن بمنظمة الأمم المتحدة وبالتعايش السلمي أن يرافع من أجل إصدار قوانين جديدة تتعلق باستخدام الذكاء الاصطناعي في الحروب، وعدم ترك مصير حياة البشر للآلة، والفرصة اليوم سانحة ومواتية من أجل وضع قوانين ولوائح تجرم استخدام الذكاء الاصطناعي بصفة إجرامية كما يحدث اليوم في قطاع غزّة.

خِتاماً، أبرز الأستاذ والباحث في الشؤون الدولية، عبد الرحمان بوثلجة، أنّ التضحيات التي قدمها الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة هي تضحياتٌ جسّام، فنحن نتحدث ن أكثر من 34 ألف شهيدا وعشرات الآلاف من الجرحى، فسكان القطاع قدموا درسا للعالم بأسره في الصمود والصبر والاستبسال في الدفاع عن الأرض والذود عن حمى الوطن ولا غرابة في ذلك، بالرغم من كل ما يتعرّض له الشعب الفلسطيني في غزة من قتل ممنهج وحرب إبادة جماعية باستخدام مختلف الأسلحة بما فيها برامج الذكاء الاصطناعي، إلا أنّ ثباته وصمود أبطال المقاومة على أرض الميدان، ونجاحها في إلحاق أضرار فادحة في صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي وآلياته ومدرعاته، كل ذلك سوف تكون نهايته النصر المبين للشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة في قطاع غزة.

ضمن  خوارزميات حرب الإبادة..

توسيع رقعة الدم باستخدام “هامش الخطأ

بقلم: خالد صافي – استشاري فلسطيني مختص في الإعلام والتسويق الرقمي

لم يكن استهداف الاحتلال للعلماء والنخب الفلسطينية في غزة عشوائيًا، ولم تقتل المسيّرات كل هذا العدد من المواطنين بالخطأ، ولم يكن الدمار الهائل في المنشآت التعليمية والجامعات والمدارس لاستهداف الأنفاق والبنية التحتية للمقاومة فقط، بل هي عملية إبادة جماعية ممنهجة.

وتؤكد الأرقام أن ذلك لم يكن عفويًا، وما كان ذلك ليحدث دون الاستعانة بتقنيات متطورة اعتمد الاحتلال عليها، لزيادة الكلفة في الخسائر البشرية والمادية في الجانب الفلسطيني خلال العدوان.

واحدٌ من أسباب التفوق التقني للاحتلال في المجال العسكري هو حساسيته المفرطة للخسائر في أرواح جنوده، لذا تجده يعتمد بشكل كبير على التقنيات الحديثة والأدوات التي يقاتل بها عن بعد، أو من خلف الشاشات بعيدًا عن الاحتكاك المباشر مع الأهداف، مصداقًا لقوله تعالى: (لا يقاتلونكم جميعًا إلَّا في قُرًى مُحصَّنةٍ أو مِن وراء جُدُر..) [الحشر: 14]، ولأجل هذا استخدم الاحتلال في عدوانه على غزة عددًا معتبرًا من التقنيات الذكية، من بينها:

أولا: قنابل JDAM الذكية التي تحتوي على نظام توجيه يمكن تثبيته على القنبلة لتحسين دقتها، بناء على نظام تحديد المواقعGPS ، حيث أرسلت واشنطن إلى الاحتلال أكثر من 5000 جهاز توجيه من طراز JDAM.

ثانيا: تقنية ذكية لاعتراض الصواريخ الفلسطينية، وهو روبوت يستقبل البيانات، ويتتبع الصواريخ التي تطلقها المقاومة، ويتمكن من تحليلها عبر معلومات تفصيلية تشمل المواقع التي أُطلقت منها ومعدلات إطلاقها، ثم يُقدم توقعات لأماكن الهجمات المستقبلية حتى تعترضها الدفاعات الجوية الإسرائيلية، مثل القبة الحديدة أو مقلاع داود، وأطلق عليه اسم بئر المعرفة Knowledge Well.

ثالثا: مسيّرة الغيوم العاصفة، حيث حصلت سلطة الاحتلال من أمريكا على 100 طائرة مسيّرة مزودة بتقنية التعرف على الوجوه والمباني، وتقنية “SLAM” لرسم خرائط ثلاثية الأبعاد.

رابعا: هذا إلى جانب استخدام التكنولوجيا الفائقة والمتطورة، التي وفرها نظام غوسبل في مضاعفة قدرات الجيش لتوليد الأهداف، وفي الوقت نفسه سبّب وقوع آلاف الضحايا في صفوف المدنيين الفلسطينيين.

ما هو نظام غوسبل؟

اسمه (غوسبل) أي الإنجيل، يأخذك مباشرة إلى دلالة دينية ترتبط بطبيعة نظرة الاحتلال لهذه الحرب، وقد تم تطويره في وحدة الاستخبارات الإسرائيلية 8200، وهو نظام جديد نسبيًّا، ويعتبر بداية مرحلة مهمة في استخدام الذكاء الاصطناعي في الحروب، حيث يساعد هذا النظام جيشَ الاحتلال في البحث عن كميات هائلة من البيانات الاستخباراتية، لمحاولة العثور على الأهداف التي يوصي بها لمحلل بشري ليتخذ القرار باستهدافها، وقد تكون هذه الأهداف أي شيء، بدءًا من المقاتلين الأفراد، وحتى المعدات مثل قاذفات الصواريخ، أو المنشآت مثل مراكز قيادة المقاومة أو الجامعات أو حتى المتنزهات.

هو نظام يقلّد ما كانت تفعله مجموعة من ضباط المخابرات في الماضي، لكن بفعالية أكبر بكثير، مجموعة مكونة من 20 ضابطًا قد تنتج ما بين 50 إلى 100 هدف خلال 300 يوم، بينما نظام غوسبل يمكن أن يقترح حوالي 200 هدف في 10 أيام، وهو معدل أسرع بـ 50 مرة على الأقل، وحسب (أفيف كوخافي) رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي: “في الماضي كنا ننتج 50 هدفًا في غزة سنويًا، والآن تنتج لنا هذه الآلة 100 هدف يوميًا”.

لا نعرف تحديدًا ما البيانات التي يستخدمها النظام ليقدم اقتراحاته للأهداف، لكن يذكر الخبراء أنها تأتي من عدّة مصادر مثل: صور الأقمار الاصطناعية، والمعلومات القادمة من اعتراض الاتصالات، وبيانات أبراج المراقبة لرصد تحركات الأشخاص المستهدفين، وتشمل القائمة رسائل الهاتف الخليوي، وحتى أجهزة الاستشعار الزلزالية، والصور التي تلتقطها الطائرات المسيّرة.. والأخيرة تفسر بقاء المسيّرات في سماء غزة على مدار الساعة منذ بدء العدوان.

كيف يعمل غوسبل؟

يستخدم نظام غوسبل نموذجين من الذكاء الاصطناعي لبناء البيانات التي تعتمد على خوارزميات بشأن الأهداف، وذلك لحساب الذخيرة المحتملة، وتحديد الأوليات، وتعيين آلاف الأهداف للطائرات، والمسيّرات، كما يقترح جداول زمنية للغارات، ولكل هدف يوجد ملف يحتوي على الأضرار الجانبية التي تنص على عدد المدنيين الذين من المحتمل أن يُقتلوا في غارة محددة، ويتم السماح بشن الغارة على منازل خاصة لأفراد إذا تم تحديدهم على أنهم نشطاء في صفوف المقاومة، بعد ذلك يقدم النظام توصياته لأحد المحللين الذي يقرر بدوره ما إذا كان سيمررها إلى الجنود وقائدي الطائرات التي تتولى عمليات القصف في الميدان.

وفق الأرقام التي نشرها الاحتلال، هاجم الجيش أكثر من 15 ألف هدف في غزة خلال الشهر الأول من العدوان، وهو رقم أعلى بكثير مما كان في العمليات العسكرية السابقة، بالمقارنة مع حرب 2014 التي استمرت 51 يومًا وضرب فيها الجيش أقل من 6 آلاف هدف.

هل يحمي غوسبل المدنيين فعلا؟

الهدف المعلن من استخدام نظام غوسبل الجديد هو تقليل عدد الضحايا من المدنيين، واستهداف المقاتلين من فصائل المقاومة، كما ادّعى (أومر تيشلر) قائد سلاح الجو الإسرائيلي حين قال: “تمكّنا من تحديد بنوك أهداف جديدة بشكل أسرع، والبرنامج لا يستهدف المدنيين”.

لكن هذا الادعاء ثبت أنه مضلل مثل سائر الادعاءات التي يلقيها جيش الاحتلال، ومع عدد العلماء والنخب والأطباء الذين تم استهدافهم، والحصيلة المرعبة من الشهداء في صفوف المدنيين – لاسيما الأطفال والنساء- في غزة، بات من المؤكد أن الاحتلال ينتقي بشكل منهجي ضحاياه من هذه الفئة؛ لإيقاع آثار مدمرة على المجتمع الفلسطيني وعرقلة التقدم العلمي والثقافي.

مصدر الشر بشري أم اصطناعي؟

تعتمد دقة عمل خوارزميات برامج الذكاء في انتقاء الأهداف على الشروط التي يضعها لها المبرمجون، والبرنامج يمرر القرار ولا يتخذه بنفسه، من يضغط على زر التدمير هو الذي يتخذ القرار، وغالبًا ما يكون هو قائد الوحدة أثناء الخدمة.

من ناحية أخرى أزال الاحتلال بعض الشروط في الحرب الحالية مثل مقدار الضحايا الجانبية المسموح بهم، 5 أشخاص على الأكثر، أي أن البرنامج أصبح آلة حصد للأرواح في يد جنوده، يولّد الأهداف بغض النظر عن عدد الضحايا المتوقع، كما أزال شرطًا آخر وهو رتبة الشخص المستهدف، فبينما كان يتم في السابق استهداف القادة أصبحت الأهداف لا تفرق بين قيادي أو مقاتل، وأكد ذلك (أنتوني لوينشتاين) وهو صحفي مستقل ومؤلف كتاب المختبر الفلسطيني، حين قال: “الادعاء أن الذكاء الاصطناعي يدور حول استهداف الأشخاص بنجاح أكبر غير صحيح، لأن ما نراه من استهداف ليس فيه أي دقة على الاطلاق، هناك أعداد كبيرة من المدنيين يموتون”.

إبادة متعمّدة

لم يعلم صناع أفلام الخيال العلمي وهم يكتبون أفلام تطوّر الذكاء الاصطناعي لآلات تقضي على مستقبل البشرية، أنه سيأتي على البشرية كيان محتل، مهووس باستخدام التقنيات الحديثة للإبادة، وقتل الأبرياء ودمار العمران ومحو التاريخ، وتشويه الجغرافيا وتغيير وجه الأرض؛ لاستعادة هيبة مزعومة، وتحقيق نصر وهمي، وتجاوز لعنة العقد الثامن من عمره. 

جيش “لافندر” الصهيوني..

الإبادة الجماعية في غزة بضغطة زر واحدة

بقلم: نبيلة بن يحيى – خبيرة إستراتيجية 

أصبح الكيان “الإسرائيلي” الغاصب نموذجًا في الإجرام والإرهاب الدّولي من خلال ما يقترفه من تنكيل وإبادة في حقّ الشّعب الفلسطيني منذ عام 1948 وقد أخلّ بالميزان الإقليمي في المنطقة العربية وخاصّة بعد سياسات التّطبيع المتتالية في المنطقة، والذي جعل الاتفاقية الخاصّة بالدّفاع العربي المشترك مجردة من تنفيذها على الواقع الفلسطيني، وكذلك مخرجات محكمة العدل الدّولية ومجلس الأمن، التي تتزايد فيه الآلة العسكرية الصّهيونية في إتلاف وضرب عرض الحائط ميثاق هيئة الأمم المتّحدة، رغم كلّ التّصريحات الصادرة عن أمينها العام غوتيريش، فقد أصبحت العقيدة العسكرية الصّهيونية تُكيِّف من أدوات الإبادة عبر الذّكاء الاصطناعي.

تقدّم “إسرائيل” اليوم نهجاً عمليًا لطرق التّفاعل بين التقدّم التّكنولوجي والعلاقات الدّولية وحقوق الإنسان، إذ تعتمد في صناعة الأمن على علاقتها الوثيقة مع “جيش الدّفاع الإسرائيلي” لتعزيز عمليات البحث والتّطوير والتّنفيذ لكلّ ما يستجدّ من تقنيات.

وهذا الأمر يساعدها على إدامة الاحتلال وإعادة تشكيل رؤيتها لطرق إدارتها للحرب، لا سيما من خلال استخدامها للطّائرات بدون طيار، أو المركبات الجوية الآلية، حيث تعتبر طائرة النّسر الذهبي الآلية، خفيفة الوزن وغير المكلفة اقتصادياً، مثالًا على الأسلحة “الإسرائيلية” المعزّزة بالذّكاء الاصطناعي، حيث تستخدم هذا النوع من الطّائرات الآلية تقنيات الذّكاء الاصطناعي في التصويب على الأهداف الثّابتة والمتحرّكة، وهذه ليست المرّة الأولى التي يستعمل فيها جيش الكيان الصّهيوني المجرم الذّكاء الاصطناعي، بل شنّ الجيش الإسرائيلي في عام 2021، بما وصفه بحرب الذّكاء الاصطناعي الأولى في العالم.

إنّ استخدام الاحتلال الإسرائيلي لتقنيات الذّكاء الاصطناعي له عواقب الاعتماد على الجهود الفردية لكلّ دولة في تنظيم التّقنيات الجديدة وحماية حقوق الإنسان، وهذا الافتقار إلى مبادئ إرشادية وأطر أخلاقية وقانونية دولية من شأنه أن يقوّي شوكة الظّاهرة الإرهابية في العالم.

وقد كان للاتحاد الأوروبي السّبق فيما يتعلّق باستخدام تقنيات الذّكاء الاصطناعي الدّولية، كما يتّضح من قانون تنظيم الذّكاء الاصطناعي الذي اقترحته المفوضية الأوروبية في 2021. لكن كان الاهتمام الأكبر لتخفيف الأضرار الفردية النّاجمة عن استخدام الذّكاء الاصطناعي، دون معالجة المخاطر العامّة التي قد تتسبّب فيها هذه التّقنية الحديثة.

ويعمل الكيان الصهيوني على تكثيف استخدام سلاح الطيران المسيّر، الذي جعل الهجمات من الجو أسهل وأقل تكلفة، كما لجأ الجيش “الإسرائيلي” إلى طائرات مسيّرة تستخدم تقنيات الذّكاء الاصطناعي لإعداد خريطة الأنفاق التي تشير تقديرات غربية إلى أنّها تمتدّ على مسافة أكثر من 500 كيلومتر، حيث كانت لتقنيات الذّكاء الاصطناعي دورًا في عمليات القتل المتهوّرة وغير الدّقيقة، والتّدمير المتفشي، وآلاف الضحايا المدنيين.

إنّ استخدام “إسرائيل” لنظام الذّكاء الاصطناعي المسمّى “لافندر”، الذي سمح للمسؤولين العسكريين “الإسرائيليين” بقتل أعداد كبيرة من المدنيين الفلسطينيين، وأصبحت قرارات الحياة أو الموت بحسابات تجريها الخوارزميات، من خلال ما يقترفه الكيان الصهيوني من تطهير عرقي يومي منذ 2021 إلى 7 أكتوبر 2023 وآلة الإبادة مستمرّة من خلال استعمالها الذّكاء الاصطناعي.

إلى أين تتجه المنطقة؟

خارطة المواجهة المسلّحة تتّسع وتتعمّق

بقلم: حازم عياد – باحث سياسي أردني

تعرّضت قاعدة “كالسو” التّابعة للحشد الشّعبي في بابل، جنوب العاصمة العراقية، لهجوم تسبّب في انفجارات لم يعرف مصدرها، فهل كانت طائرات أو ضربات صاروخية أم عملية تخريب خاصّة على الأرض؛ زاد الحادث غموضًا نفي الاحتلال الإسرائيلي مسؤوليته عن الهجوم ونفي القيادة المركزية الأمريكية في البحرين مسؤوليتها، لتنضمّ إليها قوّات التّحالف الدّولي لمكافحة الإرهاب بالنّفي.

في المقابل، أعلنت المقاومة الإسلامية العراقية استهدافها فجر السبت ميناء إيلات (أم الرشراش) جنوب فلسطين المحتلّة، -كانت استهدفته في وقت سابق من هذا الشّهر- ما تسبّب في إصابة هنجر يحوي قطعة بحرية “إسرائيلية” من طراز “ساعر”، الأمر الذي اعتبره الإعلام العبري تطورًا خطيرًا ودقيقًا في المواجهة مع العراقيين.

من ناحية أخرى، تواصل الاشتباكات على جانبي الحدود اللّبنانية الفلسطينية برشقات صاروخية من لبنان استهدف فيها حزب الله قوّات “إسرائيلية” ومواقع تجسّسية، مقابل غارات جوية شنّها الاحتلال الاسرائيلي جنوبي لبنان، وهي جبهة لم تهدأ منذ الثّامن من أكتوبر 2023، حيث تشهد صعودًا وتهدئة.

في طولكرم وتحديدًا في مخيّمها نور شمس تواصلت الاشتباكات داخل المدينة لتسفر عن استشهاد 5 من المقاومين الفلسطينيين، وإصابة تسعة من جنود الاحتلال من ضمنهم ضابط في جيش الاحتلال في عملية امتدت لليوم الثاني دون توقّف.

في قطاع غزّة لم تتوقّف المجازر “الإسرائيلية” التي سارت بالتّوازي مع اشتباكات مع المقاومة الفلسطينية وصفها الإعلام الحربي “الإسرائيلي” بأنّها معارك وجه ولوجه مع المقاومة وسط قطاع غزّة؛ وتخلّله أحاديث عن بناء مستوطنات على طريق صلاح الدين نتساريم فيما يشبه الحرب النّفسية لرفع الروح المعنوية للاحتلال وداعميه وتحطيمها لخصومه ومقاوميه.

في الآن ذاته، خيّمت أجواء التّوتر على البحر الأحمر ومضيق باب المندب والخليج العربي، فعمليات الحوثيين لم تتوقّف في حين أنّ ظلال المواجهة بين إيران والكيان المحتل لا زالت ثقيلة في المنطقة، إذ لم تغادرها بعد، فإيران لا زالت متحفّزة في الخليج العربي بعيد سيطرتها على سفينة شحن يملكها مستوطن “إسرائيلي” في الخليج العربي الأسبوع الماضي.

يوميات الحرب في غزّة والإقليم تحوّلت إلى روتين شبه يومي لم يكسر رتابته سوى المواجهة التي خاضتها إيران مع الكيان الإسرائيلي مؤخّرًا، وحديث قطر عن مراجعة وساطتها في مفاوضات وقف إطلاق النّار وصفقة التّبادل بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي.

أمام هذا المشهد المتأزّم والمحتقن عسكريًا بدت مفاوضات وقف إطلاق النّار وعقد صفقة إطلاق سراح الأسرى معطّلة، في حين أنّ توجّه رئيس المكتب السّياسي لحركة حماس إسماعيل هنية إلى تركيا يوم الجمعة بالتّزامن مع وصول وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى أنقرة يوم السبت، أبقى الباب مواربًا لإمكانية البحث عن أفق جديد ينهي العدوان على قطاع غزّة، ويخفّض التّصعيد الآخذ في الاتساع إقليميًا على نحو يضع المنطقة على الحافّة بين الحين والآخر.

يوميات الحرب في قطاع غزّة والإقليم باتت مرهقة سياسيًا واستخباريًا قبل أن تكون مرهقة عسكريًا بالمعنى المطلق للكلمة، فغياب الأفق السّياسي والعجز عن طرح حلول سياسية بفعل الانغلاق السّياسي الأمريكي والإسرائيلي، يفتح الباب واسعًا لإمكانية إطلاق مزيد من جولات التّصعيد خلافًا لكلّ التّصورات المتفائلة التي تبحث عن سراب حلّ لن يأتي به نتنياهو أو بايدن في الأمد المتوسّط، ما يعني ضرورة الاستعداد لمزيد من التّصعيد والتوتّر في فلسطين والإقليم.

الأيام نيوز - الجزائر

الأيام نيوز - الجزائر

اقرأ أيضا