نحو تغليب منطق المساءلة الدولية.. المطلوب “تقديم قادة الكيان للمحاكمة الدولية”

قال ممثّل الجزائر الدّائم لدى الأمم المتحدّة عمار بن جامع، إنّ “القرار التّاريخي لمحكمة العدل الدّولية يؤكّد أنّ زمن الإفلات من العقاب قد انتهى دون رجعة”، في إشارة إلى قرار المحكمة في الدّعوى المقامة من جنوب إفريقيا ضدّ “إسرائيل”، والتي اتّهمتها فيها بارتكاب جريمة إبادة جماعية في غزّة.

قرار المحكمة الدّولية فتح الباب واسعًا لملاحقة قادة “إسرائيل” أمام محكمة الجنايات الدّولية بتهم ارتكاب جرائم حرب، ووفق رأي الخبير القانوني الدّولي ومدير قسم الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظّمة “أفدي الدّولية” عبد المجيد مراري فإنّ محكمة العدل “تضع حدًّا للإفلات من العقاب، وتؤكّد حقّ الفلسطينيين في الحماية من أعمال الإبادة الجماعية”. وأنّ هذا القرار “سيعزّز المساعي الفلسطينية أمام المحكمة الجنائية الدّولية، ويعدّ أساس قانوني يمكن الاعتماد عليه كمرجعية في التّحقيقات ومن شأن ذلك أن يجعل المدّعي العام في الجنائية الدّولية في وضع يمكّنه من إصدار مذكّرات توقيف في حقّ مجرمي الحرب”.

وترى الخبيرة القانونية ناريمان أنّ “قرار محكمة العدل الدّولية وضع “إسرائيل” فعليًا في قفص الاتّهام وسطّر خسارتها أمام القانون الدّولي، مشيرة إلى أنّه سيتعيّن على الحكومات والدّول التي دعّمت سلطة الاحتلال التّفكير جديًّا لتجنّب اتّهامها بالتّواطؤ”.

إنّ قرار المحكمة الجنائية الدّولية اعتزامها إجراء تحقيق حول إمكانية ارتكاب “إسرائيل” جرائم حرب في الأراضي الفلسطينية هو سابقة في تاريخ الكيان “الإسرائيلي”، وبرأي خبراء القانون، فإنّ القرار مؤشّر على نهاية إفلات “إسرائيل” من العقاب وإن “إسرائيل” لم تكن قطّ متخوّفة من إمكانية إجراء تحقيق مستقل بخصوص ارتكاب جرائم حرب في الأراضي الفلسطينية، ولكن تخوّفها في الأساس من إصدار مذكّرات جلب وإحضار وتوقيف بحقّ قادة الكيان الصّهيوني وهو ما يعتبر نهاية للإفلات “الإسرائيلي” من العقاب.

فقد كشفت وسائل إعلام عبرية أنّ رئيس حكومة الاحتلال “الإسرائيلي” بنيامين نتنياهو يخشى أن تصدر المحكمة الجنائية في لاهاي أوامر باعتقاله ومسئولين آخرين بسبب الانتهاكات في العدوان على غزّة. وبحسبها فإنّ نقاشًا عاجلًا جرى مؤخّرًا في مكتب رئيس الوزراء وظلّ سريًّا حتّى الآن، ظهرت فيه سيناريوهات مثيرة للقلق ومخاوف جديّة تسمح بإصدار مذكّرات اعتقال دولية من المحكمة الجنائية الدّولية في لاهاي بحقّ كبار المسئولين الصّهاينة والقادة الأمنيين والسّياسيين بمن فيهم نتنياهو نفسه.

وذكرت أنّ النّخبة السّياسية والقانونية العليا في “إسرائيل” كانت حاضرة في المناقشة، وأشارت القناة العبرية إلى أنّ خلفية إصدار مذكّرات اعتقال دولية هي الحرب في غزّة. وأكّدت أنّ نتنياهو طلب من وزيري خارجية بريطانيا وألمانيا خلال زيارتهما الكيان “الإسرائيلي” التدخّل لمنع إصدار أوامر اعتقال من قبل المحكمة الجنائية.

وأوضحت أنّ تل أبيب حصلت على معلومات ورسائل تفيد باحتمال إصدار أوامر كهذه على نحو كبير، وقد يكون إصدارها نهاية الشّهر المقبل. وأفادت بأنّ المشاورات طرحت مسألة الأزمة الإنسانية في قطاع غزّة، وتصريحات عدّة دول بأنّ “إسرائيل” تنتهك القانون الدّولي، فضلًا عن معاملة السكّان المدنيين في قطاع غزّة بطريقة تنتهك اتفاقية جنيف الرّابعة.

وفي نهاية المناقشة تمّ اتّخاذ قرار بمحاولة اتّخاذ بعض الإجراءات العاجلة في اللّحظة الأخيرة أمام المحكمة الجنائية الدّولية في لاهاي وأمام الأحزاب السّياسية النافذة أيضًا، وذلك لمنع صدور أوامر الاعتقال.

على قادة الكيان الإسرائيلي أن يعلموا أنّ عهد وعصر الإفلات من العقاب قد انتهى ويجب على العالم أن يدرك أنّ إنهاء الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني هو شرط مسبق لوقف انتهاكات حقوق الإنسان المتكرّرة في “إسرائيل” والأراضي الفلسطينية المحتلّة.

بموجب القانون الدّولي الإنساني، يُفترض أن يكون احتلال إقليم ما أثناء فترة نزاع مؤقتًا. ويتعيّن على سلطة الاحتلال أن تدير الأرض لصالح السكّان المحليين أبناء الأرض المحتلّة وأن تحافظ قدر الإمكان على الوضع السّابق للاحتلال، بما في ذلك عن طريق احترام القوانين القائمة والامتناع عن إدخال تغييرات ديمغرافية والتّلاعب بالوحدة التّرابية للأراضي المحتلّة.

ولا يزال قطاع غزّة محتلًا حتّى بعد انسحاب القوّات “الإسرائيلية” منه وإخلاء المستوطنين في 2005، حيث تحتفظ “إسرائيل” بالسّيطرة الفعلية على القطاع وسكّانه، بما في ذلك من خلال سيطرتها على حدوده ومياهه الإقليمية ومجاله الجوّي والسّجل السّكاني لمواطنيه. ومنذ 16 عامًا، تتجلّى مظاهر الاحتلال في غزّة من خلال الحصار “الإسرائيلي” غير القانوني الذي يقيّد بشدّة حركة الأشخاص والبضائع ويدمّر اقتصاد غزّة، ومن خلال جولات متكرّرة من الأعمال العدائية التي قتلت وجرحت آلاف المدنيين ودمّرت البنية التّحتية والمساكن في غزّة.

يتعرّض الفلسطينيون الذين يعيشون تحت الاحتلال “الإسرائيلي” لعدد لا يحصى من انتهاكات حقوق الإنسان، يبقي عليها نظام مؤسّسي من الهيمنة والاضطهاد المُمنهجيْن. فقد أدّت القوانين التّمييزية والقمعية، التي اعتُمدت ظاهريًا كجزء من الاحتلال ولكنّها تخدم فعليًا أهداف نظام الفصل العنصري “الإسرائيلي”، إلى شرذمة وعزل وتفرقة الفلسطينيين في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلّة، بينما تستغلّ مواردهم بشكل غير قانوني وتقيّد حقوقهم وحرّياتهم بشكل تعسّفي، وتسيطر على كافة جوانب حياتهم تقريبًا.

وتوثّق منظمة العفو الدّولية، منذ ستة عقود، ارتكاب القوّات “الإسرائيلية” انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلّة مع الإفلات من العقاب.

في العام 2022، أصدرت المنظّمة تقريرها الذي حمل عنوان: نظام الفصل العنصري (أبارتهايد) “الإسرائيلي” ضدّ الفلسطينيين: نظامٌ قاسٍ يقوم على الهيمنة وجريمة ضدّ الإنسانية، والذي يسلّط الضّوء على الدّور الرّاسخ الذي لعبه الجيش “الإسرائيلي” واحتلاله في إدامة نظام الأبارتهايد. وتؤكّد العديد من نتائج التّقرير وتوصياته على الحاجة الملحّة لإنهاء الاحتلال “الإسرائيلي” لإزالة البيئة التي تمكّن من ارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية وجرائم حرب.

وقد آن الأوان لوضع حدود لهذه الانتهاكات الخطيرة التي تتطلّب ملاحقة قانونية وجنائية ضدّ قادة الاحتلال ومساءلتهم ومحاكمتهم أمام محكمة الجنايات الدّولية لوضع حدّ لجرائم الإبادة الجماعية وممارسة سياسة الأبارتهايد “الفصل العنصري” مع ضرورة انصياع “إسرائيل” لكافّة قرارات الشّرعية الدّولية وإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية بما فيها القدس.

علي أبو حبله - محام فلسطيني

علي أبو حبله - محام فلسطيني

اقرأ أيضا