مع الشيخ العلاَّمة “أحمد حمَّاني”.. الحساب الهجري على أساس الرؤية العلميَّة (الجزء الثالث والأخير)

توحيد الصيام والعيد وإقامة تقويمٍ قمري إسلامي مُوحَّد، من الأهداف الكبرى التي سعى إليها مؤتمر العلماء المسلمين الذي انعقد في “ماليزيا”، وكذا مؤتمر مَجمع البحوث الإسلامية، في سبعينيات القرن الماضي. وكانت الجزائر، من خلال علمائها ومرجعيتها الدينيَّة الوطنية، سبَّاقة إلى دعم أيِّ شأنٍ يوحِّد هذه الأمّة ويعزِّز قوَّتها وحضورها الفاعل على خارطة القوى العالميَّة، من منطلق دينيٍّ صحيح.

وممَّا جاء في توصيات مؤتمر “ماليزيا”: “إنَّ على الأقطار الإسلامية المختلفة أن تقيم هيئةً من الخبراء لتحديد بداية شهرَي: رمضان وشوّال.. والمطالبة بالعمل على إخراج تقويمٍ قمري إسلامي مُوحَّد”. غير أنَّ العقود توالت ولم يتحقَّق شيء في سياق هذه الخطوة، لأسباب عديدة منها تطرُّف الأفكار لدى علماء بعض البلدان الإسلاميَّة الذين لم يكن يعنيهم “وحدة” الأمة بقدر ما كان يعنيهم “تغييب” العلم عن قضايا الدين الإسلامي الدَّاعي إلى الأخذ بأسباب العلم في شؤون الناس والحياة..

ونواصل مع مقال شيخنا الجليل “أحمد حماني” الذي نشرته مجلة “الأصالة الجزائرية” في شهر جانفي 1973، من باب الوفاء لمرجعياتنا الدينيَّة الوطنيَّة وأصالتها واقتدارها في تحمُّل مسؤولياتها ومواجهة ومعالجة القضايا الفقهيَّة التي كانت تعترض الجزائر خاصة والأمة العربيّة والإسلاميَّة عامَّة.. وأيضًا، للوقوف على جهودها في دعم كل ما يخدم المُسلمين ويوحِّدهم..

المُطالبة بالخروج من الاضطراب الفقهي

أمَّا في هذا العصر (الربع الأخير من القرن العشرين)، فقد تعالت أصوات المسلمين من كل قُطر ومصرٍ تطالب بالخروج من هذا الاضطراب، وتلحُّ في وجوب الوصول إلى حلٍّ يزيح عن صدور المسلمين هذا الحرج. واهتمّ بالأمر العلماءُ أفرادًا وجماعات، وخرجوا بفتاوى أو بحوث أو توصيّات وقرارات.

ولم يُعالج الموضوع، في رأينا وحسبما اطَّلعنا عليه، بأحسن ممَّا عالجه العلاَّمة السيد “محمد رشيد رضا” في مجلة “المنار”، والسيّد “علال الفاسي”. وكلٌّ منهما أعلن رأيه بصراحة في أنَّه ينبغي العمل بالحساب الفلكي لأنَّه حسابٌ يفيد القَطع، ولأنَّ الشَّارع الحكيم أرشدنا إلى العمل به فهو المُراد من النصّ، إذ علل العمل بالرؤية والإكمال بـ “إنَّا أمّةٌ أميّة لا نقرأ ولا تحسب”، وهذه العلّة قد انتفت. وهما يتّفقان في أنَّ ذِكر “الأميَّة” في الحديث علَّة لنوط إثبات الشَّهر بالرُّؤية البصريّة أو إكمال العدّة، وإنَّ من مقاصد بعثة محمد (ص) إخراجها (الأمَّة) من الأميَّة.

مؤتمر “ماليزيا” يُبيح الاعتماد على الحساب الفلكي

ولقد جاء في توصيات مؤتمر العلماء المسلمين المنعقد في “ماليزيا”: “إذا تعذَّرت الرؤية لسبب من الأسباب.. وكان الحساب الفلكي يُثبت إمكان رؤية الهلال، يُباح الاعتماد على الحساب الفلكي”.

وجاء في قرارات المؤتمر السّنوي لمجمع البحوث الإسلامية، ما نصّه: “يُعتمد على الحساب في إثبات دخول الشهر إذا لم تتحقَّق الرؤية، ولم يتيسَّر الوصول إلى إتمام الشهر السابق ثلاثين يومًا”.

ولقد جاء في توصيات مؤتمر “ماليزيا”: “إنَّ على الأقطار الإسلامية المختلفة أن تقيم هيئةً من الخبراء لتحديد بداية شهري: رمضان وشوّال، بما يتَّفق والمبادئ السابقة، والمطالبة بالعمل على إخراج تقويمٍ قمري إسلامي مُوحَّد”.

ففي توصيات مؤتمر العلماء في “ماليزيا”، وقرارات مؤتمر مَجمع البحوث الإسلامية، ترجيح لمذهب “مطرف” وقول “الشافعي”، ومذهب الذين جاءوا من بعدهم وسلكوا طريقهم، بل فيه شيء جديد وهو أنَّ مطرفًا والشافعي – فيما نُسب لهما – يقولان بأنَّ الحاسب يعمل بعلمه في خاصة نفسه، ولا يلزم غيره. أمَّا التَّوصيات والقرارات فإنَّ مفهومها أنَّ للحكومات أن تعلن ذلك للناس وتلزمهم به. ولقد سبق لنا نشر توصيات مؤتمر العلماء في “ماليزيا”، واليوم ننشر كامل نصِّ قرارات مجمع البحوث الإسلامية حسبما جاء في مجلة “منبر الإسلام” برواية فضيلة شيخ الجامع الأزهر.

شيخ الأزهر يجيب..

سؤال 7 “ورد في الحديث: صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته إلخ”. والرؤية كما يتبادر من الحديث حِسيَّة وتقع بالعين المجرَّدة أو بواسطة آلات الرصد. فهل يمكن أن تُفسَّر هنا بمعنى تحكُّم العقل والعلم واستخدام الحساب الفلكي دون الاعتماد على الرؤية البصريَّة إلاَّ في حالات الإمكان، ودون أن يكون هناك تعارضٌ بين الدين والعلم، وذلك حتى يكون في الإمكان توحيد أوائل الشهور العربية، ليمكن الاحتفال بالشعائر الدينية في الوطن الإسلامي؟ (سؤال عدد كبير من القرَّاء)

الجواب: إنَّ موضوع توحيد مبدأ الصيام وبالتالي توحيد العيد في البلاد الإسلامية، موضوع مناقشة الفقهاء في القرون الأولى، كما ناقشه علماء مَجمع البحوث الإسلامية في السنوات الأخيرة. وهم جميعًا متَّفقون على أنَّه لا تعارض بين الدين والعلم أبدًا. فالدين نفسه هو الذي يدعو إلى العلم. وفي مسألتنا هذه علَّق الحديثُ الصومَ والإفطار على رؤية الهلال، فإنَّ لم تمكن الرؤية بالبصر، لجأنا إلى العلم. وما الإرشاد إلى إكمال شعبان ثلاثين يومًا إلاَّ توجيه لاحترام الحساب الذي هو مظهر من مظاهر العلم. والرَّاصدون للهلال يستعينون بالمناظير وهي أدوات علمية، كما يستعينون بمصلحة الأرصاد في أجهزتها وإمكانياتها الأخرى.

وقد ألقى فضيلة الأستاذ الشيخ “محمد على السائس” عضو مَجمع البحوث الإسلامية بحثًا مستفيضًا في هذا الموضوع أمام المؤتمر السَّنوي، وانتهى المؤتمر إلى إصدار القرارات الآتية:

1 – إنَّ الرؤية هي الأصل في معرفة دخول أيّ شهر قمري كما يدل عليه الحديث الشريف. فالرؤية هي الأساس، لكن لا يُعتمد عليها إذا تمكَّنت فيها التُّهم تمكّنًا قويًّا.

2 – يكون ثبوت رؤية الهلال بالتَّواتر والاستفاضة، كما يكون بخبر الواحد ذكرًا كان أو أنثى، إذا لم تتمكّن التُّهمة في إخباره بسبب من الأسباب، ومن هذه الأسباب مخالفة الحساب الفلكي الموثوق به، الصادر ممَّن يُوثق به.

3 – خبر الواحد ملزمٌ له ولمن يثق به، أمّا إلزام الكافة فلا يكون إلاّ بعد ثبوت الرؤية عند من خصّصته الدولة الإسلامية للنَّظر في ذلك.

4 – يعتمد على الحساب في إثبات دخول الشهر إذا لم تتحقّق الرؤية ولم يتيسّر الوصول إلى إتمام الشهر السابق ثلاثين يومًا.

5 – يرى المؤتمر أنّه لا عبرة باختلاف المطالع وإن تباعدت الأقاليم متى كانت مشتركة في جزء من ليلة الرؤية وإن قلّ، ويكون اختلاف المطالع مُعتبرًا بين الأقاليم التي لا تشترك في جزء من هذه الليلة.

6 – يهيب المؤتمر بالشعوب والحكومات الإسلامية أن يكون في كل إقلیم إسلامي هيئة إسلامية يُناط بها إثبات الشهور القمريّة مع مراعاة اتّصال بعضها ببعض، والاتصال بالمراصد والفلكيّين الموثوق بهم.

ومن يتمعّن في هذه القرارات الموفقّة جيّدًا، يجد أنّها تُجاوز حقًّا قول مطرف وابن الشخير. وقول الشافعي إلى القول بإلزام العموم بعلم الحساب والاعتماد عليه، ولقد ذهبوا أبعد من ذلك، إلى ردّ الرؤية إذا تمكّنت فيها التّهمة تمكُّنًا قويًّا..

وفي القرار الرّابع، التّصريح بالاعتماد على الحساب في إثبات دخول الشهر إذا لم تتحقّق الرؤية ولم يتيسّر الوصول إلى إتمام الشهر السابق ثلاثين يومًا، ومتى لا يتيسّر الوصول إلى إتمام الشهر السابق ثلاثين يومًا؟ ألاَّ يكون ذلك إذا قرّر العلماء المسلمون المُتّقون الحاسِبون أنَّ الهلال موجودٌ تمكن رؤيته عادةً لو زالت الأسباب المانعة؟ ومتى يتيسّر الوصول إلى الثلاثين؟ ألاّ يكون ذلك عندما يقرّر علماء الحساب الفلكي أنَّ الهلال يغيب قبل الشمس أو معها أو بعدها بمدّة لا تتيسّر رؤيته؟ أليس هذا هو نفس ما قرّره “ابن دقيق العيد”، و”محمد رشيد رضا”، و”علال الفاسي”، بفصيح العبارة وببيانٍ لا لبس فيه؟

أمَّا أهل الاختصاص من علماء الحساب الفلكي والمراصد من المسلمين الأتقياء الغيورين على شريعتهم العالِمين حقًّا، إنَّها صالحة لكل زمان ومكان، فإنَّهم يحاولون نشر معارفهم المتطوّرة، ومبلغ علمهم في الموضوع لإنارة أفكار علماء الشريعة المختصّين وجمهور المسلمين وذلك في الكتب المفيدة، أو في المجالات والنَّشريات الموثوق بها.

ومن هؤلاء العلماء السيد “محمد أبو العلا البنا” أستاذ الفلك بكليّة الشريعة بالجامعة الأزهرية. كتَب بحثًا قيِّمًا في الموضوع، اقتبسَ منه فقرات مفيدة الأستاذُ “علال الفاسي” في كتابه النَّفيس “الجواب الصحيح”. وقد اقترح الأستاذ “أبو العلا” على الحكومات الإسلامية أن تجتمع وتختار “المبدأ المكاني” أي الدَّوران لليوم الشرعي حلاًّ لمشاكلهم الاجتماعية الدينية، كما اتّفقت الدول حلاًّ لمشاكلهم الاجتماعية المدنيّة.

ثم اقتراح أيضًا أن ينشأ جهاز حسابي فلكي يعمل على ضوء الشريعة الإسلامية، لتقوم بحساب جداول عامة بجميع المسلمين في بقاع الأرض لأوقات الصلوات الخمس، وضبط أحوال رؤية الهلال في جميع البلاد المهمّة التي يمكن رؤيته فيها، وعمل جداول عامّة أيضًا لتعيين القِبلة، وان تمنع النتائج (اليوميّات) التي لم يُؤخذ حسابها من هذه الجداول العامة والتي لم تسخّر الوضع الهلالي في حساب أول الشهر القمري، وأن تُراعي حدود الرؤية لمبدأ الإمكان والوجوب في أبعد حكومة إسلامية نحو الغرب وهي “مراكش” في النتائج (اليوميّات) التي تنشر حتى تكون هلاليّة عالميّة.

رمضان عام 1973

نشرت مجلة “منبر الإسلام”، التي يُصدرها المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، بحثًا نفيسًا في الموضوع، تعرَّض بالخصوص لرمضان في هذه السنة (يقصد سنة 1973)، ونُشر قبل الإعلان عن بدايته. وقد كتبه العالمان الجليلان الدكتور “زكي عياد” والأستاذ “أحمد حسبن أحمد”، تحت إشراف الدكتور “جمال الدين الفندي”.

ولقد قدَّموا للموضوع بمقدِّمة هذا نصُّها: “ليس من العجيب في شيء أن يعمد المسلمون إلى الاستعانة بالحساب الفلكي في شأن ضبط التَّقويم الهجري، فقد سبقنا إلى ذلك الفرنجة أيّام قام “غريغوري الثالث عشر” بإصلاح التّقويم الميلادي. لهذا نتقدّم للعالم الإسلامي بسلسلة من البحوث، نشرح فيها وجهة نظر العلم، آملين أن يهتمّ بها علماء المسلمين.. ولا بدّ لكي نقوم بذلك أن نؤمن بالحساب الفلكي قاعدةً للوصول إلى ما نريد”.

وبعد شرحٍ وافٍ لدوران الأرض حول الشمس، والقمر حول الأرض وسيره، قالوا: “إنّ الحساب الفلكي يتطلّب فقط تحديد لحظة انسلاخ القمر عن الشمس، فإذا وقع ذلك قبل غروب الشمس، وغرُب الهلال بعد غروب الشمس، بدأ الشهر في اليوم التالي”. ثم أعلنوا أنّهم قاموا بحساب المعرفة دخول شهر رمضان لسنة 1392هـ في المنطقة التي تقع فيها البلاد الإسلامية من غرب موريتانيا غربًا، حتى شرق إندونيسيا شرقًا، ومن شمال تركيا شمالا حتى جزيرة مدغشقر جنوبًا (لا ندرى لماذا جعلوا الحدّ الشمالي للمنطقة شمال تركيا، مع أنّ المسلمين يتوغّلون إلى أبعد من ذلك في بلاد روسيا وهم مستوطنون بموسكو وبفنلندا كاستيطانهم مدغشقر وتنزانيا!)، وذلك على الحاسب الإلكتروني. وقسّمنا هذه المنطقة في الرّسم إلى مربّعات طول ضلع كل منها خمس درجات ودوَّنا، في بعض أركانها وعلى مواقع المُدن الهامة، الفترات التي يمكثها الهلال في الأفق الغربي بعد غروب الشمس، وبذلك انقسمت الخريطة إلى ثلاث مناطق مميّزة.

وجديرٌ بالذِّكر أنَّ المنطقة السُّفلى تضم بعض بلاد المسلمين مثل دار السلام وجزيرة مدغشقر، وغانا، وغينيا، وليبريا. ويمكث الهلال في عاصمة مدغشقر لمدة ثماني دقائق. أمَّا المنطقة الوسطى فهي تضمُّ أغلب بلاد المسلمين بحق..

فهذا البحث النَّفيس يدعم رأي علمائنا الفلكيّين القاعدين للرَّصد بمرصد “أبي زريعة” الفلكيين الحاسبين الذين أعلنوا أنَّ هلال رمضان 1392 هجرية (1972) يستحيل أن يُرى في كامل سماء الجزائر مساء السبت 7 أكتوبر، وإنَّما يُرى مساء الأحد، وهذا ما قرَّره البحَّاثون المصريون، لأنَّ كل بلاد العرب وأغلب بلاد المسلمين واقعة في المنطقة الوسطى حسب رسمهم وتقسيمهم، وقد قالوا: “ولا يمكن رؤيته في هذه المنطقة يوم 7 أكتوبر”.

وإذا كان هذا حكم العلماء المختصّين – وقولهم يفيد العلم والقطع – فإنَّ كل شهادة برؤيته في الأقطار التي حكموا باستحالة رؤيته فيها متَّهمة مُعرّضة لتكذيب العلم.. وقد رأينا أنّ مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية جعل من أسباب ردّ الإخبار بالرؤية مخالفة للحساب الفلكي الموثوق به. ولفقهائنا الأقدمين قولان في الموضوع..

الحساب أمرٌ قطعي والشهادة ظنيّة..

سئل الشيخ “عليش” عن شهادة عدلَين برؤية الهلال مع قول أهل الحساب أنَّه لا تمكن رؤيته قطعًا، فأفتى بأنَّه “يُعمل بشهادة العدلَين، ويُطرح كلام أهل الحساب”، ونقل عن الحطّاب قوله “الذي يظهر من كلام أصحابنا أنّه لا يلتفت لقول أهل الحساب”.

ونُقل عن السبكي وغيره من الشافعية “إنّه لا تُقبل الشهادة لأنّ الحساب أمر قطعي، والشهادة ظنيّة، والظنِّي لا يعارض القطع”، ونازع في قول ابن السبكي بعض الشافعية، وردّه المتأخّرون منهم. كما نقل “عليش”. وقد كانت الشهادة المتَّهمة – منذ القديم ـ شهادة سوء كما وسمها “مالك بن أنس”، وسحنون، وحُكم علمائنا الأقدمين عليها حكمٌ صارم كحكم المتأخرين من علماء مجمع البحوث الإسلامية..

جاء في “تبصرة الحكام” لابن فرحون في فصل الحكم بالقرائن.. ما نصُّه: “قال أصحابنا إذا شهد شاهدان في الصَّحو في المِصر الكبير على هلال رمضان ولم يره غيرهما، قال سحنون: هما شاهدا سوءٍ فإذا قبلا فعد ثلاثون يومًا فلم يُر الهلال والسماء مصحيّة، قال مالك هما شاهدا سوء، لأنَّ ذلك قرينة ظاهرة في كذبها”.

هذا احتياط علمائنا الأقدمين في اتّهام شهادة الشاهدَين يريانه وحدهما في المصر الكبير، وكانت ظروف تلك الأزمنة لا تسمح بنشر الأنباء بسرعة اليوم، ويكاد كل مصر يكون مستقلاً، فكيف لا يتّهم اليوم شاهدان يشهدان برؤيته وحدهما دون أن يراه غيرهما لا في قطر واحد أو مصر، بل في أقطار واسعة، وقد شهد العلم باستحالة رؤيته.

كاد المتأخِّرون يُجمعون على إلغاء اختلاف المطالع

فإن كان الذين أعلنوا إثبات رمضان بيوم الأحد 8 أكتوبر (سنة 1972) قد اعتمدوا رؤية ما، في بلاد تقع في هذه المنطقة، فقد صادموا رأى الفلكيّين الحاسبين المفيد للعلم. وإن كانوا قد اعتمدوا رؤيةً فعليّة في الأقطار الجنوبية، أو رؤية “حكمية” فيها، كما قطع به الحاسبون، وأنَّ الهلال مرئي لا محالة في هذه الأقطار الواقعة في المنطقة الأولى حسب تقسيمهم، وجعلوها ملزمة للكافة في جميع أنحاء بلاد الإسلام.

فقد ساروا خطوةً واسعة نحو توحيد فعلي للعالم الإسلامي في هذه العبادة، وإنَّه لحلٌّ يلبِّي رغبة جميع المسلمين، ويثلج صدورهم. إنَّنا لنأمل أن يكون هذا ما وقع فيكون عالم المسلمين الشرقي قد صام على رؤية واقعة فعلاً ممكنة علمًا، ولا يكون هذا إلاَّ في المنطقة التي قال العلم عنها أنَّ ذلك ممكن فيها، أمّا إن كان الصِّيام عن رؤية “فعلية” زعمت في منطقة قال العلم فيها “لا يمكن أن يُرى الهلال فيها”، فإنَّ ذلك قد يجرُّنا لموقف يكون فيه ديننا عرضة للتّهم، وعلماؤنا عرضة للسُّخرية. فليقرر علماؤنا أنَّ رؤية مدغشقر أو دار السلام، أو كوناكري سواء كانت فعليَّة أو حُكميّة ملزمة لجميع المسلمين المشتركين في جزء من الليل مع بلد الرؤية تستجب جموع المسلمين، وتطمئن قلوبهم، ويُقبلوا على عبادتهم أو أعيادهم جادّين فرحين مستبشرين أنَّ اختلاف المطالع مُلغى عند فقهاء المالكيَّة، ومتى ثبت الشهر في إقليم وجب الصوم على بقية الأقاليم ما لم يكن بين الإقليمين بعدٌ فاحش، قالوا كالأندلس وخراسان. واعتبر الشافعيَّة اختلاف المطالع، وقالوا لكل الإقليم رؤيته. وكاد المتأخرون يجمعون على إلغاء اختلاف المطالع، واصطلحت مجتمعاتهم ومؤتمراتهم على اعتبار الاشتراك في ليلة الرؤية ولو بجزء يسير..

وإنَّ هذا ممَّا يسهِّل اجتماع المسلمين وتوحيد كلمتهم. ولكن التَّوحيد الحقيقي إنَّما يتمّ يوم تتّفق الحكومات الإسلامية على العمل بالحساب اليقيني القطعي كما قال السيد “محمد رشيد رضا” رحمه الله “إذا تقرَّر لدى أولي الأمر العمل بالتقاويم الفلكية من مواقيت شهري الصِّيام والحج، كمواقيت الصلاة وصيام كل يومٍ من الفجر إلى الليل، امتنع التفرُّق والاختلاف بين المسلمين في كل قطر أو في البلاد التي تتَّفق مطالعها..”.

محمد ياسين رحمة - الجزائر

محمد ياسين رحمة - الجزائر

اقرأ أيضا