ماعدا في فلسطين المحتلة.. “داعش” تحت الطلب

يثير الهجوم الإرهابي الذي تعرّضت له العاصمة الروسية موسكو – مساء الجمعة الماضي – مجموعة تساؤلات ليست “استفهامية – استنكارية”، يمكن طرحها لتعميق النقاش حول هذه الظاهرة الأخطبوطية الخطيرة التي يستخدمها التحالف الصهيوني الأمريكي لتنفيذ عمليات انتقامية ضدّ الدول التي تتمسّك بسيادتها وترفض التسويات الاستسلامية للهيمنة الإمبريالية، فكيان “داعش” الإرهابي – كمثال بارز – ينشط على مسافة قريبة من الجولان السوري المحتل، لكنه لم يحاول يوما توجيه رصاصة واحدة ضدّ جندي صهيوني، لكن، بالمقابل، فإنّ أفراد هذا التنظيم الإرهابي، ينفّذون جرائمهم ضدّ الدولة السورية، وهم مستعدون – في حال تلقوا الإشارة المتفق عليها سلفا – أن يشرعوا على الفور في تنفيذ عمليات دموية في أيّ مكان عبر العالم باستثناء الكيان المحتل، ما يعني أنّ هذه الصنيعة الصهيونية الأمريكية الغربية – المتمثلة في داعش وباقي الجماعات الإرهابية الأخرى – ليست مجرّد تنظيمات تتوفّر على هيكل تنظيمي تقليدي يمكن تتبع آثاره، بل تبدو غالبا كمنظومة عمل إجرامي يتحكّم في أدواتها تحالف قوى الشر في العالم والذي يمكن اختصاره بعبارة: “السرطان الصهيوني”.

=== أعدّ الملف: حميد سعدون – سهام سوماتي – منير بن دادي ===

بينما أنظار العالم تتوجه إلى قطاع غزة الفلسطيني حيث يواصل الاحتلال الصهيوني تنفيذ حرب الإبادة الجماعية الشاملة ضدّ المدنيين هناك، بدا أنّ شدة العدوان الهمجي المرتكب في حق أطفال ونساء غزة، قد تدفع إحدى المجموعات المتطرفة – الناشطة بالمنطقة – إلى القيام بعملية ضدّ جنود صهاينة أو مؤسسة تابعة للكيان الغاشم، لكن، هذا لم يحدث، ولن يحدث، وبدلا من ذلك، تم تنفيذ “هجوم إرهابي” استهدف حفلًا موسيقيًا في مركز “كروكوس سيتي هول” بمنطقة موسكو، وأكدت بعض التقارير أنّ تنظيم داعش أعلن مسؤوليته عن الهجوم.

لكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، شدّد على أنّ المنفذين كانوا يتّجهون إلى الحدود الأوكرانية قبل إلقاء القبض عليهم، في إشارة منه إلى احتمالية تورّط المخابرات الأوكرانية في هذه العملية التي أسفرت عن وفاة العشرات من الأبرياء، والواقع أنّ المنطق الإرهابي يقبل بأن يكون المنفذون ينتمون فعلا إلى تنظيم داعش وفي ذات الحين يعملون لفائدة المخابرات الأوكرانية، بل الأكثر من ذلك أنّ المخابرات الأوكرانية قد تكون استخدمت الإرهابيين ووجّهتهم وزوّدتهم بالمعلومات، مع ذلك، يظلّ التخطيط لمثل هذه العمليات أمرًا أبعد من قدرة المخابرات الأوكرانية، ما يشير إلى وجود جهات أخرى تملك كل الإمكانات اللازمة لتحضير سيناريو دموي من هذا النوع.

واشنطن – المعروفة بخبرتها في مجال استخدام الإرهاب ضدّ خصومها – نفت أن تكون أوكرانيا ضالعة في الهجوم، فقد قالت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي “أدريان واتسون” إنّ (تنظيم الدولة الإسلامية) “داعش” – الذي أعلن تبنّيه الهجوم – يتحمّل بمفرده المسؤولية، وهو التصريح الذي – في حال تمّ الأخذ به – ستنتهي الأمور، ضمن دائرة المنفذين وكل من له علاقة بالعملية (كأشخاص) بما في ذلك المخابرات الأوكرانية، لأنّ “داعش” سيكون في هذه الحالة مجرد تسمية قابلة للتمطيط، دون الوصول إلى المدبر الأساسي، الذي خطط للعملية مستخدما المجموعة المنفّذة وكذلك المخابرات الأوكرانية التي هي أيضا مجرد تسمية.

وإذا كان لزامًا تعريف “داعش” في روسيا، فالأنسب أن نقول: إنه تنظيم يتألف من ثلاثة عناصر رئيسة: أولا: أفراد منفذون (الإرهابيون). ثانيا: جهاز مشرف على تجنيد المنفذين وتوجيههم ومرافقتهم على مدى شهور وتوفير كل الوسائل الإجرامية للقيام بالعملية (المخابرات الأوكرانية). ثالثا: جهة غربية – موالية للمؤسسة الصهيونية وتعمل لفائدة واشنطن – خططت لكل شيء واستخدمت جميع الأدوات لتكون النتيجة كما حدثت بالضبط: مقتل أبرياء في روسيا، ثم محاولة هروب الإرهابيين إلى أوكرانيا، مع توقّع إمكانية القبض عليهم، لتقوم موسكو باتهام أوكرانيا بتدبير العملية، بينما تقتصر واشنطن على اتهام داعش بما حدث.

وفي كلتا الحالتين، فإنّ أي عقل سطحي، سيتّهم “داعش” أو “القاعدة” بمعزل عن أسباب وجودهما، ومن ناحية أخرى سيتم اتهام أوكرانيا بأنها وراء العملية، وهذا بالفعل صحيح، لكن ما الجديد في الأمر، فالجميع يعلم أنّ «داعش» معتاد على تنفيذ العمليات الإرهابية كما أنّ الجميع يعلم أنّ أوكرانيا تخوض حربا ضدّ روسيا، وبالتالي فإنّ اتهامها لا يحتاج إلى عبقرية فذة، إنه مجرد تحصيل حاصل، للتغطية عما هو أخطر ويبدأ من هذا السؤال: ما الجهة التي استخدمت «داعش» وأوكرانيا معا للانتقام من روسيا ومحاولة إدخالها في حالة من الفوضى التدريجية مشابهة لما حدث في سوريا على مدى 13 عامًا؟.

رئيسة تحرير قناة روسيا اليوم ومجموعة “روسيا سيفودنيا” الإعلامية، مارغريتا سيمونيان، تقول: إذا قارنا كل الوقائع، فإنّ هجوم كروكوس الإرهابي كان مخططا له أن يحدث في 8 مارس، قبل الانتخابات الرئاسية، وأوضحت سيمونيان على قناة “روسيا 1” التلفزيونية،: “لقد كانوا يقررون إفساد البلاد بأكملها، كما أن 8 مارس سوف يرتبط دائما بذكرى هذا الهجوم الإرهابي الوحشي، لقد فشلت مخططاتهم قبل الانتخابات الرئاسية.. نتذكر كيف مرت 20 عاما بالفعل على الهجوم الإرهابي الوحشي في بيسلان، في عطلة الأول من سبتمبر”.

إنّ “داعش” المجنّد من الغرب الصهيوني مجرّد أداة وأوكرانيا أيضا مجرد أداة، وبالتالي فالمنفذ هو المستفيد من العملية، وهكذا فإن تصريح سيمونيان يوحي بأنها تقصد الغرب المعادي لروسيا، والذي من مصلحته إفساد الانتخابات لزعزعة أمن البلاد، وهو ما أشار إليه – بشكل عام – السيناتور الروسي أندريه كليشاس، حين كتب – على قناته في تيلغرام – إن الهجوم الإرهابي الذي وقع في مركز “كروكوس سيتي هول” بضواحي موسكو، هو جزء من حرب تخوضها أجهزة المخابرات الغربية ضد روسيا منذ سنوات.

وأضاف السيناتور: “سيتم حتما التحقيق في الهجوم الإرهابي على كروكوس، وسنكتشف مرتكبيه، لكن ليس لدي أدنى شك اليوم في أن هذا الهجوم جزء من الحرب التي تشنها أجهزة المخابرات الغربية ضد روسيا منذ سنوات عديدة. نحن نتذكر كل ما جرى في السابق، من دعم الإرهابيين بالقوقاز في التسعينيات والانقلاب في أوكرانيا عام 2014، إلى تعطيل اتفاقيات مينسك وقتل المدنيين في نوفوروسيا، وتأجيج الروسفوبيا ودعم النازية الجديدة، والآن كروكوس. كل ذلك حلقات في سلسلة الحرب ضد روسيا. المستفيد من كل ذلك، واحد”.

“داعش” الممتدّ المتلاشي..

يد الإجرام الصهيو-أمريكية

تناول الباحث المتخصص في شؤون الإرهاب أحمد كامل البحيري – بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية – في مقال له، الهجوم الإرهابي الذي وقع في قاعة “كروكوس سيتي” بالقرب من موسكو، والذي أعلن تنظيم داعش الإرهابي مسؤوليته عنه. وأثار الكاتب تساؤلات حول الأسباب التي دفعت فرع تنظيم داعش الإرهابي في خراسان إلى تنفيذ الهجوم بدلاً من فرع القوقاز الذي عادة ما ينشط داخل روسيا.

وقدّم أحمد كامل البحيري تحليلًا للتغييرات التنظيمية داخل تنظيم داعش بعد مقتل الإرهابي “أبي الحسن الهاشمي القرشي” في أكتوبر 2022، وهو الزعيم الثالث للتنظيم، وتولي أبي سارة العراقي مسؤولية الولايات البعيدة في عهد سلفه، قام بإعادة هيكلة ما يسمى بالولايات البعيدة، وهي الولايات التي تقع خارج نطاق الأفرع المركزية (سوريا والعراق)، بالإضافة إلى تشكيل مستوى أعلى يسمى المكاتب الإدارية التي تشرف على أفرع التنظيم، فقد أقر أبو سارة العراقي 9 مكاتب إدارية تشرف على 16 فرع للتنظيم، ولكل مكتب أمير يكون حلقة الوصل – من الجانب الإداري – بين مركز التنظيم وفروعه، على أن يتم التواصل بين المركز وأمراء المكاتب مرتين في الشهر.

مقال الكاتب سلّط الضوء على تغييرات حدثت في هيكلية التنظيم الداخلي، وفي هذا الشأن قال الكاتب: إنه تم “دمج فروع وفصل أخرى كما حدث حين تم فصل فرع التنظيم في موزمبيق عن فرع التنظيم في وسط إفريقيا، ودمج فرع القوقاز مع فرع خراسان تحت إشراف مكتب واحد، إذ تم دمج مكتب الصديق المسؤول عن ولاية خراسان (أفغانستان) والدول الحدودية وكذلك ولاية شرق آسيا (الفلبين وإندونيسيا والهند وباكستان) مع مكتب الفاروق المسؤول جغرافياً عن تركيا والدول الحدودية معها والقريبة منها والقوقاز وروسيا، وتكليف شهاب المهاجر – المعروف أيضاً باسم ثناء الله غفاري – بتولي مسئولية المكتب بمنصب أمير، بالإضافة لكونه مسؤول تنظيم خراسان.

تأتي العملية الإرهابية الأخيرة في موسكو استكمالاً لنشاط متنامٍ لتنظيم داعش الإرهابي داخل الأراضي الروسية، وهو عكس ما يتم تداوله – يضيف الباحث أحمد كامل البحيري – من أن العملية كانت مُفاجِئة بالنسبة إلى أجهزة الأمن الروسية. فقد كان لافتاً أن المكتب الإعلامي للجنة الوطنية الروسية لمكافحة الإرهاب أعلن، في 3 مارس الجاري، القضاء على 6 إرهابيين من أتباع تنظيم داعش الإرهابي خلال عملية لمكافحة الإرهاب في مدينة كارابولاك بجمهورية إنجوشيا، وهي كيان اتحادي وإحدى الجمهوريات الفيدرالية في روسيا.

وقال المكتب الإعلامي في هذا الصدد: “نتيجة لعملية مكافحة الإرهاب التي نفذها مقر عمليات اللجنة الوطنية الروسية لمكافحة الإرهاب في جمهورية إنجوشيا، تم تحييد 6 قُطّاع طرق في أحد المباني السكنية في مدينة كارابولاك”، مضيفاً أنه “تم التعرف على هوياتهم، وبحسب المعلومات الأوّلية فإنهم من أتباع تنظيم داعش الإرهابي، وكان 3 منهم، بمن فيهم زعيم العصابة، على قائمة المطلوبين الفيدرالية”.

وأضافت اللجنة – استنادا إلى المقال – إن “المسلحين، الذين تمت تصفيتهم، متورطون في أعمال إرهابية، بما فيها الهجوم على مركز لشرطة المرور وقتل 3 من ضباط الشرطة في مارس 2023، وأنه خلال تفتيش موقع الاشتباك، تم العثور على أسلحة وذخائر وقنابل يدوية وعبوة ناسفة”، مؤكداً عدم وقوع إصابات بين رجال الأمن أو المدنيين”. وفي 7 مارس الجاري، أعلنت أجهزة الأمن في روسيا أنها قتلت مسلحين من تنظيم داعش الإرهابي، كانوا يخططون لـ”هجوم إرهابي” على كنيس في موسكو.

وقال جهاز الأمن الفدرالي إن خلية للتنظيم المتطرف في كالوغا، جنوب غربي موسكو، كانت تخطط لإطلاق النار على مصلّين يهود في كنيس بالعاصمة. ونقلت وكالة “تاس” للأنباء عن جهاز الأمن قوله في بيان: “خلال اعتقالهم أبدى الإرهابيون مقاومة مسلحة لضباط جهاز الأمن الفدرالي الروس ونتيجة لذلك تم تحييدهم بإطلاق النار في المقابل”. وأضاف البيان: “عثر على أسلحة نارية وذخائر إضافة إلى مكونات لتصنيع عبوات يدوية متفجرةوتم ضبطها”، وكشف أن المسلحين أعضاء في الفرع الأفغاني لتنظيم داعش الإرهابي من دون أن يحدد جنسياتهم.

وفي اليوم ذاته، 7 مارس الجاري، أصدرت السفارة الأمريكية في موسكو تحذيراً لمواطنيها من الذهاب للمسارح والتجمعات، وهى مؤشرات في مجملها تؤكد أن قيام تنظيم  داعش الإرهابي خراسان بعملية في روسيا كان احتمالاً مرجحاً بشكل كبير، على نحو قد يعرض أجهزة الأمن الروسية لانتقادات وضغوط شديدة في الفترة القادمة، وكل هذا جاء في مقال الباحث أحمد كامل البحيري الذي لا يتفق مع طرحه المحللون الروس، وأغلبهم يعتبرون أن كل ما نشرته وكالات الأنباء العالمية مجرد ترويج لإعلان مزور تم نشره يزعم تبني “داعش” مسؤولية الهجوم الإرهابي على مركز “كروكوس سيتي هول” التجاري بضواحي العاصمة الروسية موسكو.

المحللون الروس يعتبرون أن وكالات الأنباء تصرّ على اعتماد تلك الرواية المدلسة بالرغم من تأكيد جهاز الأمن الفيدرالي الروسي أن المسلحين اعتزموا بعد الهجوم الإرهابي عبور الحدود بين روسيا وأوكرانيا، كما أكد أنه كانت لديهم صلات ذات علاقة على الجانب الأوكراني. وأضافت المخابرات الروسية في بيان أنه تم التخطيط لهذا الهجوم الإرهابي بعناية وتم وضع الأسلحة والذخيرة في مخبأ معد مسبقا، علما أن أحد المشتبه بهم في الهجوم والذي عرف عن نفسه بأنه “رجب علي زاده” قال أثناء الاستجواب إنه ألقى السلاح مع شركائه في طريقه إلى مقاطعة روسية قرب الحدود الأوكرانية.

وقال تقرير نشرته وسائل الإعلام الروسية، إن وكالة فرانس برس جددت يوم السبت نشر تفاصيل الإعلان المزور الذي يحمّل “داعش” المسؤولية عن الهجوم الإرهابي، حتى أنها وصفته بالهجوم المميت وليس الإرهابي، وقالت الوكالة الفرنسية إن تنظيم “داعش” أعلن مسؤوليته عن الهجوم المميت في موسكو – يوم الجمعة – دون أي تفاصيل حول مرتكبيه، مشيرة إلى أن خبراء في قضايا الإرهاب يشتبهون بأنهم ينتمون إلى “فرع التنظيم الأفغاني” – ولاية خراسان.

ولم تكتف الوكالة بإعطاء طابع رسمي للإعلان المزور، بل – يضيف التقرير الروسي – تعمقت في تاريخ “فرع التنظيم الأفغاني – ولاية خراسان” وذكرت عددا من العمليات التي نفذها، وأفادت “أ ف ب” نقلا عن مدير مركز أبحاث مشروع مكافحة التطرف (CEP) وخبير الأمم المتحدة السابق في مجال الإرهاب، هانز جيكوب شندلر، بأن “الفرع المحلي للتنظيم في أفغانستان” تأسس على يد عناصر من تنظيم “داعش” جاؤوا من سوريا والعراق.

وبحسب التقرير فقد أكد شندلر لوكالة “فرانس برس” أن “روابط وثيقة للغاية تربطهم مع المركز، أكثر من أي فرع آخر ويحصلون على الأموال التي يحتاجونها”، كما نقلت أيضا تصريحات المحلّل طوكاس ويبر” أحد مؤسسي شبكة الأبحاث “ميليتانت واير”، الذي صرح بأن “تنظيم “داعش” في ولاية خراسان فرض نفسه كأكثر فرع للتنظيم توجها دوليا ونشر دعايات بلغات عدة أكثر من أي فرع آخر.

وتذكر الوكالة أن الشرطة وأجهزة الاستخبارات الغربية والروسية أيضا كانت تتعقب منذ فترة طويلة تنظيم “داعش – ولاية خراسان”، حيث أشارت إلى العملية الأمنية التي قام بها جهاز الأمن الفيدرالي الروسي وإحباطه هجوما مسلحا على رعية أحد المعابد اليهودية في منطقة كالوغا جنوب غرب موسكو وتحييد أعضاء خلية “داعشية” تابعة لتنظيم “ولاية خراسان” في أفغانستان كانت تعد لتنفيذ هذا الهجوم. وتجدر الإشارة إلى أن وكالة “رويترز” كانت من أول الوكالات التي نشرت مساء الجمعة خبرا أفادت من خلاله بأن تنظيم “داعش” أعلن تبنيه الهجوم على المركز التجاري في ضواحي موسكو، وهو إعلان شككت فيه العديد من وسائل الإعلام بما فيها الروسية.

التحليل الروسي يشير دائما أن العملية قامت بها المخابرات الأوكرانية بدعم غربي، لكن هذا لا يختلف عن الرؤية القائلة بأن داعش هو ذاته داعش في كل مكان، يخدم المؤسسة الصهيونية ويتم تحريكه من أجهزة المخابرات الأمريكية، كما أن أي عملية إرهابية يتم تنفيذها في سوريا – على سبيل المثال – توصف في الإعلام الغربي بأنها عملية نفذها “ثوار” بينما العمليات التي تستهدف روسيا يتم وصفها بأنها “عمليات مميتة” نفذها “داعش” وهي العبارة التي توحي بأن يد واشنطن قادرة على الوصول إلى قلب موسكو تحت مسمى داعش، ولا يهم إن دفعت أوكرانيا الثمن، لأنها في النهاية – من وجهة نظرهم – مجرد أرض يستخدمها الغرب لمحاولة النيل من روسيا.

جابر الحرمي يفضح حقيقة “داعش”..

أليست «إسرائيل» أقرب من «كروكوس» !

تناول الكاتب جابر الحرمي في تقرير له حيثيات الهجوم الإرهابي الذي نفذه تنظيم داعش الإرهابي في مجمع تجاري بضواحي موسكو، وأكد الكاتب أن داعش تُستخدم كأداة لتحقيق أجندات سياسية، إذ يتم توجيهها لتنفيذ الهجمات وفقًا للمصالح الجيوسياسية للغرب وحلفائه.

وأظهر المقال أيضًا كيف يستخدم عمليات داعش لتشويه صورة الإسلام ولتشتيت الانتباه عن جرائم أطراف أخرى في مناطق مختلفة. ويربط المقال الهجوم الإرهابي في روسيا بالأحداث الجارية في أوكرانيا وفلسطين، مشيرًا إلى وجود رسائل محتملة يمكن أن يحملها هذا الهجوم بالنسبة لروسيا ومواقفها في هذه القضايا.

فجأة.. ظهرت داعش في تنفيذ عملية إرهابية ضربت هذه المرة مجمعا تجاريا، «كروكوس»، بضواحي مدينة موسكو الروسية، لتوقع المئات من القتلى والمصابين. داعش التي “يفترض” حسب الادعاءات الأمريكية أنه تم استئصالها وقتل قادتها في الحرب عليها بين العراق وسوريا، والتي استنزفت مليارات دول المنطقة، وقبلها أشعلت النار في البشر بالمناطق التي تواجدت فيها، أو نفذت عمليات ـ حسب البيانات ـ في دول ومناطق مختلفة.

والأهم من ذلك كله أن تفسير داعش ألصقت بها “تنظيم الدولة الإسلامية”، لإظهار أن الجرائم التي يرتكبها هذا التنظيم “المصطنع” ما هي إلا سلوك أو صورة للإسلام يتجسد بالوحشية التي تنفذ بها داعش عملياتها ضد المدنيين الأبرياء، وهو ما ظهر جليا حتى في العملية الإرهابية التي نفذت في «كروكوس» الروسية، عندما تم “إخراج” مقاطع فيديو بها صرخات تكبير، ثم ترجمة أحاديث الإرهابيين في المقاطع إلى اللغة العربية، إمعانا بإلصاق التهمة بالعرب والمسلمين، رغم أنهم لا يجيدون التحدث بالعربية أصلا.

أُخرجِت داعش من «ثلاجة الموتى» لتنفيذ عمل إرهابي في روسيا، في هذا التوقيت تحديدا، وهذا له أكثر من دلالة، ويحمل رسائل إلى روسيا، سواء في حربها مع أوكرانيا، أو موقفها من العدوان الإسرائيلي على غزة، مع اختلافنا مع روسيا في أماكن أخرى من الصراع.

داعش يتم تجهيزها واستحضارها لتنفيذ عمليات إرهابية حسب الطلب، بعد أن تم صناعتها في أروقة الغرب وحلفائه معادية للعرب والمسلمين، ولتشويه صورة الإسلام في كل ما هو بشع من قتل وتدمير وتشريد، ولإلهاء الشعوب والرأي العام العالمي عما تقوم به أطراف من عمليات إجرامية في مناطق أخرى من العالم، وفي مقدمتها ما يقوم به الكيان الإسرائيلي اليوم في فلسطين وغزة، ورسم سيناريوهات ما هو قادم.

تخيلوا.. 6 أشهر وغزة تذبح من الوريد إلى الوريد، والعدوان الصهيوني بأبشع صوره يرتكب جرائم في حق أهل فلسطين وغزة ليل نهار، لم يبق بشر ولا حجر إلا أُبيد، ولم نسمع لداعش طوال هذه المدة صوتا، ولم نقرأ لها بيانا، يندد بالجرائم ولو لذر الرماد في العيون!

أما عملٌ ضد الكيان الصهيوني الذي هو أقرب من «كروكوس» فهذا محال، لأن وجود هذه «الهياكل» التي تلبس ملابس إسلامية، ويلصق بها أسماء إسلامية، وجدت لضرب الإسلام والمسلمين، وصرف الأنظار عن الجرائم التي ترتكب في حقهم وعلى أرضهم.

العملية الإرهابية في روسيا ـ التي بالمناسبة حذرت منها السفارة الأمريكية في موسكو قبل نحو 3 أسابيع ـ قد تكون وفقاً لتقارير إعلامية ضمن سلسلة عمليات إرهابية تضرب مدناً مختلفة في العالم، وجميعها ستنسب لـ«هياكل» تحمل أسماء إسلامية، صنعت بأيدٍ غربية.

خلال هجوم كروكوس الإرهابي..

“إسلام” يساعد في إنقاذ 100 شخص

تفطّن الإعلام الروسي لمحاولات نظيره الغربي تصوير موسكو بأنها العاصمة الأكثر عداء للإسلام والمسلمين، ولهذا تعرضت لهجوم من تنظيم داعش لدوافع دينية، وفي هذا السياق نشرت صحف روسية ما ذكره والد الطالب الروسي إسلام عن شجاعة ابنه وتفاصيل إنقاذه 100 شخص عبر منفذ للنجاة أثناء الهجوم الإرهابي على كروكوس.

وقال أبو إسلام لقناة “روسيا اليوم” إن “ابنه كان يعمل بدوام جزئي كعامل في قسم تسليم المعاطف”. وأوضح أن “مكان عمل ابنه في الطابق الأرضي من المبنى، إذ سارع بفتح الأبواب للجميع حتى يتمكنوا من الخروج والنجاة “. وأشار إلى أن “إسلام يلعب في أوقات فراغه كرة القدم بنشاط، كحارس مرمى في فريق الشباب في موسكو سبارتاك، وهذا العام سيبلغ من العمر 16 عاما”.

وكان الطالب الروسي البالغ من العمر 15 سنة قد أرشد بنفسه أكثر من 100 شخص إلى خارج المبنى أثناء هجوم كروكوس الإرهابي بكل بطولة وشجاعة. وأكد إسلام أنه كان يقوم بعمله فقط، ومن بين أقواله: “أن تموت في المعركة خير من أن تترك الآخرين يموتون”.

برعاية واشنطن..

“داعش” يستأنف خدماته لصالح الصهيونية!

بقلم: علي سعادة – صحفي أردني

غابت داعش لأكثر من عشر سنوات ثم ظهرت فجأةً في موسكو، وللمصادفة ظهرت بعد استخدام روسيا لحق النقض الفيتو ضدّ مشروع أمريكي مضلّل وانتهازي يخدم الاحتلال الصهيوني وجرائمه في قطاع غزة.

وأيضا ظهرت بعد ذلك تقارير متعددة المصادر تؤكد أنّ سلطة الاحتلال أصبحت سلطة منبوذة ومارقة أدار العالم ظهره لها وحتى الحلفاء الذين اعتادوا الدفاع عنها تنكروا لها بسبب جرائمها التي لا توصف والتي فاقت أي خيال مريض.

ظهرت داعش لتخفّف الضغط الإعلامي والشعبي في جميع أنحاء العالم عن الكيان الصهيوني وجرائمه، ولتحوّل أنظار العالم إلى أماكن أخرى بعيداً عن حرب الإبادة في قطاع غزة.

ولطالما قالت مصادر صحفية وسياسية واستخبارتية بأنّ “تنظيم الدولة الإسلامية” المعروف عالميا بالاختصار “داعش” وبالإنكليزية اختصارا ISIS، هو صنيعة أمريكية وصهيونية بهدف تشويه صورة الإسلام في العالم، وتنفير شعوب الأرض من المسلمين، والأخطر تمزيق العالم الإسلامي إلى طوائف ومذاهب وإغراقه في حروب طائفية لا تنتهي.

ويستند الكثيرون إلى هذا التحليل لطبيعة قادة هذا التنظيم ومؤسسيه الذين كان غالبتيهم معتقلين لدى الأمريكان في سجون بالعراق وتحديدا سجن بوكا، ووجهت لهم تهم تحوّلهم إلى سجون أبدية لكنهم حظوا بإطلاق سراحهم وتسهيل عملية خروجهم من المعتقل.

وفجأة أصبح هذا التنظيم المجهول يسيطر على معظم الأراضي السورية وجزء كبير من الأراضي العراقية، وأخذ يمارس كل الفظاعات والجرائم باسم الإسلام، وهو أبعد ما يكون عن ممارسات المسلم الصحيحة.

وما يلفت الانتباه في هذا التنظيم هو أنه لم يطلق رصاصة واحدة على سلطة الاحتلال التي تحتل أراضي ومقدسات المسلمين، وتمارس أبشع الجرائم بحق شعب عربي ومسلم، بل أنه لم يعبّر عن موقفه من هذا الاحتلال بشكل مباشر وصريح.

وأيضا لا توجد له مواقف من الولايات المتحدة الأمريكية، ولم يحدث أن واجه نفوذ واشنطن في العالم الإسلامي.

وهذا يؤشّر إلى أنّ هذا التنظيم لم يفكّر بتحرير فلسطين ورفع الظلم عن شعبها، وإنما اخترع وأسّس بهدف تمزيق وحدة العالم العربي والإسلامي وإحداث انقسامات طائفية، كما يستخدم كواجهة تختبئ خلفها أجهزة الاستخبارات الغربية والموساد للقيام بعمليات إرهابية ولصقها بهذا التنظيم الإرهابي أصلا وفصلا، وتلقائيا لصقها بالعالم الإسلامي.

ومع إعلان سقوط حكمه في مناطق في سوريا والعراق، وضع التنظيم الإرهابي على الرف في مكان ما في مستودعات أجهزة الاستخبارات الغربية لحين الحاجة.

وقد جاءت الحاجة في توقيت بالغ الخطورة، والمدهش أنّ غالبية النشطاء على منصات التواصل عربا وأجانب لم تنطلي عليهم قصة “داعش” ويكاد الجميع يجمع على أنه أحد أذرع المخابرات الأمريكية والصهيونية. 

المؤامرة المكشوفة..

هجوم كروكوس ولعبة الناتو

بقلم: محمد أحمد الروسان – محام وعضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية

العملية الإرهابية في المجمّع التجاري في كروكوس، بالقرب من العاصمة الروسية موسكو، يقيناً تندرج في سياقات التماهي، مع حيثيات ومعطيات المؤامرة الأمريكية الغربية الأطلسية، ضدّ وعلى الفدرالية الروسيّة بسبب الأدوار المتعاظمة للروس، وبسبب الرؤى السياسية والعسكرية والطاقويّة التشاركية، مع باقي الفاعلين الدوليين في مختلف الساحات، والتنفيذ لهذه المؤامرات النازية الفاشية على الروس، من خلال أدوات دول الناتو المختلفة، والتي هي أس وربّ الإرهاب الدولي، بما فيه الاستثمار في عميق وتفاصيل وتصنيع الإرهاب الدولي المعولم، وتوظيفه وتوجيه وفقاً للمصالح الأمريكية، بجانب الاستثمار في اللواء الدولي، الذي أنشأته المخابرات الأمريكية والبريطانية في الداخل الأوكراني، ومنذ بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة.

وفي دقة التوقيت، تجيء هذه العملية الإرهابية والمُدانة بكل اللغات، بعد أيام من إجراء الانتخابات الروسيّة الرئاسية الأخيرة وفوز الزعيم فلادمير بوتين فيها فوزاً ساحقاً، وبنسبة مشاركة عالية جداً، وكذلك جاءت وبعد ساعات معدودة من استخدام، الفيتو الروسي الصيني المزدوج، ضد مشروع القرار الأمريكي في مجلس الأمن الدولي، إزاء العدوان الصهيوني على غزة، وهو بمثابة ملهاة للتسلية وتلاعب سياسي مكشوف، كما وصفه المندوب الروسي.

الأمريكي يتموضع بسياسة قديمة جديدة إزاء القارة الأوروبية، من حيث دفع الأوروبي لكي يتحمل جزء وازن ومهم، من عبئ إقرار الأمن الدولي، إزاء الإرهاب المصطنع أمريكاً، الذي ارتد في الماضي القريب، وصار يرتد إلى الدواخل الأوروبية، ضمن مسارات هندسية، قيد التشكل والتشكيل عبر الأمريكي، بفعل الحدث السوري والحدث الأوكراني، وبفعل العبث بدماء الجغرافيا السورية ودماء الجغرافيا الأوكرانية وديكتاتوريتهما، عبر فعل المزيد في مواجهته، وخاصةً تنظيم داعش الإرهابي، وجلّ الجماعات الإرهابية وعلى رأسها أجناد القوقاز، التي تم إخراج بعضها من الشمال السوري إلى أوكرانيا، حيث يصار الآن إلى إجراء عملية قسطرة للإرهاب المعولم في الداخل الأوكراني عبر الأمريكي والإنكليزي.

قام الأمريكي ببناء العديد من القواعد العسكرية في الشمال السوري، والشمال الشرقي وفي دير الزور والرقة، لغايات سرقة النفط والغاز والآثار السورية الحضارية، وتوظيفات لعمق ديمغرافية سورية، التي استوطنت هذه الجغرافيا من جلّ الأراضي، بينهم أفراد من القوات الخاصة، وبحجة المساعدة في محاربة التنظيم المتطرف الذي يتم إحيائه، ويصب في الإطار ذاته، للفخ المراد نصبه لأوروبا أمريكيّاً، بعد فخ أوكرانيا،  لكي تستمر في توظيفها في الصراع مع روسيا حالياً، ولاحقا مع الصين، حيث يمثل هذا الإرسال والبناء العسكري المحدود النوعي، حافزاً جديداً للزج بأوروبا في تعميق ارتباطها بالأمريكي وتبعيتها له، وبالتحالف الدولي – تحالف البرغر كنج .

كما أمر جو بايدن وبتوجيه سري وشفوي رئيسة جهاز المخابرات القومية، لفتح ملفّات داعش في القارة العجوز بدءً من باريس وصولاً إلى تفجيرات بروكسل، وحديث الأخير عن وجود خلايا سرية لتنظيم داعش في بريطانيا وألمانيا وإيطاليا، لتصب في اتجاه الفخ الأمريكي إزاء أوروبا، فما قالته التقارير الصادرة عن مكتب المخابرات القومية ليس جديداً، لكنّ الجديد هو أن تقول ذلك الآن.

ويهدف الأمريكي بقوّة للعمل جنباً إلى جنب مع الأوروبي الجمعي في أوكرانيا، وكذلك في منطقة غرب آسيا تحت عنوان مكافحة الإرهاب، الذي عانت منه القارة الأوروبية في الفترة الأخيرة، ووجود مئات الألاف من اللاجئين الذين قد يتضمنون خلايا نائمة، تابعة للجماعات الإرهابية، وفق العديد من المصادر الأمنية الأوروبية، يتسبب في الرد الإيجابي على الطلب الأمريكي.

ويرى الأمريكي الساعي إلى توظيف الأوروبي، وشيطانه الإرهابي لخدمة مصالحه، أنّه عبر التعاون الأوروبي الأمريكي بشكل أكبر في المنطقة، يخفّف من حدّة تداعيات أي ضربة عسكرية واسعة، توجّهها واشنطن في منطقتي غرب آسيا وشمال إفريقيا على الرأيين العالمي والأوروبي.

كما يرى الأمريكي، أنّ دخول أوروبا بشكل واسع إلى جانب واشنطن يقطع الطريق على أي ارتدادات “خطيرة” للرأي العام الأوروبي، بتحميل واشنطن التي تنوي ليس القضاء على التنظيم الإرهابي بقدر إضعافه وإعادة هيكلته وتوجيه من جديد، كما هو حاصل الآن في أوكرانيا،  ونحو آسيا ضمن استراتيجيات الاستدارة الأمريكية، بعد عودة العراق أولوية أولى في الأمن القومي الأمريكي إزاء إيران، مسؤولية التفجيرات التي سينفّذها التنظيم في أوروبا على شاكلة باريس وبروكسل، باعتبار أن الوصول إلى القارة الأمريكية أصعب بكثير على هذه الجماعات، من العمل داخل أوروبا، حيث توجد بيئة حاضنة وخلايا نائمة منذ سنوات.

هذا وتسعى واشنطن، من خلال فخها هذا للأوروبي، بجانب الفخ الأوكراني، عبر دعوته لمزيد من الانخراط، إلى الوصول إلى حالة، من مظلة تمديد فترة الاعتماد الأمني الأوروبي على أمريكا، وذلك في إطار الإبقاء على “القطب الواحد” من ناحية، وجذبها بشكل أكبر في مواجهة واشنطن الحاصلة الآن، مع كل من الصين وتحديداً روسيا من ناحية آخر.

وإذا كان التدخل الأوروبي اليوم إلى جانب أمريكا، يعد تحدياً مباشراً أو غير مباشر لروسيّا، فمن غير المستبعد أن تلجأ واشنطن للخطوة نفسها، في أي مواجهة مقبلة مع الصين، لاسيّما في ظل التوترات الحالية في بحر الصين الجنوبي.

قد يكون حديث تلك التقارير الاستخبارية الصادرة عن مكتب المخابرات القومية الأمريكية الآن، تجيء بسياقات استعراض واشنطن قدراتها الأمنية، في ظل الظروف الحالية التي تعاني منها أوروبا إزاء الأخيرة، وبلا شك خسرت واشنطن كثيراً بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وأمّا السؤال هنا لماذا هذا الانتقاء النقي للمخابرات القومية الأمريكية في دول محدد بدقة متناهية؟

هي انتقت بريطانيا، بسبب الانفصال عن أوروبا من ناحية، والعلاقات التاريخية معها، إضافةً إلى تجاربها السابقة في أفغانستان والعراق، وأما ألمانيا بسبب عدد اللاجئين الذين استقبلتهم خلال الفترة الماضية، في حين أن اختيار إيطاليا يتعلّق بالعملية العسكرية المرتقبة ضد تنظيم داعش في ليبيا، حيث واشنطن تعمل على إحيائه، لضرب مجموعات عسكرية روسية خاصة، توفر نفوذا لموسكو هناك، باعتبار أن روما تولي هذه المنطقة من شمال إفريقيا أهميّة خاصّة – تداعيات زيارات سرية عديدة، لمدير الاستخبارات الأمريكية وليام بيرنز إلى ليبيا.

الولايات المتحدة الأمريكية عسكريّاً ومخابراتيّاً واقتصاديّاً لم تغادر العراق الذي احتلته لكي تعود إليه من جديد أصلاً، فهي تملك أكبر سفارة في الشرق الأوسط والعالم فيه، ولها قواعد عسكرية ذات حواضن في أحشاء الجغرافيا والديمغرافيا العراقية، وهي عملت على هندرة وجودها الشامل فيه عبر الاتفاقية الأمنية الموقعة في العام 2008، أمريكا صنعت الإرهاب وأحياناً تحاربه تكتيكيّاً وأحياناً كثيرة تتحالف معه وتوظفه وتولفه خدمةً لمصالحها ورؤيتها.

وأمريكا أحسنت وتحسن توظيف نفايات الإرهاب في الداخل العراقي والسوري واليمني واللبناني، وبالتنسيق والتعاون مع استخبارات البعض العربي، والبعض الإقليمي كجزء من الطرف الثالث فيما يجري في منطقتنا، والتي أشار لها الحسن بن طلال صراحةً في أكثر من مكان ومناسبة، انطلاقاً من استغلال الساحة العراقية والسورية واللبنانية للضغط ومزيد من الضغط على إيران، لتقديم تنازلات في موضوعة المسار السياسي في ساحات النفوذ الإيراني في المنطقة، إن لجهة الأراضي الفلسطينية المحتلة، أو لجهة لبنان، أو لجهة سورية، أو لجهة العراق، أو لجهة آسيا الوسطى، ثم لاستخدامه (أي سلّة نفايات الإرهاب)لاحقاً لاستنزاف إيران نفسها عسكريّاً، وكذلك لأضعاف تركيا لاحقاً كملف ثان.

استحضار داعش في الأمكنة المطلوبة..

سيناريو رهيب لتفكيك العالم الإسلامي

بقلم: الدكتور عبد الله المَشوخي – أكاديمي فلسطيني

على أرض الرّافدين تمّ تأسيس “تنظيم إسلامي” على يدّ الأردني أبي مصعب الزّرقاوي باسم (جماعة التّوحيد الجهادية) التي أصبحت النّواة الأولى لتنظيم الدّولة الإسلامية، المعروف إعلاميا بـ (داعش)، وكان الهدف من هذا التّنظيم هو إعادة الخلافة الإسلامية وتطبيق الشّريعة.

تمدَّد هذا التّنظيم ليشمل العديد من الدّول؛ منها: (سوريا، اليمن، ليبيا، سيناء، صومال، باكستان، النيجر..).

يرى بعض المحلّلين أنّ التّنظيم صناعة أمريكية “إسرائيلية” بهدف خلق حالة من الفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة، وذلك من خلال اختراقه من جهات استخبارية عديدة؛ منها مخابرات الكيان الصّهيوني، لتوجيه سهام التّنظيم نحو قلب العالم الإسلامي بعيدًا عن مقارعة الكيان الصّهيوني.

وممّا يؤكّد ذلك: ما ورد في صحيفة (النّبأ) التّابعة لداعش؛ حيث برَّروا عدم استهدافهم للكيان الصّهيوني بحجّة أنّ القضيّة الفلسطينية ليست قضيّة المسلمين الأولى، وإنّما القضيّة الأولى هي إقامة (التّوحيد)، وأنّ الجهاد في فلسطين باطل ما دام سيستبدل حكم اليهود فيها بحكم حاكم عربي جديد. كما وصفوا فصائل المقاومة الفلسطينية بأنّها رايات كفرية.

ومن علامات اختراقهم: قيام الكيان الصّهيوني بتقديم معلومات قيِّمة للعديد من الدّول، وعلى رأسها أمريكا، عن مواقع وقدرات وتحرّكات التّنظيم في كلّ من سوريا والعراق، وذلك عن طريق معلومات استخبارية وصور التقطت عبر أقمارها الاصطناعية التّجسّسية.

ويهدف الكيان الصّهيوني من هذا التّعاون إلى ربط داعش بسائر فصائل المقاومة الفلسطينية (حماس، الجهاد) من أجل تجييش الرّأي العام العالمي ضدّ هذه التّنظيمات، وأنّ خطرها يعمّ الجميع، بخلاف خطر الكيان الصّهيوني، وذلك بهدف خروج الكيان من دائرة العزلة والوصول إلى اندماجه مع الدّول العربيّة لمواجهة الخطر الدّاهم المشترك، ألا وهو تنظيم الدّولة (داعش).

وممّا يؤكّد أنّ داعش لا تشكِّل خطراً على الكيان الصّهيوني: ما صرّح به (عاموس يادلين) الرّئيس السّابق لشعبة الاستخبارات في الجيش “الإسرائيلي” حيث قال: إنّ تنظيم داعش لا يشكّل أيّ خطر على “إسرائيل” أو تهديد مباشر لأمنها.

لكن قادة الكيان الصّهيوني استغلّوا أفعال داعش الإرهابية وعمَّموها على كافة التّنظيمات الفلسطينية، من أجل نبذ المقاومة الفلسطينية وتشويه سمعتها واتهامها بالإرهاب. وهذا ما صرّح به (نتنياهو) خلال اجتماعه مع وزير خارجية النّرويج، حيث ربط داعش بحماس، وقال: إنّ “تنظيمات مثل داعش وجبهة النّصرة والقاعدة والشّباب الصّومالي وحزب الله وحماس تشكّل جميعها خطرًا واضحاً وفعليًّا على حضارتنا وأسلوب حياتنا وقِيَمنا، وأعتقد أنّ الشّيء الأهم هو وأدها في مهدها، ومن لا يقوم بذلك سيجد غدًا على أبوابه الإرهاب الإسلامي الموجود هنا اليوم.

كما استغلّ (نتنياهو) الصّورة الوحشية عن داعش ليربط فصائل المقاومة الفلسطينية بها، حيث وصف هجوم السّابع من أكتوبر بالبربري، وقال: إنّ “حماس تمثّل تنظيم داعش الإرهابي، وأنّه كما تمّ القضاء على داعش سوف يتمّ القضاء على حماس”. وأضاف “يجب على المجتمع الدّولي أن يتعامل مع حماس مثلما تعامل مع داعش”.

لذلك كانت أفعال تنظيم داعش الإرهابية فرصة ذهبية للكيان الصّهيوني من أجل عقد تعاون أمني مشترك بينهم وبين العديد من الأنظمة العربية التي أبدت قلقها من تهديد داعش. وعلى إثر ذلك توطّدت العلاقات العربية اليهودية في عدّة مجالات أمنية واستخبارية بحجّة مواجهة خطر الإرهاب.

وبسبب ضلوع داعش في قتل 25 جنديًا مصريًا في سيناء، ازدادت وتيرة التّعاون الأمني بين الكيان الصّهيوني ومصر، ممّا أدّى إلى القضاء على أيّة محاولة لتزويد المقاومة في قطاع غزّة بالسّلاح بحجّة محاربة الإرهاب في سيناء.

وبسبب الانطباع السّلبي تجاه تنظيم داعش لقيامهم بأعمال فظيعة من قطع رؤوس رهائن، أو حرقهم وهم أحياء، وتفجيرهم للمساجد، واغتصابهم للنّساء (بحجّة أنهن سبايا).. إلخ، فقد اقترن مفهوم الإرهاب بالإسلام والمسلمين، وزادت حدّة كراهية الغرب للمسلمين والإسلام بعد أن كان العديد منهم يدخلون في دين الله.

كذلك استغلّ الغرب إرهاب داعش في محاربة الجماعات الإسلامية المعتدلة، والتّضييق عليها وعلى كافّة مؤسّساتها بحجّة محاربة الإرهاب.

والخلاصة: إنّ داعش لم تشكّل أيّ خطر على الكيان الصّهيوني وفق تصريحات قادته، وإنّ أغلب أعمالهم العنيفة وقعت داخل المجتمعات الإسلامية، وأنّها أوجدت انطباعًا سلبيًا عن الإسلام، وألصقت به تهمة الإرهاب من خلال قيامها بأعمال إرهابية لا تمتُّ للإسلام بصلة. كما كانت سببًا في عزوف غير المسلمين عن الإسلام وشكّلت حقدًا على الإسلام والمسلمين من قبل غير المسلمين..

إضافة إلى ما سبق، فقد ساهمت داعش في إيجاد قاعدة مشتركة بين اليهود والأنظمة العربية لمواجهتها، وأصبحت فزَّاعة لكلّ تنظيم مقاوم لليهود ليتمّ إلصاق تهمة الإرهاب به.

في الختام، لم نسمع بأيّ عمل مقاوم ضدّ الكيان الصهيوني من قبل داعش رغم جرائم اليهود النّازية على الشّعب الفلسطيني، ممّا يؤكّد اختراقهم من قبل أصابع استخبارية صهيونية توجِّههم وفق أهداف الصّهيونية العالمية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.

الأيام نيوز - الجزائر

الأيام نيوز - الجزائر

اقرأ أيضا