بذور الفناء من الداخل.. الحريديم.. الوجه الآخر لوهم “إسرائيل”

تصطدم العلمانية وقانون التجنيد لدى الكيان المحتل بعقيدة الحريديم المعادين للصهيونية والرافضين الاعتراف بمفهوم (الدولة)، بل إنهم يكرهون “إسرائيل” ويعتبرون أنّ العيش مع الخنازير أفضل من العيش إلى جانب العلمانيين، إذ يبدو بقاؤهم لدى الكيان مشروطا بإعفائهم من أي واجبات إزاء سلطة الكيان، وهكذا فإنّ تفجّر قضيتهم في هذا الوقت يمثّل إحدى الأزمات الكبرى التي تنبئ بضرورة تفكّك هذا الوهم المسمّى “إسرائيل”.

=== أعدّ الملف: حميد سعدون – منير بن دادي – سهام سوماتي ===

يشكّل المتدينون اليهود – الذين يكرّسون حياتهم لدراسة التوراة – ما يقارب نسبة 13% من تعداد سكان الكيان الصهيوني، ومن المتوقع أن تزيد النسبة إلى 19 بالمائة بحلول 2035 بسبب ارتفاع معدلات المواليد بينهم، وهم معروفون برفضهم الخدمة في جيش الاحتلال، لكن هذه العقيدة الخاصة بطائفة الحريديم تتعارض مع القانون الذي يلزم كل إسرائيلي وإسرائيلية فوق 18 عاما بالخدمة العسكرية، ما فتح المجال واسعا لجدال استمر طوال العقود الماضية.

غير أنّ تخلّف الحريديم عن الخدمة العسكرية بالتزامن مع الحرب المتواصلة على قطاع غزة وخسائر الجيش الصهيوني زاد من حدة الجدل، إذ تطالب أحزاب علمانية المتدينين بالمشاركة في تحمّل الأعباء. وكانت تصريحات يتسحاق يوسف – وهو كبير حاخامات السفارديم (طائفة اليهود الشرقيين) قد فجّرت ردود فعل داخل حكومة الكيان ومجلس الحرب، حين قال: إنه في حال أُجبر المتدينون على الخدمة العسكرية، فإنهم سيسافرون جميعا إلى الخارج.

ويطالب اليهود المتشددون بالحق في الدراسة بالمعاهد اللاهوتية بدلا من الخدمة في الجيش الصهيوني لمدة 3 أعوام، وذلك بحجة أنّ نمط حياتهم المتديّن يصطدم بالأعراف والتقاليد العسكرية، بينما يعارض آخرون مفهوم “الدولة” الليبرالية أصلا، ويقول خبراء اقتصاديون إنّ الإعفاء من التجنيد يبقي بعضهم في المعاهد اللاهوتية بلا داعٍ وخارج القوة العاملة، وعاد الملف بقوة إلى الواجهة منتصف الشهر الجاري، بعد مظاهرات شارك فيها الآلاف تدعو إلى التجنيد الإجباري للحريديم.

وكانت المحكمة العليا لدى الكيان، قد أبطلت في 2018 قانونا يقضي بإعفاء الذكور المتشددين من التجنيد، مشيرة إلى أنّ الحاجة تستدعي مشاركة “المجتمع الإسرائيلي” كله في تحمّل عبء الخدمة العسكرية، وأمهلت المحكمة حكومة نتنياهو حتى 31 مارس الجاري من أجل التوصل إلى صيغة تفاهم بشأن تجنيد الحريديم وإلزامهم بالخدمة العسكرية، إذ يبلغ عدد من يمكن تكليفهم في الوقت الحالي بالخدمة 157 ألف شخص، لكن الجيش لا يجنّدهم ويُعدّون – حسب القانون – فارين من الخدمة العسكرية.

ومنذ 2017، فشلت الحكومات المتعاقبة في التوصّل إلى قانون توافقي بشأن تجنيد الحريديم، بعد أن ألغت المحكمة العليا قانونا شُرّع في 2015، وقضى بإعفائهم من الخدمة العسكرية، معتبرة أنّ الإعفاء يمسّ بـ”مبدأ المساواة”. ومن حينها، دأب الكنيست على تمديد إعفائهم من الخدمة العسكرية، ومع نهاية مارس الجاري ينتهي – بقرار قضائي – سريان أمر أصدرته الحكومة بتأجيل تطبيق التجنيد الإلزامي للحريديم، ما يلزمها بتقديم رد مكتوب إلى المحكمة العليا بشأن خطوات معالجة هذا الملف.

وبسبب هذه الوضعية المعقدة، يواجه رئيس وزراء سلطة الكيان بنيامين نتنياهو امتحاناً عسيرا في ظل انقسام وجدل حول مشروع قانون تجنيد المتدينين اليهود (الحريديم) في الجيش، ما يهدّد باحتمال تفكّك الائتلاف الحكومي، مع العلم أنّ – مجرم الحرب – نتنياهو أبلغ وزراء حزبه “الليكود” بأنه لن يتنازل إطلاقاً عن إقرار مشروع القانون، و”لن تكون هناك حكومة دون هذا القانون”، ما يعني أنه – وهو المحاصر دوليا بسبب حرب الإبادة الجماعية – في مواجهة أحد الشركاء في حكومته الائتلافية، سواء أقرت الحكومة أم لم تقر قانون التجنيد.

أما المخطط الذي يقترحه – مجرم الحرب – نتنياهو، فلا تُعرف جميع تفاصيله، لكن أجزاء منه سرّبت لوسائل الإعلام الإسرائيلية أشارت إلى أنه سيبقي على الإعفاء لليهود المتدينين من الخدمة العسكرية بل وربما يوسّعه. كما أنه يهوّن من الخسائر الاقتصادية للسياسة المستمرة منذ عقود، والتي حذّر خبراء اقتصاد كبار لدى الكيان مرارا من أنّ لها ثمنا باهظا. ومن ضمن ما جاء في الاقتراح: رفع السن الذي يجب أن يظل فيه الرجل الحريدي طالبًا في المدرسة الدينية ليظل معفيًا من 26 إلى 35 عامًا. كما سيتم إنشاء كتائب حريدية خاصة في الجيش الصهيوني ومناصب في خدمات الطوارئ والمكاتب الحكومية وسيضمن أنّ رجال الحريديم الذين لا يجندون لن يواجهوا عقوبات جنائية.

وبشدة، تعارض الأحزاب الحريدية، مثل “شاس” برئاسة أرييه درعي و”يهودية التوراة” برئاسة موشيه غافني، فرض الخدمة العسكرية على الحريديم، وربما تهدّد بالانسحاب من الحكومة، ما يعني – أيضا – إجراء انتخابات برلمانية مبكّرة، وبالمقابل، يصغ زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد قانون تجنيد الحريديم المطروح للتصويت منذ الثلاثاء (26 مارس الجاري) بأنه “إهانة للجيش”، واصفا المشاركين في حكومة نتنياهو بأنهم “ضالعون بهذه الوصمة الأخلاقية”.

وأضاف لبيد حسب ما نقلته صحيفة يديعوت أحرونوت أن قانون التجنيد المقترح “احتيال على الجمهور”، وأنه “سيمس بالوحدة ويضر بالأمن وهذا خط أحمر”، وكان لبيد قال يوم الأحد (24 مارس)، إن قانون التجنيد المقترح هو “وجه لأفظع حكومة في تاريخ الكيان”. وكتب – في منشور على منصة إكس – إن “حكومة نتنياهو كاذبة، وتتهرب من المسؤولية، ومن يستمر فيها شريك في هذا العار”، أما الوزير بمجلس الحرب بيني غانتس فقد أعلن رفضه المنحى المعدل لقانون تجنيد الحريديم، مجددا تهديده بالانسحاب من حكومة الطوارئ إذا تم تمرير القانون الذي يعتبر أنه “سيمس بالوحدة ويضر بالأمن”.

وفي ظل هذه الأزمة الشديدة، حدث ما لم يكن في الحسبان، فقد قدّم رئيس حزب “أمل جديد” الوزير جدعون ساعر استقالته من حكومة الطوارئ الإسرائيلية، مساء الإثنين، الأمر الذي عمّق من أزمة نتنياهو، إذ تنذر هذه الاستقالة ببداية تصدّع في الحكومة التي شُكّلت مع بدء العدوان على غزة. وكان ساعر قد اشترط من أجل بقائه في حكومة الطوارئ أن ينضم إلى مجلس الحرب، وذلك قبل نحو أسبوعين عندما فض الشراكة مع رئيس “المعسكر الوطني” بيني غانتس الوزير في مجلس الحرب.

وبحسب عدة مصادر، فإنّ نتنياهو لم يعارض انضمام ساعر إلى مجلس الحرب، لكن رئيس حزب “القوة اليهودية” الوزير إيتمار بن غفير، ورئيس تحالف “الصهيونية الدينية” الوزير بتسلئيل سموتريتش طلبا الانضمام إلى مجلس الحرب في حال تم قبول انضمام ساعر، وهو ما أصبح بمثابة أزمة ائتلافية، وهكذا سارع نتنياهو، إلى إجراء مفاوضات مع بن غفير بغية إقناعه بعدم عرقلة انضمام ساعر، غير أنّ المفاوضات فشلت.

وفي الوقت ذاته، تفيد بعض التحليلات بأنّ ساعر ليس لديه مشكلة مع نتنياهو في ضم الوزيرين بن غفير وسموتريتش إلى مجلس الحرب، إلا أن ضمهما سيؤدي إلى الانسحاب الفوري للوزيرين غانتس وغادي آيزنكوت من حكومة الطوارئ. وسيتعيّن على نتنياهو أن يختار بين ساعر وغانتس، بحسب ما أفاد به مراقبون. واعتبر زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد – في منشور بحسابه عبر منصة “إكس” – استقالة ساعر، “الخطوة الأولى نحو حل الحكومة التي يجب أن تتحمل مسؤوليتها وتعيد التفويض إلى الشعب (في إشارة إلى ضرورة إجراء انتخابات مبكرة)”.

لهذه الأسباب يرفض “الحريديم” التجنيد..

العيش مع الخنازير أفضل لهم من الجيش الصهيوني

كان القانون الصهيوني يسمح لكل من انتسب إلى التعليم الديني الأرثوذكسي المستقل “الحريدي” لمدة لا تقل عن 4 سنوات بالإعفاء من الخدمة العسكرية الإجبارية عند بلوغه سن الثامنة عشر، ويعود قرار إعفاء “الحريديم” من التجنيد الإجباري، حال التحاقهم بالمدارس الدينية، إلى تسوية تم التوصل إليها في عهد مؤسس الكيان الصهيوني، ديفيد بن غوريون، سنة 1948، بحسب ما ذكرت صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية في تقرير، مشيرة إلى أنّ هذا الأمر أصبح مثيرا للجدل بشكل متزايد مع توسيع الإعفاءات، بفضل قرار صدر عام 1977.

ويرجع رفض طائفة “الحريديم” الالتحاق بالجيش إلى أسباب تتعلق بسلوكهم الاجتماعي، إذ ينظرون إلى (النظام) باعتباره علمانيا لا يحافظ ولا يطبّق الشريعة اليهودية، وليس فقط التجنيد ما يمتنعون عنه، فهم منغلقون أيضا ولا يشاركون في الحياة العامة، المشكلة الجوهرية – بحسب محللين – تتمثل في انعزالهم، فيما يريد العلمانيون دفعهم إلى الانخراط في المجتمع، كما أنّ بعض المتدينين المتطرفين ينظرون إلى الكيان على أنه لا يستحق التضحية، لأنه ليس كيانا مثاليا من الناحية الدينية.

وتأتي المساعي الداعية إلى استيعاب “الحريديم” في الجيش الصهيوني من منطلق المطالبة بتكافؤ الفرص وبالمساواة بين المواطنين، إذ إنّ هناك أيضا مساعي مشابهة لتجنيد أبناء المكون العربي بشكل أوسع، بهدف إدماجهم في المجتمع، لكن، يبدو من المستبعد أن يتم إجبار “الحريديم” على التجنيد الإلزامي. كما أنّ حكومة نتنياهو لن تكون قادرة على هذه الخطوة، نظرا إلى التداعيات السياسية وراء رفض “الحريديم” التام، هذا إلى جانب أنّ الائتلافات الحزبية في الكنيست تريد دائما إرضاءهم ومنحهم ميزات اقتصادية، للفوز بتأييدهم، نتيجة حضورهم الكثيف باعتبارهم كتلة سكانية كبيرة جدا.

مشروع قانون التجنيد العسكري الذي يمنح الإعفاء سيتم إقراره، وإلا سوف تنهار الحكومة، لكن المعارضين سيستغلون هذا الخلاف، خصوصا في ظل إجماع داخل “المجتمع الإسرائيلي”، سواء الوسط أو اليسار أو العلمانيين، وربما بعض المتدينين الذين هم ليسوا من (الحريديم)، على ضرورة الذهاب إلى الانتخابات ليس بسبب حماس وحرب الإبادة فحسب، بل أيضا نتيجة الخلافات الداخلية، مع العلم أنّ معارضة وزير الدفاع غالانت لمشروع القانون قد ترجح سيناريو تفكيك الحكومة، لأنه عنصر مهم جدا في الائتلاف.

وكان الحاخام تسفي يهودا فريدمان – وهو قادة “الجناح الأورشاليمي” الحريدي المتشدّد – قد قال: “لأنّ الجيش هو بوتقة صهر للثقافة الإسرائيلية، وهي علمانية، فإننا لن نُقدم على القيام بأمر هو أسوأ من الموت بالنسبة إلينا”، وقال أيضا: “التواجد في جيش علماني هو أخطر من تدنيس قدسية السبت ومن التخلي عن الطعام الكوشير (الطعام الحلال بموجب الشريعة اليهودية) ومن جميع الأمور. وأن نكون مع خنازير أفضل لنا من التواجد في مكان واحد مع العلمانيين”.

وكشف مقطع فيديو عن جلسة خاصة أشبه ما تكون بلحظة استنطاق للحاخام تسفي فريدمان من قبل مخابرات جيش الاحتلال الصهيوني. وخلال المقطع الذي حظي بتداول كبير بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي، بدا في الجلسة جنرالان من جيش الاحتلال وهما يتوسلان ويتذللان للحاخام تسفي فريدمان من أجل السماح لأبناء الحريديم بالانتساب إلى الجيش الصهيوني والمشاركة في حرب غزة.

كما تضمّن الحوار تصريحًا لأحد الجنرالات، قال فيه إنّ (إسرائيل) “في حالة سيئة وفي مصيبة كبرى عسكريًّا واجتماعيًّا ولا نستطيع حمل العبء وحدنا”، في إشارة إلى طلب مساعدة طائفة الحريديم وانضمام أعضائها إلى الجيش. وجاء رد زعيم الحريديم قاصمًا حينما أكد للجنرال العسكري “رغم كل ما يحدث فإننا نفضّل السجن على الجيش، وليحدث ما يحدث. نحن هنا ولن نتحرّك، ولا يهمنا الموت”.

وبنبرة لا تخلو من التحدي، قال زعيم طائفة الحريديم “أنا لديَّ أحفاد وأبناء يصل عددهم إلى 40 فردًا، وإذا سألوني: أيهما تفضّل أن يقتلهم العرب أم يصيروا علمانيين؟ فإنّ جوابي سيكون: أن يقتلهم العرب، لأنّ العلمانية عندنا أبشع من الموت، والجيش مقر للعلمانية والثقافة العلمانية”، وأضاف “لن نذهب إلى الجيش وهو بالنسبة لنا أسوأ من الموت”، وتابع “نفضّل أن نأكل لحم الخنزير ولا نذهب إلى مكان علماني أو نعتنق أيديولوجيا علمانية”.

واستغرب الحاخام من توسّلات أحد الجنرالين عندما أكد أنّ الكيان بعد أحداث 7 أكتوبر دخلت “عالمًا جديدًا على الإطلاق” وأنها “تعيش حالة عصيّة وسلبية”، وعندما أصر الجنرال على طلب السماح لأفراد طائفة الحريديم بالانضمام إلى الجيش للدفاع عن الكيان، ردّ الحاخام بهدوء “قلت ذلك من قبل وأقوله الآن، هناك أمر أكثر قدسية من الجيش هو الإيمان”.

من هم اليهود الحريديم؟

يوصف الحريديم بأنهم طائفة يهودية تمثّل تيارا دينيا متشددا جدا، وتعني كلمة الحريدي (التقيّ)، ويتنكر هؤلاء اليهود للصهيونية، ويعيش غالبيتهم في فلسطين التاريخية والولايات المتحدة. ومنهم من يعيش في الدول الأوروبية ويتنقل بينها. وينتمون في معتقداتهم إلى التوراة والأصول الفكرية اليهودية القديمة. ويتكون هذا التيار من عدة طوائف وأحزاب ينتمون إلى حاخامات (رجال دين) يوجهونهم لعيش حياتهم اليومية حسب الطقوس والتشريعات التوراتية.

ويتمسك الحريديم بالنصوص التي وردت في التوراة والتلمود وبتعاليم الحاخامات، ويجمعون أن حياة اليهود داخل الكيان يجب أن تحكمها الشريعة اليهودية والتعاليم التوراتية، وليس مبادئ الديمقراطية وقيم الصهيونية والقوانين التي شرعها الإنسان. وعليه، يوظفون نفوذهم السياسي من أجل فرض هذه التعاليم على الحياة اليومية للإسرائيليين.

يبلغ عدد “الحريديم” حاليا 1.28 مليون، وعام 2009 كان عددهم 750 ألفا. ويقطن أكثر من 40% من اليهود الحريديم في مدينة القدس وفي منطقة “بني براك” قرب (تل أبيب)، بينما يسكن 7% منهم في مستوطنة بيت شيمش قرب القدس، و53% يقطنون في مستوطنات ذات أغلبية حريدية مثل “موديعين عيليت” و”بيتار عيليت” و”إلعاد” المقامة على أراضي الفلسطينيين بالضفة الغربية، أو في أحياء سكنية داخل مدن كبيرة، مثل صفد وطبريا وأسدود وملبّس (بيتاح تكفا) وحيفا وصرفند، وأم خالد (نتانيا).

تُظهر بيانات مركز الأبحاث التابع للمعهد الإسرائيلي للديمقراطية أنّ معدل الفقر بين الحريديم ضعف ما هو عليه بين عامة السكان لدى الكيان الذي يصل إلى 25%، في حين يعيش ما يزيد على 50% من الحريديم تحت خط الفقر. ويمثل هذا تحسنا طفيفا مقارنة بالسنوات السابقة، إذ وصلت نسبة الفقر بينهم 58% عام 2005. وعام 2022، سُجلت معدلات بطالة مرتفعة بين الذكور في المجتمع الحريدي، إذ بلغت 46.5%، وهي نسبة أعلى بـ3 أضعاف تقريبا من البطالة بين الذكور اليهود غير الحريديين. ويعود ذلك إلى إقدام الذكور الحريديم على تعلّم التوراة في المدارس الدينية اليهودية لمدة 3 سنوات على الأقل، كبديل عن الخدمة العسكرية، إذ يحصل كل طالب حريدي على معاش شهري بقيمة 1200 دولار.

أبرز الطوائف والتيارات الحريدية

  • اليهود الحريديم الحسيديم (الغربيون): هي حركة تصوّف روحانية اجتذبت آلاف الأتباع منذ أوائل القرن الـ19 بين أوساط الجاليات اليهودية في أوروبا الشرقية. ونشأت الحركة حول مجموعة من الحاخامات المؤثرين، وتُعرف بنظامها الداخلي الصارم والتشديد على سلوكيات أفرادها وانضباطهم سياسيا واجتماعيا.
  • اليهود الحريديم الليتوانيون (الغربيون): يخصّص الحريديم الليتوانيون جل وقتهم للدراسة المنهجية للتلمود وتفاسيره، ويعتبرون دراسة التوراة قيمة عليا، على الرغم من أن قسما كبيرا من الرجال يذهبون إلى سوق العمل، بدلا من تعلم التوراة.
  • اليهود الحريديم السفراديم (الشرقيون): هم يهود تم استقدام عائلاتهم إلى فلسطين من دول عربية مختلفة، وتبنوا في البداية طقوس اليهود الحريديم الليتوانيين، ذات الطابع الحريدي الأوروبي، لكنهم بعد ذلك تأثروا بالحاخامات اليهود من أصول إسبانية الذين تنقلوا وسكنوا في بلدان المغرب العربي.
  • طائفة (ناطوري كارتا): تناهض علنا الحركة الصهيونية وترى بمشروعها الاستيطاني سبب الشرور التي تحل بالشعب اليهودي. ويقطن غالبية أبناء هذه الطائفة في القدس ولا يعترفون بـ(إسرائيل)، ويعارضون الخدمة العسكرية، ويرفضون الحصول على مخصصات وميزانيات من حكومة الاحتلال، ولا يشاركون بانتخابات الكنيست، ويعترفون بحق الشعب الفلسطيني بالحرية والاستقلال.

الحريديم والديمقراطية

تتقوقع جميع الطوائف في “المجتمع الحريدي” وتنغلق على ذاتها منعا للذوبان في الطوائف والمجتمعات الأخرى غير الحريدية، وتتميز بالتشدد والتعصب للقيم التقليدية التوراتية اليهودية، وترفض تغلغل الثقافة الأوروبية والغربية وقيم العلمانية والديمقراطية إلى صفوفها. وتعترف الطوائف الحريدية بالنظام الديمقراطي على أنه “وضع جيد مؤقتا”، بيد أنها تعارض وبشدة اعتماده أساسا للحياة السياسية والاجتماعية، لأنه يأخذ مكان الشريعة اليهودية كمصدر وحيد للتشريع وإدارة الحياة العامة للشعب اليهودي.

ويلتزم الحريديم بنصوص توراتية تخص الفصل بين الجنسين وتمنع الاختلاط والعلاقات بين الرجال والنساء، ويحرص هؤلاء على شراء منتجات “حلال” (مصادق عليها من الحاخامية الرئيسية)، ويمتنعون عن تدنيس “حرمة يوم السبت”، ولا يعملون فيه ويخصصونه لزيارة الكنس وقراءة التوراة فقط. وامتنع الشبان في الطوائف الحريدية دائما عن التجنيد تحت ذريعة انشغالهم بدراسة تعاليم اليهودية والشرائع التوراتية “التي هي الضمان للحفاظ على بقاء الكيان”. وأيضا بسبب صعوبة الحفاظ على التدين والتعاليم اليهودية بسبب الاختلاط في الجيش. ويعتبرون أن دراسة التوراة “سلاح روحاني” لحماية “شعب الكيان”، وأن التفرغ لدراستها لا يقل أهمية عن الخدمة العسكرية.

نهاية حتمية لمشروع احتلالي قائم على الخرافات الدينية..

محمد الحمامي يحلّل القضية التي ستفتح أبواب جهنم على الكيان

أبرز ممثل الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بالجزائر، محمد الحمامي، أنّ المجتمع الصهيوني مجتمع متعدّد القوميات والعرقيات، جاء من شتى أصقاع الأرض، فمنهم اليهود الشرقيون، يهود الأشكناز، ومنهم اليهود الفلاشا وغيرهم، ومن هنا نجد أنه مجتمع متناقض وكل ما يجمعه هو قتل وتهجير الشعب الفلسطيني وتصفية المسألة الوطنية الفلسطينية.

وفي هذا الصدد، أوضح الحمامي، في تصريح لـ “الأيام نيوز”، أنّ الحديث عن التناقضات القائمة وسياسة التمييز العنصري في “إسرائيل” التي تدعي زوراً وبُهتاناً أنها “دولة ديموقراطية”، يقودنا مباشرةً إلى التأكيد على أنّ هذه “الدولة” تمارس التمييز العنصري حتى ضد المجتمع الذي يعيش بداخلها، دون أن نغفل بأنّ هناك ما نسبته 20 بالمائة من سكان ما يسمى عبثا “إسرائيل”، هم من فلسطيني 48.

في السياق ذاته، أشار محدثنا إلى أنّ عملية “طوفان الأقصى” التي جرت أحداثها بتاريخ السابع من أكتوبر 2023، فتحت كل الأبواب على مصراعيها في المنطقة، بالحديث عن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، أو للجولان السوري، أو لمزارع شبعا اللبنانية وأيضا سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية من خلال قواعدها العسكرية في كافة المنطقة، كما شكّلت هذه المعركة زلزالاً أمنيا وسياسيا واقتصاديا وحتى اجتماعيا داخل هذا الكيان، الذي بدأت تظهر داخله التفسخات والانقسامات ومختلف التصدعات.

في سياق ذي صلة، أفاد الحمامي، أنّ الحريديم، أو ما يسمى باليهود المتدينين يشكّلون ما نسبته 18 بالمائة من “المجتمع الإسرائيلي”، أي ما يعادل حوالي مليون يهودي، لهم امتيازات وتُرصد لهم ميزانيات خاصة، من أجل الدراسة في المدارس الدينية، كما أنّ لهم حقوقاً كاملة دون تقديم واجبات.

وفي هذا الشأن، أبرز ممثل الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بالجزائر، أنّ الحكومات الصهيونية المتعاقبة وحكومة نتنياهو دائماً ما كانت تسعى إلى نيل رضا الحريديم، من خلال تخصيص امتيازات خاصة بهم، وإعفائهم من الخدمة العسكرية، على اعتبار أنهم يمثلون كتلة انتخابية كبيرة، خاصة الأحزاب الدينية.

وأردف قائلا: “إنّ الأمر المؤكد الآن هو أن نتنياهو الذي شكّل حكومته من المستوطنين والعصابة، يريد أن ينال رضا هؤلاء المتدينين، وقد كانت المحكمة العليا أمهلت حكومة بنيامين نتنياهو حتى 31 مارس الجاري من أجل التوصل إلى صيغة تفاهم بشأن تجنيد الحريديم وإلزامهم بالخدمة العسكرية”.

في سياق متصل، أشار المتحدث، إلى أنّ من يمكن تكليفهم في الوقت الحالي بالخدمة في الجيش الإسرائيلي من الحريديم يفوق عددهم 150 ألف شخصا، لكن الاحتلال لا يقوم بتجنيدهم ويُعتبرون حسب القانون فارين من الخدمة العسكرية، هذا ما سيشكّل صراعاً آخر داخل “المجتمع الصهيوني” خاصةً في ظل ارتفاع وتيرة تظاهرات أهالي الأسرى الصهاينة المحتجزين لدى المقاومة الفلسطينية، ناهيك عن المعارضة الإسرائيلية التي يترأسها يائير لابيد، والذي يطالب بتجنيد الحريديم، ويعتبرهم عبئا ماديا واقتصاديا على السلطة، حيث أنهم لا يتساوون في الواجبات مع أبناء الشعب الإسرائيلي على حدّ قوله.

بداية نهاية المشروع الصهيوني القائم على الخرافات الدينية

إلى جانب ذلك، أفاد الحمامي، أنّ قضية الحريديم ستفتح أبواب جهنم على الكيان الصهيوني، وستكون بدايةً لنهاية هذا المشروع الصهيوني القائم على الخرافات الدينية والتوراتية والمزاعم والادعاءات الباطلة التي تعتبر فلسطين أرضا لليهود، فيما لا توجد على أرض الواقع أيّ علاقة بين اليهودي الألماني أو اليهودي الأمريكي أو اليهودي البولندي بأرض فلسطين.

وتابع: “نحن الفلسطينيون كنا ولا زلنا وسنبقى أرضا للديانات السماوية الثلاث، نتعايش مع جميع الأديان على اختلافها، حيث كان السكان الأصليون ما قبل إنشاء هذه المستعمرة والمحمية الأمريكية في المنطقة، يتعايشون مع المسلمين والمسيحيين واليهود في ألفة وفي محبة، فلا توجد أيّ مشكلة لدى الشعب الفلسطيني إزاء الدين اليهودي، لكن مشكلتنا مع هذه الحركة الصهيونية التي تستعمل الدين من أجل تبرير ممارساتها المشبوهة القائمة على قتل النساء والأطفال والشيوخ واستهداف كل ما هو فلسطيني دون أيّ وجه حق”.

في سياق متصل، أكّد ممثل الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بالجزائر، أنّ مواجهة هذا المشروع يتطلب صلابة الموقف الفلسطيني، خاصة وأن “المجتمع الصهيوني” متناقض ويتهاوى وهو حاليا أهون من بيت العنكبوت، فعلى كل الفلسطينيين أن يُجمعوا جميعا على حقهم في التحرر وانتزاع الاستقلال من هذا الكيان المجرم عبر موقف فلسطيني موحد، كما ينبغي أن تكف السلطة الفلسطينية عن كونها وكيلا أمنيا لهذا الاحتلال السافر والسماح له بدخول الأرض الفلسطينية واعتقال من يشاء وقتل من يشاء دون حسيبٍ أو رقيب.

هذا، وأكّد الحمامي على أهمية الاستثمار الجيّد في كل هذه التناقضات الموجودة داخل المجتمع الصهيوني، فقد سمعنا مؤخراً ما جاء على لسان يتسحاق يوسف، زعيم الحريديم، بشأن مغادرة الحريديم إلى الخارج في حال ما إذا تم تجنيدهم قسرا في الجيش، بالإضافة إلى ذلك توجد هناك أصوات أخرى داخل المجتمع الصهيوني تتحدث عن وجود حاجة ماسة إلى العنصر البشري، والحريديم يشكلون كتلة هامة وبالتالي من الضروري أن يكونوا ضمن جيش الاحتلال الإسرائيلي.

وأردف قائلا: “إنّ كل هذه المُعطيات وبما لا يدعُ مجالا للشك ستفتح صراعات داخلية لدى المجتمع الصهيوني، خاصةً في ظل الالتفاف العالمي حول الحق الفلسطيني، فكل أحرار العالم اليوم يُساندون القضية الفلسطينية، باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية التي تغطي هذا الاحتلال وتعطيه الضوء الأخضر لارتكاب المزيد من الانتهاكات الصارخة بحق الشعب الفلسطيني الأعزل”.

خِتاماً، جدّد ممثل الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بالجزائر، محمد الحمامي، تأكيده على ضرورة وأهمية الاستثمار في كل هذه التناقضات التي تنهش الداخل الصهيوني، من أجل بناء وحدة وطنية فلسطينية حقيقية، وعلى العرب والمسلمين أن يدركوا يقينا أنّ التاريخ سيسجّل من دعم فلسطين وشعبها ومن خذلها وتواطء عن نصرة الشعب الفلسطيني الأعزل الذي يتعرض إلى مجازر مروّعة وحرب إبادة جماعية لم يشهد لها التاريخ الحديث مثيلا.

مأزق وجودي حاد..

الحريديم يحفرون قبر “إسرائيل

بقلم: عصام البدري – باحث مصري في العلوم السياسية

وسط تزايد الإصرار على تجنيد اليهود المتشددين “الحريديم”، أعادت تصريحات الحاخام الأكبر في” إسرائيل” يتسحاق يوسف التي هدّد فيها بمغادرة “إسرائيل” مع اليهود المتشددين إذا ما أجبرتهم الحكومة على التجنيد الإلزامي، الحديث حول أزمة جديدة تُهدّد حكومة “نتنياهو”، لا سيما وأنّ هذه هي المرة الأولى في تاريخ الكيان التي تتفق فيها المعارضة مع الحكومة بخصوص وجوب مشاركة جميع طوائف “المجتمع” في الخدمة العسكرية في مثل هذه الظروف، فيما تختلف أحزاب الائتلاف الحاكم بين مؤيد ومعارض لها.

ومع قرب صدور قرار من حكومة “نتنياهو” في نهاية مارس الجاري 2024 لمناقشة مقترحي تجنيد “الحريديم” وتمديد مدة الخدمة العسكرية، هدّد وزير الدفاع الإسرائيلي “يوآف غالانت” باستخدام حق النقض (الفيتو) ضدّ أي قرار يتعلق بمواصلة إعفاء اليهود المتشددين من الخدمة العسكرية، بالتزامن مع تعهد بعض الأحزاب الداعمة “للحريديم” بإسقاط حكومة “نتنياهو”، وهو ما يُنذر بتصاعد خلاف جديد ستكون له انعكاساته على الائتلاف الحاكم واستقرار “المجتمع”، خاصة بعد تأجج الشارع الإسرائيلي ببدء خروج يهود “الحريديم” للتظاهر ضد الحكومة منذ يوم 9 مارس 2024 استجابةً وتضامناً مع تصريحات الحاخام الأكبر.

سياقات محفّزة

مثّل خروج وزير الدفاع الإسرائيلي “يوآف غالانت” عن صمته بعد تزايد حدة النقاش داخل ما يسمّى عبثا بـ”المجتمع الإسرائيلي”، الداعي إلى تجنيد “الحريديم” لسد العجز في صفوف الجيش الإسرائيلي في ظل العدوان على قطاع غزة واشتعال جبهة الشمال، إضفاء لصفة الرسمية على الأزمة بتحويلها من مجرد نقاشات في الأوساط الشعبية إلى مأزق يُعمّق من الخلافات داخل الائتلاف الحاكم ويُهدّد تماسك الكيان.

يُشير تزايد الدعوات المنادية بتجنيد “الحريديم” من قبل “المجتمع الإسرائيلي” وبعض أعضاء الائتلاف الحاكم، بالرغم من معرفتهم بمدى الخطورة التي قد يُمثلها هذا الطرح، إلى تصاعد الخلافات والتوتر داخل الحكومة الحالية، وهو ما يُنذر بأن ثمة أزمة كامنة جديدة على وشك الانفجار وقد تُهدّد تماسك واستمرار حكومة “نتنياهو” أو على أقل تقدير تُضيف لرصيدها من الفشل وتراجع أدائه، إذ لا يبدو أن “غالانت” أو أعضاء المعارضة على استعداد هذه المرة لتقديم تنازلات لنتنياهو، الذي دائماً ما يسعى إلى كسب دعم وتأييد الأحزاب المتطرفة، كما حدث من قبل أثناء أزمة التعديلات القضائية التي أقال فيها نتنياهو “غالانت” قبل بدء الحرب.

ضغوط حاكمة

تكمن خطورة الأزمة الحالية في ارتباطها بعدة ضغوط حاكمة تواجه نتنياهو منذ مطلع عام 2024 وتُمثل السياق المحفز لها والذي يدفعها باتجاه الانفجار، ألا وهي:

أولا: عدم توافق أعضاء الائتلاف حول قرار التجنيد: فبينما رحب الوزيران في معسكر التحالف الوطني “بيني غانتس” و”غادي آيزنكوت” بتصريحات “غالانت”، القاضية بتجنيد “الحريديم” في الجيش، امتنع رئيس حزب “عظمة يهودية” إيتمار بن غفير، ورئيس تحالف “الصهيونية الدينية” بتسلئيل سموتريتش، عن التعقيب على الموضوع، بالرغم من دعمهما لهذا الطرح منذ بداية الحرب، وهو ما تصادم مع قرارات أحزاب الكتل الحريدية، المتمثلة في حزب “ساش” بزعامة أرييه أدرعي، وحزب “يهودية التوراة” برئاسة موشيه غافني، اللذين سرعان ما هددا بالانسحاب من الائتلاف الحاكم.

ثانيا: حاجة الجيش الإسرائيلي لسدّ العجز في عدد الجنود: يعكس صدور مثل هذه التصريحات من “غالانت” دون الأخذ في الاعتبار الظروف الحساسة التي تمر بها “تل أبيب”، نتيجة استمرار الحرب لأكثر من خمسة أشهر دون تحقيق أهدافها وعدم وجود أُفق واضح لنهايتها، وتزايد اضطرابات الداخل، وتصاعد حدة الخلافات بين أعضاء الائتلاف الحاكم؛ حجم الحاجة الملحة لزيادة عدد جنود الجيش، خاصة بعد تزايد التصعيد على الجبهة الشمالية واحتمالية فتح جبهة برية أخرى مع حزب الله اللبناني، وهو ما يُشير إلى تفضيل “غالانت” الأمن على السياسة، غير عابئ بتداعيات القرار على تماسك الائتلاف الحاكم.

ثالثا: استثمار أعضاء المعارضة في الأزمة لإسقاط ائتلاف نتنياهو: يُشير توافق زعيم المعارضة الإسرائيلية “يائير لابيد” وتيار المعارضة في حكومة الحرب الذي يُمثله كل من “غانتس” و”آيزنكوت” مع تصريحات “غالانت”، التي أتت على غير رغبة من “نتنياهو” الذي كان يُحاول تمرير قانون لإعفاء “الحريديم” من التجنيد، إلى أنهما يستغلان الأزمة لمحاولة إسقاط ائتلاف نتنياهو، إذ إن دعمهما لقرار يحظى بتأييد غالبية ما يسمّى بـ”المجتمع الإسرائيلي”، وتلويحهما باستخدام حق الفيتو ضد أي قرار يتعلق بإعفاء يهود “الحريديم” من الخدمة العسكرية، إضافة إلى تهديدهما بالانسحاب من حكومة الحرب، بالتزامن مع تهديد الأحزاب الحريدية بإسقاط حكومة نتنياهو بالانسحاب من الائتلاف أيضاً، يُؤكد على مسعاهم وهدفهم الأبرز وهو إسقاط حكومة نتنياهو بانقسام الائتلاف.

رابعا: تراجع دعم الأحزاب الحريدية لحكومة نتنياهو: تعكس تصريحات الحاخام الأكبر “يتسحاق يوسف” وتهديده بمغادرته وطوائف اليهود المتشددين “تل أبيب”، تراجع دعم الكتل الحريدية لنتنياهو، إذ يتهمه البعض بالتنصل من وعوده واتفاقه معهم، القاضي بدعم ومشاركة الأحزاب الحريدية في ائتلافه مقابل استمرار إعفائهم من التجنيد الإلزامي، بتمرير قانون شبه دستوري يقضي بالمساواة بين دراسة التوراة في المعاهد الدينية وأداء الخدمة العسكرية، حتى يتلافى إشكالية تحقيق المساواة، وجدير بالذكر أن طائفة يهود “الحريديم” من أكبر الطوائف التي قد يُشكل انسحابها من أي حكومة ائتلافية إلى إسقاطها، إذ يبلغ تعدادهم 13.3 بالمائة من “المجتمع الإسرائيلي”، وهم أعلى الطوائف نمواً في عدد السكان.

ختاماً، يمكن القول إنّ هذه الأزمة هي الأخطر منذ تشكيل الائتلاف الحاكم، وقد تُمثل بداية فك الارتباط الفعلي بين نتنياهو وأعضاء ائتلافه، لا سيما المعارضين منهم حتى ولو لم يكن بشكل رسمي، فتصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي “غالانت” وضعت تماسك الحكومة الحالية على المحك، فحتى وإن قرر “نتنياهو” عزل “غالانت” للمرة الثانية للإتيان بآخر يوافقه الرأي لمحاولة احتواء الأوضاع، فقانون التجنيد يحظى بتأييد الغالبية العظمى من “المجتمع الإسرائيلي”. ولذلك فإنّ “غالانت” بتصريحاته قد ألقى الكرة في ملعب “نتنياهو” ووضعه بين فَكَّيْ رَحَى، فإما أن يُرضي الأحزاب الدينية، وإما أن يُرضي أعضاء الائتلاف الحاكم، وفي كلا الحالتين هو الخاسر.

التفكّك الذاتي..

صدام بين مكوّنات “مجتمع” الكيان يعجّل باندثار بيت العنكبوت!

بقلم: إبراهيم باجس عبد المجيد – باحث مقدسي

الحديث عن الطّوفان.. (طوفان الأقصى) حديث لا ينتهي، ولا تنقضي عجائبه، فقد جعل كثيراً من الزَّبد والغُثاء يطفو على السّطح، بعد أن كان البعض يظنّه ماءً ثقيلاً أو جواهرَ ولآلئ.

ومِن هذا الزَّبد هو ذاك “المجتمع اليهودي” الذي كنّا نراه متماسكاً متآلفاً متجانساً، وهو في الحقيقة غير ذلك تماماً. فهو مجتمع مختلف الأعراق، مختلف الأفكار، مختلف التوجّهات، وإن كان يجمعه مكان واحد هو فلسطين، وهدف واحد هو البقاء على هذا الكيان الهشّ (إسرائيل) والحفاظ عليه. مجتمع يصدُق فيه قول الله تعالى {تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتّى}.

وفي الأيام الأخيرة برزت على سطح (الطّوفان) قضيّة تكاد تعصف بالكيان الصّهيوني، وهي قضيّة اليهود المتشدّدين (الحريديم)، بعد سعي حكومة اليمين الصّهيوني بقيادة بنيامين نتنياهو، إلى إقرار مشروع قانون يستثني الحريديم من الخدمة العسكرية.

وحتّى نعرف أبعاد هذه المشكلة التي تهدِّد وجود هذا الكيان، يَحسُن بنا أن نعرف من هي طائفة (الحريديم)، وكذلك لا بدّ أن نُعرِّف ما هي الطّوائف اليهودية الأخرى التي يتكوّن منها ما يسمّى عبثا بـ”المجتمع الإسرائيلي”.

الحريديم: اسم حريديم هي جمع لكلمة «حريدي» وتعني «التقي». وهم جماعة من اليهود المتدينين، يشكلون ما نسبته 10 بالمائة من الشّعب اليهودي في فلسطين، ويطبّقون الطّقوس الدّينية، ويعيشون حياتهم اليومية وفق التّفاصيل الدّقيقة للشّريعة اليهودية، وهم يتبنّون التّفاسير الأكثر غلواً في التّراث الدّيني. ومعظم الذّكور في المجتمع الحريدي يبقون في المدارس الدّينية حتّى سنّ الـ 40، وبالتّالي فهم لا يشاركون في القوى العاملة في “المجتمع الإسرائيلي”، وهو الأمر الذي يفسّر عيشهم في ظلّ ظروف سيئة وفي حالة فقر مع الاعتماد الكبير على دعم الدّولة. وبناء على الأفكار الحريدية يطلب من اليهودي الانسحاب من كلّ النّشاطات والتفرّغ للدّراسات الرّوحية.

السفارديم: وهم اليهود الذين تعود أصولهم إلى إسبانيا والبرتغال وطردوا منهم وتفرّقوا في شمال إفريقيا وآسيا الصّغرى وبلاد الشّام.

الأشكناز: وهم يهود الشّتات الذين تجمّعوا في الإمبراطورية الرّومانية المقدّسة في نهاية الألفية الأولى.

اليهود العرب: وهم الذين هاجروا من البلدان العربية إلى فلسطين بعد احتلالها عام 1948م، وينحدر كثير من هم من أصول عراقية ومغربية ويمنية ومصرية، وبعضهم من ليبيا والجزائر وتونس.

السامرة: وهم اليهود الموجودون في فلسطين منذ عدّة قرون، ويقطن هؤلاء في مدينة نابلس الفلسطينية، وعاداتهم وطباعهم الاجتماعية مثل عادات أهل فلسطين، وهم مندمجون في المجتمع الفلسطيني، ويشكّلون أحد مكوّناته الدّينية والعرقية.

العلمانيون: ويمكن تقسيم اليهود العلمانيين إلى فئتين: اليهود العلمانيون أيديولوجياً، واليهود العلمانيون بحكم الواقع، أي اليهود الذين يعيشون نمط حياة علماني لانعدام علاقتهم بالدّين وليس من منطلق التزام فكري بأيديولوجية علمانية.

هذه هي أبرز الفئات أو الطّوائف، أو لنقل: هذا هو المجتمع الفسيفسائي الذي يتكوّن منه المجتمع اليهودي على أرض فلسطين، مجتمع غير متجانس أو منسجم في أفكاره وأعراقه وتوجّهاته، ولا يجمعه شيء إلّا غريزة البقاء في (الأرض المقدّسة).

هذا المجتمع الهش في بُنيانه هو الذي يحمل في أساساته جرثومة الفتك بـ”الدّولة العبرية”، وقد بدأت بوادر التّفكّك والانهيار تلوح أمام ناظرينا بعد “طوفان الأقصى”، فقد (جرف) الطّوفان كثيراً من جنود الاحتلال في المعارك الدّائرة في قطاع غزّة، وأصبح لا بدّ من تعويض هذا النّزيف الكبير في عدد الجنود من خلال تجنيد أعداد أخرى. ومن أجل ذلك كان لا بدّ من إعادة النّظر في القوانين والتّشريعات التي تعفي (الحريديم) من الخدمة الإلزامية العسكرية، ليتفرّغوا لدراساتهم اللّاهوتية والتّوراتية.

إلّا أنّ سعي حكومة اليمين، بقيادة بنيامين نتنياهو، إلى إقرار مشروع قانون يستثني هذه الطّائفة من الخدمة العسكرية، أشعل موجة من الغضب في صفوف اليهود على المستويين الرّسمي والشّعبي.

فقد هاجم زعيم المعارضة “الإسرائيلية” (يائير لابيد) مشروع قانون التّجنيد الذي سيتمّ طرحه، واعتبره انعكاساً لأفظع حكومة في تاريخ “إسرائيل”. وقال إنّ “قانون التهرّب من الخدمة العسكرية الذي سيطرح هذا الأسبوع هو وجه أفظع حكومة في تاريخ البلاد: كذب، تهرّب من المسؤولية، تمييز بين الدّم والدّم”.

ويقول وزير الحرب الصّهيوني (يو آف غالنت) إنّه لن يكون شريكاً في أيّ مقترح يستثني الحريديم من التّجنيد في صفوف الجيش.

فهذان اثنان من القيادات اليهودية، أحدهما زعيم المعارضة، والآخر على رأس هرم حكومة الحرب، يرفضان استثناء أيّ أحد من الخدمة العسكرية.

وعلى المستوى الشّعبي والمجتمعي نسمع الأصوات المتعالية التي تهاجم الحريديم ومن يؤيّدهم في حكومة الاحتلال، وعلى رأسهم نتنياهو، ويرى هؤلاء أنّ (الحريديم) كانوا مُنذ أن وجدوا وإلى اليوم عالة على الشّعب اليهودي ودافعي الضّرائب، فهم لا يقومون بأيّ عمل وظيفي أو مهني يتعاشون منه، فضلاً عن رفضهم الخدمة العسكرية، إنّما يعيشون على المعونات الحكومية التي تُجبى من بقيّة الشّعب، الذي بات يتململ ويصرخ عالياً، ويخرج في مظاهرات رافضة لهذا السّلوك الذي يفرِّق بين مكوّنات الشّعب اليهودي، بل وينادي بطرد هؤلاء الذين يرفضون التّجنيد إلى خارج أرض فلسطين.

وبالمقابل نرى مظاهرات واعتصامات من طائفة الحريديم تنادي بعدم إقرار ذلك القانون الذي يلزمهم بالخدمة في صفوف جيش الاحتلال الصهيوني، ونتج عن هذه المظاهرات والاعتصامات مصادمات واشتباكات بين الطّرفين من جهة، وبين كلّ طرف وقوّات الأمن الصّهيونية من جهة أخرى. وهو ما نرى فيه بوادر الصّدام الأكبر بين مكوّنات “الشّعب اليهودي”، صدام ينذر بانهدام بيت العنكبوت.

 

الأيام نيوز - الجزائر

الأيام نيوز - الجزائر

اقرأ أيضا