حظر “تيك توك” وقمع احتجاجات الطلبة.. حرية التعبير في أمريكا ليست بخير

تضع مسألة حظر منصة “تيك توك” وقضية قمع احتجاجات طلبة الجامعات، وتعامل مؤسساتها الأكاديمية مع هيئات لها ارتباطات بالكيان الإسرائيلي، ودعمها لعدوان الصهيوني على قطاع غزة، الحماية الدستورية – التي تتغنى بها واشنطن – للحق في حرية التعبير أمام اختبار كبير، وهو ما يكشف حقيقة عدم احترام الضمانات الدستورية لهذا الحق من قبل صناع القرار في واشنطن، وتميط اللثام عن الأسباب التي يُسمح من أجلها بقمع هذا الحق، والتضحية بسمعة الولايات المتحدة، كمعقل للديمقراطية ومهد للحرية.

كشف المترشح المستقل روبيرت أف. كينيدي جونيور، ابن أخ الرئيس الأسبق جون كينيدي، عن قراره رفع دعوى قضائية للطعن في حظر تطبيق “TikTok” لأسباب دستورية، وحذّر كينيدي، الأمريكيين مما أسماه “الانخداع بذريعة جمع البيانات الشخصية”، التي قدّمها أعضاء الكونغرس الأمريكي، وإدارة بايدن، لدعم مسعى الضغط على شركة ” ByteDance” الماكلة للتطبيق لبيع حصتها في غضون عام، أو التعرض للحظر.

وقال روبيرت أف. كينيدي جونيور، الذي قدّم نفسه للرئاسيات الأمريكية المُقبلة كمترشح مُستقل، يسعى إلى تمثيل الأمريكيين غير الراغبين في الانتماء أو التصويت لأي من الحزبين السياسيين الجمهوري والديمقراطي، في تغريدة على موقع “أكس” تويتر سابقا: “لا تنخدعوا، فحظر “تيك توك” لا يتعلق بجمع الصين لبياناتكم. هذه شاشة دخان. تقوم وكالات الاستخبارات في العديد من البلدان، وخاصة دولتنا، بجمع بياناتك من كل مكان طوال الوقت. منصة “تيك توك” ليست مملوكة بأغلبية للصين، وقد وافقت الشركة على وضع بياناتها تحت الحماية الأمريكية، ورفضت إدارة بايدن تلك الصفقة.. لا يفهم الكونغرس والإدارة الأمريكية أنّ “تيك توك” عبارة عن منصة لريادة الأعمال لآلاف الشباب الأمريكي. إنهم يريدون إفسادها فقط حتى يتمكنوا من التظاهر بأنهم متشددين مع الصين.. الحظر هو مثال آخر على عدم شعور أي حزب سياسي بأي وخز للضمير بشأن التضحية بحرياتكم وحقوقكم وخياراتكم، عندما يخدم ذلك مصالحهم السياسية”.

حظر تيك توك يمسّ حق 170 مليون أمريكي 

وفي الـ 13 مارس الجاري، أقرّ مجلس النواب الأمريكي، تشريعا بأغلبية 360 صوتا مقابل 58 صوت، لصالح حظر منصة “تيك توك”، ثم تم تمرير النص التشريعي إلى مجلس الشيوخ حيث سيتم طرحه للتصويت خلال الأيام المقبلة، ليوضع على مكتب الرئيس جو بايدن، الذي قال في وقت سابق إنه سيوقّع عليه.

ومن جانبه، أثار مجلس إدارة المنصة الإلكترونية مخاوف بشأن تمرير مشروع القانون الذي أقره مجلس النواب، بمجلس الشيوخ مُستقبلا، ومن ثم توقيعه ليصبح قانونا ساري المفعول، حيث قالت المنصة إنها ستطعن في الخطوة، استنادا إلى التعديل الأول للدستور الأمريكي، الذي يضمن الحق في حرية التعبير.

وأدت خطوة إدراج مشروع حظر تطبيق “تيك توك”، ضمن حزمة مساعدات خارجية واسعة بقيمة 95 مليار دولار، موجّهة إلى الكيان الإسرائيلي، وأوكرانيا وتايوان، إلى تسريع الجدول الزمني للحظر المحتمل، بعد توقّف مشروع قانون منفصل قدّمه سابقا مجلس الشيوخ.

وقالت تيك توك في بيان لوسائل الإعلام: “من المؤسف أنّ مجلس النواب يستخدم غطاء المساعدات الأجنبية والإنسانية المهمة للضغط مرة أخرى بهدف تمرير مشروع قانون الحظر الذي من شأنه أن يطمس حقوق حرية التعبير لـ 170 مليون أمريكي يستخدمون المنصة”.

وفي حين يجادل العديد من المشرّعين الأمريكيين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وإدارة بايدن، بأنّ “تيك توك” يشكّل مخاطر على الأمن القومي الأمريكي، لأنّ الصين يمكنها أن تجبر الشركة المالكة له، على مشاركة بيانات مستخدميها الأمريكيين البالغ عددهم 170 مليون مستخدم، تصرّ المنصة على أنها لم تشارك البيانات الأمريكية ومن المستحيل أن تفعل ذلك، ويعبّر الكثير من مستخدميها الأمريكيين عن استيائهم من التشريع، ويعتبرونه انتهاكا لحقهم الدستوري في حرية التعبير.

وواجه المشرّعون الأمريكيون المساندون لقرار الحظر، وابلا من الانتقادات عبّر عنها ناخبوهم، الذين قالوا إنّ الكونغرس بغرفتيه يتجاهل طرح النصوص القانونية المرتبطة بحياتهم اليومية، مثل ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية، وأسعار السكن، ودور رعاية الأطفال، التي يضطر الكثير من المواطنين الأمريكيين لترك وظائفهم والبقاء في البيت مع أطفالهم، بسبب عدم قدرتهم على دفع رسومها.

وفي انتظار طرح مشروع القانون بمجلس الشيوخ للمناقشة والتصويت، يتحدث البيت الأيض عن مخاوف أمريكية بشأن ملكية التطبيق وتهديده لخصوصية البيانات، التي كانت موضوع محادثة هاتفية بين جو بايدن ونظيره الصيني شي جين بينغ في وقت سابق من هذا الشهر.

الآراء والأفكار تُقمع حين تمسّ “الكيان”

تختبر الاحتجاجات الطلابية التي اندلعت في جامعة كلومبيا منذ أيام، وانتقلت إلى باقي الجامعات، دعما للفلسطينيين في قطاع غزة، ومطالبة بقطع علاقات المؤسسات الأكاديمية بأي هيئات أو مؤسسات، لها ارتباط بالكيان الإسرائيلي، اعتراضا على الإبادة الجماعية التي يمارسها الجيش الإسرائيلي في حق المدنيين الفلسطينيين، مدى التزام الكليات الأمريكية بحرية التعبير، والحق في تنظيم احتجاجات للتعبير عن أفكار وآراء الطلبة الجامعيين، وأساتذتهم.

وكشفت الحملة القمعية التي مارستها أجهزة الأمن الأمريكية، وعلى رأسها جهاز الشرطة، بطلب من رؤساء الجامعات، على الطلبة والأساتذة، عن التحدي الكبير الذي يواجه المسؤولين الأمريكيين، والمتمثل في تحقيق التوازن بين الحرية الأكاديمية وضمان سلامة الطلاب والأساتذة.

وردا على سلسلة الإعتقالات التي طالت عشرات الطلبة والأساتذة، وعلى رأسهم رئيسة قسم الفلسفة بجامعة إيموري بولاية جورجيا، تتصاعد الاحتجاجات الطلابية في جميع أنحاء الولايات المتحدة، مع اقتراب العام الدراسي من نهايته، حيث ينصب الطلبة خيما بمحيط جامعاتهم، للتعبير عن رفضهم لتعامل مؤسساتهم الأكاديمية مع الكيان الإسرائيلي، ويصرّون على استمرار التظاهر، في مشهد يضع البلاد أمام اختبار كبير لحقيقة احترام صناع القرار للضمانات الدستورية المتعلقة بحرية التعبير.

ويوفّر الدستور الأمريكي حماية تامة لحرية الرأي ويمنع بموجب التعديل الأول إصدار أي قانون يحدّ من حرية التعبير، أو من حق الناس في الاجتماع سلميا، ويسمح للمتضررين بمطالبة الحكومة بإنصافهم من الإجحاف، ولكن هذه الحماية غير المشروطة للحقوق والحريات السالفة الذكر، تطرح عدة مشاكل وتحديات، خاصة ما تعلّق منها بحرية الرأي والتعبير وحق التظاهر السلمي، خاصة فيما يتعلق بمناصرة القضية الفلسطينية، وانتقاد الكيان الإسرائيلي، الذي تدعمه الحكومة الأمريكية دعما غير مشروط، وتنظر الطبقة السياسية ومعها الإعلامية، إلى كل رأي مخالف بشأنه، على أنه “معاداة للسامية”، واستهداف للأقلية اليهودية، كما يحدث في قضية التمرد الطلابي، الذي اعتبرته إدارات الجامعات، وعلى رأسها رئيسة جامعة كولومبيا، نعمت مينوش شفيق، الأمريكية من أصول مصرية، وكذا الإدارة الأمريكية، والمشرّعين في الكونغرس، وأبرزهم رئيس مجلس النواب، مايك جونسون، تهديدا لحياة وسلامة الطلبة اليهود، وترويجا لخطاب الكراهية ضدهم، وضد الكيان الإسرائيلي.

المفارقة المسجّلة في متابعة تصريحات الساسة الأمريكيين، وردهم على طريقة التعامل مع احتجاجات الطلبة، الذي طبعه القمع، وتهديده لحرية التعبير المكفولة دستوريا في الولايات المتحدة، هو رد رئيس مجلس النواب، الجمهوري مايك جونسون، الذي ورغم أنه شغل منصب محام خاص بحرية التعبير لعشرين سنة، ألقى الأسبوع الماضي أمام طلبة كولومبيا المتظاهرين خطابا حذّرهم من خلاله بعواقب مواصلة التظاهر، وقال في لقاء صحفي إنّ حماية حرية التعبير بحاجة إلى نقاشات واسعة!

سميرة بلعكري - واشنطن

سميرة بلعكري - واشنطن

اقرأ أيضا